الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فِي الْقَذْفِ.
[حُكْم الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ]
وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْكُمِّ قُطِعَ وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْهُرْيِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَالْمَغْنَمِ فَلْيُقْطَعْ وَقِيلَ إنْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ مِنْ الْمَغْنَمِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ قُطِعَ.
وَيُتْبَعُ السَّارِقُ إذَا قُطِعَ بِقِيمَةِ مَا فَاتَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي مَلَائِهِ وَلَا يُتْبَعُ فِي عُدْمِهِ وَيُتْبَعُ فِي عُدْمِهِ بِمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ، فَقَالَ صَفْوَانُ: إنِّي لَمْ أُرِدْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ؟» وَفِيهِ أَيْضًا: أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: إذَا بَلَغَتْ بِهِ إلَى السُّلْطَانِ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّافِعَ وَالْمُشَفَّعَ.
وَوَرَدَ أَيْضًا: «تَشَفَّعُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي الْحُدُودِ فَإِذَا بَلَغَ الْإِمَامَ فَلَعَنَ اللَّهُ الشَّفِيعَ وَالْمَشْفُوعَ لَهُ» .
(تَنْبِيهٌ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ فِيمَا ذُكِرَ قَبْلَ عِلْمِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ الْمَشْفُوعُ لَهُ مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ حَدِّ السَّرِقَةِ، وَأَمَّا حَدُّ السَّرِقَةِ فَلَا يَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِي حَدِّهَا لِلْمَعْرُوفِ بِالْفَسَادِ وَلَوْ قَبْلَ بُلُوغِ الْإِمَامِ كَمَا قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ.
(وَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الشَّفَاعَةِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ (فِي الْقَذْفِ) عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلْمَقْذُوفِ، وَالْمَنْعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ، وَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ إنْ أَرَادَ الْمَقْذُوفُ السَّتْرَ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَالْعَفْوُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ إنْ أَرَادَ سَتْرًا، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِسُؤَالِ الْإِمَامِ خُفْيَةً عَنْ حَالِ الْمَقْذُوفِ، فَإِذَا بَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ مِمَّنْ يَخْشَى عَلَى نَفْسِهِ ظُهُورَ الْأَمْرِ جَازَ عَفْوُهُ، وَانْظُرْ لَوْ أَرَادَ بِعَفْوِهِ دَفْعَ ضَرَرٍ يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِنْ الْقَاذِفِ بَعْدَ حَدِّهِ هَلْ يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ أَمْ لَا؟ وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاذِفُ أَبًا أَوْ أُمًّا وَإِلَّا جَازَ الْعَفْوُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ سَتْرًا، وَهَذَا أَيْضًا فِي الْقَائِمِ بِحَقِّ نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ هُوَ الْمَقْذُوفُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَائِمًا بِحَقِّ غَيْرِهِ كَالِابْنِ يَقُومُ بِحَقِّ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ الْمَقْذُوفَيْنِ وَقَدْ مَاتَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَفْوُ عَنْ الَّذِي قَذَفَهُمَا لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ قَدْ مَاتَ وَالْعَفْوُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْعَفْوِ عَنْ الَّذِي يُوجَبُ تَعْزِيرُهُ وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ وَالْحُكْمُ الْجَوَازُ وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِ الْإِمَامِ قَالَهُ الْحَطَّابُ، قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ عَقِبَ كَلَامِهِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ التَّعْزِيرُ لِمَحْضِ حَقِّ اللَّهِ.
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ) نَحْوِ (الْكُمِّ) كَالْجَيْبِ وَالْعِمَامَةِ وَالْحِزَامِ (قُطِعَ) لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُقْطَعُ سَارِقُهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ حِرْزٌ لَهُ وَلَوْ كَانَ فِي فَلَاةٍ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِهِ الْحَافِظُ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ غَيْرَهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: كَكُلِّ شَيْءٍ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْحِفْظُ وَلَوْ نَائِمًا لَهُ شُعُورٌ إلَّا الْمُصَاحِبَ لِلْغَنَمِ فِي الْمَرْعَى، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّ مَنْ سَرَقَ شَيْئًا بِحَضْرَةِ صَاحِبِهِ يُقْطَعُ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ الشَّيْءَ وَصَاحِبَهُ لَا يُقْطَعُ وَهُوَ كَذَلِكَ، كَمَا لَوْ سَرَقَ الدَّابَّةَ مَعَ رَاكِبِهَا أَوْ سَفِينَةً مَعَ صَاحِبِهَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ شُرَّاحُ خَلِيلٍ.
(وَمَنْ سَرَقَ مِنْ الْهُرْيِ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقِيلَ بِشَدِّ التَّحْتِيَّةِ مَعَ كَسْرِ الرَّاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَيْتُ يَجْعَلُهُ نَحْوُ السُّلْطَانِ لِلْمَتَاعِ أَوْ الطَّعَامِ.
(وَ) مَنْ سَرَقَ مِنْ (بَيْتِ الْمَالِ) وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْعَلُهُ السُّلْطَانُ لِلْمَالِ.
(وَ) مَنْ سَرَقَ مِنْ (الْمَغْنَمِ) بَعْدَ حَوْزِهِ (فَلْيُقْطَعْ) جَوَابُ مَنْ سَرَقَ لِأَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ، وَإِنَّمَا قُطِعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِضَعْفِ شُبْهَتِهِ فِيهِ وَيَدْخُلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ الشُّوَنُ، وَلَعَلَّهُ الْمُرَادُ بِالْهُرْيِ فِي كَلَامِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ مُنْتَظِمًا أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ سَرَقَ مِنْ الْمَغْنَمِ مِمَّا يَخُصُّهُ أَوْ قَدْرَهُ عَلَى الرَّاجِحِ.
(وَقِيلَ إنْ سَرَقَ فَوْقَ حَقِّهِ مِنْ الْمَغْنَمِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ) وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعُ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ: وَلِذَا أَطْلَقَ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَحُدَّ زَانٍ وَسَارِقٍ إنْ حِيزَ الْمَغْنَمُ، وَإِنَّمَا قُطِعَ الْعُضْوُ الَّذِي دِيَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ بِسَرِقَةِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُسَاوِيهَا
مُرَاعَاةً لِلْمُصْلِحَةِ
، لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُشَدِّدْ فِي ذَلِكَ لَسَارَعَتْ الْأَشْرَارُ بِسَرِقَةِ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ تَسَاهَلْنَا فِي دِيَتِهَا لَتَجَرَّأَتْ النَّاسُ عَلَى الْجِنَايَةِ وَأَيْضًا عَنْ الْأَمَانَةِ أَغْلَاهُ حَتَّى أَوْجَبَ عَلَى قَاطِعِهِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَذُلَّ الْخِيَانَةِ أَوْ خَصَّهُ حَتَّى اسْتَحَقَّ الْقَطْعَ فِي سَرِقَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّارِقَ إذَا رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ لَا يُقْطَعُ وَيُتَّبَعُ بِالْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ مَعَهُ أَشَارَ إلَى حُكْمِ مَا إذَا قُطِعَ بِقَوْلِهِ: (وَيُتَّبَعُ السَّارِقُ إذَا قُطِعَ بِقِيمَةِ مَا فَاتَ مِنْ السَّرِقَةِ فِي مَلَائِهِ) الْمُسْتَمِرِّ مِنْ يَوْمِ السَّرِقَةِ إلَى يَوْمِ الْقَطْعِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْسَرَ فِيمَا بَيْنَ سَرِقَتِهِ وَالْقِيَامِ عَلَيْهِ لَسَقَطَ عَنْهُ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يُتَّبَعُ) بَعْدَ قَطْعِهِ (فِي) حَالِ (عُدْمِهِ) وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ إذَا قُطِعَ بِقَوْلِهِ: (وَيُتَّبَعُ فِي عُدْمِهِ بِمَا لَا يُقْطَعُ فِيهِ مِنْ السَّرِقَةِ) إمَّا لِعَدَمِ كَمَالِ النِّصَابِ أَوْ لِرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِهِ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَوَجَبَ رَدُّ الْمَالِ إنْ لَمْ يُقْطَعْ مُطْلَقًا أَوْ قُطِعَ إنْ أَيْسَرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ، وَلَا يُقَالُ إنَّ فِي هَذَا تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَإِنْ رَجَعَ أُقِيلَ وَغُرِّمَ السَّرِقَةَ لِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ مِمَّا سَبَقَ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَدُّ تَكْرَارًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
خَاتِمَةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِالْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ) مِنْهَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِتَوْبَتِهِ وَلَا ظُهُورِ عَدَالَتِهِ سِوَى حَدِّ الْحِرَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَطْعُ عُضْوٍ بِسَرِقَتِهِ ثُمَّ قُطِعَ ذَلِكَ الْعُضْوُ إلَّا بِأَمْرٍ سَمَاوِيٍّ أَوْ جَنَى عَلَيْهِ شَخْصٌ فَقَطَعَهُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ الْقَطْعَ بِالسَّرِقَةِ أَوْ قُطِعَ قِصَاصًا بِجِنَايَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْ سَرِقَتِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ السَّارِقِ حَدُّ السَّرِقَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَ الْحَدُّ إنْ سَقَطَ الْعُضْوُ بِسَمَاوِيٍّ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَأَمَّا لَوْ قُطِعَ قِصَاصًا بَعْدَ السَّرِقَةِ لَكِنْ بِجِنَايَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى السَّرِقَةِ لَوَجَبَ الِانْتِقَالُ إلَى عُضْوٍ آخَرَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْحُدُودَ الْمُتَّحِدَةَ الْقَدْرِ يَكْفِي فِيهَا حَدٌّ وَاحِدٌ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الْمُخْتَلِفَةُ الْقَدْرِ فَيَجِبُ إقَامَةُ الْجَمِيعِ وَيَبْدَأُ بِأَشَدِّهَا عِنْدَ عَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ مَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُدُودٌ وَوَجَبَ قَتْلُهُ فَإِنَّ قَتْلَهُ يَكْفِي عَنْ الْجَمِيعِ إلَّا حَدَّ الْقَذْفِ فَيَجِبُ حَدُّهُ قَبْلَ قَتْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ وَكَانَ شَأْنُهَا كَثْرَةَ النِّزَاعِ فِيهَا الْمُحْوِجَةَ إلَى الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ، ذَكَرَ بَابَ الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ عَقِبَهَا فَقَالَ: