الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
قَتْلُ الْمُسْلِمِ (السَّاحِرِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) وَهُوَ الَّذِي يَصْنَعُ السِّحْرَ بِغَيْرِهِ بِأَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا، أَوْ يُذْهِبَ عَقْلَ غَيْرِهِ، أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا يُغَيِّرُ بِهِ صُورَةَ غَيْرِهِ كَتَغَيُّرِ صُورَةِ إنْسَانٍ بِصُورَةِ حِمَارٍ أَوْ كَلْبٍ، وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا كَالزِّنْدِيقِ وَهُوَ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ يُخْفِي ذَلِكَ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ لَقُتِلَ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَمَالُهُ فَيْءٌ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِنَا: كَالزِّنْدِيقِ فِي حَالِ إخْفَائِهِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الَّذِي يَسْتَأْجِرُ مَنْ يَعْمَلُ السِّحْرَ فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ، كَمَنْ يَسْتَأْجِرُ رَجُلًا عَلَى قَتْلِ آخَرَ فَإِنَّ الَّذِي يُقْتَلُ هُوَ الْقَاتِلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قَتْلِ السَّاحِرِ مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» .
وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجُوزُ لِشَخْصٍ أَنْ يَسْتَأْجِرَ غَيْرَهُ لِإِبْطَالِ السِّحْرِ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ مَنَعَهُ الْحَسَنُ قَائِلًا: لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ إلَّا سَاحِرٌ، وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ: يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ التَّعَالُجِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجَوَازِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ كَثِيرًا مَا يُبَاحُ إنْ تَعَيَّنَ طَرِيقًا، وَأَمَّا الَّذِي يُدْخِلُ السَّكَاكِينَ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ كَانَ سِحْرًا فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ وَإِلَّا عُوقِبَ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، وَقَوْلُنَا الْمُسْلِمُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ السَّاحِرِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَإِنَّمَا يُؤَدَّبُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَ بِسِحْرِهِ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يَكُونُ نَاقِضًا لِعَهْدِهِ فَيُقْتَلُ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا فَعَلَهُ مِنْ السِّحْرِ الَّذِي أَعْلَمَ اللَّهُ بِأَنَّهُ كُفْرٌ، وَيُتَوَصَّلُ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِإِخْبَارِ مَنْ يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ وَيَثْبُتُ ذَلِكَ الْإِخْبَارُ عِنْدَ الْإِمَامِ، هَكَذَا يُفِيدُهُ كَلَامُ أَصْبَغَ وَاسْتَصْوَبَ كَلَامَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
الثَّانِي: اُخْتُلِفَ فِيمَنْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَلَفْظُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ كُفْرٌ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ قَالَهُ مَالِكٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّمَا يَكْفُرُ السَّاحِرُ لَا مَنْ تَعَلَّمَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ، وَاسْتَصْوَبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَتَّى قَالَ الْقَرَافِيُّ: إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ عَلَى أُصُولِنَا، وَاحْتَجَّ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ كُفْرِ مُتَعَلِّمِهِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بِهِ بِأَنَّ تَعَلُّمَ مَا بِهِ الْكُفْرُ لَا يَكُونُ كُفْرًا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُصُولِيَّ يَتَعَلَّمُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لِيُحَذِّرَ مِنْهُ غَيْرَهُ فَتَعَلُّمُ مَا بِهِ السِّحْرُ أَوْلَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ لَا كُفْرَ إلَّا بِفِعْلِهِ لِجَعْلِهِ مِنْ أَمْثِلَةِ الْفِعْلِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْكُفْرِ، وَأَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ مَالِكٍ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَهُ لِيَعْمَلَ بِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى مَنْ تَعَلَّمَهُ لِيُحَذِّرَ مِنْهُ غَيْرَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ تَعَلَّمَهُ لِيَعْمَلَ بِهِ مَظِنَّةٌ لِاسْتِحْلَالِهِ وَاعْتِقَادِ تَأْثِيرِهِ وَهُوَ مُكَفِّرٌ بِخِلَافِ مَنْ تَعَلَّمَهُ لِيُحَذِّرَ مِنْهُ غَيْرَهُ.
الثَّالِثُ: اخْتَلَفَ الشُّيُوخُ فِي حَقِيقَةِ السِّحْرِ، فَذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ كَالرَّازِيِّ إلَى أَنَّهُ اسْتِحْدَاثُ الْخَوَارِقِ لِمُجَرَّدِ النَّفْسِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: السِّحْرُ أَمْرٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ يَتَسَبَّبُ عَنْ سَبَبٍ مُعْتَادٍ كَوْنُهُ مِنْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْفَقِيهُ: هُوَ كَلَامٌ مُؤَلَّفٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَتُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ بِكُفْرِ مَنْ تَعَلَّمَهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ ظَاهِرٌ عَلَى حَدِّ ابْنِ الْعَرَبِيِّ.
[كِتَاب الْحُدُود]
[أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ مِنْ الِارْتِدَادِ الَّذِي هُوَ الرُّجُوعُ وَمِنْهُ الْمُرْتَدُّ، وَحَقِيقَةُ الرِّدَّةِ شَرْعًا قَطْعُ الْإِسْلَامِ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَفِي الصَّبِيِّ خِلَافٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الرِّدَّةُ كُفْرٌ بَعْدَ إسْلَامٍ تَقَرَّرَ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ الْتِزَامِ أَحْكَامِهِمَا بِقَوْلِهِ: (وَيُقْتَلُ) وُجُوبًا كُلُّ (مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ قَطَعَ إسْلَامَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ بِصَرِيحِ لَفْظِهِ كَقَوْلِهِ: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30] أَوْ الْبَعِيدُ كَفَرَ بِاَللَّهِ، أَوْ أَشْرَكَ بِهِ، أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَقْتَضِي الْكُفْرَ، كَقَوْلِهِ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ غَيْرُ مَفْرُوضَةٍ، أَوْ الرُّكُوعُ أَوْ السُّجُودُ غَيْرُ فَرْضٍ لِأَنَّ الْجَاحِدَ كَافِرٌ، أَوْ الْحَجُّ غَيْرُ فَرْضٍ عَلَى الْمُسْتَطِيعِ، أَوْ اللَّهُ جِسْمٌ كَأَجْسَامِ الْحَوَادِثِ، أَوْ أَتَى بِفِعْلٍ يَسْتَلْزِمُ الْكُفْرَ كَإِلْقَاءِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي قَذَرٍ اخْتِيَارًا أَوْ شَدَّ نَحْوَ الزُّنَّارِ وَتَوَجَّهَ بِهِ إلَى مُتَعَبَّدِهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ» .
وَمَحَلُّ قَتْلِهِ (إلَى أَنْ يَتُوبَ) بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَأَشَارَ إلَى مُدَّةِ تَأْخِيرِهِ لِلتَّوْبَةِ بِقَوْلِهِ:(وَيُؤَخَّرُ) وُجُوبًا (لِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قَالَ خَلِيلٌ: وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَا جُوعٍ وَعَطَشٍ وَمُعَاقَبَةٍ، وَإِنْ قَالَ: لَا أَتُوبُ، فَإِنْ تَابَ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا قُتِلَ بِغُرُوبِ شَمْسِ الثَّالِثِ، وَتُحْسَبُ الثَّلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ ثُبُوتِ الْكُفْرِ لَا مِنْ يَوْمِ الرَّفْعِ مَعَ تَأَخُّرِ الثُّبُوتِ، وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الثُّبُوتُ وَلَا يَوْمُ الِارْتِدَادِ، لِأَنَّ الْيَوْمَ لَا يُلَفَّقُ هُنَا، وَإِنَّمَا كَانَ زَمَنُ الِاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخَّرَ قَوْمَ صَالِحٍ ذَلِكَ الْقَدْرَ حَيْثُ قَالَ:{تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] فَلَوْ حَكَمَ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ دَاخِلَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ مَضَى لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَيَّدْنَا بِبَعْدِ الْبُلُوغِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ إذَا ارْتَدَّ يُهَدَّدُ وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ وَامْتِنَاعِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ، وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَلَا بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَلِذَلِكَ قَالَ:(وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ) تُقْتَلُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا أَنْ تَتُوبَ، إلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ سَيِّدٍ أَوْ زَوْجٍ، وَهِيَ مِمَّنْ يُتَوَقَّعُ حَمْلُهَا فَتُسْتَبْرَأَ بِحَيْضَةٍ وَلَوْ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ تُرْضِعُ فَتُؤَخَّرُ حَتَّى تَجِدَ مَنْ يُرْضِعُ وَلَدَهَا وَيَقْبَلُهُ الْوَلَدُ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْمَرْأَةِ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ قَتْلِ النِّسَاءِ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام -
وَأَقَرَّ بِالصَّلَاةِ وَقَالَ لَا أُصَلِّي أُخِّرَ حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا قُتِلَ حَدًّا.
وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الزَّكَاةِ أُخِذَتْ مِنْهُ كُرْهًا.
وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ فَاَللَّهُ حَسْبُهُ.
وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَحْدًا لَهَا فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ يُسْتَتَابُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ.
وَمَنْ سَبَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَنْ قَتْلِهِنَّ، لِأَنَّ مَحْمَلَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا عَلَى الْمُرْتَدَّةِ، وَيُطْعَمُ الْمُرْتَدُّ مِنْ مَالِهِ زَمَنَ الرِّدَّةِ، وَأَمَّا وَلَدُهُ وَعِيَالُهُ فَلَا يُنْفِقُونَ مِنْهُ لِأَنَّهُ صَارَ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا مَالَ عِنْدَهُ.
(تَنْبِيهٌ) قَتْلُ الْمُرْتَدِّ لَيْسَ كَقَتْلِ الزِّنْدِيقِ الْمُسْتَسِرِّ، لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ يُقْتَلُ حَدًّا فَتَرِثُهُ وَرَثَتُهُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ وَكَذَلِكَ السَّاحِرُ الْمُتَجَاهِرُ فَيُقْتَلُ كُفْرًا فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَمَالُهُ يَكُونُ فَيْئًا يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا لِوَرَثَتِهِ، وَهَذَا حُكْمُ الْمُرْتَدِّ الْحُرِّ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ الرَّقِيقُ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ.
(وَمَنْ لَمْ يَرْتَدَّ) عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ (وَ) الْحَالُ أَنَّهُ قَدْ (أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ) أَيْ بِوُجُوبِهَا (وَ) لَكِنْ (قَالَ لَا أُصَلِّي) أَبَدًا، أَوْ قَالَ: لَا أُصَلِّي حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ الضَّرُورِيُّ وَجَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ (أُخِّرَ) أَيْ أَخَّرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وُجُوبًا (حَتَّى) يَكَادَ (يَمْضِي وَقْتُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ) لِمَنْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مُشْتَرِكَتَانِ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ مَثَلًا أُخِّرَ إلَى أَنْ يَبْقَى قَدْرُ مَا يَسَعُ أُولَاهُمَا وَرَكْعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ طُمَأْنِينَةٌ وَلَا اعْتِدَالٌ وَلَا فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى مِنْ الْمُشْتَرَكَتَيْنِ قِرَاءَةُ فَاتِحَةٍ فِي سِوَى الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهَا فِي رَكْعَةٍ فَقَطْ، وَلَا طَهَارَةَ مَائِيَّةً بَلْ تُرَابِيَّةً لِضِيقِ الْوَقْتِ وَيُهَدَّدُ ثُمَّ يُضْرَبُ بِالْفِعْلِ.
(فَإِنْ لَمْ يُصَلِّهَا) أَيْ يَشْرَعْ فِيهَا وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَقَطْ أَوْ مِقْدَارُ الْأُولَى وَرَكْعَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاتَانِ.
(قُتِلَ حَدًّا) وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ مَعَ عَدَمِ شُرُوعِهِ بِالْفِعْلِ، وَقَوْلُنَا: مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةٍ وَلَا طُمَأْنِينَةٍ وَلَا اعْتِدَالٍ لَا يُنَافِي أَنَّهُ عِنْدَ فِعْلِ الصَّلَاةِ لَا بُدَّ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالِاعْتِدَالِ، وَبِقَوْلِنَا: حَتَّى يَكَادَ يَمْضِي وَقْتُ صَلَاةِ إلَخْ يَعْلَمُ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ اطَّلَعَ عَلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَطَلَبَ مِنْهُ الْفِعْلَ وَامْتَنَعَ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: أُخِّرَ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ يُشْعِرُ بِبَقَاءِ الْوَقْتِ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ فَائِتَةً، وَالْفَائِتَةُ لَا يُقْتَلُ بِهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ خَلِيلٌ مُشِيرًا إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ: وَمَنْ تَرَكَ فَرْضًا أُخِّرَ لِبَقَاءِ رَكْعَةٍ بِسَجْدَتَيْهَا مِنْ الضَّرُورِيِّ وَقُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا وَلَوْ قَالَ: أَنَا أَفْعَلُ وَصَلَّى عَلَيْهِ غَيْرُ فَاضِلٍ وَلَا يُطْمَسُ قَبْرُهُ لَا فَائِتَةً عَلَى الْأَصَحِّ وَالْجَاحِدُ كَافِرٌ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَفِي حُكْمِ مَنْ قَالَ لَا أُصَلِّي مَنْ قَالَ لَا أَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ لَا أَتَوَضَّأُ.
قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِهِ فَهَلْ يُرَاعَى بِالْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ قَدْرُ مَا يَسَعُ فِعْلَهُمَا مِنْ الرَّكْعَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ أَوْ يُرَاعَى قَدْرُ الرَّكْعَةِ مِنْ التَّيَمُّمِ وَاسْتَظْهَرَ الْأَوَّلَ.
الثَّانِي: لَوْ اطَّلَعَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَطَلَبَ مِنْهُ الشُّرُوعَ فِيهَا فَامْتَنَعَ وَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ فَالظَّاهِرُ قَتْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ الْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْنَا.
الثَّالِثُ: أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ فَلِذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ تَهْدِيدُهُ وَلَوْ بِالضَّرْبِ ثُمَّ يَضْرِبُهُ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ حَتَّى ضَاقَ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مِقْدَارُ رَكْعَةٍ مَعَ الطَّهَارَةِ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْأُجْهُورِيُّ فِي قَتْلِهِ وَاسْتَظْهَرَ عَدَمَ قَتْلِهِ وَلِي فِيمَا اسْتَظْهَرَهُ وَقْفَةٌ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي قَتْلُهُ لِأَنَّهُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ لَا سَبِيلَ إلَى جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الشُّرُوعِ مَعَ الْقُدْرَةِ، وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ بِالْقَتْلِ بِالْفَائِتَةِ فَكَيْفَ بِالْحَاضِرَةِ وَحَرَّرَهُ.
الرَّابِعُ: صِفَةُ قَتْلِهِ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ فِي الْمَكَانِ الْمَعْهُودِ لِلضَّرْبِ فِيهِ شَرْعًا وَلَا يُعَاقَبُ.
(وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ) أَيْ إخْرَاجِ (الزَّكَاةِ) مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُوبِهَا (أُخِذَتْ مِنْهُ كَرْهًا) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ قَهْرًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكَرْهًا وَإِنْ بِقِتَالٍ وَيَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا بِخِلَافِ دَمِ الْفَقِيرِ فَيُقْتَلُ بِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ الْمُمْتَنِعِ عِنَادًا أَوْ تَأْوِيلًا وَإِنْ بِقِتَالٍ، قَالَ بِسَنْدٍ: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُمْتَنِعِ مَالٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْمَالِ لِلْإِمَامِ سَجْنُهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالُهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَالْإِمَامُ نَاظِرٌ فِيهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ بَعْضُ الْمَالِ وَاتُّهِمَ بِإِخْفَاءِ غَيْرِهِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يَحْلِفُ مَالِكٌ أَخْطَأَ مَنْ يُحَلِّفُ النَّاسَ مِنْ السُّعَاةِ وَلْيُصَدِّقُوا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَنِيَّةُ الْإِمَامِ نَابَتْ عَنْ نِيَّتِهِ.
وَفِي التَّتَّائِيِّ: وَتُجْزِئُ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ فَلَا تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِظُهُورِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ وَالنِّيَّةِ، وَيُؤَدَّبُ الْمُمْتَنِعُ وَكَرْهًا بِالْفَتْحِ الْقَهْرُ، وَأَمَّا كُرْهًا بِمَعْنَى التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ فَبِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ، وَأَمَّا الْجَاحِدُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ يُقْتَلُ كُفْرًا.
(وَمَنْ تَرَكَ الْحَجَّ) وَهُوَ ضَرُورَةٌ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِالْوُجُوبِ (فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ) أَيْ يَنْتَقِمُ مِنْهُ بِعَدْلِهِ وَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ لِأَنَّ الزَّمَانَ كُلَّهُ ظَرْفٌ لَهُ، وَلِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ عِنَادًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُؤَخَّرُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ النِّيَّةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ حَدًّا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حُكْمِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْفَرَائِضِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِوُجُوبِهَا شَرَعَ فِي تَارِكِهَا جَحْدًا بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ) الْمَفْرُوضَةَ (جَحْدًا لَهَا) أَوْ لِشَيْءٍ مِنْ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ.
وَمَنْ سَبَّهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ أَوْ سَبَّ اللَّهَ عز وجل بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ قُتِلَ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَرْكَانِهَا كَرُكُوعِهَا أَوْ سُجُودِهَا أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا أُجْمِعَ عَلَى وُجُوبِهِ أَوْ جَحَدَ وُجُوبَ الصَّوْمِ أَوْ الزَّكَاةِ أَوْ الْحَجِّ أَوْ الطَّهَارَةِ أَوْ شَكَّ فِي وُجُوبِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
(فَهُوَ كَالْمُرْتَدِّ) الْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَالَمَ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ وَقَالَ بِأَنَّهُ بَاقٍ، أَوْ جَحَدَ الْبَعْثَ وَالنُّشُورَ أَوْ الْقِيَامَةَ أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ وَالزِّنَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ.
(يُسْتَتَابُ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ التَّوْبَةَ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ صِحَاحٍ مِنْ غَيْرِ جُوعٍ وَلَا عَطَشٍ وَلَا مُعَاقَبَةٍ.
(فَإِنْ لَمْ يَتُبْ) بِإِسْلَامِهِ (قُتِلَ) كُفْرًا لَا حَدًّا، وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ مَا اقْتَرَفَ مِنْ الِارْتِدَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] كَمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَامِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ عِتْقٍ، بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِأَنَّ كُلَّ الزَّمَانِ ظَرْفٌ لَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَحْكَامِ السَّابِّ لِنَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ، وَذَكَرَهُ بَعْدَ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُشَارِكُهُ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَتْلُهُ حَدًّا وَقَتْلُ الْمُرْتَدِّ كُفْرًا، وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ، وَالْمُرْتَدُّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، فَالسَّابُّ شَبِيهٌ بِالزِّنْدِيقِ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ سَبَّ) أَيْ شَتَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْمُكَلَّفِينَ (سَيِّدَنَا) وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا (رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أَوْ نَبِيًّا غَيْرَهُ مُجْمَعًا عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكًا مُجْمَعًا عَلَى مَلَكِيَّتِهِ أَوْ لَعَنَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ قَذَفَهُ أَوْ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ أَوْ غَيَّرَ صِفَتَهُ أَوْ أَلْحَقَ بِهِ نَقْصًا فِي دِينِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ خَصْلَتِهِ أَوْ غَضَّ مِنْ مَرْتَبَتِهِ أَوْ وُفُورِ عِلْمِهِ أَوْ زُهْدِهِ، أَوْ أَضَافَ لَهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ أَوْ نَسَبَ إلَيْهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ أَوْ قِيلَ لَهُ بِحَقِّ رَسُولِ اللَّهِ فَلَعَنَ وَقَالَ أَرَدْت الْعَقْرَبَ، وَجَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ.
(قُتِلَ) حَدًّا لِأَنَّ قَتْلَهُ لِازْدِرَائِهِ بِحَقِّ النَّبِيِّ أَوْ الْمَلَكِ، لَا لِأَنَّهُ كَافِرٌ حَيْثُ تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ أَنْكَرَ مَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ.
(وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) سَوَاءٌ تَابَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ، وَالْحُدُودُ تَجِبُ إقَامَتُهَا بَعْدَ ثُبُوتِ مُوجِبِهَا وَلَوْ تَابَ الْمُسْتَحِقُّ لَهَا، كَالزَّانِي وَالشَّارِبِ وَالْقَاتِلِ وَالسَّارِقِ سِوَى الْمُحَارَبِ فَإِنَّ حَدَّ الْحِرَابَةِ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِتْيَانِ لِلْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرْكِهِ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّابَّ شَبِيهٌ بِالزِّنْدِيقِ وَالزِّنْدِيقُ لَا تُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى جَعْلِهِ كَالزِّنْدِيقِ أَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُ إذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ ظُهُورِنَا عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ: السَّبُّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَالزِّنْدِيقُ الْحَقُّ مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يُشَاحَحُ فِيهِ، وَأَيْضًا الْأَصْلُ فِي الزَّوَاجِرِ عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالتَّوْبَةِ.
وَأَمَّا لَوْ أَعْلَنَ بِالسَّبِّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ كُفْرًا كَالزِّنْدِيقِ أَيْضًا وَيُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِجَهْلٍ أَوْ سُكْرٍ أَوْ لِأَجْلِ تَهَوُّرٍ فِي الْكَلَامِ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى سَبْقِ اللِّسَانِ وَلَا دَعْوَى سَهْوٍ وَلَا نِسْيَانٍ.
وَفَائِدَةُ كَوْنِ الْقَتْلِ حَدًّا الْحُكْمُ بِبَقَائِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي إرْثِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَفَائِدَةُ قَتْلِهِ كُفْرًا عَدَمُ ذَلِكَ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُسْتَرُ عَوْرَتُهُ وَيُوَارَى كَمَا يُفْعَلُ بِالْكَافِرِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَعْجَلُ بِقَتْلِ الزِّنْدِيقِ وَالسَّابِّ وَلَوْ كَانَ قَتْلُهُمَا كُفْرًا، لِأَنَّ التَّأْخِيرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُرْتَدِّ بِغَيْرِ السَّبِّ وَالزَّنْدَقَةِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ سَابِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَكَتَ عَنْ سَابِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ، وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَالرَّاجِحُ قَبُولُ تَوْبَتِهِ، فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ، وَمَنْ سَبَّ الْبَارِيَ جَرَى فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ خِلَافٌ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ وَالْبَشَرُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَشَرًا يَقْبَلُ الْعَيْبَ وَتَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ بِالْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَالْبَارِي سبحانه وتعالى مُنَزَّهٌ عَنْ سَائِرِ الْعُيُوبِ بِشَهَادَةِ:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] فَلَا يَلْحَقُهُ نَقْصٌ وَلَا مَعَرَّةٌ، فَشُدِّدَ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَسْبِقَ إلَى فَهْمِ السَّامِعِ حَقِيقَةُ الْكَلَامِ، وَأَيْضًا حَقُّ الْآدَمِيِّ يُشَاحَحُ فِيهِ، وَالْبَارِي سبحانه وتعالى شَأْنُهُ الْمُسَامَحَةُ وَالْعَفْوُ عَمَّنْ عَصَاهُ هَذَا إيضَاحُهُ.
الثَّانِي: قَيَّدْنَا الْكَلَامَ بِالْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِ أَوْ مَلَكَتِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُخْتَلَفِ فِي نُبُوَّتِهِ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ، وَمَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فَلَا يُقْتَلُ مَنْ سَبَّهُمَا وَإِنَّمَا يُشَدَّدُ فِي أَدَبِهِ،
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّابَّ الْمُسْلِمَ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ وَلَوْ جَاءَ إلَيْنَا تَائِبًا قَبْلَ ظُهُورِنَا عَلَيْهِ شَرَعَ فِي السَّابِّ الذِّمِّيِّ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ سَبَّهُ) أَيْ سَيِّدَ الْخَلْقِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ) كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (بِغَيْرِ مَا) أَيْ الَّذِي (بِهِ كُفْرٌ) نَحْوُ: بَخِيلٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ، أَوْ نَحْوُ: ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُزْرِيَةِ.
(أَوْ سَبَّ اللَّهَ عز وجل بِغَيْرِ مَا بِهِ كُفْرٌ) نَحْوُ: شَحِيحٌ أَوْ عَاجِزٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى اللَّهِ، وَجَوَابُ مَنْ الشَّرْطِيَّةِ (قُتِلَ) أَيْ السَّابُّ لِنَبِيِّنَا عليه الصلاة والسلام أَوْ اللَّهِ تَعَالَى (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) فَيَسْقُطُ قَتْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَافِرِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَالْمُؤْمِنِ السَّابِّ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِلنَّبِيِّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَعَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي سَبِّ اللَّهِ أَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ حَدٌّ وَهُوَ زِنْدِيقٌ لَا تُعْرَفُ لَهُ تَوْبَةٌ، وَالْكَافِرُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى كُفْرِهِ فَيُعْتَبَرُ