الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا أَسْلَمَ فِيهِ.
وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَوْ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ صِفَةً، وَمِقْدَارًا وَالنَّفْعُ لِلْمُتَسَلِّفِ.
وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ.
وَتَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ بِشَرْطٍ إلَى مَحَلِّ السَّلَمِ أَوْ مَا بَعُدَ مِنْ الْعُقْدَةِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الْأَجَلِ فَسَدَ السَّلَمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَبْضِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ أَجَلٌ مَعْلُومٌ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ سَكَتَ عَنْ بَيَانِ صِفَةِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْبُرْزُلِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَشَرْنَا لِذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ.
1 -
الثَّالِثُ: كَمَا يَجُوزُ التَّأْجِيلُ بِالزَّمَانِ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ كَقُدُومِ الْحَاجِّ أَوْ الْحَصَادِ أَوْ الدِّرَاسِ، وَيُعْتَبَرُ مِيقَاتُ مُعْظَمِ مَا ذُكِرَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ذِكْرِ الْعَقْدِ، وَمَا ذَكَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَكْثَرَ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يُسَلَّمَ الشَّيْءُ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ اخْتِلَافًا قَوِيًّا قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنْ جِنْسِ مَا سَلَّمَ فِيهِ) كَأَنْ يَدْفَعَ عَرَضًا فِي عَرَضٍ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ حَدِيدًا فِي حَدِيدٍ، أَوْ حَيَوَانًا فِي حَيَوَانٍ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ لَا سَلَمٌ، فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ الْقَرْضِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَمَحُّضُ النَّفْعِ لِلْمُقْتَرِضِ، وَلَا يُنْظَرُ لِلصِّيغَةِ بِلَا قَرْضٍ، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى لَفْظِ السَّلَمِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَنْ لَا يَكُونَا طَعَامَيْنِ وَلَا نِدَّيْنِ وَلَا شَيْءَ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَالْعَكْسِ إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ. فَيَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ اخْتِلَافًا قَوِيًّا يُصَيِّرُ الشَّيْءَ كَالْجِنْسِ الْآخَرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ دَفْعَ الشَّيْءِ فِي أَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَجْوَدَ كَعَكْسِهِ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَالْعِلَّةُ إمَّا سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَقَلَّ أَوْ أَدْنَى، أَوْ تُهْمَةُ ضَمَانٍ يُجْعَلُ إذَا كَانَ الْمَدْفُوعُ أَكْثَرَ أَوْ أَجْوَدَ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ فَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَيَمْتَنِعُ إذَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ السَّلَمِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْقَرْضِ فَيَجُوزُ حَيْثُ تَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُقْتَرِضِ، وَسَيَأْتِي الْإِشَارَةُ لِبَعْضِ هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يُسْلَمَ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَوْ فِيمَا يَقْرُبُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يُسْلَمُ رَقِيقُ ثِيَابِ الْقُطْنِ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ الْمُقَارَبَةَ تُصَيِّرُ الْجِنْسَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُسْلَمُ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ مَحْضُ تَكْرَارٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ، وَلَعَلَّهُ كَرَّرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي خَلِيلٍ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ يَجُوزُ سَلَمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّهُ قَالَ مُشَبِّهًا فِي الْجَوَازِ: وَكَالْجِنْسَيْنِ، وَلَوْ تَقَارَبَتْ الْمَنْفَعَةُ كَرَقِيقِ ثِيَابِ الْقُطْنِ فِي رَقِيقِ ثِيَابِ الْكَتَّانِ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي غَلِيظِهِ، فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَلَامُ أَشْهَبَ، وَمَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَلِذَا جَرَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْلَمَ شَيْءٌ فِي جِنْسِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ، وَلَوْ حَصَلَ الِاخْتِلَافُ بِالْمَنْفَعَةِ أَوْ الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ.
وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ مَحَلُّ الْمَنْعِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ الِاخْتِلَافُ، وَإِلَّا جَازَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ خَلِيلٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إلَّا أَنْ تَخْتَلِفَ الْمَنْفَعَةُ اخْتِلَافًا قَوِيًّا، وَهُوَ فِي الْحَمِيرِ بِالْفَرَاهَةِ وَهِيَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ، فَيَجُوزُ سَلَمُ الْحِمَارِ الْفَارِهِ فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَا فَرَاهَةَ فِيهَا، وَالْبِغَالُ مِنْ جِنْسِ الْحَمِيرِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَالِاخْتِلَافُ الْقَوِيُّ فِي الْخَيْلِ بِالسَّبْقِ لَا بِالْهَمْلَجَةِ الَّتِي هِيَ حُسْنُ السَّيْرِ، إلَّا أَنْ يَنْضَمَّ لَهَا الْبَرْزَنَةُ بِأَنْ يَصِيرَ جَافِي الْأَعْضَاءِ فَيَجُوزُ سَلَمُ الْهِمْلَاجِ الْغَلِيظِ الْأَعْضَاءِ فِي مُتَعَدِّدٍ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَفِي الْجِمَالِ بِكَثْرَةِ الْحَمْلِ، وَفِي الْبَقَرِ بِالْقُوَّةِ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ وَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّ الْبَقَرَ وَالْجَوَامِيسَ تَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ فِي الْأَمْصَارِ كَمَا تَخْتَلِفُ بِهِ الْمَعْزُ وَالضَّأْنُ، وَصَحَّحَ بَعْضُ الشُّيُوخِ اخْتِلَافَ الضَّأْنِ بِكَثْرَةِ الصُّوفِ، وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَيَخْتَلِفُ بِبُلُوغِ الْغَايَةِ فِي الْغَزْلِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ الْحِسَابِ أَوْ الْكِتَابَةِ، وَالطَّيْرُ بِالتَّعْلِيمِ لِمَنْفَعَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَا بِالْبَيْضِ وَلَا بِالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ.
الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا، وَمِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّهُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمَنْفَعَةِ يَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُلَ التَّعَدُّدُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، أَوْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعَدُّدِ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ سَلَمُ الشَّيْءِ فِي جِنْسِهِ وَكَانَ ظَاهِرُهُ يُوهِمُ عُمُومَ الْمَنْعِ، وَلَوْ عِنْدَ تَسَاوِي الْغَرَضَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ:(إلَّا أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا) وَفِي نُسْخَةٍ شَيْئًا بَدَلَ قَرْضًا (فِي مِثْلِهِ صِفَةً، وَمِقْدَارًا) أَيْ فِي الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّ (النَّفْعَ لِلْمُتَسَلِّفِ) فَقَطْ فَيَجُوزُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالشَّيْءُ فِي مِثْلِهِ قَرْضٌ وَلَوْ وَقَعَ بِلَفْظِ الْبَيْعِ أَوْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الطَّعَامَيْنِ وَالنَّقْدَيْنِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا وَقَعَ بِلَفْظِ الْقَرْضِ وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا فِيهِ الْكَافِيَةُ.
[بَيْع الدِّين بالدين]
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسْأَلَةٍ مُشَارِكَةٍ لِمَا قَبْلَهَا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ وَهِيَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْكَالِئِ» بِالْهَمْزِ.
قَالَ اللُّغَوِيُّونَ: وَهُوَ النَّسِيئَةُ أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ، وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَفَسْخُ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَأَشَارَ إلَيْهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ) أَيْ نَسِيئَةٌ بِنَسِيئَةٍ. فَأَوَّلُ الثَّلَاثَةِ، وَهُوَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا يُتَصَوَّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ لَك عَلَى شَخْصٍ مِائَةُ شَقَّةٍ
يَجُوزُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَك شَيْءٌ فِي ذِمَّتِهِ فَتَفْسَخُهُ فِي شَيْءٍ آخَرَ لَا تَتَعَجَّلُهُ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَيْك حَالًّا.
، وَإِذَا بِعْت سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَا تَشْتَرِهَا بِأَقَلَّ مِنْهُ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ دُونَ الْأَجَلِ
ــ
[الفواكه الدواني]
مَثَلًا إلَى أَجَلٍ فَتَبِيعُهَا مِنْ شَخْصٍ آخَرَ بِمِائَةٍ إلَى أَجَلٍ وَيُصَوَّرُ فِي أَرْبَعَةٍ. وَمِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ وَلِثَالِثٍ عَلَى رَابِعٍ دَيْنٌ فَبَاعَ كُلٌّ مِنْ صَاحِبَيْ الدَّيْنَيْنِ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ الَّذِي هُوَ لِلْآخَرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقَدُّمِ عِمَارَةِ ذِمَّةٍ أَوْ ذِمَّتَيْنِ عَلَى الْبَيْعِ، وَعِلَّةُ الْمَنْعِ كَوْنُهُ يُوصِلُ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُخَاصَمَةِ الَّتِي يُبْغِضُهَا الشَّارِعُ، وَقِيلَ مَحْضُ تَعَبُّدٍ.
وَثَانِيهَا: ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْعَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(وَتَأْخِيرُ رَأْسِ الْمَالِ) مُبْتَدَأٌ وَرَأْسُ الْمَالِ مُضَافٌ إلَيْهِ (بِشَرْطٍ إلَى مَحَلِّ السَّلَمِ) أَيْ إلَى حُلُولِهِ (أَوْ) تَأْخِيرُهُ إلَى (مَا بَعُدَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ (مِنْ الْعُقْدَةِ) بِأَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَائِنٌ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ تَأْخِيرِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأٌ، وَمَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَحْرُمُ تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ الْعَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَوْ كَانَ التَّأْخِيرُ بِلَا شَرْطٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: شَرْطُ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ أَوْ تَأْخِيرُهُ ثَلَاثًا وَلَوْ بِشَرْطٍ، فَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ الثَّلَاثِ وَلَوْ قَلِيلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
(تَنْبِيهٌ) . فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أُمُورٌ: مِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَالْإِطْلَاقُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُمِلَ عَلَى الْعَيْنِ أَشْكَلَ بِاعْتِبَارِ مَفْهُومِهِ الْمُوهِمِ لِلْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ الْعَيْنِ أَشْكَلَ مَنْطُوقُهُ مَعَ الشَّرْطِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ حُرْمَةُ تَأْخِيرِ رَأْسِ الْمَالِ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالشَّرْطِ وَلَوْ حَيَوَانًا، وَأَمَّا بِغَيْرِ شَرْطٍ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَيَوَانِ، وَلَوْ إلَى حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ، وَأَمَّا الْعَرَضُ وَالطَّعَامُ فَقِيلَ كَذَلِكَ حَيْثُ كِيلَ الطَّعَامُ وَأُحْضِرَ الْعَرَضُ، وَإِلَّا كُرِهَ، وَقِيلَ يُكْرَهُ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا. وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ بِشَرْطٍ يُوهِمُ جَوَازَ التَّأْخِيرِ عِنْدَ عَدَمِهِ مُطْلَقًا وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ. وَمِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ مَا بَعُدَ مِنْ الْعُقْدَةِ يُوهِمُ أَنَّ الْقَرِيبَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفَسَّرَ الْقَرِيبُ بِمَا لَمْ يَزِدْ عَنْ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ ذَلِكَ اتِّكَالًا عَلَى الْمَوْقِفِ، وَلِأَنَّ إطْلَاقَهُ صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ مَنْطُوقِهِ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ بِشَرْطٍ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ فِي رَأْسِ الْمَالِ الْعَيْنِ، وَلَا غَيْرِهَا، وَالْمَفْهُومُ عَلَى الْمَوْقِفِ بَيَانُهُ.
وَأَشَارَ إلَى ثَالِثِ الْأَقْسَامِ، وَهُوَ أَشَدُّهَا حُرْمَةً بِقَوْلِهِ:(وَلَا يَجُوزُ فَسْخُ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ) وَصَوَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَك شَيْءٌ) مِنْ الْمَالِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ الْمَدِينِ الْمَفْهُومِ مِنْ لَفْظِ دَيْنٍ (فَتَفْسَخُهُ فِي شَيْءٍ) مُخَالِفٍ لِمَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَوْ فِي عَدَدِهِ أَوْ صِفَتِهِ (لَا تَتَعَجَّلُهُ) الْآنَ وَقَدَّرْنَا لَفْظَ مُخَالِفٍ لِفَهْمِهِ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ النَّكِرَةَ إذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً تَكُونُ غَيْرًا غَالِبًا، وَأَيْضًا لَفْظُ فَسْخٍ يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ عَنْ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ زِيَادَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ، فَيَشْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا فَفَسَخَهُ فِي عَرَضٍ أَوْ حَيَوَانٍ إلَى أَجَلٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْعَرَضِ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ، وَيَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَرَضًا وَفَسَخَهُ فِي عَيْنٍ فَيَحْرُمُ أَيْضًا مُطْلَقًا، وَتَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ دَيْنُهُ عَيْنًا وَفَسَخَهَا فِي عَيْنٍ أَجْوَدَ وَأَوْلَى وَأَكْثَرَ.
وَأَمَّا إذَا فَسَخَ الْعَيْنَ فِي عَيْنٍ مِثْلِهَا قَدْرًا وَعَدًّا أَوْ أَقَلَّ فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْفَسْخِ عَلَى هَذَا فِيهِ تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَأْخِيرٍ بِالْحَقِّ أَوْ مَعَ حَطِيطَةٍ لِبَعْضِهِ فَفِيهِ ثَوَابٌ. وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ، وَكَكَالِئٍ بِمِثْلِهِ فُسِخَ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَلَوْ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَغَائِبٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ أَوْ مَنَافِعِ عَيْنٍ وَبَيْعُهُ بِدَيْنٍ وَتَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى جَعْلِ تِلْكَ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ أَقْسَامٌ لِلْكَالِئِ بِالْكَالِئِ الْمُفَسَّرِ بِبَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ تَقَسُّمُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الْمُقَسَّمُ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُطْلَقُ النَّسِيئَةِ بِالنَّسِيئَةِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَهُوَ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِخُصُوصِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُغَايَرَةَ تَحْصُلُ وَلَوْ بِالْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: وَبِمَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَسْأَلَةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ مِمَّنْ وَلِعَ بِأَكْلِ الرِّبَا، وَهِيَ مَا إذَا أَخَذَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ سِلْعَةً فِي دَيْنِهِ ثُمَّ يَرُدُّهَا لَهُ بِشَيْءٍ مُؤَخَّرٍ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، وَهُوَ أَكْثَرُ أَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ فَإِنَّهُ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ وَعَادَ إلَيْهَا يُعَدُّ لَغْوًا، وَكَأَنَّهُ فَسَخَ دَيْنَهُ ابْتِدَاءً مِنْ شَيْءٍ لَا يَتَعَجَّلُهُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ فَسْخِ الدَّيْنِ فِي الدَّيْنِ، وَهُوَ حَرَامٌ، سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الْمَفْسُوخُ فِي مُؤَخَّرٍ قَدْ تَمَّ أَجَلُهُ أَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَخَّرَهُ أَزْيَدَ مِنْهُ.
الثَّانِي: إنَّمَا لَمْ يَعْطِفْ الْمُصَنِّفُ فَسْخَ الدَّيْنِ عَلَى سَابِقِهِ بَلْ اسْتَأْنَفَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ لِيُنَبِّهَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ فَسْخَ الدَّيْنِ أَشَدُّ الثَّلَاثَةِ فِي الْحُرْمَةِ، وَيَلِيهِ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ، وَأَخَفُّهَا ابْتِدَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي رَأْسِ الْمَالِ التَّأْخِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنَّمَا كَانَ فَسْخُ الدَّيْنِ أَشَدُّ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا الْآخَرَانِ فَتَحْرِيمُهُمَا بِالسُّنَّةِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّلَمَ يَجِبُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ مُؤَجَّلًا شَرَعَ هُنَا فِي مَفْهُومِهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْك (بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَك عَلَى) شَرْطِ (أَنْ