المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب في البيوع] - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ٢

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ

- ‌[أَرْكَان النِّكَاح]

- ‌[الْمُحْرِمَات فِي النِّكَاح]

- ‌[الْقَسْمُ بَيْن الزَّوْجَاتِ]

- ‌[شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌ الطَّلَاقُ

- ‌الْخُلْعُ

- ‌[أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ]

- ‌[مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ]

- ‌[عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِخِيَارِ كُلٍّ فِي صَاحِبِهِ]

- ‌[أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[الْإِيلَاء]

- ‌[الظِّهَار]

- ‌اللِّعَانُ

- ‌[صِفَةِ اللِّعَانِ]

- ‌[طَلَاقُ الْعَبْدِ]

- ‌[الرَّضَاع]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[أَسْبَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ]

- ‌عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا

- ‌وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَأَسْبَابُهَا]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[بَاب السَّلَم]

- ‌الْعُهْدَةُ

- ‌[السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ]

- ‌[أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ]

- ‌[بَيْع الدِّين بالدين]

- ‌[الْبِيَاعَات الْمُنْهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]

- ‌[بَاب الْإِجَارَة]

- ‌[حُكْم الْإِجَارَة]

- ‌[شُرُوط الْإِجَارَة]

- ‌[الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ]

- ‌[الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تضمين الصناع]

- ‌[بَاب الشَّرِكَة]

- ‌[حُكْم الشَّرِكَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[بَاب الْقِرَاض]

- ‌[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]

- ‌[بَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[أَرْكَانُ الْمُسَاقَاة]

- ‌[بَاب الْمُزَارَعَة]

- ‌[الصُّوَر الْمَمْنُوعَة فِي الْمُزَارَعَة]

- ‌[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]

- ‌بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَّحِدَةِ الرُّتْبَةِ وَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا]

- ‌[أَحْكَام التَّدْبِير]

- ‌[صفة إخْرَاج الْمُدَبَّرِ وَعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَام الْكِتَابَة]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَامِ الْعِتْق النَّاجِز]

- ‌[الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ]

- ‌[مَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ]

- ‌[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[مَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ]

- ‌[أَحْكَام الْهِبَة]

- ‌[هِبَة الْوَالِد جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مُبْطِلَات الْهِبَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَى]

- ‌[بَيَان حُكْمِ الْحُبُسِ بَعْدَ مَوْتِ بَعْضِ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ]

- ‌[صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[بَاب الرَّهْن]

- ‌ضَمَانُ الرَّهْنِ

- ‌[مُسْتَحِقّ غَلَّةَ الرَّهْنِ]

- ‌[بَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[بَاب اللُّقَطَة]

- ‌[أَحْكَام الضَّالَّةِ]

- ‌[التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ]

- ‌[بَاب الْغَصْب]

- ‌بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ

- ‌[ثُبُوت الْقَتْل بِالْقَسَامَةِ]

- ‌[صفة الْقَسَامَة وَحَقِيقَتَهَا]

- ‌[صِفَةِ حَلِفِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَمَنْ يَحْلِفُهَا]

- ‌[مَا تَكُون فِيهِ الْقَسَامَة]

- ‌[الْعَفْو عَنْ الدَّم]

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[مِقْدَار الدِّيَة]

- ‌[دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَالْمَعَانِي]

- ‌[الْقِصَاص فِي الْجِرَاح]

- ‌[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]

- ‌[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]

- ‌[أَحْكَامِ كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]

- ‌[بَاب الزِّنَا]

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[بَاب القذف]

- ‌ شُرُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ كَرَّرَ فِعْلَ الزِّنَا]

- ‌[صِفَةِ الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَاب السَّرِقَة]

- ‌[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]

- ‌[حُكْم الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ]

- ‌(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)

- ‌[وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ]

- ‌[أَقْسَام الشَّهَادَة]

- ‌[مَا تَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ]

- ‌ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ

- ‌[شَهَادَة الزَّوْج لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[شَهَادَةُ وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ]

- ‌ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ

- ‌[مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ وَمَنْ لَا يَصِحُّ]

- ‌[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَكَالَة]

- ‌[حُكْمِ الصُّلْحِ]

- ‌[بَعْض مَسَائِل الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْفَلَسِ]

- ‌[بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ]

- ‌[شُرُوط الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[شُرُوط الْقِسْمَة]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ]

- ‌[حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَام]

- ‌[بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْوَارِثَاتِ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْفُرُوض فِي الْمِيرَاث]

- ‌[إرْثِ الْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ]

- ‌[أَنْوَاع الحجب]

- ‌[مِيرَاث الْإِخْوَة لإم]

- ‌[مَوَانِعِ الْإِرْث]

- ‌مِيرَاثُ الْجَدِّ

- ‌[إرْث الْجَدَّة]

- ‌[اجْتِمَاعِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَوْل]

- ‌[كَيْفِيَّةُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ وَتَأْصِيلِهَا وَكَيْفِيَّةُ قَسْمِ التَّرِكَةِ]

- ‌بَابٌ: جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[حُكْم السِّوَاك]

- ‌[الْقُنُوت فِي الصَّلَاة]

- ‌[صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[صَلَاة الْوِتْر]

- ‌[جَمْعِ الصَّلَاة]

- ‌رَكْعَتَا الْفَجْرِ

- ‌صَلَاةُ الضُّحَى

- ‌ قِيَامُ رَمَضَانَ

- ‌[الْفِطْر فِي السَّفَر]

- ‌ طَلَبُ الْعِلْمِ

- ‌[صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْجِهَاد قَيْءٍ سَبِيل اللَّه]

- ‌ غَضُّ الْبَصَرِ

- ‌[صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبُيُوت]

- ‌[صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ]

- ‌[الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاس]

- ‌أَكْلِ الطَّيِّبِ

- ‌[أَكْلَ الْمَيْتَةِ]

- ‌ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ

- ‌ شُرْبَ الْخَمْرِ

- ‌[الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ]

- ‌[أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[بِرُّ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[الِاسْتِغْفَار لِلْوَالِدَيْنِ]

- ‌[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

- ‌الْهِجْرَانُ الْجَائِزُ

- ‌[مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ]

- ‌[سَمَاعَ الْأَمْرِ الْبَاطِلِ]

- ‌ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ

- ‌[حُكْم التَّوْبَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ

- ‌ صِبَاغُ الشَّعْرِ

- ‌ لِبَاسِ الْحَرِيرِ

- ‌ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ

- ‌[التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ]

- ‌[جَرّ الرَّجُلُ إزَارَهُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌ وَصْلِ الشَّعْرِ

- ‌بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌[آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ]

- ‌[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]

- ‌[بَابٌ فِي السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي]

- ‌[صِفَةُ السَّلَامِ]

- ‌[الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ]

- ‌[آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابٌ فِي حُكْم التَّعَالُجِ]

- ‌الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ

- ‌[التَّدَاوِي بِالْكَيِّ]

- ‌[الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَة]

- ‌[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]

- ‌[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]

- ‌[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]

- ‌[اللَّعِب بِالنَّرْدِ]

- ‌[اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ]

- ‌[حُكْم المسابقة]

- ‌[صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ]

- ‌[قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ]

- ‌[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]

- ‌[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]

- ‌[أَفْضَلِ الْعُلُومِ]

- ‌[الثَّمَرَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ]

- ‌[الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: ‌[باب في البيوع]

فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي مَالِهَا، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي مَالِ الزَّوْجِ وَقَالَ سَحْنُونٌ إنْ كَانَتْ مَلِيَّةً فَفِي مَالِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَفِي مَالِ الزَّوْجِ. .

ــ

[الفواكه الدواني]

فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَ مِنْ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْأَصْلِ الدَّانِي وَالْفَرْعِ الْقَرِيبِ وَالرَّقِيقِ مَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ غِنًى وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» .

تَقُولُ الْمَرْأَةُ: إمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي أَوْ تُطَلِّقَنِي، وَيَقُولُ الْعَبْدُ: أَطْعِمْنِي وَاسْتَعْمِلْنِي، وَيَقُولُ الْوَلَدُ: أَطْعِمْنِي إلَى مَنْ تَدْعُنِي، فَجَعَلَ الَّذِي يَعُولُهُ الشَّخْصُ زَوْجَتَهُ وَرَقِيقَهُ وَوَلَدَهُ، وَقَالَ - تَعَالَى -:{وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23] وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَدِيثِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ مَنْ قَالَ: الْأَمْرُ الْفُلَانِيُّ وَقْفٌ عَلَى عِيَالِي، أَوْ هَذِهِ الْعُلُوفَةُ عَلَى الْعِيَالِ تَدْخُلُ زَوْجَتُهُ فِي الْعِيَالِ، وَقَلَّ أَنْ يَعْرِفَهَا الطَّالِبُ مِنْ غَيْرِ هَذَا فَافْهَمْ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ، وَالْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي الْوُجُوبِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ، وَلَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا، وَقَدْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِهَا جَرَى فِي الْكَفَنِ خِلَافٌ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَاخْتُلِفَ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ) عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ.

(فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ) كَفَنُهَا وَسَائِرُ مُؤَنِ تَجْهِيزِهَا (فِي مَالِهَا) وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَهُوَ عَلَى الْمُنْفِقِ إلَى قَوْلِهِ: لَا زَوْجِيَّةَ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ فَقِيرَةً لِانْقِطَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا بِمَوْتِهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ مَالِهَا أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَعَلَى سَيِّدِهَا. (وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ) كَفَنُهَا، وَمُؤَنُ تَجْهِيزِهَا (فِي مَالِ زَوْجِهَا) إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ لَهَا النَّفَقَةُ لِبُلُوغِهِ وَيُسْرِهِ لِبَقَاءِ أَثَرِ الزَّوْجِيَّةِ لِجَوَازِ التَّغْسِيلِ وَالنَّظَرِ لِلْعَوْرَةِ وَعُزِيَ لِمَالِكٍ، وَظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ: وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً (وَقَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَتْ غَنِيَّةً) بِحَيْثُ يُوجَدُ عِنْدَهَا مَا تُكَفَّنُ بِهِ (فَفِي مَالِهَا) كَسَائِرِ مُؤَنِ التَّجْهِيزِ. (وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَفِي مَالِ الزَّوْجِ) وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ كَفَّنَهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا. (فَائِدَةٌ) سَحْنُونٌ: لُقِّبَ بِهِ لِحِدَّةِ فَهْمِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ وَفِي سِينِهِ وَجْهَانِ الْفَتْحُ وَالضَّمُّ.

قَالَ الْأُجْهُورِيُّ: الْكَثِيرُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْفَتْحُ وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالضَّمُّ.

1 -

(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: سَكَتَ عَنْ كَفَنِ مَنْ يَلْزَمُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ سِوَى الزَّوْجَةِ، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّفَقَةِ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَهُوَ عَلَى الْمُنْفِقِ بِقَرَابَةٍ أَوْ رِقٍّ لَا زَوْجِيَّةٍ، وَالْفَقِيرُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ حُرًّا، وَلِذَلِكَ لَوْ مَاتَ شَخْصٌ وَرَقِيقُهُ وَلَمْ يُوجَدْ عِنْدَ السَّيِّدِ إلَّا مَا يُكَفِّنُ أَحَدَهُمَا قُدِّمَ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِخِلَافِ سَيِّدِهِ.

1 -

الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ أَبُو شَخْصٍ أَوْ أَحَدُهُمَا وَوَلَدُهُ وَنَفَقَةُ كُلٍّ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَعَجَزَ عَنْ تَكْفِينِ الْجَمِيعِ فَحُكْمُهُ كَالنَّفَقَةِ، فَيُقَدَّمُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ بِالْأَصَالَةِ، وَيَنْظُرُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ إلَى عَلَى تَكْفِينِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ بَعْضِ الْأَوْلَادِ، وَمُقْتَضَى الْإِجْرَاءِ عَلَى النَّفَقَةِ تَقْدِيمُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَالْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ، وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ، وَلْتُحَرَّرْ الْمَسْأَلَةُ.

وَيَظْهَرُ الِاقْتِرَاعُ عِنْدَ تَسَاوِي الْوَلَدَيْنِ، وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا مَا يُكَفِّنُ أَحَدَهُمَا لَا بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْكَفَنُ الْمَوْجُودُ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي فِي السَّتْرِ الْوَاجِبِ، وَإِلَّا قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَحَرِّرْهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا.

الثَّالِثَةُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْلُوكِ الْبَهِيمِيِّ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ عَلَفُهُ الْمُعْتَادُ، وَلَوْ بِالشِّرَاءِ أَوْ يَبْعَثُهُ لِلْمَرْعَى، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَلِّفَهُ مِنْ الْعَمَلِ إلَّا مَا يُطِيقُهُ، فَإِنْ لَمْ يُطْعِمْهُ أَوْ كَلَّفَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُهُ بِيعَ عَلَيْهِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، وَأَمَّا مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ أَوْ ذَبْحِهِ.

1 -

الرَّابِعَةُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ أَيْضًا عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ كَرْمٌ أَوْ زَرْعٌ يَحْتَاجُ إلَى سَقْيٍ بِحَيْثُ يَتْلَفُ بِتَرْكِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ، إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهِ وَلَوْ بِجَمِيعِ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَثِمَ لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ نَصٌّ بِبَيْعِهِ.

[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ عَقَائِدِ الْإِيمَانِ وَبَقِيَّةِ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِ الذَّبَائِحِ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْجِهَادِ وَالْأَنْكِحَةِ، وَمَا يَطْرَأُ لَهَا مِنْ طَلَاقٍ وَعِدَّةٍ وَسُكْنَى وَنَفَقَةٍ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمُعَامَلَاتِ بِقَوْلِهِ:

ص: 71

بَابٌ فِي الْبُيُوعِ، وَمَا شَاكَلَ الْبُيُوعَ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فِي الدُّيُونِ إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ وَإِمَّا أَنْ يُرْبَى لَهُ فِيهِ.

وَمِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ

ــ

[الفواكه الدواني]

(بَابٌ فِي) أَحْكَامِ (الْبُيُوعِ)

جَمْعُ بَيْعٍ مَصْدَرُ بَاعَ، وَيَتَنَوَّعُ إلَى صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، وَلِذَا صَحَّ جَمْعُهُ، بِخِلَافِ الْمُؤَكِّدِ لِعَامِلِهِ لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَحَقِيقَتُهُ فِي لُغَةِ قُرَيْشٍ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ: الْإِخْرَاجُ عَكْسُ اشْتَرَى، يُقَالُ: بَاعَ الشَّيْءَ إذَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَاشْتَرَاهُ إذَا أَدْخَلَهُ فِي مِلْكِهِ، وَأَمَّا شَرَى فَيُسْتَعْمَلُ فِيهِمَا، وَمِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْإِخْرَاجِ قَوْله تَعَالَى:{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَاعُوهُ، وَالضَّمِيرُ فِي بَاعُوهُ لِإِخْوَةِ يُوسُفَ الَّذِينَ أَخَذُوهُ مِنْ السَّيَّارَةِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ عَبْدُهُمْ وَأَبَقَ مِنْهُمْ ثُمَّ بَاعُوهُ لَهُمْ، وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ فِي الِاصْطِلَاحِ فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْبَيْعُ الْأَعَمُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ، فَيَخْرُجُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ وَالنِّكَاحِ، وَيَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفِ وَالْمُرَاطَلَةِ وَالسَّلَمِ، وَكَذَلِكَ قَالَ: وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةِ أَحَدِ عِوَضَيْهِ غَيْرِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الْعَيْنِ فِيهِ لِتَخْرُجَ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ الدَّاخِلَةُ فِي الْأَعَمِّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلثَّوَابِ لَا مُكَايَسَةَ أَيْ لَا مُغَالَبَةَ فِيهَا، وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَالْمُبَادَلَةُ الْعِوَضَانِ فِيهَا مِنْ الْعَيْنِ وَالسَّلَمِ الْمُعَيَّنِ فِيهِ الْعَيْنُ، وَهِيَ رَأْسُ الْمَالِ، وَأَمَّا غَيْرُ رَأْسِ الْمَالِ، وَهُوَ الْمُسَلَّمُ فِيهِ فَإِنَّهُ فِي الذِّمَّةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ مُعَيَّنًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الذِّمَّةِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعْبِيرَ ابْنِ عَرَفَةَ بِالْعَيْنِ فِي رَأْسِ الْمَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا، وَيَنْقَسِمُ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: مُسَاوَمَةٍ، وَمُزَايَدَةٍ، وَهُمَا جَائِزَانِ اتِّفَاقًا، وَبَيْعِ مُرَابَحَةٍ، وَهُوَ جَائِزٌ جَوَازًا مَرْجُوحًا لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الصِّدْقِ الْمَتِينِ، وَبَيْعِ اسْتِئْمَانٍ وَاسْتِرْسَالٍ، وَحَقِيقَةِ بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ أَنْ يَتَرَاضَى الشَّخْصَانِ عَلَى ثَمَنٍ وَلَا تَقْبَلُ زِيَادَةً بَعْدَهُ، وَلَوْ تَضَمَّنَ غَبْنًا، وَحَقِيقَةُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنْ يُطْلِقَ الرَّجُلُ سِلْعَتَهُ فِي يَدِ الدَّلَّالِ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا، فَمَنْ أَعْطَى فِيهَا ثَمَنًا لَزِمَهُ إنْ رَضِيَ مَالِكُهَا وَلَهُ أَنْ لَا يَرْضَى وَيَطْلُبَ الزِّيَادَةَ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ هَذَا يُورِثُ الضَّغَائِنَ فِي الْقُلُوبِ.

وَحَقِيقَةُ بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ سِلْعَةً بِثَمَنٍ وَيَبِيعَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَحَقِيقَةُ بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا الِاسْتِرْسَالُ أَنْ يَصْرِفَ أَحَدُ الشَّخْصَيْنِ قَدْرَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ لِعِلْمِ صَاحِبِهِ بِجَهْلِ الصَّارِفِ بِهِ أَيْ بِقَدْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ الْجَاهِلُ لِلْعَالِمِ: اشْتَرِ مِنِّي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ، أَوْ بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسُ، وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ عَلَى طَرِيقِ الْأَكْثَرِ لِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْجَاهِلِ إذَا كَذَبَ عَلَيْهِ الْعَالِمُ بِأَنْ غَرَّهُ، وَمُقَابِلُ الْأَكْثَرِ سَمَاعُ عِيسَى بْنِ الْقَاسِمِ لَا يَصِحُّ، وَيُفْسَخُ إنْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَائِمًا، وَإِنْ فَاتَ رَدَّ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ، وَقِيمَةَ الْمُقَوَّمِ (وَ) فِي بَيَانِ أَحْكَامِ (مَا شَاكَلَ) أَيْ شَابَهُ (الْبُيُوعَ) مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ، كَالشَّرِكَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالْإِقَالَةِ وَالْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْإِجَارَةِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ التَّرْجَمَةِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ مَا تَرْجَمَ لَهُ مُبْتَدِئًا بِحُكْمِ الْبَيْعِ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ الْجَوَازُ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْآيَةَ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي لَا تَخْصِيصَ فِيهِ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْفَاسِدَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ بَيْعٌ إلَّا عَلَى جِهَةِ الْمَجَازِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْعَامِّ الَّذِي دَخَلَهُ التَّخَصُّصُ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى خُرُوجِهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ.

وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا: وَأَحَلَّ اللَّهُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِهِ وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ، كَمَنْ اُضْطُرَّ لِشِرَاءِ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَالنَّدْبُ كَمَنْ أَقْسَمَ عَلَى إنْسَانٍ أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَيْعِهَا؛ لِأَنَّ إبْرَارَ الْقَسَمِ مَنْدُوبٌ، وَالْكَرَاهَةُ كَبَيْعِ الْهِرِّ وَالسَّبُعِ؛ لِأَخْذِ جِلْدِهِ، وَالتَّحْرِيمُ كَبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْ بَيْعِهِ نَحْوِ الْكَلْبِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْبَيْعَ تَعْرِضُ لَهُ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ، وَكَمَا دَلَّ عَلَى حِلِّهِ الْكِتَابُ

ص: 72

النَّسِيئَةِ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ فِضَّةٌ بِفِضَّةٍ وَلَا ذَهَبٌ بِذَهَبٍ إلَّا مِثْلًا.

ــ

[الفواكه الدواني]

دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ أَيْضًا كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الْكَسْبِ بَيْعٌ مَبْرُورٌ وَعَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ» وَالْبَيْعُ الْمَبْرُورُ الَّذِي لَمْ يَعْصِ صَاحِبُهُ بِهِ وَلَا فِيهِ وَلَا مَعَهُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.

(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا لِأَرْكَانِ الْبَيْعِ وَلَا لِشُرُوطِ عَاقِدِهِ، وَلَا الْمَقْعُودِ عَلَيْهِ، وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: الْعَاقِدُ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَالصِّيغَةُ، وَشَرْطُ صِحَّةِ عَقْدِ الْعَاقِدِ مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ التَّمْيِيزُ بِأَنْ يَفْهَمَ السُّؤَالَ وَيَرُدَّ جَوَابَهُ، وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا، وَشَرْطُ اللُّزُومِ التَّكْلِيفُ بِمَعْنَى الرُّشْدِ وَالطَّوْعِ، فَلَا يَلْزَمُ بَيْعُ الصَّبِيِّ وَلَا السَّفِيهِ وَلَا الْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا، وَإِنْ لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي حَيْثُ كَانَ رَشِيدًا.

قَالَ خَلِيلٌ: وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ، وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا وَرَدَّ عَلَيْهِ بِلَا ثَمَنٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ إسْلَامُ الْعَاقِدِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا أَوْ مُصْحَفًا، بَلْ يَقَعُ الْعَقْدُ لَازِمًا وَيُجْبَرُ غَيْرُ الْمُسْلِمِ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ، وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي جَوَازِ إدَامَةِ الْمِلْكِ، وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا الطَّهَارَةُ الْأَصْلِيَّةُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَالْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً حَيْثُ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى اللُّزُومِ، وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ جِنْسَهُ وَلَا نَوْعَهُ، وَعَدَمُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ الصِّيغَةُ، وَيَكْفِي فِيهَا كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَلَوْ مُعَاطَاةً، خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي: وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ، إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْكَلَامِ كُلَّمَا يُفْهَمُ مَعَهُ الْمُرَادُ وَلَوْ إشَارَةً؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ يُطْلَقُ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْقَوْلِ وَعَلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِفَادَةُ مِنْ إشَارَةٍ وَكِتَابَةٍ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

قَالَ خَلِيلٌ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الصِّيغَةِ تَقَدُّمُ إيجَابٍ عَلَى قَبُولٍ، وَسَيَأْتِي بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الرِّبَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى مَا يُفْهَمُ مِنْهُ بَعْضُ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (وَحَرَّمَ) اللَّهُ سبحانه وتعالى (الرِّبَا) بِالْقَصْرِ بِقِسْمَيْهِ النَّسَاءُ بِالْمَدِّ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ وَالْفَضْلُ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ، وَفِي مُسْلِمٍ:«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا، وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَهُ» فَمَنْ اسْتَحَلَّ الرِّبَا كَفَرَ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَكَانَ مَنْ بَاعَ بِالرِّبَا فَهُوَ فَاسِقٌ يُؤَدَّبُ بَعْدَ فَسْخِ بَيْعِهِ، وَيَلْزَمُهُ رَأْسُ الْمَالِ بَعْدَ الْفَوَاتِ، وَمَنْ قَبَضَ أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ رَدَّهُ لِرَبِّهِ إنْ عَرَفَهُ، وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَهُوَ لَهُ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ إسْلَامِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ مَا زَادَ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ بَلْ يَسْقُطُ عَمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ.

(وَكَانَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ) ، وَهِيَ مَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ (فِي الدُّيُونِ) إذَا تَمَّ أَجَلُ الدَّيْنِ يَقُولُ لَهُ مَنْ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي شَأْنِهِ (إمَّا أَنْ يَقْضِيَهُ) مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِرَبِّهِ (وَإِمَّا أَنْ يُرْبِيَ) أَيْ يَزِيدَ (لَهُ فِيهِ) وَيُؤَخِّرَهُ وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ هَذَا سَوَاءٌ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ أَوْ الصِّفَةِ. مِثَالُ الزِّيَادَةِ فِي الْقَدْرِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ عَنْ الْأَجَلِ الْأَوَّلِ وَيَدْفَعَ لَهُ عَنْ الْعَشَرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ بَدَلَ عَدَدِ الْكِلَابِ رِيَالَاتٍ، أَوْ عَنْ الْمُحَمَّدِيَّةِ بَنَادِقَةً، فَإِنْ وَقَعَ وَأَخَّرَ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ إلَّا رَأْسَ مَالِهِ.

وَفِي مَعْنَى الزِّيَادَةِ فِي الْحُرْمَةِ أَنْ يَتَّفِقَ مَعَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ رَهْنًا أَوْ يُقِيمَ لَهُ حَمْلًا؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا، وَمِنْ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرِ مُخَالِفٍ لِجِنْسِ مَا فِي الذِّمَّةِ، وَإِنْ سَارَتْ قِيمَتُهُ حِينَ التَّأْخِيرِ قَدْرَ الدَّيْنِ بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ عَيْنًا وَحَلَّ أَجَلُهَا فَأَخَّرَهُ بِهَا أَجَلًا ثَانِيًا عَلَى أَنْ يَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا طَعَامًا أَوْ عَرَضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ فَسْخُ مَا فِي الذِّمَّةِ فِي مُؤَخَّرٍ وَلَوْ مُعَيَّنًا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ كَغَائِبٍ أَوْ مُوَاضَعَةٍ أَوْ مَنَافِعِ عَيْنٍ. وَأَمَّا لَوْ أَخَّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَا حُرْمَةَ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَوْ تَرَكَ لَهُ بَعْضَ الْحَقِّ وَأَخَّرَهُ أَجَلًا ثَانِيًا.

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ رِبَا الْفَضْلِ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ) كَخَطِيئَةٍ فَهُوَ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ الزِّيَادَةُ وَيُقَالُ لَهَا رِبًا أَيْ زِيَادَةُ الْفَضْلِ (بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ) حَالَ كَوْنِهِ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزَةً وَحَالَ كَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (مُتَفَاضِلًا وَكَذَلِكَ) أَيْ مِنْ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ (الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ) مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ سَوَاءٌ كَانَا مَسْكُوكَيْنِ أَوْ مَصُوغَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ؛ لِمَا فِي التَّأْخِيرِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ» ، وَمَعْنَى لَا تُشِفُّوا بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ لَا تُفَضِّلُوا.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ حُرْمَةُ الْمُفَاضَلَةِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِمِثْلِهَا وَلَوْ قَلَّتْ الزِّيَادَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، إذْ قَدْ أَجَازُوا الزِّيَادَةَ الْيَسِيرَةَ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ: الْأُولَى الْمُبَادَلَةُ. وَهِيَ بَيْعُ الْعَيْنِ بِمِثْلِهَا عَدَدًا فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِشُرُوطٍ أَشَارَ لَهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ بِأَنْ تَكُونَ سِتَّةً فَأَقَلَّ، وَأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ السُّدُسَ فَأَقَلَّ، وَأَنْ تَقَعَ تِلْكَ الْمُعَاقَدَةُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ، وَأَنْ يُقْصَدَ بِالزِّيَادَةِ الْمَعْرُوفُ. وَالثَّانِيَةُ: الْمُسَافِرُ تَكُونُ مَعَهُ الْعَيْنُ غَيْرَ مَسْكُوكَةٍ، وَلَا تَرُوجُ مَعَهُ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يُسَافِرُ إلَيْهِ، فَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُهَا لِلسَّكَّاكِ لِيَدْفَعَ لَهُ بَدَلَهَا مَسْكُوكًا، وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ أُجْرَةِ السِّكَّةِ، وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ زَائِدَةٌ وَعَلَى كَوْنِهَا

ص: 73

بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ

وَالْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا يَدًا بِيَدٍ.

وَالطَّعَامُ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشَبَهِهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إدَامٍ لَا يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ.

وَلَا يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ

ــ

[الفواكه الدواني]

عَرَضًا تُفْرَضُ مَعَ الْعَيْنِ عَيْنًا، وَإِنَّمَا أُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْمُسَافِرِ مِنْ السَّفَرِ عِنْدَ تَأْخِيرِهِ لِضَرْبِهَا.

الثَّالِثَةُ: الشَّخْصُ يَكُونُ مَعَهُ الدِّرْهَمُ الْفِضَّةُ وَيَحْتَاجُ إلَى نَحْوِ الْغِذَاءِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ لِنَحْوِ الزَّيَّاتِ وَيَأْخُذَ بِبَعْضِهِ طَعَامًا أَوْ جُدُدًا، وَبِالنِّصْفِ الْآخَرِ فِضَّةً حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ أَوْ عِوَضَ كِرَاءٍ بَعْدَ تَامِّ الْعَمَلِ لِوُجُوبِ تَعْجِيلِ الْجَمِيعِ، وَكَوْنُ الْمَدْفُوعِ دِرْهَمًا فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ وَالْمَدْفُوعُ مَسْكُوكَيْنِ، وَأَنْ يَجْرِيَ التَّعَامُلُ بِالْمَدْفُوعِ وَالْمَأْخُوذِ وَلَوْ لَمْ تَتَّحِدَ السِّكَّةُ، وَأَنْ يَتَّحِدَا فِي الرَّوَاجِ بِأَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الْمَأْخُوذَةُ تَرُوجُ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ وَأَنْ يَتَعَجَّلَ الدِّرْهَمَ، وَمُقَابَلَةٌ مِنْ عَيْنٍ، وَمَا مَعَهَا. وَوَجْهُ التَّفَاضُلِ فِي هَذِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ يُفْرَضُ مَعَهَا عَيْنًا، وَأَشَارَ خَلِيلٌ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: وَجَازَتْ مُبَادَلَةُ الْقَلِيلِ الْمَعْدُودِ إلَخْ. وَإِلَى الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ: بِخِلَافِ تِبْرٍ يُعْطِيهِ الْمُسَافِرُ وَأُجْرَتُهُ دَارَ الضَّرْبِ؛ لِيَأْخُذَ زِنَتَهُ. وَإِلَى الثَّالِثَةِ بِقَوْلِهِ: وَبِخِلَافِ دِرْهَمٍ بِنِصْفٍ وَفُلُوسٍ إلَخْ. ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ مُتَفَاضِلًا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَلَا) بَيْعُ (فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ) لَا مُرَاطَلَةَ وَلَا مُبَادَلَةَ فِي أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةٍ.

(إلَّا) أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ (مِثْلًا بِمِثْلٍ) ، وَمَقْبُوضًا (يَدًا بِيَدٍ) فِي غَيْرِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ: مُبَادَلَةُ الْعَدَدِ الْقَلِيلِ، وَإِعْطَاءُ الْمُسَافِرِ نَحْوَ التِّبْرِ وَيَأْخُذُ مَسْكُوكًا، وَمَسْأَلَةُ الدِّرْهَمِ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ الْمُمَاثَلَةُ وَوُجِدَتْ الْمُنَاجَزَةُ جَازَ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمُبَادَلَةِ أَوْ الْمُرَاطَلَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ بِصَنْجَةٍ أَوْ كِفَّتَيْنِ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ بِنَوْعِهَا شَرَعَ فِي بَيْعِهَا بِغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ: (وَ) بَيْعُ (الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ رِبًا) فَيَحْرُمُ فِي كُلِّ حَالٍ (إلَّا يَدًا بِيَدٍ) أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْمُقَابَضَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْوَزْنِ وَالْعَدَدِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» وَتَلَخَّصَ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا، وَأَمَّا النَّسَاءُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُطْلَقًا مُخْتَلِفًا أَوْ مُتَّفِقًا مَسْكُوكًا أَوْ غَيْرَهُ.

1 -

(تَنْبِيهٌ) بَيْعُ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: إمَّا مُرَاطَلَةٌ، وَإِمَّا مُبَادَلَةٌ، وَإِمَّا صَرْفٌ، فَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ وَزْنًا، وَالْمُبَادَلَةُ بَيْعُ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ عَدَدًا، وَالصَّرْفُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِفُلُوسٍ، وَتَجِبُ الْمُنَاجَزَةُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ بِعَدَمِهَا وَلَوْ قَرِيبًا أَوْ غَلَبَةً، وَأَمَّا الْمُسَاوَاةُ فَتَجِبُ فِي الْمُرَاطَلَةِ، وَكَذَا فِي الْمُبَادَلَةِ إذَا زَادَ الْعَدَدُ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَوْ بَعْضِهَا أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ.

1 -

(فَرْعٌ) لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْإِنَاءِ الْمَصْنُوعِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ إقْنَاؤُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ فِي حَقِّ الْأُنْثَى، وَلَكِنْ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ يَصْنَعُهُ حُلِيًّا بِعَرَضٍ أَوْ نَقْدٍ، لَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ اُشْتُرِطَتْ الْمُنَاجَزَةُ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ اُشْتُرِطَتْ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ وَالْمُنَاجَزَةُ، وَأَمَّا الْمُصَنَّعُ مِنْ النَّقْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِالْعَرَضِ، وَلَا يَجُوزُ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا وَلَوْ التَّابِعُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَمَّا الْمُحَلَّى بِالنَّقْدَيْنِ فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ حُلِّيَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِأَحَدِهِمَا إلَّا إنْ تَبِعَا الْجَوْهَرَ بِأَنْ كَانَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ الثُّلُثَ، وَالْجَوْهَرُ الثُّلُثَيْنِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ بِجِنْسِ الْأَقَلِّ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ، فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ قَدْرَ الْفِضَّةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ إلَّا بِالْعَرَضِ.

(خَاتِمَةٌ) وَقَعَ خِلَافٌ فِي عِلَّةِ الرِّبَا فِي النُّقُودِ، فَقِيلَ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا عَلَى الثَّانِي.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرِّبَا فِي النَّقْدَيْنِ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَطْعِمَةِ وَبَيَانِ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا مِنْهَا، وَمَا لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِقَوْلِهِ:(وَالطَّعَامُ) الْكَائِنُ (مِنْ الْحُبُوبِ) ذَاتِ السُّنْبُلِ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا السُّلْتُ (وَ) الْكَائِنُ مِنْ (الْقُطْنِيَّةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَوْ ضَمِّهَا وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا، وَتُجْمَعُ عَلَى قَطَانِيٍّ كَالْفُولِ وَالْحِمَّصِ وَالْبَسِيلَةِ وَالْجُلْبَانِ وَالتُّرْمُسِ وَاللُّوبِيَا وَالْكِرْسِنَّةِ، وَهِيَ قَرِيبَةٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ وَفِي لَوْنِهَا حُمْرَةٌ، وَالْبَاجِيُّ يَقُولُ: هِيَ الْبَسِيلَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ بِالْمَحَلِّ وَلَا تَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ.

(وَ) مِنْ (شَبَهِهَا) أَيْ الْقُطْنِيَّةِ (مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ) كَزَبِيبٍ أَوْ لَحْمٍ (أَوْ إدَامٍ) كَسَمْنٍ وَعَسَلٍ وَخُبْزٍ الطَّعَامُ الْوَاقِعُ مُبْتَدَأً. (لَا يَجُوزُ) بَيْعُ (الْجِنْسِ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) لِلسَّلَامَةِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَلِلسَّلَامَةِ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ اُشْتُرِطَ كَوْنُهُ (يَدًا بِيَدٍ) وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يَدًا بِيَدٍ، وَيَفْسُدُ الْبَيْعُ بِالتَّأْخِيرِ وَلَوْ قَرِيبًا، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ إنْ وُجِدَ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ، وَإِلَّا فَالْمِعْيَارُ لِأَهْلِ مَحَلِّ الْبَيْعِ، فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَهُمْ بِأَمْرَيْنِ اُعْتُبِرَ الْغَالِبُ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ أَحَدُهُمَا، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيمَا يُوزَنُ بِشَيْءٍ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى التَّحَرِّي إنْ أَمْكَنَ، وَأَمَّا نَحْوُ الْمَكِيلِ وَالْمَعْدُودِ فَلَا يَحْصُلُ فِيهِمَا تَعَذُّرٌ، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَاعْتُبِرَتْ الْمُمَاثَلَةُ بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ، وَإِلَّا فَبِالْعَادَةِ، فَإِنْ عَسُرَ الْوَزْنُ جَازَ التَّحَرِّي عِنْدَ إمْكَانِهِ، وَإِلَّا امْتَنَعَ وَيَجِبُ اعْتِبَارُ الْوَزْنِ.

(تَنْبِيهٌ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَنَّ عِلَّةَ أَيْ عَلَامَةَ كَوْنِ الطَّعَامِ رِبَوِيًّا أَنْ يَكُونَ يَحْصُلُ بِهِ

ص: 74

خِلَافِهِ كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لَا يُدَّخَرُ وَلَا بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ، وَمَا لَا يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ.

وَسَائِرِ الْإِدَامِ وَالطَّعَامِ

وَالشَّرَابِ إلَّا الْمَاءَ وَحْدَهُ، وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ إلَّا فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ.

وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ

ــ

[الفواكه الدواني]

الِاقْتِيَاتُ وَيُمْكِنَ ادِّخَارُهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: عِلَّةُ طَعَامِ الرِّبَا اقْتِيَاتٌ وَادِّخَارٌ، وَهَلْ لِغَلَبَةِ الْعَيْشِ تَأْوِيلَانِ، وَلِذَلِكَ جَرَى الْخِلَافُ فِي رِبَوِيَّةِ التِّينِ وَالزَّيْتِ وَالْجَرَادِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَدْخُلُ إلَّا فِي الطَّعَامِ الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ الْمُتَّحِدِ الْجِنْسِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَمَعْنَى الِاقْتِيَاتِ قِيَامُ بِنْيَةِ الْآدَمِيِّ بِهِ، وَمَعْنَى الْإِدْخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ الْمَعْرُوفِ فِيهِ.

وَلَمَّا كَانَ رِبَا النَّسَاءِ، وَهُوَ التَّأْخِيرُ مُحَرَّمًا وَلَوْ فِي مُطْلَقِ الْجِنْسَيْنِ الْمَطْعُومَيْنِ قَالَ:(وَلَا يَجُوزُ) بَيْعُ (طَعَامٍ بِطَعَامٍ إلَى أَجَلٍ) وَلَوْ قَرِيبًا (كَانَ مِنْ جِنْسِهِ) كَقَمْحٍ بِمِثْلِهِ (أَوْ مِنْ خِلَافِهِ) سَوَاءٌ (كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ) كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ (أَوْ لَا يُدَّخَرُ) كَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ؛ لِدُخُولِ رِبَا النَّسَاءِ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ، فَتَخَلَّصَ أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ، وَأَمَّا رِبَا النَّسَاءِ الَّذِي هُوَ التَّأْخِيرُ فَيَدْخُلُ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ، وَمُخْتَلِفِهِ وَلَوْ غَيْرَ مُقْتَاتٍ غَالِبًا كَالْخِيَارِ وَالْفَوَاكِهِ؛ لِأَنَّ رِبَا النَّسَاءِ يَدْخُلُ فِي كُلِّ مَا فِيهِ الطَّعْمِيَّةُ، وَلَمَّا كَانَ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَدْخُلُ إلَّا فِي الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ قَالَ:(وَلَا بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ) أَيْ بِبَيْعِ الْفَوَاكِهِ كَالْخَوْخِ وَالْمِشْمِشِ (وَالْبُقُولِ) كَالْخَسِّ وَالْهُنْدُبَا مِنْ كُلِّ مَا يُجَزُّ مِنْ أَصْلِهِ.

(وَ) كُلُّ (مَا لَا يُدَّخَرُ) مِنْ الْخُضَرِ، وَهِيَ كُلُّ مَا يُجَزُّ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ كَالْمُلُوخِيَّةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَلَوْ (مُتَفَاضِلًا، وَإِنْ كَانَ) جَمِيعُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) حَيْثُ وَقَعَ التَّنَاجُزُ (يَدًا بِيَدٍ) وَلَمَّا قَدَّمَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ عَلَامَةَ الطَّعَامِ الَّذِي يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ الِاقْتِيَاتُ وَالِادِّخَارُ، ذَكَرَ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَافٍ فَقَالَ:(وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنْ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ) كَالْبُنْدُقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ الْإِدْخَارُ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، بَلْ الْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ مِنْ الِاقْتِيَاتِ وَالْإِدْخَارِ، وَقِيلَ كَوْنُهُ مُتَّخَذًا لِلْعَيْشِ غَالِبًا، فَالْمُفْتَى بِهِ مَا عَلَيْهِ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الْفَوَاكِهَ لَا يَدْخُلُهَا رِبَا الْفَضْلِ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا.

قَالَ خَلِيلٌ: لَا خَرْدَلَ وَزَعْفَرَانَ وَخُضَرَ وَدَوَاءَ وَتِينَ، وَمَوْزَ وَفَاكِهَةَ وَلَوْ اُدُّخِرَتْ بِقُطْرٍ، أَيْ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهَا بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الشُّيُوخِ رِبَوِيَّةَ التِّينِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِدْخَارِ كَوْنُهُ لِلْعَيْشِ غَالِبًا.

(وَ) كَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ (سَائِرِ) أَنْوَاعِ (الْإِدَامِ) كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ، فَقَوْلُهُ: وَسَائِرِ بِالْجَرِّ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ: فِيمَا يُدَّخَرُ (وَ) كَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيمَا اتَّحَدَ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ (الطَّعَامِ) الْكَائِنَةِ مِنْ غَيْرِ الْحُبُوبِ كَاللَّحْمِ وَالْمَرَقِ فَلَا يَتَكَرَّرُ مَعَ مَا سَبَقَ.

(وَ) كَذَا لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي كُلِّ مَا اتَّحَدَ مِنْ أَنْوَاعِ (الشَّرَابِ) الْمُتَّخَذَةِ مِمَّا هُوَ رِبَوِيٌّ كَالشَّرَابِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ التَّمْرِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اتِّحَادَ الْجِنْسِيَّةِ تَابِعٌ لِلْغَرَضِ، فَنَحْوُ الْأَنْبِذَةِ كُلِّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أُصُولُهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وَالْغَرَضَ مِنْهَا الْحَلَاوَةُ، كَمَا أَنَّ الْخُلُولَ كُلَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْحُمُوضَةُ، وَكَذَا سَائِرُ الْأَلْبَانِ وَلَوْ مِنْ بَهِيمَةٍ وَآدَمِيٍّ، بِخِلَافِ الْعُسُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْأُصُولِ فَإِنَّهَا أَجْنَاسٌ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا فِي اسْتِعْمَالِهَا. ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الشَّرَابِ قَوْلَهُ:(إلَّا الْمَاءَ وَحْدَهُ) فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالطَّعَامِ لِأَجَلٍ وَلَوْ مَاءَ زَمْزَمَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الطَّعَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْعَذْبُ، وَهُوَ مَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ وَلَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَثَانِيهمَا الْأُجَاجُ، وَهُوَ مَا لَا يُشْرَبُ لِمَرَارَتِهِ كَالْبَحْرِ الْمَالِحِ، وَهُوَ جِنْسٌ آخَرُ، فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْجِنْسَيْنِ بِالْآخَرِ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا إلَى أَجَلٍ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمَاءِ بِمَاءٍ مِنْ جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ جَازَ، وَلَوْ إلَى أَجَلٍ، وَأَمَّا عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ وَيَمْتَنِعُ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ إنْ كَانَ هُوَ الْمُعَجَّلُ فَفِيهِ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا، وَإِنْ كَانَ الْمُعَجَّلُ هُوَ الْكَثِيرَ فَفِيهِ تُهْمَةُ ضَمَانٍ بِجُعْلٍ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا اتَّحَدَ جِنْسُهُ، وَهُوَ غَيْرُ رِبَوِيٍّ.

ثُمَّ صَرَّحَ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ بِقَوْلِهِ: (، وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ غَيْرِ الْحُبُوبِ. (وَمِنْ سَائِرِ) أَيْ جَمِيعِ (أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ) وَلَوْ الْمُقْتَاتَةَ الْمُدَّخَرَةَ (وَمِنْ) سَائِرِ أَنْوَاعِ (الثِّمَارِ وَالطَّعَامِ) وَخَبَرُ مَا الْوَاقِعَةِ مُبْتَدَأً قَوْلُهُ: (فَلَا بَأْسَ) أَيْ فَلَا حَرَجَ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضِ الْآخَرِ (بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ) حَالَةَ كَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (يَدًا بِيَدٍ) أَيْ مُنَاجَزًا فِيهِ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِيهِ الرِّبَا: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ، وَإِنَّمَا كَرَّرَ قَوْلَهُ:(وَلَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مُطْلَقِ الطَّعَامِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: (إلَّا فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ) وَلَوْ اُدُّخِرَتْ بِقُطْرٍ؛ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ حُرْمَةَ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ الْجِنْسُ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ.

وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ

ص: 75

وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ صِنْفٌ وَالْقُطْنِيَّةُ أَصْنَافٌ فِي الْبُيُوعِ وَاخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ.

وَلُحُومُ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ وَالْوَحْشِ صِنْفٌ وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلُّهُ صِنْفٌ وَلُحُومُ دَوَابِّ

ــ

[الفواكه الدواني]

لَا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ بِشَرْطِهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَمَا هُوَ أَجْنَاسٌ بِقَوْلِهِ:(وَالْقَمْحُ) مُبْتَدَأٌ (وَالشَّعِيرُ) ، وَهُمَا مُعَرَّفَانِ (وَالسُّلْتُ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ وَاللَّامِ السَّاكِنَةِ حَبٌّ بَيْنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ وَخَبَرُ الْقَمْحِ الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً (كَجِنْسٍ وَاحِدٍ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ (فِي) كُلِّ (مَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ) ؛ لِتَقَارُبِهِمَا فِي الْمَنْفَعَةِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ أَوْ السُّلْتِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، خِلَافًا لِلسُّيُورِيِّ وَعَبْدِ الْحَمِيدِ الصَّائِغِ وَتَبِعَهُمَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ:«فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ» إلَخْ وَدَلِيلُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَى الْمَشْهُورِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لِفَتًى عَلَفَ حِمَارَهُ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِك فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إلَّا مِثْلَهُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِ مِثْلُهُ، وَأَيْضًا اُشْتُهِرَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اتِّحَادُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ فِي الْجِنْسِيَّةِ، وَالنَّاسُ تَبَعٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ النَّاسِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ صِنْفٌ وَاحِدٌ فَإِنَّ السُّلْتَ يَلْحَق بِهِمَا بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَعْنَى قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: كَجِنْسٍ وَاحِدٍ أَيْ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا اتِّحَادُ جِنْسِيَّةِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَفِيهَا خِلَافٌ فَلَمْ يَزُلْ اتِّحَادُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ.

(وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ) أَحْمَرُهُ وَأَسْوَدُهُ رَدِيئُهُ وَجَيِّدُهُ جَدِيدُهُ وَعَتِيقُهُ (صِنْفٌ وَاحِدٌ) وَكَذَا كُلُّ أَفْرَادِ التِّينِ جِنْسٌ وَاحِدٌ (وَ) كَذَلِكَ (التَّمْرُ كُلُّهُ) بَرْنِيُّ وَصَيْحَانِيٌّ وَعَجْوَةٌ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَتَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَلَحْمُ طَيْرٍ، وَهُوَ جِنْسٌ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ جِنْسٌ، فَيَجِبُ التَّمَاثُلُ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ وَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ وَلَوْ شَكًّا، كَأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ رَطْبًا وَالْآخَرُ يَابِسًا، وَأَمَّا الْبَلَحُ قَبْلَ أَنْ يَتَتَمَّرَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُؤْكَلُ عَلَفٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَلَوْ بِالطَّعَامِ لِأَجَلٍ، وَأَمَّا الْبَلَحُ الْكَبِيرُ، وَهُوَ الرَّامِخُ أَوْ الْبُسْرُ، وَهُوَ الزَّهْوُ أَوْ الرُّطَبُ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِمِثْلِهِ، كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبَلَحِ الصَّغِيرِ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَعَامٍ، وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُسْرِ بِالزَّهْوِ؛ لِأَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِالرُّطَبِ وَلَا بِالتَّمْرِ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِنَوْعِهِ بِشَرْطِ التَّمَاثُلِ وَالتَّنَاجُزِ إلَّا الرَّطْبَ بِالْيَابِسِ، فَلَا يُبَاعُ الْقَمْحُ الْيَابِسُ بِالْبَلِيلَةِ، وَلَا الْفُولُ الْيَابِسُ بِالْحَارِّ، وَلَا النَّبِيذُ بِالتَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ وَلَوْ مُتَمَاثِلًا، بِخِلَافِ الْخَلِّ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِهِمَا وَلَوْ مُتَفَاضِلًا لِبُعْدِ الْخَلِّ عَنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَأَمَّا الْخَلُّ وَالنَّبِيذُ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مَعَ التَّمَاثُلِ وَالتَّنَاجُزِ لَا مَعَ التَّفَاضُلِ أَوْ عَدَمِ التَّنَاجُزِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ لِقُرْبِ الْخَلِّ مِنْ النَّبِيذِ، فَلَا يُشْكَلُ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا انْتَقَلَ عَنْ أَصْلِهِ صَارَ كَالْجِنْسِ الْآخَرِ،؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَ الْبُعْدِ كَاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ مَعَ النِّيءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(وَالْقُطْنِيَّةُ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَوْ ضَمِّهَا وَاحِدَةُ الْقَطَانِيِّ كُلُّ مَا لَهُ غِلَافٌ يُخْزَنُ بِهِ كَالْفُولِ وَالْعَدَسِ وَالْبَسِيلَةِ وَالْحِمَّصِ وَالْجُلْبَانِ وَالتُّرْمُسِ وَعَنْهَا الْكِرْسِنَّةُ حَبٌّ قَرِيبٌ مِنْ الْبَسِيلَةِ فِيهِ حُمْرَةٌ، وَقَالَ الْبَاجِيُّ: هِيَ الْبَسِيلَةُ (وَأَصْنَافٌ فِي الْبُيُوعِ) عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَذْهَبِ (وَ) إنْ (اخْتَلَفَ فِيهَا قَوْلُ مَالِكٍ) فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْخِلَافِ مَا صَدَّرَ بِهِ مِنْ أَنَّهَا أَنْوَاعٌ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي النَّوْعَيْنِ مِنْهُ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ) أَيْ الْإِمَامِ فِيهَا (فِي الزَّكَاةِ) بَلْ جَزَمَ (أَنَّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ) يُضَمُّ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فِي الزَّكَاةِ حَتَّى يَكْمُلَ النِّصَابُ رِفْقًا بِالْفُقَرَاءِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ كَقَمْحٍ وَشَعِيرٍ وَسُلْتٍ، وَعَدَمُ اخْتِلَافِ قَوْلِ الْإِمَامِ بِالنَّظَرِ إلَى مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ فِي الْمَوَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّهَا أَصْنَافٌ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُدَوَّنَةَ يُقَدَّمُ مَا فِيهَا عَلَى مَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ.

1 -

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَحْوِ الْأُرْزِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ هِيَ أَجْنَاسٌ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ فِي الْبُيُوعِ وَالزَّكَاةِ.

الثَّانِي: عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ الْمُقْتَاتِ الْمُدَّخَرِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَنْتَقِلْ عَنْ أَصْلِهِ، وَإِلَّا جَازَ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بِأَمْرٍ قَوِيٍّ بِحَيْثُ يُبْعِدُهُ عَنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ كَقَلْيِ الْحَبِّ أَوْ طَبْخِهِ أَوْ جَعْلِهِ خُبْزًا لَا بِطَحْنِهِ وَلَوْ عُجِنَ، وَلَا بِصَلْقِهِ إلَّا التُّرْمُسَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ جِنْسًا آخَرَ بِصَلْقِهِ وَوَضْعِهِ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِيرَ حُلْوًا، وَأَمَّا صَلْقُ الْقَمْحِ أَوْ الْفُولِ أَوْ الْحِمَّصِ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُلُهُ، فَلِذَا لَا يُبَاعُ الْيَابِسُ بِالْمَصْلُوقِ مِنْهَا، وَمَا يَقَعُ فِي الْأَرْيَافِ مِنْ بَيْعِ الْفُولِ الْحَارِّ بِالْيَابِسِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.

وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْجِنْسِ وَالْأَجْنَاسِ مِنْ الْحُبُوبِ شَرَعَ يُبَيِّنُ الْمُتَّحِدَ وَالْمُخْتَلِفَ مِنْ أَنْوَاعِ غَيْرِ الْحُبُوبِ بِقَوْلِهِ (وَلُحُومُ) مُبْتَدَأٌ (ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ مِنْ الْأَنْعَامِ) كَالْبَقَرِ وَالضَّأْنِ وَالْإِبِلِ (وَ) مِنْ (الْوَحْشِ) كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ وَخَبَرُ لَحْمٌ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ.

قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْمَطْبُوخُ كُلُّهُ صِنْفٌ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَةُ طَبْخِهِ كَقَلْيِهِ بِعَسَلٍ وَأُخْرَى بِخَلٍّ أَوْ لَبَنٍ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ طَبْخِهَا بِأَبْزَارٍ

ص: 76

الْمَاءِ كُلِّهَا صِنْفٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ وَجُبْنُهُ وَسَمْنُهُ صِنْفٌ.

ــ

[الفواكه الدواني]

أَمْ لَا، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الطَّبْخَ بِالْأَبْزَارِ نَاقِلٌ عَنْ اللَّحْمِ الَّذِي لَمْ يُطْبَخْ، وَفَائِدَةُ الِاتِّحَادِ فِي الصِّنْفِيَّةِ وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ، وَحُرْمَةُ التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلَوْ لَحْمُ جَمَلٍ بِلَحْمِ ضَأْنٍ (وَ) كَذَلِكَ (لَحْمُ الطَّيْرِ كُلِّهَا) الْإِنْسِيُّ وَالْوَحْشِيُّ كَالنَّعَامَةِ وَلَوْ طَيْرَ مَاءٍ أَوْ جَرَادٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِنْ الطَّعَامِ الرِّبَوِيِّ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ خَبَرُ لُحُومٍ، فَالرَّخَمَةُ مِثْلُ الْحَمَامَةِ، وَالْحِدَأَةُ مِثْلُ الدَّجَاجَةِ وَالْغُرَابِ عَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَرَقَةُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ.

(تَنْبِيهٌ) . هَذَا فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْمُبَاحَةِ وَالطُّيُورِ الْمُبَاحَةِ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا بَأْسَ بِلَحْمِ الْأَنْعَامِ بِالْخَيْلِ وَسَائِرِ الدَّوَابِّ نَقْدًا، وَمُؤَجَّلًا لِأَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا، وَأَمَّا بِالْهِرِّ وَالثَّعْلَبِ وَالضَّبُعِ فَمَكْرُوهٌ بَيْعُ لَحْمِ الْأَنْعَامِ بِهَا لِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي أَكْلِهَا، وَمَالِكٌ يَكْرَهُ أَكْلَهَا مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ مَكْرُوهَ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ مِنْهَا، وَإِلَّا حَرُمَ بَيْعُ لَحْمِ الْمُبَاحِ مِنْهَا بِالْمَكْرُوهِ مُتَفَاضِلًا، وَحَرُمَ أَيْضًا بَيْعُ الْحَيِّ بِلَحْمٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ مِنْ جِنْسِهِ، وَلَكِنْ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ وَعَلَيْهِ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَ لَحْمِ الْمَكْرُوهِ وَالْمُبَاحِ، كَمَا يُكْرَهُ بَيْعُ الْحَيِّ مِنْ الْمَكْرُوهِ بِلَحْمِ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَوْ الْمَكْرُوهِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا فِي الْأُجْهُورِيِّ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ الطَّيْرِ مَا جَرَى فِي مَكْرُوهِ الْأَكْلِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ.

(وَلُحُومُ) مُبْتَدَأٌ (دَوَابِّ الْمَاءِ) كَضُفْدَعٍ وَسَمَكٍ وَتِمْسَاحٍ وَآدَمِيِّ الْمَاءِ وَكَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِهِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ مِنْهَا (كُلِّهَا) وَخَبَرُ لُحُومُ (صِنْفٌ) وَاحِدٌ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ مَرَقَتُهُ، وَلَا يَنْتَقِلُ الصَّبْرُ بِتَمْلِيحِهِ عَنْ أَصْلِهِ فَالْفَسْخُ لَا يَخْرُجُ عَنْ جِنْسِ الْحُلْوِ.

وَفِي الْأُجْهُورِيِّ: أَنَّ الْبَطَارِخَ فِي حُكْمِ الْمُودَعِ فِي السَّمَكِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَيُبَاعُ بِالسَّمَكِ، وَلَوْ مُتَفَاضِلًا، كَمَا يُبَاعُ الطَّيْرُ وَلَحْمُهُ بِبَيْضِهِ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا، وَلَوْ فِي قِيَاسِ الْبَطَارِخِ عَلَى الْبَيْضِ وَقْفَةٌ لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَأَيْضًا الْبَطَارِخُ كَالشَّحْمِ، وَالشَّحْمُ كَاللَّحْمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَ) كُلُّ (مَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ) مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الطُّيُورِ أَوْ دَوَابِّ الْمَاءِ (مِنْ شَحْمٍ) أَوْ كَبِدٍ أَوْ قَلْبٍ أَوْ طِحَالٍ أَوْ رَأْسٍ (فَهُوَ كَلَحْمِهِ) بَلْ الْعَظْمُ وَالْمَرَقُ وَالْجِلْدُ كَذَلِكَ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَالْمَرَقُ وَالْعَظْمُ وَالْجِلْدُ كَهُوَ، لَكِنْ إنْ كَانَ الْعَظْمُ مُتَّصِلًا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ فِي حُرْمَةِ التَّفَاضُلِ؛ لِأَجْلِ الْعَظْمِ؛ لِأَنَّهُ كَاللَّحْمِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُنْفَصِلًا عَنْ اللَّحْمِ فَإِنَّمَا يَكُونُ كَاللَّحْمِ إذَا كَانَ يُمْكِنُ أَكْلُهُ كَالْقُرْقُوشَةِ إلَّا إنْ لَمْ يُمْكِنْ أَكْلُهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ أَجْنَبِيًّا كَنَوَى الْبَلَحِ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: فَائِدَةُ كَوْنِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ اللَّحْمِ كَاللَّحْمِ حُرْمَةُ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ فِي الْحُبُوبِ مَا لَمْ يَنْتَقِلْ اللَّحْمُ عَنْ أَصْلِهِ، وَإِلَّا جَازَ التَّفَاضُلُ وَنَقْلُ اللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ عَنْ اللَّحْمِ النِّيءِ أَنْ يُطْبَخَ مَعَ شَيْءٍ مِنْ الْأَبْزَارِ، وَلَوْ الْخَفِيفَةَ كَالْأُرْزِ أَوْ الْبَصَلِ زِيَادَةً عَلَى الْمِلْحِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعِيَّةَ لَا تُشْتَرَطُ، وَمِثْلُ طَبْخِ اللَّحْمِ بِالْأَبْزَارِ شَيُّهُ أَوْ تَجْفِيفُهُ بِالشَّمْسِ أَوْ الْهَوَاءِ بِالْأَبْزَارِ، وَأَمَّا طَبْخُهُ بِغَيْرِ أَبْزَارٍ فَلَا يَنْقُلُهُ عَنْ اللَّحْمِ النِّيءِ؛ لِأَنَّهُ صَلْقٌ، وَإِنْ نَقَلَهُ عَنْ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ.

الثَّانِي: لَوْ طُبِخَ لَحْمٌ مِنْ جِنْسَيْنِ فِي قِدْرٍ أَوْ قُدُورٍ، فَإِنْ طُبِخَا بِغَيْرِ أَبْزَارٍ أَوْ طُبِخَ أَحَدُهُمَا بِهَا وَالْآخَرُ بِدُونِهَا فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا فَيُبَاعُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَلَوْ مُتَفَاضِلًا، وَأَمَّا لَوْ طُبِخَا بِأَبْزَارٍ وَلَوْ فِي قِدْرَيْنِ فَقِيلَ هُمَا بَاقِيَانِ عَلَى اخْتِلَافِهِمَا، وَقِيلَ صَارَا جِنْسًا وَاحِدًا فَيَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا هُمَا مَعَ لَحْمٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ نِيئًا أَوْ مَطْبُوخًا بِغَيْرِ نَاقِلٍ فَيَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِمَا لِانْتِقَالِهِمَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَطْبُوخًا بِنَاقِلٍ لَجَرَى فِيهِ الْخِلَافُ.

1 -

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَلْبَانِ بِقَوْلِهِ: (وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ) الْمُتَقَدِّمِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ الْإِنْسِيِّ مِنْهُ وَالْوَحْشِيِّ كُلِّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ.

(وَ) كَذَلِكَ (جُبْنُهُ وَسَمْنُهُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا (صِنْفٌ) فَصِنْفٌ مُقَدَّرٌ فِي الْأَلْبَانِ وَالْجُبْنِ، وَلَا يَتَوَهَّمُ عَاقِلٌ فَضْلًا عَنْ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْجُزُولِيُّ تَقْدِيرُ كَلَامِهِ: وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الصِّنْفِ صِنْفٌ وَجُبْنُهُ صِنْفٌ وَسَمْنُهُ صِنْفٌ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا، فَلَا إشْكَالَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالْعَلَّامَةُ خَلِيلٍ كَثِيرًا مَا يَسْلُكُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَمْرٌ وَزَبِيبٌ وَلَحْمُ طَيْرٍ، وَهُوَ جِنْسُ الْمُرَادِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ جِنْسٌ، وَكَوْنُ أَلْبَانِ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ صِنْفًا يُوهِمُ أَنَّ لَبَنَ الْآدَمِيِّ صِنْفٌ آخَرُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمِيعُ صِنْفٌ وَاحِدٌ.

قَالَ خَلِيلٌ: وَمُطْلَقُ لَبَنٍ، قَالَ شُرَّاحُهُ: وَلَوْ لَبَنُ آدَمِيِّ الْجَمِيعِ صِنْفٌ وَاحِدٌ، فَكَانَ الْأَحْسَنُ لِلْمُصَنِّفِ أَنْ لَوْ قَالَ: وَجَمِيعُ الْأَلْبَانِ: صِنْفٌ لِيُوَافِقَ كَلَامَ خَلِيلٍ، وَلِيَشْمَلَ الْمَخِيضَ مِنْهُ وَالْمَضْرُوبَ وَالْحَلِيبَ، فَيُبَاعُ الْحَلِيبُ بِالْمَخِيضِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ.

(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إذَا عَرَفْت مَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ صِنْفٌ يَطْرَأُ عَلَيْك إشْكَالٌ، وَهُوَ إيهَامُ جَوَازِ بَيْعِ اللَّبَنِ الْحَلِيبِ بِالسَّمْنِ أَوْ الْجُبْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْحُكْمُ الْمَنْعُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُزَابَنَةِ، وَأَنْوَاعُ اللَّبَنِ مِنْ فُرُوعِهَا سَبْعَةٌ: حَلِيبٌ، وَمَخِيضٌ، وَمَضْرُوبٌ وَجُبْنٌ وَزُبْدٌ وَسَمْنٌ وَأَقِطٌ، وَالصُّوَرُ الْحَاصِلَةُ مِنْ بَيْعِ

ص: 77