الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُشْتَرِي» ، وَإِذَا كَانَ مَالُهُ لَا يَتْبَعُهُ فَأَحْرَى وَلَدُهُ. وَقَوْلُنَا: يَمْلِكُ جَمِيعَهُ احْتِرَازٌ عَنْ الْمُشْتَرَكِ وَالْمُبَعَّضِ، فَإِنَّ مَالَ الْمُشْتَرَكِ يَكُونُ لِمُشْتَرِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَحَدَ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ انْتِزَاعُهُ إلَّا بِمُوَافَقَةِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْبَائِعُ، وَإِلَّا كَانَ لَهُ، وَأَمَّا الْمُبَعَّضُ فَإِنَّ مَالَهُ يَبْقَى بِيَدِهِ لِيَأْكُلَ مِنْهُ فِي يَوْمِ نَفْسِهِ، وَإِذَا مَاتَ وَرَثَةُ الْمُتَمَسِّكِ بِالرِّقِّ، وَقَوْلُنَا: سِوَى ثِيَابِ مَهْنَتِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ خِدْمَتِهِ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَى ذَاتِ الْعَبْدِ يَتَنَاوَلُهَا، وَاخْتُلِفَ لَوْ شَرَطَهَا الْبَائِعُ هَلْ يُوَفَّى لَهُ بِشَرْطِهِ أَوْ لَا خِلَافَ، وَقَوْلُنَا: كُلُّهُ احْتِرَازٌ عَلَى اشْتِرَاطِ بَعْضِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِأَشْهَبَ، كَمَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَعْضِ الصُّبْرَةِ أَوْ بَعْضِ الزَّرْعِ أَوْ حِلْيَةِ السَّيْفِ أَوْ أَحَدِ عَبْدَيْنِ يَبِيعُهُمَا وَيَسْتَثْنِي مَالَ أَحَدِهِمَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ إجْمَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْمُرَادُ يَشْتَرِطُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْعَبْدِ؟ . وَالْحُكْمُ الْجَوَازُ فِيهِمَا وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، لَكِنْ فِي اشْتِرَاطِهِ لِلْعَبْدِ الْبَيْعُ صَحِيحٌ مُطْلَقًا، وَأَمَّا فِي اشْتِرَاطِهِ لِنَفْسِ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْعَبْدِ مِمَّا يُبَاعُ بِهِ مَالُهُ، وَأَنْ يَشْتَرِطَهُ جَمِيعَهُ، وَأَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، وَهَذَا عَلَى اخْتِيَارِ اللَّخْمِيِّ، وَأَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ ابْنِ نَاجِي حَيْثُ قَالَ: مَالُ الْعَبْدِ بِالنِّسْبَةِ لِبَيْعِهِ كَالْعَدَمِ عَلَى الْمَعْرُوفِ، فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، وَلَا يُرَاعَى فِيهِ رِبًا وَلَا صَرْفُ مُسْتَأْخِرٍ وَلَا تَفَاضُلٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالَهُ تَبَعٌ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ نَاجِي سَوَاءٌ قَالَ الْمُشْتَرِي: أَشْتَرِيهِ بِمَالِهِ، أَوْ قَالَ: أَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ وَمَالَهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى وَمَالُهُ مَعَ مَالِهِ، وَصَلَ الْأَقْفَهْسِيُّ بَيْنَ قَوْلِهِ بِمَالِهِ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَشْتَرِيهِ وَمَالَهُ فَيُرَاعَى فِيهِ الرِّبَا، فَإِنْ كَانَ مَالُهُ عَيْنًا لَا يَجُوزُ بِعَيْنٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَقَالَ الْأُجْهُورِيُّ: وَقَوْلُ ابْنِ نَاجِي عَلَى الْمَعْرُوفِ يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُشْتَرَطَ فَإِنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: بَاعَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ مِثْلُهُ كُلُّ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ، فَإِنْ دَفَعَهُ صَدَاقًا أَوْ خَالَعَتْ بِهِ الزَّوْجَةُ فَمَالُهُ لِلزَّوْجِ فِي الْأُولَى وَلِلزَّوْجَةِ فِي الثَّانِيَةِ، إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَهُ الزَّوْجَةُ فِي الْأُولَى أَوْ الزَّوْجُ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ أَوْ كِتَابَةٍ فَإِنَّ مَالَهُ يَتْبَعُهُ وَلَوْ كَثُرَ إلَّا أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ عِتْقِهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُنْزَعُ مَالُهُ كَمَا يُشِيرُ لَهُ الْمُصَنِّفُ فِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ: وَمَالُ الْعَبْدِ لَهُ إلَّا أَنْ يَنْزِعَهُ السَّيِّدُ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ مَالَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْزِعَهُ، وَأَمَّا لَوْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ السَّيِّدِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَقِيلَ مَالُهُ يَتْبَعُهُ فَيَكُونُ لِلْمُعْطَى لَهُ، وَقِيلَ يَبْقَى لِلْمُعْطِي بِالْكَسْرِ.
الثَّالِثُ: إسْنَادُ الْمَالِ لِلْعَبْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ وَجَوَازِ انْتِزَاعِ السَّيِّدِ لِمَا لَهُ.
الرَّابِعُ: مِثْلُ الثِّمَارِ الْمُؤَبَّرَةِ، وَمَالِ الْعَبْدِ فِي كَوْنِهِمَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُمَا الْمُشْتَرِي خِلْفَةُ الْقَصِيلِ كَالْقَرَظِ وَالْبِرْسِيمِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُجَدُّ وَيَخْلُفُ كَالْمُلُوخِيَّةِ، فَإِنَّ خِلْفَتَهُ لِبَائِعِهِ حَتَّى يَشْتَرِطَهَا الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اشْتِرَاطُهَا حَيْثُ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَأْمُونَةٍ كَأَرْضِ السَّقْيِ، وَيُشْتَرَطُ جَمِيعُهَا، وَأَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطُهَا بِعَدِيدٍ وَصَلَاحِ أَصْلِهَا.
الْخَامِسُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ جَوَازِ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْبَائِعِ حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِيهِ خِلَافٌ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْخِلْفَةِ أَنْ تَكُونَ مَأْمُونَةً، وَأَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهَا قَبْلَ جُذَاذِ أَصْلِهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ حِينَئِذٍ تَابِعٌ.
[الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْغَيْبَةِ فِي الْمَبِيعِ عَلَى الصِّفَةِ بِاللُّزُومِ مَنْعُ بَيْعِ مَا فِي الْبَرْنَامَجِ قَبْلَ رُؤْيَتِهِ نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ) وَبَيْعِ (مَا فِي الْعِدْلِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ الثِّيَابِ مُعْتَمَدِينَ (عَلَى الْبَرْنَامَجِ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) مَكْتُوبَةٍ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدَّفْتَرُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ صِفَةُ مَا فِي الْعِدْلِ فَلَا بَأْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْجَوَازُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْجَائِزِ وَعَلَى الْبَرْنَامَجِ.
قَالَ شُرَّاحُهُ: أَوْ جَازَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ وَكَانَ الْأَصْلُ مَنْعَهُ حَتَّى يُنْظَرَ بِالْعَيْنِ لَكِنَّهُ أُجِيزَ لِمَا فِي حَلِّ الْعِدْلِ مِنْ الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ تَلْوِيثِ مَا فِيهِ، وَمُؤْنَةِ شَدِّهِ إلَى أَنْ يَرْضَهُ الْمُشْتَرِي فَأُقِيمَتْ الصِّفَةُ مَقَامَ الرُّؤْيَةِ، فَإِنْ وُجِدَ عَلَى الصِّفَةِ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ، وَإِلَّا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي، وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ الْمَعْلُومَةِ بَيَانُ عِدَّةِ الثِّيَابِ وَأَصْنَافِهَا وَذَرْعِهَا وَصِفَتِهَا.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: لَوْ تَنَازَعَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِ الْمَتَاعِ وَالْغَيْبَةِ عَلَيْهِ، فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ الثِّيَابَ الَّتِي فِي الْعِدْلِ مُوَافِقَةً لِمَا فِي الدَّفْتَرِ الَّذِي هُوَ الْبَرْنَامَجُ، وَالْحَالُ أَنَّ الدَّفْتَرَ قَدْ ضَاعَ أَوْ حُرِقَ أَوْ كَانَ مَوْجُودًا مَعَهُ، وَادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ مَا أَتَى بِهِ غَيْرَ مَا وَجَدَهُ فِي الْعِدْلِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَلَفَ مُدَّعٍ لِبَيْعِ بَرْنَامَجٍ أَنَّ مُوَافَقَتَهُ لِلْمَكْتُوبِ الْمُرَادِ فِي بَيْعِ بَرْنَامَجٍ، فَاللَّامُ بِمَعْنَى فِي، وَصِفَةُ يَمِينِهِ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ أَنَّ مَا فِي الْعِدْلِ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْبَرْنَامَجِ، وَحَمَلْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ الْبَرْنَامَجَ ضَاعَ أَوْ حُرِقَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا لَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ.
1 -
الثَّانِي: لَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي الثِّيَابَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْبَرْنَامَجِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَمْسِينَ ثَوْبًا مَثَلًا فَوَجَدَ زِيَادَةَ ثَوْبٍ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ الْبَائِعُ شَرِيكًا لِلْمُشْتَرِي بِجُزْءٍ مِنْ
يُوصَفُ.
أَوْ فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ لَا يَتَأَمَّلَانِهِ، وَلَا يَعْرِفَانِ مَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ.
وَلَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ جُزْءًا.
وَفِي رِوَايَةٍ: بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا، وَقَوْلُ مَالِكٍ: بِجُزْءٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ جُزْءًا رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْحَقُّ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ جُزْءًا، وَاعْتَذَرَ ابْنُ اللَّبَّادِ عَنْ مَالِكٍ بِأَنَّهُ أَدْخَلَ اللِّفَافَةَ فِي الْعَدَدِ، وَإِنْ نَاقَشَ فِيهِ عِيَاضٌ قَائِلًا: اللِّفَافَةُ مَلْغِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ فَهِيَ كَحَبْلِ الشَّدِّ، وَإِنْ وَجَدَ فِيهِ أَقَلَّ بِأَنْ وَجَدَ فِيهِ تِسْعَةً وَأَرْبَعِينَ ثَوْبًا وُضِعَ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا، فَإِنْ كَثُرَ النَّقْصُ رَدَّ الْمَبِيعَ وَلَا يَلْزَمُهُ أَخْذُهُ، وَمَحَلُّ الشَّرِكَةِ عِنْدَ الزِّيَادَةِ، وَالْوَضْعُ عِنْدَ ظُهُورِ النَّقْصِ إذَا كَانَ مَا فِي الْعِدْلِ مُتَّحِدِ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مُخْتَلِفًا كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ عَشَرَةٌ مِنْ الشَّاشِ وَعَشَرَةٌ مِنْ البفت ثُمَّ وُجِدَتْ الزِّيَادَةُ فِي أَحَدِ النَّوْعَيْنِ أَوْ النَّقْصِ لَكَانَ الِاشْتِرَاكُ أَوْ الْوَضْعُ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ فَقَطْ.
الثَّالِثُ: الْبَرْنَامَجِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ لَفْظَةٌ فَارِسِيَّةٌ اسْتَعْمَلَتْهَا الْعَرَبُ، وَالْمُرَادُ أَنَّهَا الدَّفْتَرُ الْمَكْتُوبُ فِيهِ صِفَةُ مَا فِي الْعِدْلِ الَّذِي هُوَ الْغِرَارُ.
قَالَ شَيْخُ شُيُوخِنَا الْأُجْهُورِيُّ رحمه الله: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكِتَابَةَ لَيْسَتْ بِقَيْدٍ، بَلْ لَوْ حَفِظَ الْبَائِعُ عَدَدَ الْعِدْلِ وَصِفَتَهُ وَبَاعَهُ عَلَى عَدَدِهِ وَوَصْفِهِ لَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا، وَذَكَرَ بَعْضٌ أَنَّ بَرْنَامَجًا مَصْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ، وَالْأَعْجَمِيُّ إنَّمَا يُمْنَعُ صَرْفُهُ إذَا اُسْتُعْمِلَ عَلَمًا فِي اللُّغَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ.
الرَّابِعُ: مِثْلُ بَائِعِ مَا فِي الْبَرْنَامَجِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ الصَّيْرَفِيُّ، وَالْمُقْرِضُ يَدَّعِي الْقَابِضَ مِنْهُمَا أَنَّهُ وَجَدَ مَا قَبَضَهُ رَدِيئًا أَوْ نَاقِصًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَا دَفَعْت إلَّا جَيِّدًا.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى بَيْعِ الْبَرْنَامَجِ: وَعَدَمُ دَفْعِ رَدِيءٍ أَوْ نَاقِصٍ، وَصِفَةُ يَمِينِهِ أَنْ يَحْلِفَ مَا يَعْلَمُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ، وَمَا دَفَعْت إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِي، إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ فَيَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ.
وَلَمَّا كَانَتْ عِلَّةُ جَوَازِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَرْنَامَجِ كَثْرَةَ الْمَشَقَّةِ بِحَلِّ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا وَنَشْرِهَا لِكَثْرَتِهَا ذَكَرَ مُحْتَرَزَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ) مَطْوِيٍّ يَشْتَرِطُ بَائِعُهُ عَلَى مُشْتَرِيهِ أَنَّهُ (لَا يُنْشَرُ) لَهُ (وَلَا يُوصَفُ) لَهُ وَقْتَ الْعَقْدِ، وَلَا سَبَقَ لَهُ رُؤْيَةٌ بَلْ يَبِيعُهُ عَلَى اللُّزُومِ بِمُجَرَّدِ لَمْسِهِ بِيَدِهِ وَلَا يُقَلِّبُهُ وَلَا يَعْرِفُ مَا فِيهِ.
قَالَ خَلِيلٌ مُشَبِّهًا فِي عَدَمِ الْجَوَازِ: وَكَمُلَامَسَةِ الثَّوْبِ أَوْ مُنَابَذَتِهِ فَيَلْزَمُ، وَأَمَّا لَوْ بَاعَهُ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ لَجَازَ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ نَوْعَهُ وَلَا جِنْسَهُ.
وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ الْعِلْمُ بِالْمَبِيعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الْبَتِّ، وَمَفْهُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: لَا يُنْشَرُ وَلَا يُوصَفُ أَنَّهُ لَوْ نُشِرَ لَجَازَ الشِّرَاءُ، وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَمَّا لَوْ وُصِفَ فَلَا يَجُوزُ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ فِي الشَّيْرَجِ الْمُدْرَجِ فِي جِرَابِهِ، وَمَحَلُّ الْقَوْلَيْنِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي رُؤْيَتِهِ فَسَادٌ، وَإِلَّا اُتُّفِقَ عَلَى الْجَوَازِ، كَمَا أَجَازُوا بَيْعَ قِلَالِ الْخَلِّ الْمُطَيَّنَةِ إذَا كَانَ الْفَتْحُ يُفْسِدُهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوءَةً أَوْ يُعْلَمُ مَا نَقَصَ مِنْهَا مِنْ ثُلُثٍ وَنَحْوِهِ، وَيَكْفِي عِلْمُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ مِنْ الْبَائِعِ، وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ صِفَةِ مَا فِيهَا مِنْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ مَا فِي الْبَرْنَامَجِ عَلَى الْوَصْفِ لِدَفْعِ الْمَشَقَّةَ، فَأَوْلَى لِدَفْعِ الْفَسَادِ الْمُؤَدِّي إلَى تَلَفِ الْمَالِ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ.
(أَوْ) أَيْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ (فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ) وَالْحَالُ أَنَّ الْبَائِعَ وَالْمُشْتَرِيَ (لَا يَتَأَمَّلَانِهِ وَلَا يَعْرِفَانِ مَا فِيهِ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اللُّزُومِ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ عِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَعَدَمُ جَهْلٍ بِمَثْمُونٍ أَوْ ثَمَنٍ وَلَوْ تَفْصِيلًا، وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ جِنْسَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلَا نَوْعَهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: فِي لَيْلٍ مُظْلِمٍ يُوهِمُ أَنَّ الْمُقْمِرَ يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ الْمُقْمِرُ كَالْمُظْلِمِ، وَكَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطَ لَفْظِ مُظْلِمٍ أَوْ ذِكْرِ مُقْمِرٍ مَعَ حَذْفِ مُظْلِمٍ لِيَكُونَ نَاصًّا عَلَى الْمُتَوَهِّمِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءٌ بِلَيْلٍ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، بَلْ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ نَهَارًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْبَتِّ كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا عَلَى الْخِيَارِ فَلَا بُطْلَانَ.
قَالَ خَلِيلٌ بِالْعَطْفِ عَلَى الْجَائِزِ وَغَائِبٍ: وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ.
الثَّانِي: قَوْلُهُ: لَا يَتَأَمَّلَانِهِ وَلَا يَعْرِفَانِ مَا فِيهِ جَعَلَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَالتَّعْلِيلِ لِسَابِقِهِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي اللَّيْلِ وَكَأَنَّهُ قَالَ: وَلَا يَجُوزُ الشِّرَاءُ فِي اللَّيْلِ لِعَدَمِ الْوُصُولِ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ لَيْلًا وَلَوْ تَأَمَّلَاهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِ الْأُمَّهَاتِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَبِيعِ لَا تُدْرَكُ لَيْلًا.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْبُرْزُلِيِّ: إذَا كَانَ الْعَاقِدُ يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا بِالْقَمَرِ مِثْلَ النَّهَارِ جَازَ.
قَالَ بَعْضُ شُيُوخِ شُيُوخِنَا الْأُجْهُورِيُّ: وَهَذَا الْخِلَافُ فِي شَهَادَةٍ.
الثَّالِثُ: إنَّمَا ثَنَّى الضَّمِيرَ فِي يَتَأَمَّلَانِهِ وَيَعْرِفَانِ؛ لِأَنَّهُ يُطْلَبُ الْعِلْمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَالْبَائِعُ قَدْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَةَ مَا عِنْدَهُ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّمَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْمُشْتَرِي لِعِلْمِ الْبَائِعِ بِشَيْئِهِ، وَثُبُوتُ النُّونِ فِي يَتَأَمَّلَانِهِ وَيَعْرِفَانِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ؛ لِأَنَّ لَا نَافِيَةٌ، وَأَمَّا عَلَى نُسْخَةِ إسْقَاطِهَا فَهُوَ عَلَى إجْرَاءِ لَا النَّافِيَةِ مَجْرَى النَّاهِيَةِ، أَوْ عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَحْذِفُ نُونَ الْأَفْعَالِ الْخَمْسَةِ لِمُجَرَّدِ التَّخْفِيفِ، وَجَاءَ عَلَيْهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَذَلِكَ إذَا رَكَنَا وَتَقَارَبَا لَا فِي أَوَّلِ التَّسَاوُمِ.
وَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ بِالْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَفْتَرِقْ الْمُتَبَايِعَانِ.
وَالْإِجَارَةُ جَائِزَةٌ.
إذَا ضَرَبَا
ــ
[الفواكه الدواني]
أَبَيْتُ أَسْرِي وَتَبِيتِي تُدَلِّكِي
…
وَجْهَك بِالْعَنْبَرِ وَالْمِسْكِ الزَّكِيّ
«وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: كَمَا تَكُونُوا يُوَلَّى عَلَيْكُمْ» وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الدَّابَّةَ كَالثَّوْبِ قَالَ: (وَكَذَلِكَ) لَا يَجُوزُ شِرَاءُ (الدَّابَّةِ) سَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَمْ لَا. (فِي لَيْلٍ) مُقْمِرٍ وَأَوْلَى (مُظْلِمٍ) عَلَى مَا عَلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا أَشْهَبُ فَفَصَّلَ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَيَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ حَيْثُ كَانَ الْمَقْصُودُ لَحْمَهُ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِاللَّيْلِ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ بِاللَّيْلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ شِرَاءَ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ مِنْ الطُّيُورِ كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي يُرَادُ مِنْهَا اللَّحْمُ، وَمُلَخَّصُ مَا فُهِمَ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ إدْرَاكُهُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي النَّهَارِ عَنْ إدْرَاكِهِ لَهُمَا فِي اللَّيْلِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَنَهَى عَنْ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ» فَالْمُلَامَسَةُ هِيَ لُزُومُ الْمَبِيعِ بِلَمْسِ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ إلَّا بِذَلِكَ، وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ لِآخَرَ وَلَا يَلْمِسَهُ وَلَا يَنْشُرَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُجَرَّدِ طَرْحِهِ لَهُ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ بِحَالِهِ، وَاللُّبْسَتَانِ إحْدَاهُمَا اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقِيهِ فَيَبْدُو أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللُّبْسَةُ الثَّانِيَةُ اخْتِبَاؤُهُ بِثَوْبٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي ذَلِكَ الْخِيَارِ لَجَازَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَمْرًا مُشَارِكًا لِمَا قَبْلَهُ فِي النَّهْيِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَسُومُ أَحَدٌ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي سَمَّاهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ صَاحِبِ الْعَطَاءِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:«لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا» وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْضَ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَلَا يَسُمْ عَلَى سَوْمِهِ» وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي فَهْمِ الْحَدِيثِ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ أَنَّ السَّوْمَ وَالْبَيْعَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عَلَى عَطَاءِ الْغَيْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ أَنَّهُمَا شَيْئَانِ فَالسَّوْمُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، وَالْبَيْعُ مُتَعَلِّقٌ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ السِّلْعَةُ. وَمِثَالُهُ أَنْ يَحْضُرَ شَخْصٌ لِصَاحِبِ سِلْعَةٍ وَيُرِيدُ شِرَاءَهَا مِنْهُ فَيَأْتِي شَخْصٌ آخَرُ بِسِلْعَةٍ وَيَقُولُ لِمَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ الْمَذْكُورَ: سِلْعَتِي هَذِهِ خَيْرٌ لَك مِنْ سِلْعَةِ فُلَانٍ الَّتِي أَرَدْت شِرَاءَهَا، وَأَنَا أَرْضَى مِنْك بِمَا أَعْطَيْت فِي سِلْعَةِ فُلَانٍ.
وَلَا شَكَّ فِي حُرْمَةِ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّبَاغُضِ، وَلَمَّا كَانَتْ حُرْمَةُ السَّوْمِ مَشْرُوطَةً بِمَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ رَكَنَ إلَى الْمُشْتَرِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَذَلِكَ) أَيْ وَمَحَلُّ حُرْمَةِ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ (إذَا رَكَنَا) أَيْ الْمُتَعَاقِدَانِ أَيْ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، وَفَسَّرَ التَّرَاكُنَ بِقَوْلِهِ:(وَتَقَارَبَا) بِأَنْ مَالَ الْبَائِعُ إلَى الْبَيْعِ وَالْمُشْتَرِي إلَى الشِّرَاءِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُمَا إلَّا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِاللَّفْظِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى عَطَاءِ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَعْرِضَ لَهُ سِلْعَةً أُخْرَى يُرَغِّبُهُ فِيهَا حَتَّى يَعْرِضَ عَنْ الْأُولَى، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّاسِخِينَ، وَبَيَانِ الْمُتَفَقِّهِينَ، فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ: وَتَفْسِيرُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا تَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: «لَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ» أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ أَنْ يَسُومَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ إذَا رَكَنَ الْبَائِعُ إلَى السَّائِمِ وَجَعَلَ يَشْتَرِطُ وَزْنَ الدَّرَاهِمِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْعُيُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ الْبَائِعَ رَكَنَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَبَيَّنَ مَفْهُومَ إذَا رَكَنَا بِقَوْلِهِ: (لَا مِنْ أَوَّلِ التَّسَاوُمِ) فَلَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنه: أَمَّا قَبْلَ التَّرَاكُنِ وَالتَّقَارُبِ فَجَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَ ذَلِكَ لَدَخَلَ الضَّرَرُ عَلَى الْبَاعَةِ فِي سِلَعِهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَخْسِهَا وَبَيْعِهَا بِالنَّقْصِ، وَإِنَّمَا صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِذَلِكَ، وَإِنْ فَهِمَ مِنْ التَّقْيِيدِ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ التَّزَايُدَ فِي السِّلْعَةِ مُطْلَقًا مَخَافَةَ الْوُقُوعِ فِي النَّهْيِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ الْغَيْرِ قَبْلَ التَّرَاكُنِ أَوْ أَرَادَ السَّائِمُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا، وَأَمَّا لَوْ قَصَدَ بِسَوْمِهَا وَالزِّيَادَةِ فِي ثَمَنِهَا غُرُورَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ نَاجِشًا، وَقَدْ «نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَنَاجَشُوا»
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّهْيِ الْمَذْكُورِ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ طَلَبَ مُرِيدُ الشِّرَاءِ مِنْ الْغَيْرِ الْكَفَّ عَنْ الْعَطَايَا فِي السِّلْعَةِ لِيَأْخُذَهَا بِرُخْصٍ وَحُكْمُهُ الْجَوَازُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ سُؤَالُ الْبَعْضِ لِيَكُفَّ عَنْ الزِّيَادَةِ لَا الْجَمْعِ، وَلَا الْبَعْضِ الَّذِي هُوَ كَالْجَمْعِ فِي كَوْنِهِ مُقْتَدًى بِهِ، فَإِنْ خَالَفَ الْجَائِزَ وَسَأَلَ مَنْ لَا يَجُوزُ سُؤَالَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ خُيِّرَ الْبَائِعُ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ رَدِّهَا وَعَدَمِهِ، فَإِنْ أَمْضَى بَيْعَهَا فَالْجَمِيعُ فِيهَا شُرَكَاءُ لِتَوَاطُئِهِمْ عَلَى تَرْكِ الزِّيَادَةِ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ تَلِفَتْ، وَلِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُلْزِمَهُمْ الشَّرِكَةَ إنْ نَقَصَتْ أَوْ تَلِفَتْ، وَلَهُمْ الدُّخُولُ مَعَهُ قَهْرًا عَلَيْهِ إنْ زَادَتْ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِهَا فِي سُوقِهَا أَمْ لَا، كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ أَمْ لَا، وَإِنْ فَاتَتْ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْقِيمَةِ عَلَى الْمُبْتَاعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاكٍ.
الثَّانِي: اسْتَثْنَى بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ السَّوْمِ الْمَذْكُورِ سَوْمَ مَا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا مِنْ سِلَعِ الْمُفْلِسِ أَوْ مِنْ التَّرِكَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا لِلْأَيْتَامِ، وَكَذَا مَا بِيعَ فِي الْمَغَانِمِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّزَايُدُ فِيهِ وَلَوْ كَانَ لِغَيْرٍ أَعْطَى فِيهِ وَحَصَلَ التَّرَاكُنُ؛ لِأَنَّ لِلْحَاكِمِ قَبُولَ الزِّيَادَةِ،