الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْجَمَاعَةُ إذَا أَبْقَوْا وَاحِدًا مِنْهُمْ وَقَدْ قِيلَ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ وَذِكْرُ الْهِجْرَةِ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابٍ قَبْلَ هَذَا
قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَقَالَ عُمَرُ أَفْضَلُ
ــ
[الفواكه الدواني]
مَرِيضٍ وَلَوْ أَرْمَدَ أَوْ صَاحِبَ ضِرْسٍ، وَأَمَّا حَدِيثُ ثَلَاثَةٌ إلَخْ فَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ.
(فَائِدَةٌ) وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ قَوْلِ الشَّخْصِ لِمَنْ صَحَّ مِنْ مَرَضِهِ: ذَهَبَ الشَّرُّ فَأَفْتَى الْغُبْرِينِيُّ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَأَفْتَى ابْنُ عَرَفَةَ بِالْجَوَازِ مُحْتَجًّا بِآيَةِ:{وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} [فصلت: 51] وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الشَّرَّ الْمَرَضُ فَقَدْ قِيلَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ مَرِيضٌ: كَيْفَ أَصْبَحْت؟ فَقَالَ: بِشَرٍّ، فَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تَقُولُ هَذَا؟ فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35] وَالشَّرُّ الْمَرَضُ وَالْخَيْرُ الصِّحَّةُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا يُقَالُ لِلْمَرِيضِ: لَا تَتَسَاهَلْ هَذَا، أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ فُلَانٌ هَذَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعٍ، كَمَا أَفْتَى بِهِ السَّكُونِيُّ وَغَيْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ نِسْبَةِ الْبَارِئِ لِلْجَوْرِ، وَلَوْلَا الْقَوْلُ بِأَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ لَكَانَ قَائِلُ ذَلِكَ يَكْفُرُ لِاسْتِحَالَةِ الْجَوْرِ فِي حَقِّهِ - تَعَالَى - لِاسْتِحْقَاقِهِ التَّصَرُّفَ فِي سَائِرِ الْكَائِنَاتِ بِشَهَادَةِ:{فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] فَهُوَ حَكَمٌ عَدْلٌ يُمْرِضُ وَيَشْفِي وَيُحْيِي وَيُمِيتُ لَا مُعَقِّبَ لَهُ فِي حُكْمِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي بَابٍ جُمَلٍ مُسْتَوْفٍ. وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَعَادَهَا فِي بَابِ الِاسْتِئْذَانِ دَفْعًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ جَوَازِ الدُّخُولِ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَعُودُهُ، خِلَافًا لِمَنْ ادَّعَى تَكَرُّرَهَا الْخَالِيَ عَنْ الْفَائِدَةِ.
وَلَمَّا كَانَ بَيْنَ التَّنَاجِي وَالدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ مُنَاسَبَةٌ وَهِيَ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّهْيِ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ التَّنَاجِي عَقِبَ مَسْأَلَةِ الِاسْتِئْذَانِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يَحْرُمُ أَنْ (يَتَنَاجَى) أَيْ يَتَسَارَرُ (اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ) لِخَبَرِ: «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى مِنْهُمْ اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا» . وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَلَى عُمُومِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَإِذَا خَشِيَ الْمُتَنَاجِيَانِ أَنَّ صَاحِبَهُمَا يَظُنُّ أَنَّهُمَا يَتَحَدَّثَانِ فِي غَدْرِهِ حَرُمَ عَلَيْهِمَا كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ، وَإِنْ أَمِنَا مِنْ ظَنِّهِ ذَلِكَ كُرِهَ تَنَاجِيهِمَا فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِأَنَّهُ يَغُمُّ الْمُنْفَرِدَ، وَمَفْهُومُ دُونَ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ تَنَاجِي اثْنَيْنِ دُونَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ اثْنَيْنِ لَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ:(وَكَذَلِكَ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَنَاجِي (الْجَمَاعَةِ إذَا أَبْقَوْا وَاحِدًا مِنْهُمْ) فَعَنْ مَالِكٍ: «لَا يَتَنَاجَى ثَلَاثَةٌ دُونَ وَاحِدٍ» لِلنَّهْيِ عَنْ تَرْكِ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانُوا عَشَرَةَ آلَافٍ، فَلَوْ أَبْقَوْا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَدَّمْنَا، وَلَمَّا كَانَ النَّهْيُ عَنْ التَّنَاجِي مُقَيَّدًا بِمَا إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ:(وَقَدْ قُيِّدَ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ) أَيْ تَنَاجِي الِاثْنَيْنِ أَوْ الْجَمَاعَةِ دُونَ وَاحِدٍ (إلَّا بِإِذْنِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَإِذَا أَسْقَطَهُ سَقَطَ، وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ بِقِيلَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ تَقَيُّدٌ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّنَاجِي الْمَذْكُورِ نَهْيُ كَرَاهَةٍ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ خَوْفُ الْمُنْفَرِدِ فَيَحْرُمُ، وَفِي مَعْنَى التَّنَاجِي التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ مَعَ مَنْ لَا يَعْرِفُهَا بِحَضْرَةِ مَنْ لَا يَعْرِفُ سِوَى الْعَرَبِيَّةِ. (وَذَكَرَ الْهِجْرَةَ) بِمَعْنَى الْهِجْرَانِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْخِصَامِ (قَدْ تَقَدَّمَ) الْكَلَامُ عَلَيْهِ (فِي بَابٍ قَبْلَ هَذَا) فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَنْسَبُ لِلْمُصَنِّفِ تَأْخِيرُهُ لِمَا بَيْنَ الْهِجْرَانِ وَالتَّنَاجِي مِنْ الْمُنَاسَبَةِ وَهِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي النَّهْيِ.
[الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَحْثِ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا بِقَوْلِهِ: (قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ) الصَّحَابِيُّ قَالَ فِي حَقِّهِ عليه الصلاة والسلام: «أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ» وَعُمْرُهُ ثَلَاثُونَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَمَقُولُ مُعَاذٍ:(مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلًا) بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ (أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ) إكْثَارِ (ذِكْرِ اللَّهِ) تَعَالَى وَالذِّكْرُ الْكَامِلُ مَا كَانَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى.
قَالَ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] أَيْ اُذْكُرُونِي بِأَلْسِنَتِكُمْ أَذْكُرْكُمْ بِرَحْمَتِي.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «يَقُولُ اللَّهُ: مَنْ ذَكَرَنِي ذَكَرْتُهُ» وَجَاءَ: أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الذِّكْرُ.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَفْضَلِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا عُنُقَهُ؟ قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ» .
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام أَيْضًا: «لَا عِبَادَةَ كَالذِّكْرِ، قِيلَ لَهُ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إلَّا أَنْ تَضْرِبَ بِسَيْفِك حَتَّى يَنْقَطِعَ، قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا» وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ
فَالذِّكْرُ بَابُ الْوِلَايَةِ وَمِفْتَاحُ الْعِنَايَةِ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: هُوَ رُكْنٌ قَوِيٌّ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ سبحانه وتعالى بَلْ هُوَ الْعُمْدَةُ فِي الطَّرِيقِ،
مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
وَمِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا أَصْبَحَ وَأَمْسَى «اللَّهُمَّ بِك نُصْبِحُ وَبِك
ــ
[الفواكه الدواني]
وَلَا يَصِلُ أَحَدٌ إلَى اللَّهِ إلَّا بِدَوَامِ الذِّكْرِ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَجَدَّدَ خُشُوعُهُ وَكَثُرَ إيمَانُهُ وَازْدَادَ يَقِينُهُ وَبَعُدَتْ الْغَفْلَةُ عَنْ قَلْبِهِ، وَكَانَ إلَى التُّقَى أَقْرَبَ، وَعَنْ الْمَعَاصِي أَبْعَدَ، وَهَذَا حَامِلٌ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، وَوَسِيلَةٌ إلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، لِأَنَّ شَأْنَ الْكَرِيمِ أَنْ لَا يُعَذِّبَ طَائِعًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا الذِّكْرُ الْكَامِلُ لِأَنَّ الذِّكْرَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ذِكْرُ اللِّسَانِ، وَذِكْرُ الْقَلْبِ، فَذِكْرُ اللِّسَانِ بِهِ يَصِلُ الْعَبْدَ إلَى اسْتِدَامَةِ فِكْرِ الْقَلْبِ وَالتَّأْثِيرِ بِذِكْرِ الْقَلْبِ، فَإِذَا كَانَ ذَاكِرًا بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ فَهُوَ الْكَمَالُ فِي وَصْفِهِ فِي حَالِ سُلُوكِهِ. وَمِنْ خَصَائِصِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِزَمَانٍ، بَلْ مَا مِنْ وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ بِهِ إمَّا عَلَى جِهَةِ الْفَرِيضَةِ أَوْ النَّفْلِيَّةِ، وَالصَّلَاةُ مَعَ كَوْنِهَا أَشْرَفَ الْعِبَادَاتِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، وَلَمَّا كَانَ الذِّكْرُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: لِسَانِيٍّ وَقَلْبِيٍّ بَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ الْمُلَقَّبُ بِالْفَارُوقِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَحَدُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رضي الله عنهم (أَفْضَلُ) بِمَعْنَى أَكْثَرُ ثَوَابًا (مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِاللِّسَانِ) وَخَبَرُ أَفْضَلَ (ذِكْرُ اللَّهِ) بِالْقَلْبِ (عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْإِنْسَانَ عِنْدَ سَمَاعِ أَمْرِ خَالِقِهِ وَنَهْيِهِ يَسْتَحْضِرُ بِقَلْبِهِ الْحَقَّ - جَلَّ وَعَلَا - وَيَسْتَحْضِرُ اطِّلَاعَ رَبِّهِ عَلَيْهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ، وَأَنَّ عِلْمَهُ - تَعَالَى - بِجَمِيعِ أَفْعَالِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، هَذَا مَعْنَى الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ، وَلِذَلِكَ كَانَ الذَّكَرُ الْقَلْبِيُّ أَفْضَلَ مِنْ اللِّسَانِيِّ، وَقِيلَ: مَعْنَى ذِكْرِهِ - تَعَالَى - عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ الْوُقُوفَ عِنْدَ الْحُدُودِ، إنْ رَأَى وَاجِبًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَفَعَلَهُ، وَإِنْ رَأَى مَحْظُورًا ذَكَرَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ فَاجْتَنَبَهُ. وَمَعْنَى ذِكْرِ اللَّهِ ذِكْرُ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ، فَقَوْلُهُ: عِنْدَ أَمْرِهِ أَيْ بِالِامْتِثَالِ وَعِنْدَ نَهْيِهِ بِالِاجْتِنَابِ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ دُعَاءِ الْعُظَمَاءِ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك أَنْ لَا تَرَانَا حَيْثُ نَهَيْتَنَا، وَلَا تَفْقِدَنَا مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَنَا.
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذِكْرُ اللَّهِ ضَرْبَانِ: ذِكْرٌ بِالْقَلْبِ فَقَطْ، وَذِكْرٌ بِاللِّسَانِ أَيْ مَعَ الْقَلْبِ، وَذِكْرُ الْقَلْبِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَرْفَعُ الْأَذْكَارِ وَأَجَلُّهَا: التَّفَكُّرُ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ وَآيَاتِهِ وَمَصْنُوعَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، وَالثَّانِي: ذِكْرُهُ تَعَالَى بِمَعْنَى اسْتِحْضَارِهِ بِالْقَلْبِ عِنْدَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَيَمْتَثِلُ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَنْتَهِي عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَيَقِفُ عَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ مِنْ هَذَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّانِي أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ أَيْ مَعَ الْقَلْبِ، وَأَمَّا الذِّكْرُ بِمُجَرَّدِ اللِّسَانِ فَهُوَ أَضْعَفُ الْأَذْكَارِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ثَوَابٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ. وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ اخْتِلَافَ السَّلَفِ فِي ذِكْرِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ.
قَالَ الْقَاضِي: وَالْخِلَافُ عِنْدِي إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي مُجَرَّدِ ذِكْرِ الْقَلْبِ تَسْبِيحًا وَتَهْلِيلًا وَشَبَهَهُمَا، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُقَارِبُهُ ذِكْرُ اللِّسَانِ فَكَيْفَ يُفَاضِلُهُ، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ أَنْ يَكُونَ مِنْ حُضُورِ الْقَلْبِ فَإِنْ كَانَ لَاهِيًا فَلَا، وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ ذِكْرَ الْقَلْبِ بِأَنَّ عَمَلَ السِّرِّ أَفْضَلُ وَيُقَوِّيهِ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها: لَأَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ فِي نَفْسِي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَذْكُرَهُ بِلِسَانِي سَبْعِينَ مَرَّةً. وَمَنْ رَجَّحَ ذِكْرَ اللِّسَانِ قَالَ: لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ زَادَ بِاسْتِعْمَالِ اللِّسَانِ. وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي كَتْبِ الْمَلَائِكَةِ الذِّكْرَ الْقَلْبِيَّ فَقِيلَ تَكْتُبُهُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُكْتَبْ لَمَا طُلِبَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَفْضَلَ، وَلَا مَانِعَ مِنْ عِلْمِ الْمَلَائِكَةِ بِمَا فِي الْقَلْبِ، وَقِيلَ لَا يُكْتَبُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرَّاجِحَ الْأَوَّلُ.
(تَتِمَّاتٌ) الْأُولَى: قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الذِّكْرُ كُلُّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِجُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ، فَقَوْلُ الذَّاكِرِ: اللَّهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ الْبِدَعِ وَأَفْعَالِ الْجَهَلَةِ، وَنَحْوُهُ لِلْبُلْقِينِيِّ وَسَلَّمَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ فِيهِ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ فِيهِ ثَوَابًا مَا.
الثَّانِيَةُ: ذَهَبَ الزَّمَخْشَرِيُّ رضي الله عنه إلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ لِأَنَّهُ إثْبَاتٌ وَالتَّسْبِيحُ نَفْيٌ، وَلِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهِ:«أَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» مَعَ أَنَّ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ السَّلْبِيَّةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ اللَّقَانِيُّ.
الثَّالِثَةُ: شَرَطَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حُصُولِ ثَوَابِ الذِّكْرِ فَهْمُ الْمَعْنَى وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْعَلَّامَةِ السَّنُوسِيِّ: لَا يَنْتَفِعُ الدَّاخِلُ فِي الْإِسْلَامِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فِي خَلَاصِ بَدَنِهِ مِنْ النَّارِ إلَّا إذَا قَالَهَا مَعَ فَهْمِ الْمَعْنَى وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ. وَأَقُولُ: يَنْبَغِي تَخْصِيصُ هَذَا بِغَيْرِ الْقُرْآنِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَيُثَابُ عَلَيْهِ الْقَارِئُ وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْقُرْآنَ يُتَعَبَّدُ بِأَلْفَاظِهِ.
الرَّابِعَةُ: أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ الْقُرْآنُ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ لِلْقَارِئِ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَإِنْ كَانَ عَلَى طَهَارَةٍ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةً، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِائَةُ حَسَنَةٍ، إنْ صَلَّى مِنْ قِيَامٍ وَإِنْ صَلَّى مِنْ جُلُوسٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ خَمْسُونَ حَسَنَةٍ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ مَا قُلْته أَنَا
نُمْسِي وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ» وَيَقُولُ فِي الصَّبَاحِ «وَإِلَيْك النُّشُورُ» وَفِي الْمَسَاءِ «وَإِلَيْك الْمَصِيرُ» وَرُوِيَ مَعَ ذَلِكَ «اللَّهُمَّ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَإِنَّهُ مِنْ حَيْثُ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ.
1 -
وَلَمَّا انْقَضَى الْكَلَامُ عَلَى الذِّكْرِ شَرَعَ فِي الدُّعَاءِ وَفِي تَأْخِيرِهِ عَنْ الذِّكْرِ الْإِشْعَارُ بِأَفْضَلِيَّةِ الذِّكْرِ عَلَيْهِ، وَحَقِيقَةُ الدُّعَاءِ رَفْعُ الْحَاجَاتِ إلَى رَافِعِ الدَّرَجَاتِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، وَأَنَّهُ يَنْفَعُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ، فَيَقْتَضِي اللَّهُ بِهِ الْحَاجَاتِ وَيَدْفَعُ بِهِ الْبَلِيَّاتِ، وَيَكْشِفُ بِهِ الْمُلِمَّاتِ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ نَافِعٌ لَمَا أَمَرَ سبحانه وتعالى بِهِ بِقَوْلِهِ:{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
وَعِنْدَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ
…
كَمَا مِنْ الْقُرْآنِ وَعْدًا يُسْمَعُ
وَفِي الْحَدِيثِ «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ» وَيُطْلَبُ وَلَوْ بِمَا عَلِمْت السَّلَامَةَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» لِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي نَفْسِهِ عِبَادَةٌ، وَقَدْ دَعَا صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ كَيَوْمِ بَدْرٍ وَعَلَى قُرَيْشٍ وَعَلَى قَاتِلِي أَهْلِ بِئْرِ مَعُونَةَ وَعَلَى الْمُسْتَهْزِئِينَ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَحُكْمُ الدُّعَاءِ فِي الْأَصْلِ النَّدْبُ، وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْوُجُوبُ كَالدُّعَاءِ عَلَى الْجِنَازَةِ، أَوْ الْحُرْمَةُ كَالدُّعَاءِ عَلَى شَقِيٍّ بِسُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَالْكَرَاهَةُ كَالدُّعَاءِ بِشَيْءٍ يَكُونُ وَسِيلَةً لِمَكْرُوهٍ.
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَلِإِجَابَتِهِ شُرُوطٌ فِي الدَّاعِي وَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ إلَّا اللَّهُ، وَأَنْ يَدْعُوَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ مَعَ حُضُورِ قَلْبٍ، وَأَنْ يَجْتَنِبَ أَكْلَ الْحَرَامِ، وَأَنْ لَا يَمَلَّ مِنْ الدُّعَاءِ فَيَتْرُكَ وَيَقُولُ: دَعَوْت وَدَعَوْت فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، وَشُرُوطُهُ فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ، فَلَا يَدْعُو بِمَا فِيهِ إثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ وَلَا إضَاعَةُ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَهُ آدَابٌ مِنْهَا: التَّعْمِيمُ فِي الدُّعَاءِ. وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلَا يَخْتَرِعُ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا يَدْعُو بِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَأْثُورِ. وَمِنْهَا: كَوْنُهُ غَيْرَ مَرْجُوٍّ لِعَدَمِ التَّكَلُّمِ. وَمِنْهَا: عَدَمُ اللَّحْنِ فِيهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ بِالصَّوَابِ. وَمِنْهَا: ابْتِدَاؤُهُ بِالْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْهَا: الْعَزْمُ فِيهِ فَلَا يَدْعُو وَيُعَلِّقُ بِقَوْلِهِ إنْ شِئْت يَا اللَّهُ. وَمِنْهَا: تَحَرِّي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ كَالسَّحَرِ، وَعِنْدَ النِّدَاءِ وَعِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ وَفِي السُّجُودِ وَعِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ. وَمِنْهَا: عَدَمُ الدُّعَاءِ بِالْعَجَمِيَّةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ. وَمِنْهَا: الْبُدَاءَةُ بِنَفْسِهِ. وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ أَوْ لَا؟ وَعَلَى الرَّفْعِ فَهَلْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِهِمَا عَقِبَهُ أَمْ لَا؟ وَاَلَّذِي فِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» . فَيُفِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُهُمَا وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي أَدْعِيَةٍ مَأْثُورَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ بِقَوْلِهِ: (وَمِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا أَصْبَحَ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ (وَ) كُلَّمَا (أَمْسَى) أَيْ دَخَلَ فِي الْمَسَاءِ فَأَصْبَحَ وَأَمْسَى هُنَا تَامَّتَانِ.
وَفِي الْإِتْيَانِ بِكُلَّمَا الْإِشَارَةُ إلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى هَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ: (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (بِك نُصْبِحُ وَبِك نُمْسِي) وَمَعْنَى نُصْبِحُ وَنُمْسِي بِك أَيْ بِقُدْرَتِك. (وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ) وَقَدَّمَ لَفْظَ بِك عَلَى الْعَوَامِلِ فِيهَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ عَلَى حَدِّ: إيَّاكَ نَعْبُدُ أَيْ لَيْسَ الدُّخُولُ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَلَيْسَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ إلَّا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
(وَ) كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ (يَقُولُ فِي الصَّبَاحِ وَإِلَيْك النُّشُورُ) أَيْ الْقِيَامُ مِنْ نَوْمِنَا هَذَا مَعْنَاهُ هُنَا، وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ فَهُوَ انْتِشَارُ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَاسْتِعْمَالُ النُّشُورِ فِي الْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، وَطَرِيقُهَا أَنَّهُ شَبَّهَ الْقِيَامَ مِنْ النَّوْمِ بِالْبَعْثِ الَّذِي هُوَ إحْيَاءُ الْأَمْوَاتِ وَإِعَادَتُهُمْ كَمَا كَانُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَالْمُلَاءَمَةُ بَيْنَهُمَا عَوْدُ التَّمْيِيزِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، ثُمَّ اُعْتُبِرَ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لِلْبَعْثِ وَهُوَ النُّشُورُ لِانْتِشَارِ النَّاسِ مِنْ قُبُورِهِمْ حِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا لِلْمُشَبَّهِ الَّذِي هُوَ الْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ، فَالِاسْتِعَارَةُ تَصْرِيحِيَّةٌ لِلتَّصْرِيحِ بِاللَّفْظِ الْمُسْتَعَارِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا حَالِيَّةٌ.
(وَ) كَانَ عليه الصلاة والسلام يَقُولُ زِيَادَةً عَلَى مَا سَبَقَ: (فِي الْمَسَاءِ وَإِلَيْك الْمَصِيرُ) أَيْ وَإِلَيْكَ الْمَرْجِعُ، وَمَعْنَى إلَيْك النُّشُورُ وَالْمَصِيرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ مُنْتَهٍ إلَيْك يَا اللَّهُ، وَمَعْنَى انْتِهَائِهِ إلَيْهِ أَنَّهُ بِقُدْرَتِهِ سبحانه وتعالى وَإِرَادَتِهِ، وَفِيهِ اسْتِعَارَةٌ أَيْضًا لِتَشْبِيهِ النَّوْمِ الْمُقْبِلِ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ أَقْبَلَ عَلَى الْمَوْتِ، وَالْعِلَاقَةُ ذَهَابُ التَّمْيِيزِ عِنْدَ كُلٍّ، وَلَعَلَّ مَعْنَى الرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ بَعْدَ الْمَوْتِ رُجُوعُهُ إلَى عَالِمِ الْغَيْبِ مِنْ عَالِمِ الشَّهَادَةِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ خَرَّجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَصْبَحَ قَالَ: اللَّهُمَّ بِك أَصْبَحْنَا وَبِك أَمْسَيْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ، وَإِذَا أَمْسَى قَالَ: اللَّهُمَّ بِك أَمْسَيْنَا وَبِك أَصْبَحْنَا وَبِك نَحْيَا وَبِك نَمُوتُ وَإِلَيْك الْمَصِيرُ» .
وَالدُّعَاءُ أَوْ الذِّكْرُ الْمَطْلُوبُ عِنْدَ الصَّبَاحِ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ، لَكِنَّ الْأَحْسَنَ فِعْلُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى
اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ عِبَادِك عِنْدَك حَظًّا وَنَصِيبًا فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ نُورٍ تَهْدِي بِهِ أَوْ رَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا أَوْ رِزْقٍ تَبْسُطُهُ أَوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ أَوْ شِدَّةٍ تَدْفَعُهَا أَوْ فِتْنَةٍ تَصْرِفُهَا أَوْ مُعَافَاةٍ تَمُنُّ بِهَا بِرَحْمَتِك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»
وَمِنْ دُعَائِهِ عليه السلام عِنْدَ النَّوْمِ أَنَّهُ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ «اللَّهُمَّ بِاسْمِك وَضَعْت جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك وَفَوَّضْت أَمْرِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك رَهْبَةً مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك لَا مَنْجَا وَلَا مَلْجَأَ مِنْك إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك آمَنْت بِكِتَابِك
ــ
[الفواكه الدواني]
طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَالْمَطْلُوبُ فِي الْمَسَاءِ الْأَحْسَنُ فِعْلُهُ عِنْدَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ أَوْ قُرْبِهِ يَسِيرًا، وَبَعْدَهُ إلَى النَّوْمِ وَالسَّحَرُ وَقْتُ الْمُنَاجَاةِ، وَكَذَا عِنْدَ النَّوْمِ وَالِانْتِبَاهِ فِي اللَّيْلِ وَالِاسْتِيقَاظِ لِلْفَجْرِ. وَعَدَّ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي الْأَوْقَاتِ الْمُسْتَحَبِّ فِيهَا عِنْدَ صِيَاحِ الدِّيَكَةِ بِاللَّيْلِ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ، وَعِنْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَبَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، وَإِثْرَ كُلِّ صَلَاةٍ وَخُصُوصًا الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ، وَقَدَّمْنَا قَبْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ.
(وَرُوِيَ) عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي الصَّبَاحِ (مَعَ ذَلِكَ) الدُّعَاءَ الْمُتَقَدِّمَ: (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَعْظَمِ) أَيْ أَوْفَرِ وَأَكْبَرِ (عِبَادِكَ عِنْدَكَ حَظًّا وَنَصِيبًا) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ (فِي كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ) أَيْ تُيَسِّرُهُ وَتُنْجِزُهُ لَنَا، وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا تَقْسِمُهُ بِتُيَسِّرُهُ لِأَنَّ تَقْسِيمَ الْأَشْيَاءِ وَتَقْدِيرَهَا حَاصِلٌ فِي الْأَزَلِ، لَا يَتَغَيَّرُ بِزِيَادَةِ الصَّلَاحِ وَلَا يَنْقُصُ بِعِصْيَانٍ (فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِيمَا بَعْدَهُ) وَبَيَّنَ ذَلِكَ الْخَيْرَ بِقَوْلِهِ:(مِنْ نُورٍ تَهْدِي بِهِ) أَيْ تُرْشِدُ بِهِ إلَى الطَّاعَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ. (أَوْ) مِنْ (رَحْمَةٍ تَنْشُرُهَا) أَيْ تَبْسُطُهَا عَلَيْنَا. (أَوْ) مِنْ (رِزْقٍ تَبْسُطُهُ) أَيْ وَاسِعٍ تُنَعِّمُنَا بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا الرِّزْقُ الْحَلَالُ لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ طَلَبُهُ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْحَيَوَانُ يُسَمَّى رِزْقًا وَلَوْ مِنْ حَرَامٍ عَلَى الْمَشْهُورِ. (أَوْ ضُرٍّ تَكْشِفُهُ أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ) أَيْ تَسْتُرُهُ. فَإِنْ قِيلَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِنْ الذُّنُوبِ فَكَيْفَ يَقُولُ: أَوْ ذَنْبٍ تَغْفِرُهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ: وَجَوَابٌ آخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ وَدُعَاءً لِأُمَّتِهِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ، وَالتَّقْدِيرُ عَلَى حَدِّ:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف: 81](أَوْ شِدَّةٍ) أَيْ كُرْبَةٍ تَحْصُلُ (تَدْفَعُهَا أَوْ فِتْنَةٍ) تَحْصُلُ وَهِيَ كُلُّ مَا يُشْغِلُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (تَصْرِفُهَا) أَيْ تُبْعِدُهَا عَنَّا (أَوْ مُعَافَاةٍ) سَلَامَةٍ (تَمُنُّ بِهَا) عَلَيْنَا (بِرَحْمَتِك) أَيْ بِفَضْلِك وَإِحْسَانِك لَا بِالْجَوَابِ وَلَا بِالْإِيجَابِ لِأَنَّك الْفَاعِلُ بِالِاخْتِيَارِ، وَ (إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) مِنْ الْمُمْكِنَاتِ (قَدِيرٌ) وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْأَقْفَهْسِيُّ: إنَّ هَذَا الْمَرْوِيَّ حَدِيثٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ وَلَمْ يَثْبُتْ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْجَوَازِ فَيَطْلُبُ مِنَّا فِعْلَهُ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ عليه الصلاة والسلام، بِخِلَافِ مَا ثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِهِ كَنِكَاحِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَبِخِلَافِ مَا فَعَلَهُ لِمُجَرَّدِ الْجَوَازِ كَالِاقْتِصَارِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَحْرُمُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْأَوَّلِ، وَيُكْرَهُ الثَّانِي لِغَيْرِ الْعَالِمِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ وَ (السَّلَامُ عِنْدَ) إرَادَةِ (النَّوْمِ) عَلَى مَا خَرَّجَهُ مَنْ تَقَيَّدَ بِنَقْلِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (أَنَّهُ كَانَ) يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَ (يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى تَحْتَ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَ) يَدَهُ (الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَقُولُ) مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسِرٍّ وَلَا جَهْرٍ:(اللَّهُمَّ بِاسْمِك) أَيْ بِقُدْرَتِك (وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِاسْمِك أَرْفَعُهُ اللَّهُمَّ إنْ أَمْسَكْت نَفْسِي) أَيْ قَبَضْتَهَا قَبْضَ وَفَاةٍ. (فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتهَا) أَيْ أَطْلَقْتهَا عِنْدَ النَّوْمِ وَرَدَدْتهَا إلَى جَسَدِهَا. (فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِك) وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرُّوحَ تَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ عِنْدَ النَّوْمِ وَتَعُودُ إلَيْهِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ هَكَذَا قَالَ بَعْضٌ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الرُّوحَ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدِي وَقْفَةٌ فِي بَقَاءِ الْجَسَدِ حَيًّا بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ مِنْهُ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ الْجَسَدَ فِيهِ رُوحَانِ: رُوحُ الْحَيَاةِ وَهِيَ الَّتِي يَمُوتُ بِمُفَارَقَتِهَا، وَرُوحُ الْيَقَظَةِ وَهِيَ الَّتِي يَنَامُ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَيَكُونُ مُسْتَيْقِظًا بِوُجُودِهَا فَلَا إشْكَالَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
وَفِي قَوْلِهِ: بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ الْإِشَارَةُ إلَى مَزِيَّةِ الصَّالِحِينَ مِنْ الْإِنْسِ وَغَيْرِهِمْ. (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْلَمْت نَفْسِي) أَيْ ذَاتِي (إلَيْك) لِأَنِّي لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ نَافِعٍ لَهَا وَلَا دَفْعِ ضُرٍّ عَنْهَا. (وَأَلْجَأْت ظَهْرِي إلَيْك) أَيْ أَسْنَدْته إلَيْك لِيَتَقَوَّى بِك، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَنَدَ إلَى شَيْءٍ يَتَقَوَّى بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِنَادَ الْحِسِّيَّ لِاسْتِحَالَتِهِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى وَكَنَّى بِالظَّهْرِ عَنْ نَفْسِهِ. (وَفَوَّضْت) أَيْ وَكَّلْت (أَمْرِي إلَيْك وَوَجَّهْت وَجْهِي إلَيْك) بِكُلِّيَّتِي وَذَاتِي وَالْمَعْنَى: قَصَدْتُك يَا اللَّهُ دُونَ غَيْرِك بِالْعِبَادَةِ، وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْجَسَدِ (رَهْبَةً) أَيْ خَوْفًا (مِنْك وَرَغْبَةً إلَيْك) فِي نَيْلِ عَطَائِك (لَا مَنْجَا) بِالْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ أَيْ لَا مَهْرَبَ مِنْك. (وَلَا مَلْجَأَ) بِالْهَمْزَةِ أَيْ مَرْجِعَ (مِنْك)
الَّذِي أَنْزَلْت وَبِنَبِيِّك الَّذِي أَرْسَلْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت وَمَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ رَبِّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك»
وَمِمَّا رُوِيَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ»
وَرُوِيَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ يُسَبِّحَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُكَبِّرَ اللَّهَ
ــ
[الفواكه الدواني]
أَيْ لَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ مِنْك وَلَا مَرْجِعَ لِأَحَدٍ (إلَّا إلَيْك أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك) أَيْ أَرْجِعُ إلَيْك وَهَذَا تَعْلِيمٌ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِأُمَّتِهِ، لِأَنَّ تَوْبَتَهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا هِيَ تَوَاضُعُهُ وَشُكْرُهُ: لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (آمَنْت) أَيْ صَدَّقْت (بِكِتَابِك الَّذِي أَنْزَلْت) عَلَى رَسُولِك وَهُوَ الْقُرْآنُ. (وَبِرَسُولِك الَّذِي أَرْسَلْت) قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ: الَّذِي فِي مُسْلِمٍ وَنَبِيِّك أَيْ بَدَلَ رَسُولِك حَتَّى نُسِبَ الْمُصَنِّفُ إلَى الْوَهْمِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَرَدَ أَيْضًا بِلَفْظِ رَسُولِك وَلِذَا قَالَ النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَقُولَ: نَبِيِّك وَرَسُولِك احْتِيَاطًا، لِأَنَّ بَعْضَ الشُّيُوخِ مَنَعَ الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى فِي الدُّعَاءِ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ وَالْأَدْعِيَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلِذَا رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ قَالَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ وَبِرَسُولِك وَقَالَ لَهُ قُلْ وَبِنَبِيِّك، وَأَيْضًا الْمُعْتَمَدُ مَنْعُ إبْدَالِ لَفْظِ النَّبِيِّ بِالرَّسُولِ وَعَكْسِهِ وَقْتَ التَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ فِي مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ:
وَإِنْ رَسُولٌ بِنَبِيٍّ أُبْدِلَا
…
فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ كَعَكْسٍ فُعِلَا
وَلَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ، وَإِنْ رَجَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْجَوَازَ وَاسْتَصْوَبَ النَّوَوِيُّ كَلَامَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ نِسْبَةُ الْحَدِيثِ لِقَائِلِهِ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ فَهُوَ تَوْقِيفِيٌّ كَمَا عَرَفْت. (فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت) مِنْ الذُّنُوبِ (وَمَا أَخَّرْت) أَيْ مَا يَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ وَهَذَا أَيْضًا تَعْلِيمٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَنْبٌ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَمَا عَدَاهُ تَكَلُّفَاتٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا.
(وَ) اغْفِرْ لِي أَيْضًا (مَا أَسْرَرْت) أَيْ أَخْفَيْته مِنْ الذُّنُوبِ (وَمَا أَعْلَنْت) أَيْ أَظْهَرْته مِنْ الذُّنُوبِ. (أَنْتَ إلَهِي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ رَبِّ قِنِي عَذَابَك) أَيْ نَجِّنِي مِنْ عَذَابِك (يَوْمَ تَبْعَثُ) أَيْ تُحْيِي وَتَنْشُرُ (عِبَادَك) قَائِمِينَ مِنْ قُبُورِهِمْ لِحِسَابِك وَعَرْضِهِمْ عَلَيْك، وَهَذَا الدُّعَاءُ مُجَمَّعٌ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ مَعَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ غَيْرِ مُخِلَّيْنِ.
وَفِي الْحَدِيثِ ثَلَاثُ خِصَالٍ مُسْتَحَبَّةٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا اقْتِدَاءً بِهِ عليه الصلاة والسلام
إحْدَاهَا: النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَذْكُرْهُ فَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بِقَوْلِهِ: إذَا أَخَذْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّك الْأَيْمَنِ، وَفَائِدَةُ الْوُضُوءِ مَخَافَةُ أَنْ يَمُوتَ فِي لَيْلَةٍ وَلِيَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ.
وَثَانِيهَا: النَّوْمُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ كَمَا يُوضَعُ فِي قَبْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ إلَى الِانْتِبَاهِ لِأَنَّ الْقَلْبَ فِي نَاحِيَةِ الْيَسَارِ فَإِذَا اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ تَعَلَّقَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَغْرِقُ فِي النَّوْمِ فَالنَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ سُنَّةٌ، وَعَلَى الظَّهْرِ فِكْرَةٌ، وَعَلَى الْيَسَارِ اضْطِجَاعُ الْمُلُوكِ، وَعَلَى الْبَطْنِ اضْطِجَاعُ الشَّيَاطِينِ وَأَهْلِ النَّارِ.
وَثَالِثُهَا: ذِكْرُ اللَّهِ لِيَكُونَ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ. وَمِمَّا يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عِنْدَ إرَادَةِ النَّوْمِ مَعَ الدُّعَاءِ الْمُتَقَدِّمِ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَأْوِي إلَى فِرَاشِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ»
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَنْدُبُ عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنَازِلِ بِقَوْلِهِ: (وَمِمَّا رُوِيَ) عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعِ (فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ) أَيْ أَتَحَصَّنُ (بِك أَنْ أَضِلَّ) أَيْ أَخْرُجَ عَنْ الْحَقِّ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ. (أَوْ أُضَلَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ يُضِلُّنِي الْغَيْرُ عَنْ الْحَقِّ. (أَوْ أَزِلَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَمِيلُ عَنْ الْحَقِّ (أَوْ أُزَلَّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ يُزِيغُنِي الْغَيْرُ. (أَوْ أَظْلِمَ) غَيْرِي (أَوْ أُظْلَمُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ يَظْلِمُنِي الْغَيْرُ. (أَوْ أَجْهَلَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَسْفَهُ عَلَى أَحَدٍ. (أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ) فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَيْتِهِ، وَالْجَهْلُ وَالظُّلْمُ قِيلَ هُمَا مُتَرَادِفَانِ، وَقِيلَ الظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ عَمْدًا، وَالْجَهْلُ وَضْعُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ كُلَّمَا يَخْرُجُ وَلَوْ تَكَرَّرَ خُرُوجُهُ، لِأَنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ الدُّعَاءِ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَقَوْلُهُ مِنْ الْمَنْزِلِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ مِثْلُهُ لَوْ خَرَجَ مِنْ حَائِطِهِ أَوْ مِنْ فُنْدُقِهِ، وَظَاهِرُ اللَّفْظِ كَانَ الْخُرُوجُ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ هُوَ لِلسَّفَرِ أَشَدُّ طَلَبًا خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْحَضَرِ.
وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ: «إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ احْتَوَشَتْهُ الشَّيَاطِينُ، فَإِذَا قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ قَالَ الْمَلَكُ: كُفِيتَ وَهُدِيتَ وَوُقِيتَ فَتَتَفَرَّقُ عَنْهُ الشَّيَاطِينُ وَيَقُولُونَ: مَا تَصْنَعُونَ عِنْدَ رَجُلٍ كُفِيَ وَهُدِيَ وَوُقِيَ» .
وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَيَنْبَغِي حِينَئِذٍ لِمَنْ خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الدُّعَاءِ
ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيَخْتِمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَعِنْدَ الْخَلَاءِ تَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَخْرَجَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ
وَتَتَعَوَّذُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَخَافُهُ وَعِنْدَمَا تَحِلُّ بِمَوْضِعٍ أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ أَوْ تَنَامُ فِيهِ تَقُولُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ التَّعَوُّذِ أَنْ تَقُولَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ
ــ
[الفواكه الدواني]
الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَيْنَ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَمَلًا بِالْحَدِيثَيْنِ.
قَالَ خَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَصَدَّقَ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ عِنْدَ خُرُوجِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَنْدُبُ عَقِبَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ فَقَالَ: (وَمِمَّا رُوِيَ) عَنْهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْأَذْكَارِ (فِي دُبُرِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالْبَاءِ أَيْ عَقِبَ (كُلِّ صَلَاةٍ) مَفْرُوضَةٍ (أَنْ تُسَبِّحَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَسْبِيحَةً (وَتُكَبِّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَكْبِيرَةً (وَتَحْمَدَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (اللَّهَ) تَعَالَى (ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) تَحْمِيدَةً (وَتَخْتِمَ الْمِائَةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ إسْقَاطُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَإِذَا حَصَلَ لِلْإِنْسَانِ الشَّكُّ فِي الْعَدَدِ فَيَحْتَاطُ وَيُكْمِلُ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعَدَدِ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ تَقْدِيمُ التَّكْبِيرِ عَلَى التَّحْمِيدِ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَاطَ بِثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَمِثْلُهَا تَحْمِيدَاتٍ وَبِأَرْبَعٍ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً وَيَقُولَ مَعَهَا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ بِأَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْمُعَقِّبَاتِ لِكَوْنِهَا تُقَالُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فَائِدَةَ هَذَا الذِّكْرِ أَنَّهُ تُغْفَرُ بِهِ الذُّنُوبُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضًا أَنَّ سَبَبَ مَشْرُوعِيَّتِهِ «مَجِيءُ الْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا لَهُ: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ مِثْلَنَا وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ وَنَحْنُ فُقَرَاءُ لَا نَتَصَدَّقُ وَلَا نُعْتِقُ، فَقَالَ لَهُمْ عليه الصلاة والسلام: أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ» إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَطْلُبُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَ) مِمَّا يُطْلَبُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ (عِنْدَ) خُرُوجِك مِنْ (الْخَلَاءِ) بِالْمَدِّ وَهُوَ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ (تَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ) أَيْ الطَّعَامُ الْمَفْهُومُ مِنْ السِّيَاقِ (وَأَخْرَجَ عَنِّي مَشَقَّتَهُ) الَّتِي تَحْصُلُ مِنْهُ لَوْ بَقِيَ بَعْدَ خُبْثِهِ. (وَأَبْقَى فِي جِسْمِي قُوَّتَهُ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ نَحْوِ غُفْرَانُكَ، قَالَ فِي الْمُعَارَضَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ: اللَّهُمَّ غُفْرَانُكَ، وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّغَنِيهِ طَيِّبًا وَأَخْرَجَهُ عَنِّي خَبِيثًا» وَبِذَلِكَ سُمِّيَ نُوحٌ عَبْدًا شَكُورًا.
1 -
(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا يُقَالُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُنْدَبُ عِنْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ» وَالْخُبُثُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْبَاءِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ، وَيُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَمِنْ إنَاثِهِمْ.
(فَائِدَةٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَلَاءَ اسْمٌ لِلْمَحَلِّ الَّذِي تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ، فَقَوْلُ الْعَامَّةِ بَيْتُ الْخَلَاءِ مِنْ قَبِيلِ الْإِضَافَةِ الْبَيَانِيَّةِ أَيْ بَيْتٌ هُوَ الْخَلَاءُ، وَسُمِّيَ بِالْخَلَاءِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ حِينَ اسْتِقْرَارِهِ فِيهِ يَكُونُ خَالِيًا عَنْ النَّاسِ.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ قَصْرُ التَّعَوُّذِ فِي الْخَلَاءِ قَالَ: (وَ) يُسْتَحَبُّ لَك أَنْ (تَتَعَوَّذَ) أَيْ تَتَحَصَّنُ (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ تَخَافُهُ) مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَنْتَ سَائِرٌ. (وَ) كَذَا (عِنْدَمَا تَحِلُّ بِمَوْضِعٍ أَوْ تَجْلِسُ بِمَكَانٍ أَوْ تَنَامُ فِيهِ) بِأَنْ (تَقُولَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) ثَلَاثًا كَمَا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّك إنْ قُلْت ذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ وَلَوْ لَدَغَتْك عَقْرَبٌ أَوْ غَيْرُهَا لَمْ تَضُرَّك لَدْغَتُهَا كَمَا قَالَهُ صلى الله عليه وسلم: وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «إنْ قَالَهَا مُسَافِرٌ ثَلَاثًا عِنْدَ نُزُولِهِ لَمْ يَزَلْ مَحْفُوظًا حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَقَدْ جَرَّبْتُهُ أَحَدَ عَشَرَ عَامًا فَوَجَدْته صَحِيحًا، وَمَعْنَى التَّامَّاتِ الْبَالِغَةُ الْغَايَةِ فِي الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ لِأَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُعْجِزُ الْبَشَرِ، وَوَصْفُ كَلِمَاتِ اللَّهِ بِالتَّامَّاتِ مِنْ بَابِ الْوَصْفِ الْكَاشِفِ لَا الْمُخَصِّصِ لِأَنَّ كَلِمَاتِهِ كُلَّهَا تَامَّاتٌ، وَالْمُرَادُ بِمَا خَلَقَ كُلُّ مَخْلُوقٍ لَهُ شَرٌّ، وَمَعْنَى أَعُوذُ أَسْتَجِيرُ وَأَتَحَصَّنُ وَأَعْتَصِمُ، وَهَذَا حَدِيثٌ خَرَّجَهُ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ. (وَمِنْ) صِيَغِ (التَّعَوُّذِ) الْوَارِدَةِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا (أَنْ تَقُولَ أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ) أَيْ ذَاتُهُ الْكَرِيمَةُ (وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّذِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ) أَيْ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى مَنْ تَحَصَّنَ بِهِنَّ مَكْرُوهٌ مِنْ بَرٍّ أَوْ مَكْرُوهٌ مِنْ
وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمِنْ فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ رَبِّي آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إنْ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
وَيُكْرَهُ الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ خَيَّاطَةٍ وَنَحْوِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
فَاجِرٍ، وَالْبَرُّ الْمُحْسِنُ الْمُطِيعُ وَالْفَاجِرُ ضِدُّهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَاجِرَ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْإِنْسِ أَوْ الْجِنِّ لِعِصْمَةِ الْمَلَائِكَةِ فَكُلُّهُمْ أَبْرَارٌ
(وَ) أَعُوذُ (بِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ) وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ وَاحِدٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْإِيجَادُ مِنْ الْعَدَمِ.
قَالَ تَعَالَى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ} [البقرة: 29] وَقَالَ تَعَالَى: {ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المؤمنون: 79] وَقَالَ: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ} [البقرة: 54] أَيْ خَالِقُكُمْ، فَلَعَلَّهُ ذَكَرَهَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اتِّحَادِ مَعْنَاهَا، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْلَمُ جَمِيعَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَاخْتُلِفَ فِي عِدَّتِهَا فَقِيلَ أَلْفُ اسْمٍ وَوَصْفُهَا بِالْحُسْنَى بَيَانٌ لِوَصْفِهَا اللَّازِمِ فَهُوَ وَصْفٌ كَاشِفٌ. (وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ) مِنْ الصَّوَاعِقِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ. (وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا) أَيْ يَصْعَدُ فِي السَّمَاءِ مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْعَذَابِ وَهُوَ الْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ.
(وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى (مِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ (وَمِنْ) شَرِّ (فِتْنَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) الْمُرَادُ مَا يَحْصُلُ فِيهِمَا مِمَّا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْإِنْسَانِ.
(وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى (مِنْ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ) وَالطَّارِقُ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بَغْتَةً، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا لَفْظُ طَوَارِقِ النَّهَارِ، فَيَكُونُ زِيَادَتُهَا مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ لِطَوَارِقِ اللَّيْلِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الطَّارِقَ لَا يَكُونُ إلَّا بِاللَّيْلِ كَمَا قِيلَ، وَعَلَى ثُبُوتِهَا لَا حَاجَةَ إلَى دَعْوَى الْمُشَاكَلَةِ. (وَيُقَالُ فِي ذَلِكَ) التَّعَوُّذُ (أَيْضًا) زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ:(وَ) أَعُوذُ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى الْحُسْنَى (مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ رَبِّي) أَيْ خَالِقِي وَمَالِكِي (آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) وَهِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ فَهِيَ هُنَا مُسْتَعَارَةٌ لِلْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُقْهَرُ وَيُغْلَبُ يُمْسَكُ بِنَاصِيَتِهِ، فَالْمُرَادُ بِأَخْذِ الرَّبِّ لَهَا قَهْرُهُ وَغَلَبَتُهُ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ الْأَخْذِ الْحِسِّيِّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى. (إنَّ رَبِّي) أَيْ أَمْرَهُ أَوْ رَسُولَهُ (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أَيْ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ وَالْعَادِلُ لَا يَضَعُ الشَّيْءَ إلَّا فِي مَحِلِّهِ، وَهَذَا التَّعَوُّذُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَفْظُ حَدِيثٍ:«عَلَّمَهُ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ حِينَ تَبِعَهُ عِفْرِيتٌ مِنْ الْجِنِّ بِشُعْلَةٍ مِنْ نَارٍ، وَكُلَّمَا يَلْتَفِتُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام يَرَاهُ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام: أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُهُنَّ تُطْفِئُ شُعْلَتَهُ وَيَخِرُّ عَلَى فِيهِ؟ فَقَالَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام: بَلَى، فَقَالَ جِبْرِيلُ قُلْ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ» إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ.
وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْلَا كَلِمَاتٌ أَقُولُهُنَّ لَجَعَلَنِي يَهُودُ حِمَارًا، فَقِيلَ لَهُ: وَمَا هُنَّ؟ فَقَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِ اللَّهِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَيْسَ شَيْءٌ أَعْظَمَ مِنْهُ، وَبِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى كُلِّهَا مَا عَلِمْت مِنْهَا وَمَا لَمْ أَعْلَمْ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّعَوُّذَ بِأَسْمَائِهِ تَعَالَى مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ كُلِّ أَمْرٍ يُخَافُ مِنْهُ اقْتِدَاءً بِهِ عليه الصلاة والسلام.
(وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ) أَوْ حَانُوتَهُ أَوْ بُسْتَانَه (أَنْ يَقُولَ) بَعْدَ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِهِ أَحَدٌ، أَوْ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ السُّنِّيَّةِ فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى النَّدْبِ فِي الثَّانِي. (مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) فَإِنَّ قَوْلَهَا حِرْزٌ لِمَنْزِلِ قَائِلهَا الَّذِي قَالَهَا فِيهِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ «مَنْ قَالَ أَرْبَعًا يَحْصُلُ لَهُ الْأَمْنُ مِنْ أَرْبَعٍ» : إحْدَاهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَثَانِيهَا مَنْ قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنَعَمْ الْوَكِيلُ أَمِنَ مِنْ كَيْدِ النَّاسِ، ثَالِثُهَا مَنْ قَالَ: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ مَكِيدَةَ النَّاسِ، رَابِعُهَا مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ أَمِنَ مِنْ الْغَمِّ. وَرُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا: «أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ هَمٌّ أَوْ غَمٌّ أَوْ سَقَمٌ أَوْ شِدَّةٌ فَقَالَ اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا شَرِيكَ لَهُ كَشَفَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْهُ» وَبِالْجُمْلَةِ فَالدُّعَاءُ مَطْلُوبٌ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.
قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
وَعِنْدَنَا أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ
…
كَمَا مِنْ الْقُرْآنِ وَعْدًا يُسْمَعُ
وَحَقِيقَتُهُ رَفْعُ الْحَاجَاتِ إلَى كَاشِفِ الْكُرُبَاتِ وَدَافِعِ الْبَلِيَّاتِ يَنْفَعُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتِ، وَالدُّعَاءُ يُوصِلُ إلَى الْمَطْلُوبِ وَلَوْ صَدَرَ مِنْ الْكَافِرِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه:«دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا» .
وَفِي الْحَدِيثِ: «لَا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ» «وَالدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الْبَلَاءَ لَيَنْزِلُ فَيَلْقَاهُ الدُّعَاءُ فَيَتَعَالَجَانِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ يَتَصَارَعَانِ وَيَتَدَافَعَانِ» . وَاعْلَمْ
وَلَا يَغْسِلُ يَدَيْهِ فِيهِ وَلَا يَأْكُلُ فِيهِ إلَّا مِثْلَ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ كَالسَّوِيقِ وَنَحْوِهِ وَلَا يَقُصُّ فِيهِ شَارِبَهُ وَلَا يُقَلِّمُ فِيهِ أَظْفَارَهُ وَإِنْ أَخَذَهُ فِي ثَوْبِهِ
وَلَا يَقْتُلُ فِيهِ قَمْلَةً وَلَا بُرْغُوثًا
وَأُرَخِّصُ فِي مَبِيتِ الْغُرَبَاءِ فِي مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُبْرَمٌ وَمُعَلَّقٌ، وَالْمُعَلَّقُ لَا اسْتِحَالَةَ فِي رَفْعِ مَا عَلِقَ مِنْهُ عَلَى الدُّعَاءِ وَلَا فِي نُزُولِ مَا عَلِقَ نُزُولُهُ عَلَى دُعَاءٍ، وَأَمَّا الْمُبْرَمُ فَالدُّعَاءُ يَرْفَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، لَكِنْ رُبَّمَا أَثَابَ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى دُعَائِهِ أَوْ خَفَّفَ عَنْهُ مَا نَزَلَ بِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْ السُّكُوتِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ وَيُحِبُّ الدُّعَاءَ وَيَغْضَبُ لِتَرْكِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِجَابَةِ دُعَاءِ الْكَافِرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الِاسْتِجَابَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ وَنَسَبَهُ لِلْجُمْهُورِ مُسْتَدِلًّا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14] . وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ مِنْ بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ يَقْتَضِي عَدَمَ قُصُورِ الِاسْتِجَابَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَعَلَى مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْبَعْضُ يَخُصُّ بِالْمَظْلُومِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ شُرُوطًا فِي الدَّاعِي وَهِيَ: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ إلَّا اللَّهُ سبحانه وتعالى وَأَنْ يَدْعُوَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَرَامِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ مَلَالَةٌ مِنْ الدُّعَاءِ بِحَيْثُ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ كَمْ دَعَوْت وَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ السَّكِينَةِ، وَشُرُوطًا فِي الْمَدْعُوِّ بِهِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ الْمُمْكِنَةِ، فَلَا يَدْعُو بِمُسْتَحِيلٍ وَلَا بِمُحَرَّمٍ، وَأَنْ يَكُونَ مُصَدَّرًا بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنْ يَكُونَ فِي أَوْقَاتِ الْإِجَابَةِ كَوَقْتِ السَّحَرِ أَوْ وَقْتِ النِّدَاءِ أَوْ عِنْدَ الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ أَوْ زَمَنِ السُّجُودِ أَوْ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَكُونَ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِ مَلْحُونٍ لِلْقَادِرِ عَلَى الصَّوَابِ، وَاخْتُلِفَ فِي بَسْطِ الْيَدِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ أَمَارَةُ الذُّلِّ وَالسَّكِينَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ عَقِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ عليه الصلاة والسلام.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهَا فِي مَبَاحِثِ الْأَحْكَامِ: (وَيُكْرَهُ) عَلَى وَجْهِ التَّنْزِيهِ (الْعَمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ) حَيْثُ لَا يَمْنَعُ مُصَلِّيًا وَلَا يُقَذِّرُهُ (مِنْ خِيَاطَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالنَّسْخِ لِلْكَاتِبِ، وَأَمَّا مَا يُقَذِّرهُ أَوْ يُضَيَّقُ عَلَى مُصَلٍّ فَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ وُضِعَتْ لِلْعِبَادَةِ، وَأُجِيزَتْ الْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَتَعْلِيمُ الْعِلْمِ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ حَيْثُ لَا يُشَوِّشُ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى مُصَلٍّ، وَإِلَّا مُنِعَ كَمَا يُمْنَعُ كُلُّ مَا يُقَذِّرُ مِنْ نَحْوِ حِجَامَةٍ أَوْ فِصَادَةٍ أَوْ إصْلَاحِ النِّعَالَاتِ الْعَتِيقَةِ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ زِيَادَةً عَلَى الْمَطْلُوبِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَكُرِهَ أَنْ يُبْصَقَ بِأَرْضِهِ وَتَعْلِيمُ صَبِيٍّ وَبَيْعٌ وَشِرَاءٌ وَسَلُّ سَيْفٍ وَإِنْشَادُ ضَالَّةٍ وَهُتُفٌ بِمَيِّتٍ وَرَفْعُ صَوْتٍ كَرَفْعِهِ بِعِلْمٍ وَوَقِيدُ نَارٍ وَدُخُولٌ كَخَيْلٍ لِنَقْلٍ وَفُرُشٌ أَوْ مُتَّكَأٌ، وَمِنْ الْمَكْرُوهِ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ الِاسْتِيَاكُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ، وَأَمَّا غَرْسُ الشَّجَرِ أَوْ الزَّرْعِ فِيهِ فَيَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، كَمَا يَحْرُمُ حَفْرُهُ وَالدَّفْنُ فِيهِ، وَمَا غُرِسَ فِيهِ مِنْ الْأَشْجَارِ يُقْطَعُ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَهِيَ حَلَالٌ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ لِأَنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ كَالْفَيْءِ. (وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَغْسِلَ يَدَيْهِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لَا يَجُوزُ الْكَرَاهَةُ إنْ كَانَتَا طَاهِرَتَيْنِ وَالْحُرْمَةُ إنْ كَانَتَا نَجِسَتَيْنِ أَوْ بِهِمَا مَا يُقَذِّرُ وَلَوْ طَاهِرًا، وَاخْتُلِفَ فِي الْوُضُوءِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجَوَازُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَالْكَرَاهَةُ لِسَحْنُونٍ كَمَجِّ الرِّيقِ فِيهِ وَرِحَابُ الْمَسْجِدِ كَالْمَسْجِدِ. (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُكْرَهُ أَنْ (يَأْكُلَ فِيهِ) نَحْوَ بِطِّيخٍ أَوْ فُولٍ مِمَّا يَعْفِشُهُ وَلَا يُقَذِّرُهُ (إلَّا مِثْلَ الشَّيْءِ الْخَفِيفِ) الَّذِي لَا يَحْصُلُ مِنْهُ تَلْوِيثٌ (كَالسَّوِيقِ وَنَحْوِهِ) فَلَا يُكْرَهُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ (وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُكْرَهُ أَنْ (يَقُصَّ فِيهِ شَارِبَهُ) وَلَا يَحْلِقُ فِيهِ رَأْسَهُ (وَلَا يُقَلِّمُ فِيهِ ظُفْرَهُ) إنْ كَانَ مَا يُزِيلُهُ يُلْقِيهِ عَلَى أَرْضِهِ بَلْ (وَإِنْ أَخَذَهُ فِي ثَوْبِهِ) بِحَيْثُ لَا يَنْزِلُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى أَرْضِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَرْضِهِ، وَالْمَسَاجِدُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ جَمِيعِ مَا يَعْفِشُهَا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا.
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ (يَقْتُلَ فِيهِ) أَيْ الْمَسْجِدُ (قَمْلَةً وَلَا بُرْغُوثًا) الْمُرَادُ الْكَرَاهَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى الْمَكْرُوهِ: وَقَتْلُ كَبُرْغُوثٍ بِمَسْجِدٍ، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْقَمْلَةِ أَشَدُّ لِأَنَّهَا مِمَّا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ قَتْلِ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ لَمْ يَطْرَحْ قِشْرَهَا فِيهِ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّ لَهَا نَفْسًا سَائِلَةً فَمَيْتَتُهَا نَجِسَةٌ، كَمَا أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ قَتْلِ الْبُرْغُوثِ بِهِ مَعَ طَرْحِ قِشْرِهِ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَكْثُرْ بِحَيْثُ يُقَذِّرُهُ لِأَنَّ تَقْذِيرَ الْمَسَاجِدِ حَرَامٌ وَلَوْ بِالطَّاهِرِ، وَلَا يُقَالُ: تَعْفِيشُ الْمَسَاجِدِ مَكْرُوهٌ، لِأَنَّا نَقُولُ: التَّقْذِيرُ أَشَدُّ مِنْ التَّعْفِيشِ.
(تَنْبِيهٌ) تَكَلَّمَ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَتْلِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَكَتَ عَنْ حُكْمِ طَرْحِهِ فِيهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّ طَرْحَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَسْجِدِ حَيًّا لَا حَرَجَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبُرْغُوثِ، وَأَمَّا الْقَمْلَةُ فَاخْتَارَ اللَّقَانِيُّ حُرْمَةَ طَرْحِهَا فِيهِ لِأَنَّهَا تُؤْذِي الْغَيْرَ، وَاخْتَارَ الْأُجْهُورِيُّ الْكَرَاهَةَ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى حُرْمَةِ طَرْحِ قِشْرِهَا فِيهِ لِحُرْمَةِ وَضْعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَلَوْ مَعْفُوًّا عَنْهَا وَقِشْرُهَا نَجِسٌ، وَأَمَّا طَرْحُهَا حَيَّةً خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَقَدْ نَصَّ خَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ: وَفِيهَا يَجُوزُ طَرْحُهَا خَارِجَهُ وَاسْتُشْكِلَ.
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَرَاهَةِ الْعَمَلِ كَالْخِيَاطَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ عَدَمُ جَوَازِ الْبَيَاتِ بِهَا مُطْلَقًا قَالَ: (وَأَرْخَصَ) أَيْ سَهَّلَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رضي الله عنه (فِي مَبِيتِ الْغُرَبَاءِ فِي مَسَاجِدِ الْبَادِيَةِ) لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَبِيتُونَ فِيهِ مِنْ نَحْوِ فُنْدُقٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَسَاجِدِ الْحَاضِرَةِ فَلَا تَرْخِيصَ فِي الْبَيَاتِ بِهَا لِلْغُرَبَاءِ إلَّا أَنْ