الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِي سَنَتَيْنِ.
وَالدِّيَةُ مَوْرُوثَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ.
وَفِي جَنِينِ الْحُرَّةِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٌ تُقَوَّمُ بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ.
ــ
[الفواكه الدواني]
وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ مِنْ الْعَاقِلَةِ فَتُخَفَّفُ عَنْهُمْ بِتَأْجِيلِهَا لَآخِرِ الْعَامِ، وَسُمِّيَتْ عَاقِلَةً لِأَنَّهَا تَعْقِلُ عَنْ الْقَاتِلِ أَوْ تَحْمِلُ عَنْهُ، وَقِيلَ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ الطَّالِبِ عَنْ الْجَانِي، وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ عِنْدَ دَارِ الْمَقْتُولِ وَهَكَذَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْإِسْلَامِ.
(وَ) إنْ كَانَ الْوَاجِبُ (ثُلُثَهَا) بِأَنْ كَانَ الْجُرْحُ جَائِفَةً أَوْ آمَّةً أَوْ دَامِغَةً فَإِنَّهُ يُقْبَضُ مِنْ الْعَاقِلَةِ (فِي) آخِرِ (سَنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِانْقِضَائِهَا وَإِبْدَاؤُهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ وَالثُّلُثَانِ فِي سَنَتَيْنِ.
(وَ) إنْ كَانَ الْوَاجِبُ (نِصْفَهَا) كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ أَوْ رِجْلَ شَخْصٍ خَطَأً فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ (فِي سَنَتَيْنِ) يَحِلُّ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى ثُلُثُهَا وَفِي الثَّانِيَةِ سُدُسُهَا، هَكَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَنِصْفُهَا فِي سَنَتَيْنِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِابْنِ الْحَاجِبِ وَخَلِيلٍ، وَلَفْظُ خَلِيلٍ: وَالثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بِالنِّسْبَةِ وَنُجِّمَ فِي النِّصْفِ وَالثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ بِالتَّثْلِيثِ ثُمَّ لِلزَّائِدِ سَنَةٌ.
وَفِي الْأُجْهُورِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَشْهُورِ، وَأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ النِّصْفَ يُجْعَلُ شَطْرَيْنِ لِكُلِّ سَنَةٍ شَطْرٌ، فَإِنَّهُ صَوَّبَ كَلَامَ خَلِيلٍ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ قَالَ وَنُجِّمَ فِي الْمُصَنِّفِ وَالثَّلَاثَةِ أَرْبَاعٍ بِالتَّرْبِيعِ رُبْعٌ بِآخِرِ كُلِّ عَامٍ لَوَافَقَ الرَّاجِحَ، وَأَقُولُ: لَعَلَّ كَلَامَ الْأُجْهُورِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْكَامِلَةَ تُنَجَّمُ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ عَلَى الْقَوْلِ الشَّاذِّ الْمُقَابِلِ لِمَا عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَخَلِيلٌ وَابْنُ الْحَاجِبِ مِنْ جَعْلِ الْكَامِلَةِ فِي ثَلَاثٍ.
[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مُسْتَحَقِّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ بِقَوْلِهِ: (وَالدِّيَةُ) وَهِيَ الْمَالُ الْمُؤَدَّى فِي نَظِيرِ دَمِ الْمَقْتُولِ (مَوْرُوثَةٌ عَلَى الْفَرَائِضِ) سَوَاءٌ كَانَتْ دِيَةَ عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ فَهِيَ كَمَالِ الْمَيِّتِ، فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ نَصِيبَهُ الْمُقَدَّرَ لَهُ فِي مَالِهِ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْقَاتِلَ، الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْمُوَطَّإِ:«مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةً مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا الْمَقْتُولِ خَطَأً» .
وَفِي قَوْلِهِ مَوْرُوثَةٌ مُنَاقَشَةٌ لِمَا أَنَّ الْإِرْثَ إنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي كَانَ مَمْلُوكًا لَلْمَوْرُوثِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَالدِّيَةُ إنَّمَا اسْتَحَقَّتْهَا الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يَمْلِكَهَا بِآخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ دِيَتَهُ يُقْضَى مِنْهَا وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ مِنْهَا، وَإِذَا عَفَا عَنْ قَاتِله خَطَأً فَإِنَّ عَفْوَهُ يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعَاقِلَةِ بِدِيَتِهِ فَإِنْ حَمَلَهَا ثُلُثُهُ سَقَطَتْ عَنْهُمْ، مَعَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ ثُلُثِ مَا عُلِمَ بِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَيَاتِهِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَاجِبُ (فِي جَنِينِ) أَيْ حَمْلِ (الْحُرَّةِ) مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً إذَا انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ وَهِيَ حَيَّةٌ بِسَبَبِ ضَرْبَةٍ أَوْ تَخْوِيفٍ أَوْ شَمِّ رَائِحَةِ سَمَكٍ مِنْ عِنْدِ مَنْ يَعْلَمُ حَمْلَهَا وَأَنَّ عَدَمَ إطْعَامِهَا يُسْقِطُهُ (غُرَّةٌ) وَهِيَ (عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ) أَيْ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ بَلَغَتْ حَدَّ الْإِثْغَارِ بِحَيْثُ (تُقَوَّمُ) تِلْكَ الرَّقَبَةُ (بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَذَلِكَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ أَبِيهِ وَعُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الْجَنِينِ وَإِنْ عَلَقَةً عُشْرُ أُمِّهِ وَلَوْ أَمَةً نَقْدًا أَوْ غُرَّةً عَبْدًا أَوْ وَلِيدَةً تُسَاوِيهِ أَيْ الْعُشْرَ، لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْغُرَّةَ لَا تَكُونُ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِي إنْزَالِ جَنِينٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ وَنَزَلَ غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ كَمَا قَدَّمْنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِمَنْ يَرِثُهُ عُشْرُ وَاجِبِ أُمِّهِ مِنْ النَّقْدِ الْحَالِ أَوْ يَدْفَعُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً تُسَاوِي عُشْرَ دِيَةِ أُمِّهِ، وَلَوْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِهِ شَمَّهَا رَائِحَةً حَيْثُ طَلَبَتْ مِنْ ذِي الرَّائِحَةِ شَيْئًا وَلَمْ يُعْطِهَا أَوْ عَلِمَ بِحَمْلِهَا وَبِأَنَّ عَدَمَ تَنَاوُلِهَا مِنْهُ يُسْقِطُ جَنِينَهَا وَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ، وَلَوْ لَمْ تُطْلَبْ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ دَمًا مُجْتَمِعًا بِحَيْثُ إذَا صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ الْحَارُّ لَا يَذُوبُ لِأَنَّ الْعَلَقَةَ عِنْدَنَا فِي بَابِ الْغُرَّةِ وَالْعِدَّةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ حُكْمُ الْمُتَخَلِّقِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْغُرَّةِ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ أَنَّ إنْزَالَ الْجَنِينِ مِنْ هَذَا السَّبَبِ بِأَنْ عَايَنَتْهَا لَزِمَتْ الْفِرَاشَ إلَى أَنْ انْفَصَلَ مِنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ وَهِيَ حَيَّةٌ، وَأَمَّا لَوْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً بِشَرْطِ الْقَسَامَةِ وَلَوْ مَاتَ عَاجِلًا، وَقَوْلُنَا: وَهِيَ حَيَّةٌ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْضُهُ فِي حَيَاتِهَا وَبَعْضُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِيهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْمُوَطَّإِ:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ» .
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا وَمِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ أَنَّ الْغُرَّةَ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهَا الْعَبْدُ وَلَا غَيْرُهُ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَيُخَيَّرُ الْجَانِي بَيْنَ غُرْمِ الْغُرَّةِ أَوْ عُشْرِ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ عَلَى الْحُلُولِ وَلَا يُعْطَى فِيهَا إبِلٌ وَلَا بَقَرٌ.
الثَّانِي: إذَا كَانَ الْجَنِينُ مُتَعَدِّدًا تَعَدَّدَ الْوَاجِبُ قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعَدَّدَ الْوَاجِبُ بِتَعَدُّدِهِ وَهُوَ الْغُرَّةُ إنْ نَزَلَ مَيِّتًا وَالدِّيَةُ مَعَ الْقَسَامَةِ إنْ نَزَلَ مُسْتَهِلًّا وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌ وَلَوْ كَانَ الْجَنِينُ مِنْ زِنًى.
الثَّالِثُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ يَكُونُ عَلَى الْجَانِي وَعَلَى الْحُلُولِ مَحَلَّهُ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْوَاجِبُ فِي الْخَطَإِ الثُّلُثَ وَإِلَّا كَانَ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي، كَمَجُوسِيٍّ ضَرَبَ بَطْنَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا غَيْرَ مُسْتَهِلٍّ لِأَنَّ الْغُرَّةَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَنْ
وَتُورَثُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ.
وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ مِنْ مَالٍ وَلَا دِيَةٍ.
وَقَاتِلُ الْخَطَإِ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ دُونِ الدِّيَةِ.
وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا.
وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ.
وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ
ــ
[الفواكه الدواني]
يَسْتَحِقُّ الْغُرَّةَ بِقَوْلِهِ: (وَتُورَثُ) أَيْ الْغُرَّةُ (عَلَى حُكْمِ الْفَرَائِضِ) الْمُفَصَّلَةِ (فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) وَقَالَ خَلِيلٌ: وَوُرِّثَتْ عَلَى الْفَرَائِضِ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُمْ: إنَّ الْجَنِينَ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ لَا عَلَى مَا يَشْمَلُ مَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتِهِ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إرْثِهَا عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَتَّى الْإِخْوَةُ وَبَقِيَّةُ الْعَصَبَةِ هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مَالِكٌ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ كَانَ يَقُولُ: هِيَ لِلْأَبَوَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهِيَ لَهُ خَاصَّةٌ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهَا إرْثًا لَوْ كَانَ الضَّارِبُ لِبَطْنِ أُمِّ الْجَنِينِ هُوَ الْأَبُ يَلْزَمُهُ الْغُرَّةَ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا، كَذَا لَوْ شَرِبَتْ الْأُمُّ لِإِسْقَاطِهَا مَا فِي بَطْنِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْغُرَّةُ وَلَا تَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ الْمَقْتُولَ.
كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يَرِثُ قَاتِلُ الْعَمْدِ) الْعُدْوَانِ (مِنْ مَالِ) الْمَقْتُولِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَلَا) مِنْ (دِيَةٍ) أُخِذَتْ فِي نَظَرِ دَمِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ مَقْتُولَهُ لِاتِّهَامِهِ عَلَى اسْتِعْجَالِ مَوْتِهِ» فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَرِثْ مِنْ دِيَتِهِ لِوُجُوبِهَا بِفِعْلِهِ، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الشَّخْصِ شَيْءٌ لِنَفْسِهِ، وَكَمَا لَا يَرِثُ لَا يَحْجُبُ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَرِثُ بِحَالٍ لَا يَحْجُبُ وَارِثًا، وَقَيَّدْنَا الْعَمْدَ بِالْعُدْوَانِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَمْدِ غَيْرِ الْعُدْوَانِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْبَاعِيَةِ: وَكُرِهَ لِلرَّجُلِ قَتْلُ أَبِيهِ وَوَرِثَهُ.
(وَ) مَفْهُومُ قَاتِلِ الْعَمْدِ أَنَّ (قَاتِلَ الْخَطَإِ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ) الَّذِي تَرَكَهُ الْمَقْتُولُ لِعَدَمِ اتِّهَامِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْخَطَإِ.
(دُونَ الدِّيَةِ) لِأَنَّهَا مِنْ سَبَبِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِيهَا: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] وَلَوْ كَانَ يَرِثُهَا لَمْ يُسَلِّمْهَا، وَمَنْ لَا يَرِثُ مِنْهَا لَا يَحْجُبُ الْوَارِثَ لَهَا، فَإِذَا فَرَضْنَا ثَلَاثَةَ إخْوَةٍ لِأُمٍّ لَهُمْ أُمٌّ حَيَّةٌ وَقَتَلَ أَحَدُهُمْ أَخَاهُ خَطَأً فَإِنَّ الْأُمَّ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ الْمَقْتُولِ الثُّلُثَ، وَالثُّلُثَانِ لِلْأَخِ، وَلَا يُقَالُ لِلْأُمِّ السُّدُسُ مَعَ تَعَدُّدِ الْإِخْوَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ غَيْرُ وَارِثٍ مِنْ الدِّيَةِ فَلَا يَحْجُبُ الْوَارِثَ لَهَا، وَأَمَّا إرْثُهَا مِنْ مَتْرُوكِ الْمَقْتُولِ غَيْرِ الدِّيَةِ فَهُوَ السُّدُسُ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَفْهُومِ جَنِينِ الْحُرَّةِ بِقَوْلِهِ: (وَ) الْوَاجِبُ (فِي جَنِينِ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا) الْحُرِّ (مَا) يَجِبُ (فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ) مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ مِنْ النَّقْدِ الْحَالِ أَوْ عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ تُسَاوِي الْعُشْرَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْأَمَةُ مِنْ سَيِّدِهَا وَالنَّصْرَانِيَّة مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ كَالْحُرَّةِ أَيْ وَجَنِينُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا الْحُرِّ الْمُسْلِمِ كَجَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ فَفِيهِ عُشْرُ دِيَتِهَا، وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيَّةُ أَوْ النَّصْرَانِيَّةُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَتَزَوَّجُهَا كَجَنِينِ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ لِأَخْذِ الْحُرِّيَّةِ مِنْ أُمِّهِ وَالْإِسْلَامِ مِنْ أَبِيهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَخَلِيلٍ مِنْ سَيِّدِهَا لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ الْمَدَارُ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ تَخَلَّقَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَيَشْمَلُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْغَارَةِ لِحُرَّةٍ وَأَمَةٍ كَالْجَدِّ فَإِنَّ فِي جَنِينِ مَنْ ذُكِرَ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ، وَقَوْلُهُ: مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ أَيْ مِنْ أَهْلِ دِينِ سَيِّدِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ.
(وَ) مَفْهُومُ سَيِّدِهَا أَنَّ جَنِينَهَا (إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنْ كَانَ مِنْ سَيِّدٍ زَنَى أَوْ مِنْ زَوْجٍ وَلَوْ حُرًّا مَعَ عِلْمِهِ (فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَتِهَا) أَيْ الْأُمِّ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْغُرَّةِ، كَمَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ إنْ أُنْزِلَ مُسْتَهِلًّا قِيمَتُهُ وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ.
(تَنْبِيهٌ) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْآدَمِيَّةِ مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ، وَسَكَتَ عَنْ جَنِينِ الْبَهِيمَةِ إذَا تَسَبَّبَ إنْسَانٌ فِي قَتْلِهِ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ تُقَوَّمُ أُمُّهُ حَامِلًا بِهِ وَعَلَى حَالِهَا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَيُنْظَرُ مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهَا بَعْدَ نُزُولِهِ عَنْ قِيمَتِهَا حَامِلًا بِهِ، فَمَا نَقَصَ يَغْرَمُهُ الْجَانِي هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأُمِّ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ نَزَلَ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ نَزَلَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَعَ غُرْمِ نَقْصِ الْأُمِّ، لِأَنَّ نَحْوَ الْبَقَرَةِ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا بَعْدَ فَقْدِ وَلَدِهَا عَنْ قِيمَتِهَا مَعَ حَيَاتِهِ،
وَلَمَّا كَانَ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى قِصَاصًا قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ) مِنْ الْأَحْرَارِ (عَبْدًا) أَيْ رَقِيقًا وَلَوْ ذَا شَائِبَةٍ كَمُكَاتَبٍ أَوْ أُمِّ وَلَدٍ.
(فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) وَلَوْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ وَيَغْرَمُهَا الْقَاتِلُ فِي مَالِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ أَيْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَقَوْلُنَا: مِنْ الْأَحْرَارِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ قَتَلَهُ رَقِيقٌ فَالْقِصَاصُ أَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ غِيلَةً فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ.
(تَنْبِيهٌ) بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ مَا يَجِبُ عَلَى قَاتِلِ الرَّقِيقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ جَرَحَهُ، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَالْقِيمَةُ لِلْعَبْدِ كَالدِّيَةِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقِيمَةَ لِلْعَبْدِ فِي جِرَاحَاتِهِ كَالدِّيَةِ لِلْحُرِّ فِي النِّسْبَةِ إلَيْهَا، فَمَا يَجِبُ فِي جِرَاحَاتِ الْمُسْلِمِ يُنْسَبُ إلَى دِيَتِهِ، وَمَا يَجِبُ فِي جِرَاحَاتِ الرَّقِيقِ يُنْسَبُ إلَى قِيمَتِهِ، فَفِي جَائِفَتِهِ وَآمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ وَهِيَ الْهَاشِمَةُ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَمَا عَدَا تِلْكَ الْجِرَاحَاتِ مِنْ يَدٍ وَعَيْنٍ وَرِجْلٍ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا مَا نَقَصَتْهُ قِيمَتُهُ سَالِمًا.
وَلَمَّا كَانَ قَتْلُ الْمُحَارِبِ وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمَنْعِ السُّلُوكِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ قَالَ: (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ) الْمُكَلَّفُونَ وَلَوْ أَشْرَافًا وُجُوبًا.
(وَالْوَاحِدُ) وَلَوْ