الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]
بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَاللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَغَيْرِهَا وَالسَّبَقِ بِالْخَيْلِ وَالرَّمْيِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ وَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ»
وَمَنْ تَثَاءَبَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ
وَمَنْ عَطَسَ فَلِيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَلَى مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ اللَّهَ أَنْ يَقُولَ لَهُ
ــ
[الفواكه الدواني]
[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]
(بَابٌ فِي الرُّؤْيَا) بِالْقَصْرِ أَيْ مَا يَرَاهُ الشَّخْصُ فِي مَنَامِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي حَقِيقَتِهَا، فَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ أَمْثِلَةٍ يُدْرِكُهَا الرَّائِي بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ تُصِبْهُ آفَةُ النَّوْمِ، وَقِيلَ: إدْرَاكٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ يَقُومُ بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ يَقُمْ بِهِ النَّوْمُ، وَقِيلَ: فِكْرٌ يَقُومُ بِجُزْءٍ مِنْ الْقَلْبِ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ نَوْمٌ، وَفِي بَيَانِ الْقَوْلِ الَّذِي يَنْبَغِي لِلرَّائِي أَنْ يَقُولَهُ وَبَيَانِ تَفْسِيرِهَا.
(وَ) فِي أَحْكَامِ (التَّثَاؤُبِ) بِمُثَنَّاةٍ وَمُثَلَّثَةٍ (وَ) فِي أَحْكَامِ (الْعُطَاسِ، وَ) فِي حُكْمِ (اللَّعِبِ بِالنَّرْدِ وَغَيْرِهَا) مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ كَالشِّطْرَنْجِ (وَ) فِي أَحْكَامِ (السَّبْقِ بِالْخَيْلِ) وَالْإِبِلِ وَبَيْنَهُمَا.
(وَ) فِي حُكْمِ (الرَّمْيِ) بِالسَّهْمِ (وَ) فِي بَيَانِ (غَيْرِ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ كَبَيَانِ حُكْمِ قَتْلِ الْقَمْلِ بِالنَّارِ، وَكَبَيَانِ أَفْضَلِ الْعُلُومِ
وَشَرَعَ فِي بَيَانِهَا عَلَى التَّفْصِيلِ فَقَالَ: (قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ الصَّالِحَةُ (مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الشَّخْصُ الشَّامِلُ لِلْمَرْأَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، قَالُوا: وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ؟ قَالَ: الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ» .
كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّالِحِ الْمُمْتَثِلُ لِلْمَأْمُورَاتِ الْمُجْتَنِبُ لِلْمَنْهِيَّاتِ. (جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ: «مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا» وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُصَدِّقُ بِهِ وَلَا نَخُوضُ فِي طَلَبِ مَعْنَاهُ، وَمِنْهُمْ مِنْ خَاضَ كَالْمَازِرِيِّ وَقَالَ: وَجْهُ كَوْنِ الرُّؤْيَا جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ يُوحَى إلَيْهِ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً عَشَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ بِمَكَّةَ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَرَى فِي الْمَنَامِ مَا يُلْقِيهِ إلَيْهِ الْمَلَكُ وَذَلِكَ نِصْفُ سَنَةٍ وَنِصْفُ سَنَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ، وَإِلَّا سُلِّمَ تَفْوِيضُ عِلْمِ سِرِّ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ، لِأَنَّ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الْمَذْكُورَ لَا يَأْتِي عَلَى غَيْرِ رِوَايَةِ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا، وَأَمَّا الرُّؤْيَا غَيْرُ الْحَسَنَةِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَسَنَةَ مِنْ اللَّهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ» وَلِقِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا حَقٌّ وَبُشْرَى مِنْ اللَّهِ وَهِيَ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «أَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا» وَأَصْدَقُهَا مَا يَرَاهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ نَائِمٌ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَأَقْوَى مَا تَكُونُ فِي الرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ، وَأَضْعَفُ مَا تَكُونُ فِي الشِّتَاءِ وَالْخَرِيفِ، وَأَصْدَقُ مَا تَكُونُ عِنْدَ الِاسْتِغْرَاقِ فِي النَّوْمِ، وَرُؤْيَا اللَّيْلِ أَصْدَقُ مِنْ رُؤْيَا النَّهَارِ وَأَقْرَبُهَا انْتِظَارًا إذَا كَانَتْ آخِرَ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفَ النَّهَارِ، وَغَيْرُ الصَّالِحَةِ الْحَلْمُ بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ تَهْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَخْلِيطِهِ، وَأَمَّا الْحُلُمِ بِضَمِّ الْحَاءِ فَهُوَ بُلُوغُ الصَّبِيِّ. (وَمَنْ رَأَى مِنْكُمْ) مَعَاشِرَ الْمُخَاطَبِينَ (مَا يَكْرَهُ فِي مَنَامِهِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَلْيَتْفُلْ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ بَابِ قَتَلَ وَضَرَبَ أَيْ يَبْصُقُ مِنْ غَيْرِ تَصْوِيتٍ (ثَلَاثًا عَلَى يَسَارَةِ وَلْيَقُلْ) لِلتَّعَوُّذِ مِنْ شَرِّهَا:(اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا رَأَيْت فِي مَنَامِي أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ) فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، هَذَا وَرَدَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ التَّحَوُّلَ عَنْ الْجَنْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ:«وَيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا» فَيَنْبَغِي لِلرَّائِي الِاحْتِيَاطُ وَيَجْمَعُ مَا تَفَرَّقَ فِي الرِّوَايَاتِ، وَحِكْمَةُ التَّفْلِ عَنْ الْيَسَارِ أَنَّهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ، وَحِكْمَةُ التَّحَوُّلِ مِنْ الْجَنْبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ التَّفَاؤُلُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبَدِّلُ الْمَكْرُوهَ بِالْحَسَنِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَعُودَ إلَى مَنَامِهِ بَعْدَ اسْتِيقَاظِهِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ يَعُودُ إلَيْهِ
يَرْحَمُك اللَّهُ
وَيَرُدُّ الْعَاطِسُ عَلَيْهِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَوْ يَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ
وَلَا يَجُوزُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ
وَلَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الشَّيْطَانُ.
(تَنْبِيهٌ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا يَنْبَغِي قَوْلُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الْمَكْرُوهَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يَقُولُهُ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ الشَّيْءَ الْحَسَنِ، وَتَعَرَّضَ لَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ:«الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنْ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إلَّا مِنْ يُحِبُّ» وَظَاهِرُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ التَّعْبِيرِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ:«فَلْيَعْرِضْهُ عَلَى ذِي رَأْيٍ نَاصِحٍ عَالِمٍ بِتَعْبِيرِ الرُّؤْيَا» لِأَنَّهُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الْخَوْضُ فِي التَّعْبِيرِ، بِخِلَافِ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِعِلْمِ التَّأْوِيلِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّعْبِيرُ اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ مَا يَرَاهُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ، كَمَا لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى الْمُسَطَّرِ فِي الْكُتُبِ مِنْ غَيْرِ أَخْذٍ عَنْ شُيُوخِ الْعِلْمِ، لِاحْتِمَالِ خَفَاءِ قَيْدٍ وَالِاحْتِيَاطُ لِمَنْ رَأَى مَا يُحِبُّ كَتْمُ مَا رَآهُ إلَّا عَنْ حَبِيبٍ عَالِمٍ بِتَأْوِيلِ الرُّؤْيَا، بِخِلَافِ مَنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ بَعْدَ قِيَامِهِ الصَّلَاةُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّحْدِيثِ بِمَا رَأَى كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّؤْيَا شَرَعَ فِي أَحْكَامِ التَّثَاؤُبِ بِقَوْلِهِ: (وَمَنْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ شَرْطِيَّةٌ وَشَرْطُهَا (تَثَاءَبَ) بِمُثَنَّاةٍ وَمُثَلَّثَةٍ وَبِالْوَاوِ مَصْدَرُهَا التَّثَاؤُبُ.
قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: تَثَاءَبَ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلَ، وَلَا يُقَالُ تَثَاوَبَ بِالْوَاوِ وَمَعْنَاهُ أَصَابَهُ الْكَسَلُ وَانْفَتَحَ فَاهُ لِدَفْعِ الْبُخَارَاتِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي عَضَلَاتِ الْفَكِّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ وَمِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَمَا يُورِثُ الْكَسَلَ يُورِثُ ثِقَلَ الْبَدَنِ وَسُوءَ الْفَهْمِ وَالْغَفْلَةَ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَضَعْ) نَدْبًا (يَدَهُ) الْيُمْنَى أَوْ ظَاهِرَ الْيُسْرَى (عَلَى فِيهِ) وَلَا يَضَعُ بَاطِنَ الْيُسْرَى لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِمُبَاشَرَةِ الْأَقْذَارِ، عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ شَرْطًا بَلْ الْمَقْصُودُ سَدُّ الْفَمِ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ، وَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَأَزَالَ يَدَهُ نَفَثَ ثَلَاثًا إنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يَسْتَأْنِفُ الْقِرَاءَةَ مِنْ غَيْرِ نَفْثٍ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَنْفُثُ فِي حَالِ التَّثَاؤُبِ، وَلَمَّا كَانَ التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ لَمْ يَتَثَاءَبْ نَبِيٌّ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقْرَبُ الْأَنْبِيَاءَ.
(وَمَنْ) شَرْطِيَّةٌ شَرْطُهَا (عَطَسَ) بِفَتَحَاتٍ الْمَاضِي وَبِفَتْحٍ أَوْ ضَمِّ الْعَيْنِ مِنْ الْمُضَارِعِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ (فَلْيَقُلْ) نَدْبًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) مُسْمِعًا لِمَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ لِكَيْ يُشَمِّتَهُ، لَا إنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ فَلَا يَحْمَدُ لَا جَهْرًا وَلَا سِرًّا، لِأَنَّ مَا هُوَ فِيهِ أَهَمُّ بِالِاشْتِغَالِ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شُرَّاحُ خَلِيلٍ، وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِخُصُوصِ الْحَمْدِ.
وَرُوِيَ زِيَادَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا.
(فَائِدَةٌ) وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا تَجَشَّأَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَطَسَ فَلَا يَرْفَعْ بِهِمَا الصَّوْتُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ بِهِمَا الصَّوْتُ» وَذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَزَادَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ مِثْلَهُمَا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ.
(وَ) يَجِبُ (عَلَى) جِهَةِ الْكِفَايَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ عَلَى كُلِّ (مَنْ سَمِعَهُ يَحْمَدُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (اللَّهَ) بِخُصُوصٍ مِنْ لَفْظِ الْحَمْدِ لِلَّهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ (أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ) وَمِثْلُ سَمَاعِهِ الْعَاطِسَ سَمَاعُ تَشْمِيتِ اللَّهِ لَهُ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَسْمَعْ حَمْدَ الْعَاطِسِ فَلَا يُشَمِّتُهُ إلَّا أَنْ يَرَى تَشْمِيتَ النَّاسِ لَهُ فَيُشَمِّتُهُ، وَمِنْ بَابِ أَوْلَى فِي عَدَمِ تَشْمِيتِهِ لَوْ تَرَكَ لَفْظَ الْحَمْدِ لِلَّهِ، وَلَوْ أَتَى بِغَيْرِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِ الْعَوَامّ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ حَقٌّ، وَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ أَنْ يُنَبِّهَهُ عَلَيْهِ إذَا تَرَكَهُ لِكَيْ يُشَمِّتَهُ كَمَا جَاءَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ وَلَمْ يَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ بِعِبَارَةٍ لَطِيفَةٍ: مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ؟ فَقَالَ: يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَقَالَ لَهُ الْأَوْزَاعِيُّ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَنَصَّ عُلَمَاؤُنَا عَلَى نَدْبِ تَنْبِيهِ الْإِمَامِ عِنْدَ نِسْيَانِهِ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الْمَفْرُوضَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَيُرَجَّحُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَدْبِ تَنْبِيهِ الْعَاطِسِ عَلَى الْحَمْدِ مَا وَرَدَ مِنْ أَنْ يَسْبِقَ الْعَاطِسُ بِالْحَمْدِ يَأْمَنُ مِنْ الشَّوْصِ وَاللُّصُوصِ وَالْعِلَّوْصِ، أَيْ وَجَعُ الضِّرْسِ وَالْأُذُنِ وَالْبَطْنِ، الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ، وَالثَّانِي لِلثَّانِي، وَهَكَذَا عَلَى التَّرْتِيبِ، وَقَوْلِي: وَلَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّ مَنْ فِي صَلَاةٍ لَا يَجُوزُ لَهُ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، بَلْ لَوْ قَالَ الْمُصَلِّي لِلْعَاطِسِ: يَرْحَمُك اللَّهُ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا لَا يَرُدُّ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ، فَإِنْ رَدَّ عَمْدًا أَوْ جَهْلًا بَطَلَتْ لَا سَهْوًا فَيَسْجُدُ الْفَذُّ وَالْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَكْثُرَ مِنْهُ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَكَثِيرِ كُلِّ سَهْوٍ.
1 -
(تَنْبِيهَاتٌ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْعَاطِسِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ وَالْمَرْأَةِ الْمَحْرَمِ أَوْ الْأَجْنَبِيَّةِ الْمُتَجَالَّةِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَا تَمِيلُ إلَيْهَا النُّفُوسُ، وَأَمَّا الشَّابَّةُ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الْفِتْنَةُ إذَا سَمِعَهَا الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ تَعْطِسُ وَسَمِعَ حَمْدَهَا فَلَا يُشَمِّتُهَا كَمَا لَا يَرُدُّ سَلَامَهَا، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: هَدَاك اللَّهُ لِمَا وَرَدَ مِنْ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ يَعْطِسُونَ بِحَضْرَتِهِ: يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِلْكَافِرِ يَرْحَمُك اللَّهُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُرْحَمُ إلَّا أَنْ يُؤْمِنَ.
1 -
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السَّامِعِ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَلَوْ تَكَرَّرَ حَمْدُهُ لِتَكَرُّرِ عُطَاسِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثَّلَاثِ لِمَا وَرَدَ مِنْ الْحَدِيثِ:«إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ فَلَا يُشَمِّتُهُ وَيَقُولُ لَهُ: إنَّك مَضْنُوكٌ» أَيْ مَزْكُومٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وُجُوبُ تَشْمِيتِهِ وَلَوْ سَمِعَهُ فِي حَالِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ، وَرُبَّمَا يَدُلُّ لِهَذَا الظَّاهِرِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ: لَمْ يَكْرَهْ ابْنُ الْقَاسِمِ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ