الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشُّؤْمِ إنْ كَانَ فَفِي الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ»
وَكَانَ عليه السلام يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ
وَيُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ
وَالْغَسْلُ
ــ
[الفواكه الدواني]
بِقَوْلِهِ: (وَقَالَ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام فِي) بَيَانِ (الشُّومِ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ السَّاكِنَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ أَوْ بِهِ (إنْ كَانَ) أَيْ وُجِدَ (فَفِي الْمَسْكَنِ) أَيْ فَيَكُونُ فِي الْمَسْكَنِ.
(وَ) يَكُونُ فِي (الْمَرْأَةِ، وَ) يَكُونُ فِي (الْفَرَسِ) وَهَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ مَذْكُورٍ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ الشَّكِّ بَعْدَهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَلَى الْجَزْمِ: «الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «إنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ» . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ الدَّارَ يَجْعَلُ اللَّهُ سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوْ لِلْهَلَاكِ، وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ أَوْ الْفَرَسِ أَوْ الْخَادِمِ، وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَجَمْعٌ كَثِيرٌ هُوَ مِنْ مَعْنَى لِلِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَكَأَنَّهُ قَالَ: الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوْ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ أَوْ خَادِمٌ فَلْيُفَارِقْ الْجَمِيعَ، الدَّارَ وَالْفَرَسَ وَالْخَادِمَ بِالْبَيْعِ، وَالْمَرْأَةَ بِالطَّلَاقِ، فَشُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا، وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ قِلَّةُ نَسْلِهَا، وَقِيلَ سُوءُ خُلُقِهَا وَقِيلَ كَثْرَةُ مَهْرِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا، وَشُؤْمُ الْفَرَسِ تَرْكُ الْغَزْوِ عَلَيْهَا، وَيُمْنُ الْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ ضِدُّ مَا ذُكِرَ. فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مَعَ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَكْرَهُ بَعْضَ أَشْيَاءَ غَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ لِحُصُولِ ضَرَرٍ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ أَكْثَرَ مَا يَتَشَاءَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ لِكَثْرَةِ مُلَازَمَتِهَا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ نَحْوِ الدَّارِ مِمَّا يَتَشَاءَمُ بِهِ يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ، وَبَيْنَ أَرْضِ الْوَبَاءِ يُنْهَى عَنْ الْخُرُوجِ مِنْهَا مَعَ حُصُولِ الضَّرَرِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا؟ فَالْجَوَابُ الْمُسْتَحْسَنُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ: أَنَّ مَا عَدَا تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يُعْهَدْ التَّشَاؤُمُ بِهِ، وَأَيْضًا الْوَبَاءُ الْمَوْتُ بِهِ شَهَادَةٌ لَا يُتَشَاءَمُ بِهَا، وَإِنَّمَا نُهَى عَنْ دُخُولِ أَرْضِهِ مِنْ الْخَارِجِ عَنْهَا خِيفَةَ اعْتِقَادِ مَا لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(تَنْبِيهٌ) حَدِيثُ الشُّؤْمِ الْمَذْكُورُ عَلَى جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ أَوْ لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صُفْرَ» ، وَوَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ حَدِيثَ لَا عَدْوَى إلَخْ فِيهِ نَفْيُ الشُّؤْمِ وَالْحَدِيثَانِ أَثْبَتَاهُ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ دَفَعَ التَّعَارُضَ بِأَنَّ مَا أَثْبَتَهُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ غَيْرُ الَّذِي نَفَاهُ الْآخَرُ، إذْ قَدْ نَفَى أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِشَيْءٍ عَدْوَى وَتَأْثِيرٌ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، وَأَثْبَتَ فِي الْآخَرِ مَا نَفَاهُ فِي الْآخَرِ، وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي أَنْ يُسَبِّبَ اللَّهُ ضَرَرًا بِسُكْنَى دَارٍ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ قَطْعِ نَسْلٍ لِبَعْضِ النَّاسِ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ دُونَ غَيْرِهَا، وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ الشُّؤْمِ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها نَفَتْهُ، وَقَالَتْ مَا قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ} [التغابن: 11] وَقَوْلُهُ: «لَا هَامَةَ وَلَا صُفْرَ» .
قَالَ مَالِكٌ مَعْنَاهُ لَا يُتَطَيَّرُ بِالْهَامِّ، خِلَافًا لِلْعَرَبِ كَانَتْ تَقُولُ: إذَا وَقَعَتْ هَامَةٌ عَلَى بَيْتٍ خَرَجَ مِنْهُ مَيِّتٌ، وَكَانَتْ تَقُولُ: الصُّفْرُ دَاءٌ فِي الْفَرْجِ يَقْتُلُ صَاحِبَهُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.
(وَكَانَ عليه الصلاة والسلام يَكْرَهُ سَيِّئَ الْأَسْمَاءِ) كَحَرْبٍ وَمُرَّةَ وَيُحِبُّ حَسَنَ الْأَسْمَاءِ كَعَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَحْمَدَ أَوْ مُحَمَّدٍ، فَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِلَّقْحَةِ تُحْلَبُ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا اسْمُك؟ قَالَ: مُرَّةُ، قَالَ: اجْلِسْ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَحْلُبُهَا؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: مَا اسْمُك؟ فَقَالَ: يَعِيشُ، فَقَالَ لَهُ: احْلِبْ» وَغَيَّرَ أَسْمَاءَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَسْلَمُوا، وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَحْوِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ لِأَنَّ كُلًّا يَهُمُّ وَيَحْرُثُ فِي الدُّنْيَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الطِّيَرَةِ أَنَّ الطِّيَرَةَ لَيْسَ فِي لَفْظِهَا مَا يُتَطَيَّرُ بِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهَا مَا يُكْرَهُ، بَلْ مُجَرَّدُ الْوَهْمِ الْفَاسِدِ وَسُوءِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَنْعُ فِي الْأَسْمَاءِ لِلْقُبْحِ أَوْ لِمُخَالَفَةِ الدِّين، كَمَا كَرِهَ بَرَّةَ اسْمَ امْرَأَةٍ «فَقَالَ: تُزَكِّي نَفْسَهَا فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ» .
(وَ) كَانَ عليه السلام (يُحِبُّ الْفَأْلَ) بِالْهَمْزَةِ يُجْمَعُ عَلَى فُؤُولٍ (الْحَسَنَ) وَهُوَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ كَالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ:«لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ» .
وَفِي رِوَايَةٍ: «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» مِثَالُهُ: إذَا خَرَجَ لِسَفَرٍ أَوْ إلَى عِيَادَةِ مَرِيضٍ وَسَمِعَ يَا سَالِمُ يَا غَانِمُ أَوْ يَا عَافِيَةُ هَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْهُ، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ سَمَاعَ الْفَأْلِ لِيَعْمَلَ عَلَى مَا يَسْمَعُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مِنْ الْأَزْلَامِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي كَانَتْ تَفْعَلُهَا الْجَاهِلِيَّةُ وَهِيَ قِدَاحٌ يَكُونُ فِي بَعْضِهَا افْعَلْ وَفِي بَعْضِهَا لَا تَفْعَلْ وَالثَّالِثُ لَا شَيْءَ فِيهِ، فَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ افْعَلْ مَشَى، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي فِيهِ لَا تَفْعَلْ رَجَعَ، وَإِنْ خَرَجَ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ أَعَادَ الِاسْتِقْسَامَ، وَفِي مَعْنَى هَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ اسْتِخْرَاجُ الْفَأْلِ مِنْ الْمُصْحَفِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ لَهُ مَا لَا يُرِيدُ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى التَّشَاؤُمِ بِالْقُرْآنِ، فَمَنْ أَرَادَ أَمْرًا وَسَمِعَ مَا يَسُوءُ لَا يَرْجِعُ عَنْ أَمْرِهِ وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالْخَيْرِ إلَّا أَنْتَ، وَلَا يَأْتِي بِالشَّرِّ أَوْ لَا يَدْفَعُ الشَّرَّ إلَّا أَنْتَ.
[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]
ثُمَّ
لِلْعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَرْفِقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ يُصَبَّ عَلَى الْمَعِينِ
وَلَا يُنْظَرُ فِي النُّجُومِ إلَّا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ وَأَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَيُتْرَكُ مَا سِوَى ذَلِكَ
وَلَا يُتَّخَذُ كَلْبٌ فِي الدُّورِ فِي
ــ
[الفواكه الدواني]
شَرَعَ فِي صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ إذَا عُرِفَ الْعَائِنُ.
(وَ) صِفَةُ (الْغَسْلِ مِنْ الْعَيْنِ أَنْ يَغْسِلَ الْعَائِنُ) أَيْ النَّاظِرُ (وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ) الْمُرَادُ بِالْإِزَارِ هُنَا الْمِئْزَرُ، وَالْمُرَادُ بِدَاخِلَتِهِ مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مَوْضِعُهُ مِنْ الْجَسَدِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَكْثَرُهُ، كَمَا يُقَالُ عَفِيفُ الْإِزَارِ أَيْ الْفَرْجُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ وَرِكُهُ وَيَكُونُ غَسْلُ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ (فِي قَدَحٍ ثُمَّ يَصُبُّ) ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَغْسُولَ فِيهِ (عَلَى الْعَيْنِ) أَيْ الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ وَهُوَ السُّمُّ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي عَيْنِ النَّاظِرِ وَيُصِيبُ الْمَنْظُورَ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَعَدَمِ مُبَارَكَةِ النَّاظِرِ فَيَمُوتُ أَوْ يَمْرَضُ لِوَقْتِهِ، وَلِذَا قَالَ عليه الصلاة والسلام:«الْعَيْنُ حَقٌّ» وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَالْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْأَصْلُ فِيمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مَا وَرَدَ:«أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ رَأَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَتَعَجَّبَ مِنْ بَيَاضِهِ وَحُسْنِهِ قَائِلًا: جِلْدُهُ جِلْدُ عَذْرَاءَ مُخَبَّأَةً فَمَرِضَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ لِوَقْتِهِ، فَأَخْبَرُوا بِهِ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام فَقَالَ لِأَهْلِهِ: تَتَّهِمُونَ بِهِ؟ قَالُوا: نَتَّهِمُ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، فَأَحْضَرَهُ الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام وَزَجَرَهُ وَوَبَّخَهُ وَقَالَ: أَلَا بَارَكْت اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ» ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى عَادَتَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْوَضُوءَ شِفَاءُ الْعَيْنِ وَوَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ ذَلِكَ الْوُضُوءِ وَاَلَّذِي قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ مَا تَقَدَّمَ، وَصِفَةُ صَبِّ الْقَدَحِ عَلَى الْمَعِينِ أَنْ يُصَبَّ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ وَيُقْلَبَ الْقَدَحُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَسْتَغْفِلُهُ بِذَلِكَ، فَهَذِهِ صِفَةُ رُقْيَةِ مَنْ أُصِيبَ بِالْعَيْنِ، وَيُجْبَرُ الْعَائِنُ عَلَى الْغُسْلِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ إذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِين الْهَلَاكُ وَلَمْ يُمْكِنْ زَوَالُ الْهَلَاكِ إلَّا بِهِ، وَمَنْ عَرَفَ أَنَّهُ مِعْيَانُ وَأَنَّهُ كُلَّمَا يَنْظُرُ إلَى شَيْءٍ يُصِيبُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ مَا أَتْلَفَهُ بِعَدَمِ التَّقَدُّمِ إمَّا بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ عَلَى حَالِهِ، وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْجُنَ مَنْ عُرِفَ بِهَذَا الْأَمْرِ وَيَكُونُ سِجْنُهُ فِي مَنْزِلِ نَفْسِهِ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَنَظِيرُ مَنْ عُرِفَ بِأَنَّهُ يَقْتُلُ بِالْحَالِ مَنْ تَعَمَّدَ مِنْهُمْ قَتْلَ شَخْصٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ.
1 -
(تَنْبِيهٌ) مِمَّا جُرِّبَ لِلْحِفْظِ مِنْ النَّظْرَةِ أَوْ غَيْرِهَا أَنْ تَقْرَأَ أَوْ تَحْمِلَ تِلْكَ الْآيَاتِ وَهِيَ: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ} [الأنعام: 17]{وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود: 6]{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56]{وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12]{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 60]{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 2 - 38] . وَشَرْطُ الِانْتِفَاعِ بِهَا أَنْ يَقْرَأَهَا أَوْ يَحْمِلَهَا مَعَ حُضُورِ قَلْبِهِ وَصِدْقِ نِيَّتِهِ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْشَدَ إلَى التَّحَصُّنِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَةِ وَعَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْعَائِنِ الْمُسَمَّى بِالْحَسُودِ وَهُوَ خَاسِرٌ وَفِي الدُّنْيَا لَا يَسُودُ، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النُّجُومِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا) يَجُوزُ لِأَحَدٍ (يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ) وَالنَّهْيُ يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ (إلَّا) فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا: (فِيمَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى) مَعْرِفَةِ (الْقِبْلَةِ) إذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَتُهَا عَلَى النَّظَرِ فِيهَا فَإِنَّ نَظَرَهُ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ، وَلِذَا قَالُوا: لَا يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُسَافِرَ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ مَنْ يَعْرِفُهَا.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ فِي بَيَانِ صِفَةِ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ: أَنْ تَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِكَ الْقُطْبَ ثُمَّ تَجْعَلَهُ عَلَى يَسَارِك فَمَا اسْتَقْبَلْت فَهُوَ نَاحِيَةُ الْقِبْلَةِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: قِبْلَةُ الْمَغْرِبِ مَا بَيْنَ السُّنْبُلَةِ إلَى التَّوْأَمَيْنِ، وَقِيلَ: قِبْلَةُ الْمَغْرِبِ مِنْ تُونُسَ إلَى طَنْجَةَ الثَّوْرُ وَالتَّوْأَمَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قِبْلَتُنَا فِي قُرْطُبَةَ مَطْلَعُ الْقُطْبِ لِأَنَّهُ يَطْلُعُ عَلَى رُكْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ.
(وَ) ثَانِيَتُهَا النَّظَرُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَعْرِفَةِ (أَجْزَاءِ) جَمْعُ جُزْءٍ (اللَّيْلِ) لِيَظْهَرَ لَهُ مَا أَمْضَى مِنْهُ وَمَا بَقِيَ لِأَجْلِ نِيَّةِ الصَّوْمِ