الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِمَا يُخْتَمَرُ فِي رَأْسِهَا وَعَلَى الْأَمَةِ وَالْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ الْإِحْدَادُ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْكِتَابِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ إحْدَادٌ وَتُجْبَرُ الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ.
وَ
عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا
حَيْضَةٌ وَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا فَإِنْ قَعَدَتْ عَنْ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ.
وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ
فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ حَيْضَةٌ انْتَقَلَ الْمِلْكُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
دُهْنًا مُطَيِّبًا وَلَا تَمْتَشِطُ بِمَا تُخْتَمَرُ) أَيْ تَبْقَى رَائِحَتُهُ (فِي رَأْسِهَا) بِخِلَافِ نَحْوِ الزَّيْتِ وَالسِّدْرِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا تَبْقَى لَهُ رَائِحَةٌ فَيَجُوزُ لَهَا اسْتِعْمَالُهُ، وَلَمَّا كَانَ الْإِحْدَادُ مُتَحَتِّمًا عَلَى كُلِّ مُتَوَفًّى عَنْهَا قَالَ:(وَ) يَجِبُ (عَلَى الْأَمَةِ) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا (وَالْحُرَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ الْإِحْدَادُ) لَكِنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّغِيرَةِ الْوَلِيُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجَنِّبَهَا كُلَّ مَا يُزَيِّنُ زَمَنَ عِدَّتِهَا.
(وَاخْتُلِفَ فِي) الْمُتَوَفَّى عَنْهَا (الْكِتَابِيَّةِ) فِي وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَيْهَا وَعَدَمِهِ، وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: وَتُرِكَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَقَطْ، وَإِنْ صَغُرَتْ وَلَوْ كِتَابِيَّةً، وَمَفْقُودًا زَوْجُهَا التَّزَيُّنَ، وَعُمُومُ الْحَدِيثِ لَا تَلْبَسُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا الْمُعَصْفَرَ، وَلَمَّا كَانَ الْإِحْدَادُ مَشْرُوعًا خَوْفَ اخْتِلَاطِ الْأَنْسَابِ، خُصَّ بِالْمُتَوَفَّى عَنْهَا دُونَ الْمُطَلَّقَةِ وَلِذَا قَالَ:(وَلَيْسَ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ) زَمَنَ عِدَّتِهَا (حَدَّادٌ) وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لَأَمْكَنَ الزَّوْجُ أَنْ يَنْفِيَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا. (وَتُجْبَرُ) الزَّوْجَةُ (الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ عَلَى الْعِدَّةِ مِنْ) زَوْجِهَا (الْمُسْلِمِ فِي الْوَفَاةِ وَالطَّلَاقِ) فَتَتَرَبَّصُ فِي الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَفِي الطَّلَاقِ ثَلَاثَةَ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تُطِيقُ الْوَطْءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا تَحِيضُ، وَمَفْهُومُ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ زَوْجُهَا كَافِرًا لَا يَكُونُ حُكْمُهَا كَذَلِكَ، وَالْحُكْمُ أَنَّهَا إنْ أَرَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ وَلَوْ فِي الْوَفَاةِ حَيْثُ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَمَّا كَانَتْ الْعِدَّةُ مُخْتَصَّةً بِالزَّوْجَةِ.
[عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا]
شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَوْطُوءَةِ بِالْمِلْكِ يَمُوتُ عَنْهَا سَيِّدُهَا أَوْ يُعْتِقُهَا بِبَيَانِ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ) وَهِيَ الْحُرَّةُ حَمْلُهَا مِنْ وَطْءِ مَالِكِهَا عَلَيْهِ جَبْرًا (مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا حَيْضَةٌ) ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهَا كَالْعِدَّةِ فِي حَقِّ الْحُرَّةِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَعِدَّتُهَا وَضْعُ حَمْلِهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْحَمْلِ يَحْصُلُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَلَوْ عِدَّةَ حُرَّةٍ وَلَوْ مِنْ وَفَاةٍ. (كَذَلِكَ) تَعْتَدُّ بِحَيْضَةٍ (إنْ أَعْتَقَهَا) قَبْلَ مَوْتِهِ، وَأَرَادَ الْغَيْرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَلَا مَفْهُومَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بَلْ كُلُّ أَمَةٍ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا لَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا بِحَيْضَةٍ، وَإِنَّمَا خَصَّ أُمَّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ فِيهَا شَائِبَةَ حُرِّيَّةٍ، فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْحَيْضَةَ غَيْرُ كَافِيَةٍ فِيهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا تِلْكَ الْحَيْضَةُ فِي الْمَوْتِ أَوْ عِنْدَ عِتْقِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ وَطِئَهَا سَيِّدُهَا، وَلِذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِالْغَيْرِ عِنْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهَا تِلْكَ الْحَيْضَةُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وُجُوبُ الْحَيْضَةِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا وَلَوْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ مَوْتِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا اسْتَأْنَفَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا كَالْحُرَّةِ تَطْهُرُ مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ يَمُوتُ الزَّوْجُ قَبْلَ وَطْئِهَا فَإِنَّهَا تَسْتَأْنِفُ الْعِدَّةَ، وَأَمَّا غَيْرُ أُمِّ الْوَلَدِ يَسْتَبْرِئُهَا سَيِّدُهَا بِحَيْضَةٍ أَوْ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا مِنْ مُطَلِّقِهَا فَفِيهَا تَفْصِيلٌ، فَإِنْ أَعْتَقَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى حَيْضَةٍ بَلْ تَحِلُّ مَكَانَهَا، وَأَمَّا غَيْرُ أُمِّ الْوَلَدِ يَسْتَبْرِئُهَا سَيِّدُهَا الْوَارِثُ اسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَبِمَوْتِ سَيِّدٍ، وَإِنْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمَةَ تَسْتَأْنِفُ حَيْضَةً بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهَا، وَلَوْ اُسْتُبْرِئَتْ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أُمَّ وَلَدٍ أَوْ غَيْرَهَا، وَأَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ أَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَسْتَأْنِفُ إنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَا إنْ كَانَتْ غَيْرَهَا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ أُمِّ الْوَلَدِ وَغَيْرِهَا شَبَّهَ أُمَّ الْوَلَدِ بِالْحُرَّةِ، وَالْحُرَّةُ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةً بِمَوْتِ الزَّوْجِ وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا. (فَإِنْ قَعَدَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهَا أَوْ صَغُرَتْ (عَنْ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) عِدَّتُهَا مِنْ سَيِّدِهَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ إطْلَاقِ الْعِدَّةِ عَلَى الْحَيْضَةِ مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ بَعْدَ سَيِّدِهَا فِيهِ تَجَوُّزٌ، إذْ هُوَ اسْتِبْرَاءٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ عَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِأَنَّهَا مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ لِفَسْخِهِ أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ، فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالزَّوْجَةِ وَلَوْ أَمَةً، وَأَيْضًا الْعِدَّةُ عِنْدَ مَالِكٍ هِيَ الْأَطْهَارُ لَا الْحَيْضُ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ إنَّمَا تَجُوزُ بِإِطْلَاقِ الْعِدَّةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ تَبَعًا لِلْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا أَوْ عِتْقِهِ إيَّاهَا حَيْضَةٌ.
الثَّانِي: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أُمِّ الْوَلَدِ الَّتِي مَاتَ سَيِّدُهَا وَزَوْجُهَا، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ بَيَّنَهُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: إنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتَيْهِمَا أَكْثَرُ مِنْ عِدَّةِ الْأَمَةِ أَوْ جُهِلَ فَعِدَّةُ حُرَّةٍ، وَمَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَمَةُ وَفِي الْأَقَلِّ عِدَّةُ حُرَّةٍ، وَهَلْ قَدْرُهَا كَأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قَوْلَانِ.
[وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ]
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَبْوَابِ الَّتِي تَرْجَمَ لَهَا وَهُوَ لُغَةً الِاسْتِقْصَاءُ وَالْبَحْثُ وَالْكَشْفُ عَلَى الْأَمْرِ الْغَامِضِ، وَشَرْعًا الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الْأَرْحَامِ عِنْدَ انْتِقَالِ الْأَمْلَاكِ مُرَاعَاةً لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَهُوَ وَاجِبٌ كَوُجُوبِ الْعِدَّةِ فِي الزَّوْجَاتِ لِخَبَرِ
أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ هِيَ فِي حِيَازَتِهِ قَدْ حَاضَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَاهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ.
وَاسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ فِي الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ تُوطَأُ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَاَلَّتِي لَا تُوطَأُ فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا.
وَمَنْ ابْتَاعَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مَلَكَهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ فَلَا يَقْرَبُهَا وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ حَتَّى تَضَعَ.
وَالسُّكْنَى لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا وَلَا نَفَقَةَ إلَّا لِلَّتِي طَلُقَتْ دُونَ
ــ
[الفواكه الدواني]
سَبَايَا أَوْطَاسٍ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ» .
فَقَالَ: (وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ) لِمَنْ لَمْ تَتَيَقَّنْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا، وَكَانَتْ تَحِلُّ لَهُ مُسْتَقْبَلًا، وَلَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لَهُ قَبْلَ حُصُولِ مِلْكِهَا (حَيْضَةٌ) وَاحِدَةٌ حَيْثُ كَانَتْ تَحِيضُ سَوَاءٌ (انْتَقَلَ الْمِلْكُ بِبَيْعٍ) مِنْ الْغَيْرِ لَهُ (أَوْ) بِقَبُولٍ مِنْ (هِبَةٍ) أَوْ وَصِيَّةٍ (أَوْ) انْتَقَلَ مِلْكُهَا لَهُ (بِسَبْيٍ) لَهَا مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَإِرْثٍ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ اسْتَمْتَعَ بِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا مُحَرَّمًا لَهَا عَلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِحُصُولِ الْمِلْكِ إنْ لَمْ تُوقَنْ الْبَرَاءَةُ وَلَمْ يَكُنْ وَطْؤُهَا مُبَاحًا وَلَمْ تَحْرُمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَوْ تَأَخَّرَتْ حَيْضَتُهَا فَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ تَأَخَّرَتْ أَوْ أَرْضَعَتْ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ اُسْتُحِيضَتْ، وَلَمْ تُمَيِّزْ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَالصَّغِيرَةِ وَالْيَائِسَةِ، وَنَظَرَ النِّسَاءُ فَإِنْ ارْتَابَتْ فَتِسْعَةٌ أَيْ تَمْكُثُ تَمَامَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الرِّيبَةُ أَوْ ذَهَبَتْ حَلَّتْ، وَإِنْ زَادَتْ تَرَبَّصَتْ أَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، ثُمَّ ذَكَرَ مُحْتَرَزَ مَا قَدَّمْنَاهُ بِقَوْلِهِ:(وَمَنْ هِيَ) أَيْ الْأَمَةُ (فِي حِيَازَتِهِ) بِرَهْنٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، وَالْحَالُ أَنَّهَا (قَدْ حَاضَتْ عِنْدَهُ) وَعُلِمَ بِذَلِكَ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَلَوْ امْرَأَةً (ثُمَّ إنَّهُ اشْتَرَاهَا) أَوْ مَلَكَهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ (فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ) لِتَيَقُّنِهِ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا (إنْ لَمْ تَكُنْ تَخْرُجُ) خُرُوجًا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا فِيهِ أَوْ يَلِجُ سَيِّدُهَا عَلَيْهَا، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِبْرَاؤُهَا لِسُوءِ الظَّنِّ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ مَنْ لَا تَحِيضُ بِقَوْلِهِ: (وَاسْتِبْرَاءُ الصَّغِيرَةِ فِي الْبَيْعِ) أَيْ إذَا أَرَادَ سَيِّدُهَا أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ اسْتَحْدَثَ مِلْكَهَا بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ (إنْ كَانَتْ تُوطَأُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ) قَبْلَ بَيْعِهَا أَوْ قَبْلَ وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يَظْهَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهِيَ لَمْ يُقْطَعْ بِعَدَمِ حَمْلِهَا. (وَ) كَذَلِكَ اسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ (الْيَائِسَةِ مِنْ الْمَحِيضِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ) وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ الَّتِي لَمْ تُمَيِّزْ كَمَا قَدَّمْنَا، وَأَمَّا الَّتِي تُمَيِّزُ فَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَفْهُومَ إنْ كَانَتْ تُوطَأُ بِقَوْلِهِ:(وَاَلَّتِي لَا تُوطَأُ) لِصِغَرِهَا كَبِنْتِ خَمْسِ سِنِينَ (فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِيهَا) عَلَى مَالِكِهَا عِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِهَا، وَلَا عَلَى مُشْتَرِيهَا عِنْدَ اشْتِرَائِهَا، لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ رَحِمِهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا اسْتِبْرَاءَ إنْ تُطِقْ الْوَطْءَ أَوْ حَاضَتْ تَحْتَ يَدِهِ كَمُودَعَةٍ، وَمَبِيعَةٍ بِالْخِيَارِ وَلَمْ تَخْرُجْ وَلَمْ يَلِجْ عَلَيْهَا سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَ وَتَزَوَّجَ أَوْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ، وَإِنْ بَعُدَ الْبِنَاءُ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطِيَّةَ لِلْوَطْءِ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا وَلَوْ كَانَتْ وَخْشَةً وَلَا تَحْمِلُ عَادَةً.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ صَغِيرَةً أَطَاقَتْ الْوَطْءَ أَوْ كَبِيرَةً لَا تَحْمِلَانِ عَادَةً أَوْ وَخْشًا أَوْ بِكْرًا أَوْ رَجَعَتْ مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ غَنِيمَةٍ، أَوْ اُشْتُرِيَتْ وَهِيَ مُتَزَوِّجَةٌ، وَطَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ بِنَائِهِ بِهَا.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا تُسْتَبْرَأُ بِهِ الْحَامِلُ فَقَالَ: (وَمَنْ ابْتَاعَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ) كَزَوْجٍ أَوْ زَانٍ (أَوْ مَلَكَهَا بِغَيْرِ الْبَيْعِ) كَإِرْثٍ أَوْ صَدَقَةٍ (فَلَا يَقْرَبُهَا) بِوَطْءٍ (وَلَا يَتَلَذَّذُ مِنْهَا بِشَيْءٍ) مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ (حَتَّى تَضَعَ) حَمْلُهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِالْوَضْعِ كَالْعِدَّةِ، وَحَرُمَ فِي زَمَنِهِ الِاسْتِمْتَاعُ، فَإِذَا وَضَعَتْ حَمْلَهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا فَقَطْ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ دَمِ النِّفَاسِ، بِخِلَافِ الْمُقَدِّمَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَاتٍ حَرُمَ وَطْؤُهَا يَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِسَائِرِ وُجُوهِ الِاسْتِمْتَاعِ، إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ وَطْؤُهُمَا، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهِمَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لَا بِأَعْلَاهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام:«الْحَائِضُ تَشُدُّ إزَارَهَا وَشَأْنُهُ بِأَعْلَاهَا» وَإِلَّا الْمَزْنِيَّ بِهَا وَالْمُغْتَصَبَةَ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا فَلَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَلَا سَيِّدِهَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا وَلَوْ وَطْئًا.
فَيُفِيدُ قَوْلُ خَلِيلٍ بَعْدَ بَيَانِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ: وَقَدْرُ عِدَّةِ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا وَوَجَبَ إنْ وُطِئَتْ بِزِنًى أَوْ غَصْبٍ قَدْرُهَا بِغَيْرِ الْحَامِلِ فَرَاجِعْ شُرَّاحَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْمَمْلُوكَةِ الْحَامِلِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ إتْيَانُ الْحَبَالَى مِنْ غَيْرِهِ، وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْحَامِلَ مِنْهُ لَوْ زَنَتْ بِغَيْرِهِ زَمَنَ حَمْلِهَا لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَإِنَّمَا قِيلَ يُكْرَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُعْتَدَّةُ زَمَنَ عِدَّتِهَا مِنْ سُكْنَى أَوْ نَفَقَةٍ بِقَوْلِهِ: (وَالسُّكْنَى) وَاجِبَةٌ (لِكُلِّ مُطَلَّقَةٍ مَدْخُولٍ بِهَا) سَوَاءٌ كَانَ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا، سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْكَنُ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِسَبَبِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْمُعْتَدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْ الْمَحْبُوسَةِ بِسَبَبِهِ فِي حَيَاتِهِ السُّكْنَى فَتَدْخُلُ الْمَحْبُوسَةُ بِزِنَاهُ، أَوْ فُسِخَ نِكَاحُهُ الْفَاسِدُ لِقَرَابَةٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ صِهَارَةٍ أَوْ لِعَانٍ، وَلَوْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْفَسَادِ أَوْ نَحْوِهِ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْحَبْسِ بِسَبَبِهِ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ فِي التَّقْيِيدِ بِحَيَاتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِ السُّكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ قَوْله تَعَالَى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: 6] وَلَمْ يُقَيَّدْ بِكَوْنِ الْمَسْكَنِ لَهُ بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ
الثَّلَاثِ وَلِلْحَامِلِ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا.
وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُخْتَلِعَةِ إلَّا فِي الْحَمْلِ.
وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُلَاعَنَةِ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَلَا نَفَقَةَ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ وَفَاةٍ وَلَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْمَيِّتِ أَوْ قَدْ نَقَدَ كِرَاءَهَا.
وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا فِي طَلَاقٍ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرُ الْمُطِيقَةِ كَزَوْجَةِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْبُوبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا.
(وَلَا نَفَقَةَ) لِلزَّوْجَةِ الْمُطَلَّقَةِ (إلَّا الَّتِي طَلُقَتْ دُونَ الثَّلَاثِ) حَيْثُ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ كَالزَّوْجَةِ إلَّا فِي تَحْرِيمِ الِاسْتِمْتَاعِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا وَالْأَكْلِ مَعَهَا. (وَ) إلَّا (لِلْحَامِلِ كَانَتْ مُطَلَّقَةً وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا) قَالَ - تَعَالَى -: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ نَفَقَةِ الْحَامِلِ كَوْنُ الزَّوْجِ حُرًّا وَالزَّوْجَةُ حُرَّةً لَا إنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَا رَقِيقَيْنِ النَّفَقَةُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ رَقِيقٌ لَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ عَبْدًا وَهِيَ حُرَّةٌ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لِلسَّيِّدِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً وَالزَّوْجُ حُرًّا لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلسَّيِّدِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ فَيَلْزَمَ إيَّاهُ رَضَاعُهُ وَنَفَقَتُهُ، إلَّا أَنْ يَعْدَمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ فَعَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ مَنْ أَعْتَقَ صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ سَيِّدَهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ عَلَى إسْقَاطِ نَفَقَتِهِ بِعِتْقِهِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ.
1 -
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: إذَا ادَّعَتْ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا بَائِنًا أَنَّهَا حَامِلٌ لِتَأْخُذَ النَّفَقَةَ لَمْ تُصَدَّقْ حَتَّى يَظْهَرَ بِحَرَكَتِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا نَفَقَةَ بِدَعْوَاهَا بَلْ بِظُهُورِ الْحَمْلِ وَحَرَكَتِهِ فَتَجِبُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَمِثْلُ ظُهُورِهِ بِحَرَكَتِهِ أَوْ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِحَمْلِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ أُنْفِقَ عَلَيْهَا مُدَّةً بَعْدَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْحَرَكَةِ أَوْ شَهَادَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ ظَهَرَتْ غَيْرَ حَامِلٍ لَرَجَعَ عَلَيْهَا بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ أَنْفَقَ بِحُكْمٍ أَمْ لَا.
الثَّانِي: لَوْ طَلَّقَ طَلَاقًا بَائِنًا وَهُوَ غَائِبٌ، وَأَنْفَقَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ مَالِهِ فِي غَيْبَتِهِ غَيْرَ عَالِمَةٍ بِطَلَاقِهِ، فَقِيلَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا، وَقِيلَ لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِتَفْرِيطِهِ بِعَدَمِ إعْلَامِهَا بِالطَّلَاقِ، وَعَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ فَإِنَّهُ قَالَ: وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَتْ الْمُطَلَّقَةُ وَيَغْرَمُ مَا تَسَلَّفَتْ، وَكَلَامُ خَلِيلٍ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُخْبِرْهَا مَنْ يَثْبُتُ بِخَبَرِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ عَدْلَانِ، وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهَا، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُطَلَّقَةُ بَائِنًا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا الْحَامِلُ قَالَ:(وَلَا نَفَقَةَ لِلْمُخْتَلِعَةِ) لِبَيْنُونَتِهَا (إلَّا فِي) زَمَنِ (الْحَمْلِ) اللَّاحِقِ بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَالَعَهَا عَلَى إسْقَاطِهَا فَتَسْقُطُ، كَمَا تَسْقُطُ لَوْ خَالَعَهَا عَلَى إسْقَاطِ أُجْرَةِ رَضَاعِهَا إيَّاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَجَازَ شَرْطُهُ نَفَقَةَ وَلَدِهَا مُدَّةَ رَضَاعِهِ فَلَا نَفَقَةَ لِلْحَمْلِ.
(وَ) كَذَا (لَا نَفَقَةَ لِلْمُلَاعَنَةِ) لِانْقِطَاعِ عِصْمَتِهَا بِلِعَانِهَا (وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا) ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الْحَامِلِ شَرْطُهَا كَوْنُ الْحَمْلِ لَاحِقًا بِصَاحِبِ الْعِدَّةِ، وَلِذَا لَوْ اسْتَلْحَقَ الْمَلَاعِنُ الْوَلَدَ الَّذِي نَفَاهُ حُدَّ وَلَحِقَ بِهِ، وَتَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الِاسْتِلْحَاقِ كَانَ مُوسِرًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَا نَفَقَةَ لِحَمْلِ مُلَاعَنَةٍ وَأَمَةٍ وَلَا عَلَى عَبْدٍ إلَّا الرَّجْعِيَّةَ، وَلَمَّا كَانَتْ الْمُعْتَدَّةُ فِي الْوَفَاةِ وَارِثَةً وَالْوَارِثُ لَا نَفَقَةَ لَهُ فِي التَّرِكَةِ إلَّا بَعْدَ قَسْمِهَا قَالَ:(وَلَا) تَجِبُ (نَفَقَةٌ لِكُلِّ مُعْتَدَّةٍ مِنْ وَفَاةٍ) وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَيْسَ لَهَا كِسْوَةٌ لِدُخُولِهَا فِي مَفْهُومِ النَّفَقَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا (وَ) إنَّمَا تَجِبُ (لَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ) مَمْلُوكَةً (لِلْمَيِّتِ أَوْ) كَانَتْ مُسْتَأْجَرَةً وَالْحَالُ أَنَّهُ (قَدْ نَقَدَ كِرَاءَهَا) وَهِيَ أَحَقُّ مِنْ الْوَرَثَةِ وَالْغُرَمَاءِ بِذَلِكَ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا إنْ دَخَلَ بِهَا وَالسَّكَنُ لَهُ أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ، وَأَمَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَسْكَنُ لَهُ وَلَا نَقَدَ كِرَاءَهُ فَقِيلَ: لَا سُكْنَى لَهَا مُطْلَقًا، وَقِيلَ: لَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً، فَالْخِلَافُ فِي الْوَجِيبَةِ، وَالرَّاجِحُ الْقَوْلُ بِالْإِطْلَاقِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا يَمُوتُ عَنْهَا زَوْجُهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ أَسْكَنَهَا مَعَهُ وَضَمَّهَا إلَيْهِ فَلَهَا السُّكْنَى، وَإِنْ صَغِيرَةً لَا يُجَامَعُ مِثْلُهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ زَوْجُهَا إنَّمَا أَسْكَنَهَا؛ لِيَحْفَظَهَا عَمَّا يَكْرَهُ فَلَا سُكْنَى لَهَا حَيْثُ كَانَتْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ لِلْوَطْءِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدْخُولَ بِهَا لَهَا السُّكْنَى بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ، وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا سُكْنَى لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ سُكْنُهَا مَعَهُ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَجْلِ الزَّوْجِيَّةِ مُطْلَقًا، أَوْ أَسْكَنَهَا؛ لِيَحْفَظَهَا عَمَّا يَكْرَهُ حَيْثُ كَانَتْ مُطِيقَةً، وَإِلَّا فَلَا، هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ خَلِيلٍ مَعَ التَّحْقِيقِ فَرَاجِعْهُ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ لِلْمُعْتَدَّةِ السُّكْنَى زَمَنَ عِدَّتِهَا إمَّا مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطٍ بَيَّنَ مَحِلَّهَا وَصِفَةَ إقَامَتِهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا) يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ أَنْ (تَخْرُجَ) الْمُعْتَدَّةُ (مِنْ بَيْتِهَا) الَّذِي كَانَتْ فِيهِ قَبْلَ عِدَّتِهَا، بَلْ لَوْ نَقَلَهَا مِنْهُ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ وَاتُّهِمَ عَلَى النَّقْلِ لَوَجَبَ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ، أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ قَبْلَ الْمَوْتِ أَوْ الطَّلَاقِ، وَإِنْ بِشَرْطٍ فِي إجَارَةِ رَضَاعٍ أَوْ خِدْمَةٍ، وَتُفْسَخُ الْإِجَارَةُ إنْ لَمْ يَرْضَ أَهْلُ الطِّفْلِ بِإِرْضَاعِهِ فِي مَحَلِّهَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسَكَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْكُنُ وَرَجَعَتْ لَهُ إنْ نَقَلهَا وَاتُّهِمَ أَوْ كَانَتْ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ لِشَرْطٍ فِي إجَارَةِ رَضَاعٍ وَانْفَسَخَتْ، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَرْجِعَ إنْ خَرَجَتْ لِحَجِّ الصَّرُورَةِ وَبَلَغَهَا مَوْتُ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقُهَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَوَجَدَتْ ثِقَةً تَرْجِعُ مَعَهُ حَيْثُ كَانَتْ تُدْرِكُ
وَفَاةٍ حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ وَلَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ فَلْتَخْرُجْ وَتُقِيمُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ.
وَالْمَرْأَةُ تُرْضِعُ وَلَدَهَا فِي الْعِصْمَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ وَلِلْمُطَلَّقَةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا عَلَى أَبِيهِ
ــ
[الفواكه الدواني]
شَيْئًا مِنْ الْعِدَّةِ بَعْدَ رُجُوعِهَا، لَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ الْوَضْعِ بِحَيْثُ لَا تُدْرِكُ شَيْئًا إنْ رَجَعَتْ، وَأَمَّا فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْقُرَبِ كَالْخُرُوجِ لِرِبَاطٍ أَوْ زِيَارَةِ صَالِحٍ فَتَرْجِعُ، وَلَوْ وَصَلَتْ بَلْ وَلَوْ بَعْدَ إقَامَتِهَا نَحْوَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ.
وَأَمَّا لَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ فَبَلَغَهَا الْمَوْتُ أَوْ الطَّلَاقُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي الِاعْتِدَادِ بِأَيِّ مَحَلٍّ شَاءَتْ، وَمَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لَا تَخْرُجُ أَيْ خُرُوجَ انْتِقَالٍ، وَأَمَّا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهَا فَيَجُوزُ لَهَا لَكِنْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَأْمُونَةِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَزْمِنَةِ، فَفِي الْأَمْصَارِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ وَفِي غَيْرِهَا فِي طَرَفَيْ النَّهَارِ، وَلَكِنْ لَا تَبِيتُ إلَّا فِي مَسْكَنِهَا، كَمَا إذَا كَانَتْ تَتَكَسَّبُ مِنْ شَيْءٍ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّهَا كَالْقَابِلَةِ وَالْمَاشِطَةِ، فَلَوْ خَرَجَتْ لِلِانْتِقَالِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهَا قَهْرًا عَلَيْهَا وَلَوْ بِالْأَدَبِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ (فِي) عِدَّةِ (طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ) فَيَجِبُ أَنْ تَمْكُثَ (حَتَّى تُتِمَّ الْعِدَّةَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْمُطَلَّقَةِ وَ {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] «وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لِلْفُرَيْعَةِ لَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِوَفَاةِ زَوْجِهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَذْهَبَ إلَى مَحَلِّ أَهْلِهَا: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ» اللَّهُمَّ (إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ) السَّاكِنَةُ بِهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْعَارِيَّةِ الْمَحْدُودَةِ بِالشَّرْطِ أَوْ الْعَادَةِ أَوْ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّ رَبَّ الدَّارِ (لَمْ يَقْبَلْ مِنْ الْكِرَاءِ مَا يُشْبِهُ) أَنْ يَكُونَ كِرَاءً لَهَا بَلْ طَلَبَ أَزْيَدَ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهَا (فَلْتَخْرُجْ) وَلَا يَلْزَمُهَا وَلَا زَوْجَهَا الْإِقَامَةُ بِدَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ كِرَاءِ مِثْلِهَا، كَمَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ لِعُذْرٍ لَا يُمْكِنُهَا الْإِقَامَةُ مَعَهُ، كَخَوْفِ سُقُوطِ الْمَحَلِّ أَوْ اللُّصُوصِ أَوْ ضَرَرِ الْجِيرَانِ وَلَا حَاكِمَ بِالْبَلَدِ، وَإِلَّا رَفَعَتْ لَهُ، فَمَنْ تَبَيَّنَ ضَرَرَهُ زَجَرَهُ الْحَاكِمُ عَنْ صَاحِبِهِ، وَإِنْ أُشْكِلَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَخْرُجُ، هَكَذَا قَالَ خَلِيلٌ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ مُخَالِفًا لِأَهْلِ الْمَذْهَبِ: يُخْرِجُ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ.
1 -
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: أَشْعَرَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: إلَّا أَنْ يُخْرِجَهَا رَبُّ الدَّارِ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَأَرَادَتْ الْغُرَمَاءُ بَيْعَ الدَّارِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إخْرَاجُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى الْوَرَثَةُ، وَإِنَّمَا يَبِيعُونَهَا إنْ أَرَادُوا ذَلِكَ مَعَ الْبَيَانِ لِلْمُشْتَرِي.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلْغُرَمَاءِ بَيْعُ الدَّارِ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَمِثْلُ الْغُرَمَاءِ الْوَرَثَةُ حَيْثُ يَكُونُ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ، وَإِلَّا ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ، فَإِنْ ارْتَابَتْ فَهِيَ أَحَقُّ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي الصَّبْرِ وَالْفَسْخِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ بِالْحَمْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ بَيْعُهَا، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهَا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ كَالْوَارِثَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّيْنِ، وَأَمَّا بِالْأَشْهُرِ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا حَتَّى لِلزَّوْجِ لَكِنْ بِشَرْطِ اسْتِثْنَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ.
الثَّانِي: قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ لِرَبِّ الدَّارِ إخْرَاجَ الْمُعْتَدَّةِ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ ذَلِكَ إذَا زَادَ غَيْرُهُ عَلَى الْأُجْرَةِ الْأُولَى النَّاقِصَةِ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَطَالَبَهَا بِدَفْعِ الزِّيَادَةِ فَأَبَتْ، وَأَمَّا لَوْ رَضِيَتْ بِدَفْعِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُ إخْرَاجُهَا.
(وَ) يَجِبُ عَلَيْهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا لِلِانْتِقَالِ عِنْدَ حُصُولِ سَبَبِهِ أَنْ (تُقِيمَ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي تَنْتَقِلُ إلَيْهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْأَوَّلِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَزِمَتْ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مَنْ يُطَالَبُ بِأُجْرَةِ الْمَحَلِّ الثَّانِي، وَهُوَ الزَّوْجُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ السُّكْنَى مُطْلَقًا، فَيَلْزَمُهُ إبْدَالُ الْمُنْهَدِمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَأُبْدِلَتْ فِي الْمُنْهَدِمِ وَالْمُعَارِ وَالْمُسْتَأْجَرِ الْمُنْقَضِي الْمُدَّةِ، وَأَمَّا فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَإِنَّمَا تَجِبُ لَهَا السُّكْنَى إذَا كَانَ الْمَسْكَنُ مَمْلُوكًا لَهُ، أَوْ نَقَدَ كِرَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ، وَإِذَا انْهَدَمَ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْ السُّكْنَى، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِغَيْرِهِ.
الثَّانِي: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى امْرَأَةِ نَحْوِ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ مِنْ كُلِّ سَاكِنٍ بِمَحَلٍّ مَوْقُوفٍ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَصْفِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَيَنْتَصِبُ غَيْرُهُ مَكَانَهُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَامْرَأَةُ الْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ لَا يُخْرِجُهَا الْقَادِمُ، وَإِنْ ارْتَابَتْ، بَلْ تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى زَمَنَ الْعِدَّةِ، وَلَوْ تَوَلَّى غَيْرُ الْمَيِّتِ الْمُطَلِّقِ وَتَسْتَمِرُّ وَلَوْ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ، وَكَذَا امْرَأَةُ مَنْ حُبِسَتْ عَلَيْهِ دَارُ حَيَاتِهِ وَبَعْدُ تَصِيرُ حَبْسًا عَلَى غَيْرِهِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ الْأَوَّلُ وَتَنْتَقِلُ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ انْتَقَلَ الْحَبْسُ لَهُ إخْرَاجُهَا، وَلَوْ لِأَقْصَى أَمَدِ الْحَمْلِ كَخَمْسِ سِنِينَ، وَكَذَلِكَ مَنْ حَبَسَ دَارِهِ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلِزَوْجَتِهِ السُّكْنَى، وَلَا يَجُوزُ لِلذُّرِّيَّةِ مُعَارِضَتُهَا زَمَنَ الْعِدَّةِ.
1 -
وَأَمَّا زَوْجَةُ نَحْوِ إمَامِ الْمَسْجِدِ أَوْ خَطِيبِهِ يَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُهَا فَفِي اسْتِحْقَاقِهَا السُّكْنَى خِلَافٌ. اقْتَصَرَ خَلِيلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا السُّكْنَى زَمَنَ عِدَّتِهَا حَيْثُ قَالَ: بِخِلَافِ حَبْسِ مَسْجِدٍ بِيَدِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجَةِ الْقَاضِي وَالْأَمِيرِ بِأَنَّ دَارَ الْإِمَارَةِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَزَوْجَةُ نَحْوِ الْأَمِيرِ لَهَا حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ بِالتَّبَعِ لِزَوْجِهَا، بِخِلَافِ خَادِمِ الْمَسْجِدِ، وَظَاهِرُهُ، وَلَوْ كَانَ بَيْتُ الْمَسْجِدِ
وَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا إنْ شَاءَتْ.
وَالْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ بَعْدَ الطَّلَاقِ إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ وَنِكَاحِ الْأُنْثَى وَدُخُولِهَا، وَذَلِكَ
ــ
[الفواكه الدواني]
مَوْقُوفًا عَلَى خُصُوصِ مَنْ مَاتَ مِنْ نَحْوِ إمَامٍ، خِلَافًا لِابْنِ زَرْقُونٍ فِي تَقْيِيدِهِ بِالدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ عَلَى خُصُوصِ الْإِمَامِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ وَيَمُوتُ أَوْ يُطَلِّقُ فَيَكُونُ لَهَا السُّكْنَى كَزَوْجَةِ الْأَمِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَارْتَضَاهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَخَالَفَهُ تِلْمِيذُهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَإِطْلَاقُ خَلِيلٍ أَيْضًا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ مَسَائِلِ الِاسْتِبْرَاءِ وَسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ أَوْ نَفَقَتِهَا، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ إرْضَاعُ الصَّغِيرِ مِنْ الزَّوْجَيْنِ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ حَضَانَتَهُ بِقَوْلِهِ:(وَ) يَجِبُ عَلَى (الْمَرْأَةِ) أَنْ (تُرْضِعَ وَلَدَهَا) مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ مَا دَامَتْ (فِي الْعِصْمَةِ) أَيْ أَبِيهِ وَلَوْ حُكْمًا؛ لِتَدْخُلَ الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ غَيْرِ الْمُطَلَّقَةِ فِي ذَلِكَ لِلُزُومِ نَفَقَتِهَا، وَغَايَةُ ذَلِكَ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ الرَّضَاعِ قَالَ - تَعَالَى -:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233] هَذَا أَكْثَرُهُ، وَالصَّحِيحُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَجَرَى خِلَافٌ فِيمَنْ هُوَ حَقُّهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْأُمِّ «لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ وَلَدَهَا مِنْهَا: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ مَا لَمْ تَنْكِحِي» .
وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِمَا، وَلِذَا لَا يَجُوزُ فِطَامُ الْوَلَدِ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمَّا كَانَ لُزُومُ الرَّضَاعِ لِلْأُمِّ مُقَيَّدًا بِغَيْرِ ذَاتِ الْقَدْرِ قَالَ:(إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا لَا يُرْضِعُ) وَلَدَهُ لِعُلُوِّ قَدْرٍ أَوْ مَرَضٍ نَزَلَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهَا فَعَالِيَةُ الْقَدْرِ، مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عُمُومِ " الْوَالِدَاتُ " فِي الْآيَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اخْتَصَّ مَالِكٌ دُونَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِاسْتِثْنَاءِ عَالِيَةِ الْقَدْرِ مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ؛ لِأَصْلٍ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهُوَ الْعَمَلُ
بِالْمَصْلَحَةِ
؛ وَلِأَنَّ الْعُرْفَ عَدَمُ تَكْلِيفِهَا بِذَلِكَ، وَهُوَ كَالشَّرْطِ، فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْإِرْضَاعِ فَلَهَا الْأَجْرُ عَلَى الْأَبِ، كَمَا قَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّ سُقُوطِ الرَّضَاعِ عَنْ عَالِيَةِ الْقَدْرِ كَوْنُ الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ غَنِيًّا مَعَ وُجُودِ مَنْ يُرْضِعُهُ غَيْرُ أُمِّهِ وَقَبُولُهُ إيَّاهَا، وَإِلَّا لَزِمَهَا الْإِرْضَاعُ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَعَلَى الْأُمِّ الْمُتَزَوِّجَةِ وَالرَّجْعِيَّةِ رَضَاعُ وَلَدِهَا بِلَا أَجْرٍ إلَّا لِعُلُوِّ قَدْرٍ كَالْبَائِنِ إلَّا أَنْ لَا يَقْبَلَ غَيْرَهَا، أَوْ يَعْدَمَ الْأَبُ أَوْ يَمُوتَ وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ، وَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ إلَّا أُمَّهُ لَزِمَهَا إرْضَاعُهُ وَلَهَا الْأَجْرُ مِنْ مَالِهِ حَيْثُ يَكُونَ لَهُ مَالٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَلَا لَبَنَ لَهَا يَلْزَمُهَا اسْتِئْجَارُ مَنْ يُرْضِعُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَاسْتَأْجَرَتْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، وَفَاعِلُ اسْتَأْجَرَتْ مَنْ يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الْأَصْلِ مَجَّانًا وَجَبَ عَلَيْهَا خَلَفُهُ وَلَا رُجُوعَ لَهَا بِمَا تَدْفَعُهُ فِي الْأُجْرَةِ، وَيَجِبُ فِيمَنْ تَسْتَأْجِرُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي لَبَنِهَا عَيْبٌ كَكَوْنِهَا حَمْقَاءَ أَوْ جَذْمَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالرَّضِيعِ.
وَمَفْهُومٌ فِي الْعِصْمَةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَلِلْمُطَلَّقَةِ) الْبَائِنِ (رَضَاعُ وَلَدِهَا) بِالْأُجْرَةِ وَتَرْجِعُ بِهَا (عَلَى أَبِيهِ) الْمُوسِرِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ أَبِيهِ مَنْ يُرْضِعُهُ مَجَّانًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَلَهَا إنْ قَبِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ أُمِّهِ مَجَّانًا عَلَى الْأَرْجَحِ فِي التَّأْوِيلِ، وَالضَّمِيرُ فِي لَهَا لِلْأُمِّ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الرَّضَاعُ مِنْ شَرِيفَةِ قَدْرٍ أَوْ بَائِنٍ إذَا قَبِلَ غَيْرَهَا أَنْ تُرْضِعَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَبِ أَوْ مَالِ الْوَالِدَانِ لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَالٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي طَلَبِ الْأُجْرَةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ الْأَبِ مُتَبَرِّعَةً لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ، وَهِيَ حَرَامٌ، وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الَّتِي مِثْلُهَا لَا تُرْضِعُ وَلَدَهَا لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ لَا يَجُوزُ لَهَا طَلَبُ الْأَجْرِ دَفَعَ ذَلِكَ الْإِيهَامَ بِقَوْلِهِ:(وَلَهَا) أَيْ الَّتِي لَا يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ لِعُلُوِّ قَدْرِهَا (أَنْ) تُرْضِعَ وَلَدَهَا وَ (تَأْخُذَ أُجْرَةَ رَضَاعِهَا) مِنْ أَبِيهِ (إنْ شَاءَتْ) وَلَوْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ أَبِيهِ، وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ غَيْرَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَلَهَا إنْ قَبِلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، وَعَلَى حَمْلِ هَذَا عَلَى مَنْ فِي الْعِصْمَةِ انْدَفَعَ تَكْرَارُ هَذِهِ مَعَ مَا قَبْلَهَا.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْحَضَانَةِ، وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمُتَرْجِمِ لَهُ مَمْدُوحَةٌ فَقَالَ:(وَالْحَضَانَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى الْأَشْهَرِ مِنْ كَسْرِهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحِضْنِ بِكَسْرِ الْحَاءِ مَا دُونَ الْإِبْطِ كِفَايَةُ الطِّفْلِ وَتَرْبِيَتُهُ وَالْإِشْفَاقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ هِيَ مَحْصُولُ قَوْلِ الْبَاجِيِّ: حِفْظُ الْوَلَدِ فِي مَبِيتِهِ، وَمُؤْنَةِ طَعَامِهِ وَلِبَاسِهِ، وَمَضْجَعِهِ وَتَنْظِيفِ جِسْمِهِ حَقٌّ (لِلْأُمِّ بَعْدَ الطَّلَاقِ) مِنْ أَبِي الْمَحْضُونِ أَوْ مَوْتِهِ غَايَتِهَا. (إلَى احْتِلَامِ الذَّكَرِ) الْمُحَقَّقِ (وَ) إلَى (نِكَاحِ الْأُنْثَى وَدُخُولِهَا) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ الرَّضَاعِ حَيْثُ «طَلَّقَ شَخْصٌ زَوْجَتَهُ، وَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ ابْنَهَا فَأَتَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهَا: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي» قَالَ خَلِيلٌ: وَحَضَانَةُ الذَّكَرِ لِلْبُلُوغِ وَالْأُنْثَى كَالنَّفَقَةِ لِلْأُمِّ وَلَوْ لِأُمِّهِ عِتْقُ وَلَدِهَا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، وَقَيَّدْنَا الذَّكَرَ بِالْمُحَقَّقِ؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلَ تَسْتَمِرُّ حَضَانَتُهُ مَا دَامَ مُشْكِلًا، وَالْمُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ هُنَا بِغَيْرِ الْإِنْبَاتِ بَلْ بِالسِّنِّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعَلَامَاتِ، وَلَا يُعْتَبَرُ بُلُوغُ الذَّكَرِ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ، خِلَافًا لِابْنِ شَعْبَانَ فَتَنْتَهِي حَضَانَةُ الذَّكَرِ بِبُلُوغِهِ وَلَوْ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا، وَإِنْ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ عَنْ أَبِيهِ لِبُلُوغِهِ مَجْنُونًا أَوْ زَمِنًا، وَتَنْتَهِي حَضَانَةُ الْأُنْثَى بِدُخُولِ الزَّوْجِ وَلَوْ صَغِيرَيْنِ، وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ نَفَقَتُهُمَا عَلَى أَبِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدُّخُولَ بِالصَّغِيرِ أَوْ الْكَبِيرِ
بَعْدَ الْأُمِّ إنْ مَاتَتْ أَوْ نُكِحَتْ لِلْجَدَّةِ ثُمَّ لِلْخَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَوِي رَحِمِ الْأُمِّ أَحَدٌ فَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ.
فَإِنْ لَمْ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمُعْسِرِ مُسْقِطٌ لِلْحَضَانَةِ دُونَ النَّفَقَةِ، وَالزَّوَاجُ بِالْبَالِغِ الْمُوسِرِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ مُسْقِطٌ لِلنَّفَقَةِ حَيْثُ دُعِيَ لِلدُّخُولِ مَعَ إطَاقَتِهَا الْوَطْءَ مَعَ بَقَاءِ الْحَضَانَةِ، فَالصُّوَرُ ثَلَاثٌ، وَبِبَيَانِهَا يُعْلَمُ مَا فِي عِبَارَةِ خَلِيلٍ مِنْ تَشْبِيهِ الْحَضَانَةِ بِالنَّفَقَةِ السَّاقِطَةِ بِدُخُولِ الزَّوْجِ الْبَالِغِ أَوْ الْمُوسِرِ، أَوْ الْمَدْعُوِّ إلَى الدُّخُولِ مَعَ بُلُوغِهِ، وَإِطَاقَتِهَا وَاسْتِمْرَارِ حَضَانَتِهَا، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ سَلِيمَةٌ مِنْ إيهَامِ، خِلَافِ الْمُرَادِ لِتَصْرِيحِهَا بِسُقُوطِ الْحَضَانَةِ بِالدُّخُولِ، وَيُفْهَمُ مِنْهَا عَدَمُ سُقُوطِهَا بِالْعَقْدِ دُونَ الدُّخُولِ، وَإِنْ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، وَأَشَارَ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَوْ أَمَةً عَتَقَ وَلَدُهَا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ، إلَى قَوْلِ مَالِكٍ: إذَا أُعْتِقَ وَلَدُ الْأَمَةِ وَزَوْجُهَا حُرٌّ فَطَلَّقَهَا فَهِيَ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ تُبَاعَ فَتَظْعَنَ إلَى غَيْرِ بَلَدِ الْأَبِ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ، أَوْ يُرِيدُ الْأَبُ انْتِقَالًا عَنْ بَلَدِ الْأُمِّ فَلَهُ أَخْذُهُ، وَالْعِتْقُ نَصٌّ عَلَى الْمُتَوَهِّمِ وَأَوْلَى إنْ لَمْ يُعْتَقْ، وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ أَحَقُّ بِحَضَانَةِ وَلَدِهَا مِنْ زَوْجِهَا بَعْدَ طَلَاقِهَا، وَكَذَا وَلَدُ الْأَمَةِ أَوْ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ سَيِّدِهِمَا فَلَهُمَا حَضَانَتُهُ إذَا عَتَقَا أَوْ مَاتَ سَيِّدُهُمَا، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْأَمَةِ حَضَانَةَ ابْنِهَا مِنْ زَوْجِهَا أَنْ لَا يَتَسَرَّرَهَا لِسَيِّدٍ أَيْ يَتَّخِذُهَا لِلْوَطْءِ؛ لِأَنَّ تَسَرُّرَ السَّيِّدِ بِمَنْزِلَةِ دُخُولِ الزَّوْجِ الْأَجْنَبِيِّ بِالْحَضَانَةِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِحُكْمِ الْحَضَانَةِ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْأُمِّ، وَمَنْ هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا وَهُوَ الْوُجُوبُ الْعَيْنِيُّ، إنْ لَوْ يُوجَدْ إلَّا الْحَاضِنُ وَلَوْ أَجْنَبِيًّا مِنْ الْمَحْضُونِ وَالْكِفَائِيُّ عِنْدَ تَعَدُّدِهِ، وَلِذَا إذَا وَجَدَ جَمَاعَةٌ طِفْلًا مَنْبُوذًا وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْتِقَاطُهُ وَحَضْنُهُ، فَإِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ.
الثَّانِي: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَالْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ ظَاهِرَةٌ وَلَوْ مَجُوسِيَّةً أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُهَا وَهُوَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا حَصْرُ الْحَضَانَةِ فِي الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ فِي النَّحْوِ مِنْ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ الْمُعَرَّفَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ مَحْصُورٌ فِي الْخَبَرِ نَحْوُ: الْكَرَمُ فِي الْعَرَبِ، وَالْمَجْدُ فِي قُرَيْشٍ، وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِقْهًا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا يَحْضُنُ، وَالْجَوَابُ أَنَّهُ حَصْرٌ إضَافِيٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى بَعْضِ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: الْحَضَانَةُ بَعْدَ طَلَاقِ الْأُمِّ لَهَا لَا لِلْأَبِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ غَيْرَهَا لَهُ الْحَضَانَةُ إذَا سَقَطَتْ حَضَانَةُ مَنْ قَبْلَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:(وَذَلِكَ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ حَضَانَةِ الْوَلَدِ (بَعْدَ الْأُمِّ إنْ مَاتَتْ أَوْ نَكَحَتْ) أَيْ تَزَوَّجَتْ بِأَجْنَبِيٍّ وَدَخَلَ بِهَا يَنْتَقِلُ (لِلْجَدَّةِ) أُمِّ أُمِّ الْمَحْضُونِ، وَإِنْ عَلَتْ لِقُرْبِ شَفَقَتِهَا عَلَى وَلَدِ ابْنَتِهَا.
وَمِثْلُهَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أُمُّ أَبِ الْأُمِّ، فَالْمُرَادُ الْجَدَّةُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ الشَّامِلَةِ لِجِهَةِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَإِنْ قُدِّمَتْ الْجَدَّةُ مِنْ جِهَةِ الْإِنَاثِ. (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ جَدَّةٌ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ أَوْ كَانَتْ وَلَكِنْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهَا تَنْتَقِلُ الْحَضَانَةُ (لِلْخَالَةِ) أَيْ خَالَةِ الْمَحْضُونِ، وَهِيَ أُخْتُ أُمِّهِ مُطْلَقًا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ يُوجَدُ (مِنْ ذَوِي رَحِمٍ) أَيْ قَرَابَاتِ (الْأُمِّ أَحَدٌ فَالْأَخَوَاتُ) يَحْضُنَّ الطِّفْلَ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ مَرْتَبَةَ الْأَخَوَاتِ بَعْدَ خَالَةِ الْمَحْضُونِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ أَسْقَطَ بَعْدَ الْخَالَةِ خَالَةَ الْخَالَةِ، وَعَمَّةَ أُمِّهِ، وَعَمَّةَ خَالَتِهِ، وَهُمَا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَعْدَهُمَا الْجَدَّةُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ كَأُمِّ أَبِيهِ وَأُمِّ أَبِ أَبِيهِ، وَبَعْدَ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَةِ أَبِ الْأَبِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى أَخَوَاتِ الْمَحْضُونِ، وَلَفْظُ خَلِيلٍ: ثُمَّ الْخَالَةُ ثُمَّ خَالَتُهَا ثُمَّ جَدَّةُ الْأَبِ ثُمَّ الْأَبُ، وَإِنْ كَانَ خَلِيلٌ أَسْقَطَ أَيْضًا عَمَّةَ الْأُمِّ وَعَمَّةَ الْخَالَةِ، وَبِالْجُمْلَةِ جَعْلُ الْمُصَنِّفِ الْأَخَوَاتِ بَعْدَ الْخَالَاتِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِمَّنْ يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ إمَامٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّانِي: يَجِبُ تَقْيِيدُ الرَّحِمِ بِالْمَحْرَمِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَبِنْتِ عَمَّةِ الْمَحْضُونِ أَوْ بِنْتِ خَالَتِهِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الْحَضَانَةِ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: اعْلَمْ أَنَّ الْحَضَانَةَ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى وَصْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ رَحِمٍ، وَالثَّانِي أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَى الْمَحْضُونِ، فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ رَحِمٍ وَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ كَبِنْتِ الْخَالَةِ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَحِمٍ لَهُ كَالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ بِالصِّهَارَةِ أَوْ الرَّضَاعِ، وَبَقِيَ شَرْطٌ وَهُوَ انْفِرَادُ الْحَاضِنِ فِي السُّكْنَى عَمَّنْ سَقَطَتْ حَضَانَتُهُ.
(وَ) يَلِي مَرْتَبَةَ أَخَوَاتِ الطِّفْلِ (الْعَمَّاتُ) الْمُرَادُ عَمَّتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ أُخْتَ الْأَبِ أَوْ أُخْتَ أَبِ الْأَبِ، وَبَعْدَ الْعَمَّةِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ الْخَالَةُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَهِيَ بَعْدَ عَمَّةِ الْأَبِ، وَسَوَاءٌ أُخْتُ أُمِّ الْأَبِ أَوْ أُخْتُ أُمِّ أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْضُونِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ عَمَّةٌ وَلَا خَالَةٌ أَوْ كَانَتْ وَسَقَطَتْ حَضَانَتُهَا فَقِيلَ: تَلِيهَا بِنْتُ الْأَخِ شَقِيقَةً أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَقِيلَ: بِنْتُ الْأُخْتِ شَقِيقَةً أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، وَقِيلَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: ثُمَّ هَلْ بِنْتُ الْأَخِ أَوْ الْأُخْتِ أَوْ الْأَكْفَاءِ مِنْهُنَّ أَيْ أَوْ هُمَا فِي الْمَرْتَبَةِ سَوَاءٌ، وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي شَأْنِهِمَا فَيَقْضِي لِأَحْرَزِهِمَا، وَمَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ مِنْهُمَا بِالْقِيَامِ بِأَمْرِ الْمَحْضُونِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَضَانَةَ بَعْدَ الْإِنَاثِ السَّابِقَاتِ عَلَى الْأَبِ وَالْمُتَأَخِّرَات عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (فَإِنْ لَمْ