الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّلَامُ أَوْ يَقُولَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَمَا قِيلَ لَهُ
وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ إلَى الْبَرَكَةِ أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّك وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمُعْسِرِ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ إنْظَارِهِ مَعَ وُجُوبِهِ.
الثَّانِي: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِابْتِدَاءَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَالرَّدَّ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ فِيهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَطْلُوبَ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ عَنْ الْبَعْضِ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ لِلْجَمِيعِ الْفَاعِلِ وَغَيْرِهِ أَوْ قَاصِرٌ عَلَى الْفَاعِلِ، وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْقَرَافِيُّ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ قَاصِرٌ عَلَى الْفَاعِلِ، وَثَوَابُ سُقُوطِ الطَّلَبِ يَسْتَوِي فِيهِ الْفَاعِلُ وَغَيْرُهُ.
[صِفَةُ السَّلَامِ]
(وَ) صِفَةُ (السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ) الْمُرَادُ الْمُسَلِّمُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) بِزِيَادَةِ مِيمِ الْجَمْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا لِأَنَّ مَعَهُ الْحَفَظَةَ وَهُمْ كَجَمَاعَةٍ مِنْ بَنِي آدَمَ، فَلَوْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك لَمْ يَكُنْ مُسَلِّمًا، وَهَذِهِ الصِّفَةُ هِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ السَّلَفِ الصَّالِحِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّ السَّلَامَ عَلَى خِلَافِ تِلْكَ الصِّفَةِ، لَكِنْ قَوْله تَعَالَى:{سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر: 73] وَ {قَالُوا سَلامًا} [هود: 69] قَالَ: سَلَامٌ يَقْتَضِي جَوَازَ التَّنْكِيرِ، فَلَيْسَ السَّلَامُ هُنَا كَالسَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقَبَسِ: وَقَدْ قَالَ مُعَرِّفًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَمُنَكِّرًا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِذَا نَكَّرَ فَهُوَ مَصْدَرٌ، وَإِذَا عَرَّفَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُعَرَّفًا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عِبَارَةً عَنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا كَانَ مُنَكَّرًا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: أَلْقَيْت عَلَيْك سَلَامَةً، وَإِذَا كَانَ مُعَرَّفًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْك. هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِلَفْظِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ تَنْكِيرِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ شَيْءٌ لِأَنَّ تَحِيَّتَنَا لَا تُقَاسُ عَلَى تَحِيَّةِ اللَّهِ أَوْ مَلَائِكَتِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ الْقِيَاسُ عَلَيْهَا لَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ السَّلَامِ، فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِ سَلَامِ الِابْتِدَاءِ وَالْإِتْيَانِ بِمِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ سَلَامَ الِابْتِدَاءِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَامِ التَّعْرِيفِ وَمِيمِ الْجَمْعِ، بِخِلَافِ سَلَامِ الرَّدِّ. (وَ) صِفَةُ الرَّدِّ أَنْ (يَقُولَ الرَّادُّ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ) بِتَقْدِيمِ الْخَبَرِ وَبِالْوَاوِ مُسْمِعًا لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْأَصَمِّ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ إلَّا إنْ كَانَ يَفْهَمُ مِنْهُ كَالْإِشَارَةِ، وَمِثْلُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ مُصَلِّيًا، وَمَا يَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِبْرِ مِنْ رَدِّهِمْ بِالْإِشَارَةِ بِنَحْوِ الرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى النُّطْقِ فَلَا يَكْفِي، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَوْ الْمُتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ الْإِشَارَةُ إلَّا إذَا كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ بَعِيدًا عَنْ الْمُسَلِّمِ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهِ بِالسَّلَامِ بِيَدِهِ أَوْ رَأْسِهِ لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صِفَةِ السَّلَامِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْخَبَرِ فَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ وَإِنْ جَازَ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الِاخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْمُبْتَدِئُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَيَقُولَ الرَّادُّ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِلَفْظِ الرَّدِّ، وَالرَّدُّ بِلَفْظِ الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى لَفْظِ الْمُبْتَدَأِ، فَالسَّلَامُ هُنَا كَسَلَامِ الصَّلَاةِ فِي عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمُبْتَدَأِ، فَلَيْسَتْ الْعِبَادَةُ جَارِيَةً عَلَى سُنَنِ الْعَرَبِيَّةِ، وَلَمَّا كَانَ الرَّادُّ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ قَالَ:(أَوْ يَقُولُ) الرَّادُّ (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَتَقْدِيمِهِ عَلَى الْخَبَرِ. (كَمَا قِيلَ لَهُ) أَيْ الْمُرَادُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ سَلَامَ الِابْتِدَاءِ لَا يَكُونُ إلَّا مُعَرَّفًا، وَمَا هُنَا مُنَكَّرٌ فِي الِابْتِدَاءِ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ: وَعَلَيْك السَّلَامُ بِحَذْفِ الْمِيمِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَأَجْزَأَ فِي تَسْلِيمَةِ الرَّدِّ سَلَامٌ عَلَيْك: وَعَلَيْك السَّلَامُ، فَيَكُونُ الْجَوَازُ هُنَا أَوْلَى وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا سَلَامٌ عَلَيْك بِتَنْكِيرِ السَّلَامِ وَحَذْفِ مِيمِ عَلَيْكُمْ وَتَقْدِيمِ لَفْظِ السَّلَامِ فَلَا يَكْفِي كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اللَّحْنُ هُنَا قَطْعًا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالْوَاوِ غَيْرُ لَازِمٍ.
قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: مَوْضِعَانِ يَجُوزُ فِيهِمَا وَتَرْكُهَا: عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِثْبَاتُهَا يَقْتَضِي مَعْطُوفًا وَمَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَيَصِيرُ الْكَلَامُ جُمْلَتَيْنِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ عَلَى السَّلَامِ: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ، فَيَصِيرُ الرَّادُّ مُسَلِّمًا عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ، وَفِي الصَّلَاةِ يَكُونُ التَّقْدِيرُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَك الثَّنَاءُ فَيَكُونُ مُثْنِيًا عَلَى اللَّهِ مَرَّتَيْنِ، وَبِغَيْرِ وَاوٍ يَكُونُ الْكَلَامُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَهَذَا يَتَرَجَّحُ إثْبَاتُهَا عَلَى حَذْفِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَوْ الْخَبَرِ وَإِنْ جَازَ فِي الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ، كَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الِاكْتِفَاءُ بِلَفْظِ السَّلَامِ فَقَطْ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَيَبْقَى النَّظَرُ هُنَا فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالسَّلَامِ بِاللَّفْظِ الْعَرَبِيِّ كَمَا شَرَطُوهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُكْتَفَى بِالْعَجَمِيَّةِ وَلَوْ مِنْ الْقَادِرِ؟ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّحِيَّةِ التَّأْمِينُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيَظْهَرُ الِاكْتِفَاءُ لِأَنَّ أَمْرَ الصَّلَاةِ أَشَدُّ وَحَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ.
وَلَمَّا بَيَّنَ مَا يَكْفِي فِي السُّنَّةِ وَأَدَاءِ الْوَاجِبِ شَرَعَ فِي مُنْتَهَاهُ بِقَوْلِهِ: (وَأَكْثَرُ مَا يَنْتَهِي السَّلَامُ) فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ الرَّدِّ عِنْدَ إرَادَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ (إلَى الْبَرَكَةِ) وَذَلِكَ بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْك شَخْصٌ بِلَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَلَكَ (أَنْ تَقُولَ فِي رَدِّكَ) عَلَيْهِ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَلَا تَقُلْ فِي رَدِّك سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك
وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَكَذَلِكَ إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ
وَالْمُصَافَحَةُ حَسَنَةٌ
وَكَرِهَ مَالِكٌ الْمُعَانَقَةَ وَأَجَازَهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ
ــ
[الفواكه الدواني]
(وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ) وَلَا تَتَجَاوَزْ ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه وَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَزَادَ فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ السَّلَامَ انْتَهَى إلَى الْبَرَكَةِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ وَاجِبَةٌ حَيْثُ أَتَى بِهَا الْمُسَلِّمُ عَلَيْك كَمَا قَرَّرْنَا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْك: وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَيَجُوزُ زِيَادَةُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] فَقَوْلُهُ: {بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء: 86] إذَا كَانَ الْمُسَلِّمُ اقْتَصَرَ عَلَى لَفْظِ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَإِذَا كَانَ الْمُسَلِّمُ انْتَهَى إلَى لَفْظِ " وَبَرَكَاتُهُ " فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا. وَلَمَّا كَانَ سَلَامُ الرَّدِّ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ لِسَلَامِ الِابْتِدَاءِ أُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (وَلَا تَقُلْ) عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (فِي الرَّدِّ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك) بِتَقْدِيمِ لَفْظِ " سَلَامُ " وَتَنْكِيرِهِ وَحَذْفِ مِيمِ الْجَمْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ خَبَرٌ وَإِنَّمَا هِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْقُبُورِ، وَحُمِلَ الْمَنْهِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ بِذَلِكَ فِي الرَّدِّ وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْك فَيَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ التَّتَّائِيِّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَدَمُ إجْزَائِهِ،
وَلَمَّا كَانَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ سُنَّةَ كِفَايَةٍ قَالَ: (وَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ) عَلَى وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَجْزَأَ عَنْهُمْ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ صَبِيًّا وَيَجِبُ رَدُّ سَلَامِهِ كَالْكَبِيرِ. (وَكَذَلِكَ) يَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ (إنْ رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ سُنَّةٌ، وَالرَّدَّ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فِيهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَأَشْعَرَ قَوْلُهُ: أَجْزَأَ فِي سَلَامِ الْوَاحِدِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَرَدِّ الْوَاحِد مِنْهُمْ أَنَّ الْأَفْضَلَ الْبَدْءُ مِنْ الْجَمِيعِ، وَالرَّدُّ مِنْ الْجَمِيعِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مِنْ الْجَمَاعَةِ أَنَّ الْمُسَلِّمَ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الرَّدُّ مِنْ غَيْرِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ لَا إجْزَاءَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ثَوَابَ الِابْتِدَاءِ أَوْ الرَّدِّ خَاصٌّ بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ، وَأَمَّا ثَوَابُ سُقُوطِ الْخِطَابِ فَيَحْصُلُ لِلْجَمِيعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الرَّدَّ عَنْ الْجَمَاعَةِ الْبَالِغِينَ إذَا كَانَ مِنْ صَبِيٍّ مُجْزٍ وَتَقَدَّمَ لَنَا الْبَحْثُ فِيهِ.
(تَنْبِيهٌ) مَحَلُّ إجْزَاءِ الْوَاحِدِ عَنْ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالسَّلَامِ وَاحِدًا بِخُصُوصِهِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّ الْمَقْصُودِ بِالسَّلَامِ بِخُصُوصِهِ.
وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ السَّلَامِ الْأَمَانَ، وَكَانَ الشَّأْنُ حُصُولَ خَوْفِ الْمَاشِي مِنْ الرَّاكِبِ قَالَ:(وَلْيُسَلِّمْ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ) لِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ:«لِيُسَلِّمْ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَيُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي» وَإِنَّمَا أَمَرَ الرَّاكِبَ وَمَنْ هُوَ فِي حُكْمِهِ بِالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِمَزِيَّتِهِ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَهَكَذَا يُسَلِّمُ رَاكِبُ الْفَرَسِ عَلَى رَاكِبِ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ، وَرَاكِبُ الْبَغْلِ عَلَى رَاكِبِ الْحِمَارِ، وَأَمَّا رَاكِبُ الْجَمَلِ وَالْفَرَسِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يُؤْمَرُ رَاكِبُ الْفَرَسِ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَأَقْدَرُ عَلَى الْبَطْشِ مِنْ رَاكِبِ الْجَمَلِ، وَكَذَلِكَ يُسَلِّمُ الْمَاشِي عَلَى الْجَالِسِ، وَأَمَّا إذَا تَسَاوَى شَخْصَانِ فِي الْمُرُورِ أَوْ الرُّكُوبِ فَيَظْهَرُ أَنْ يُطَالَبَ كُلُّ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْدَأَ أَحَدُهُمَا، كَكُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ أَوْ سُنَّةِ كِفَايَةٍ، فَإِنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ لِلْجَمِيعِ ابْتِدَاءً حَتَّى يَشْرَعَ فِيهِ وَاحِدٌ. وَهَذَا عِنْدَ التَّسَاوِي فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَعَدَمِهَا، وَأَمَّا عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فَيَبْتَدِئُ الْمَفْضُولُ لِأَنَّ الْأَدْنَى يُؤْمَرُ بِبِرِّ الْأَعْلَى، وَلِذَلِكَ يُسَلِّمُ الْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ، وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ، وَالْعَبْدُ عَلَى الْحُرِّ، وَالْمُتَجَالَّةُ عَلَى الرَّجُلِ، وَاللَّاحِقُ عَلَى الْمَلْحُوقِ، وَالدَّاخِلُ عَلَى الْمَدْخُولِ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا الْحَدِيثُ صَرَّحَ بِمَا تَقَدَّمَ لَقِيلَ بِسَلَامِ الْكَبِيرِ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالْكَثِيرِ عَلَى الْقَلِيلِ، لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ أَمَانٌ، وَالْمَطْلُوبُ إيقَاعُهُ مِمَّنْ لَهُ الْقُوَّةُ عَلَى الْأَضْعَفِ مِنْهُ.
(تَنْبِيهٌ) الْمُتَبَادِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ ابْتِدَاءَ مَنْ ذُكِرَ بِالسَّلَامِ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ، فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ الْمَاشِي عَلَى الرَّاكِبِ، أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ، لَحَصَلَتْ السُّنَّةُ، هَكَذَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ وَلَعَلَّهُ لِظُهُورِهِ،
وَلَمَّا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ سَلَّمَ عَلَى شَخْصٍ يُصَافِحُهُ عَقِبَ السَّلَامِ، فَقَالَ:(الْمُصَافَحَةُ) وَهِيَ وَضْعُ أَحَدِ الْمُتَلَاقِينَ يَدَهُ عَلَى بَاطِنِ كَفِّ الْآخَرِ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ السَّلَامِ. (حَسَنَةٌ) أَيْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَعِنْدَ مَالِكٍ رضي الله عنه لِخَبَرِ: «تَصَافَحُوا يَذْهَبْ الْغِلُّ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبْ الشَّحْنَاءُ» . وَلِخَبَرِ: «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا»
وَلِذَلِكَ يُكْرَهُ اخْتِطَافُ الْيَدِ بِأَثَرِ التَّلَاقِي قَبْلَ فَرَاغِ السَّلَامِ أَوْ الْكَلَامِ، وَفِي شَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ يَدَهُ عَلَى يَدِ مُصَافِحِهِ قَوْلَانِ بِالْجَوَازِ وَعَدَمِهِ، وَإِذَا نَزَعَ كُلُّ وَاحِدٍ يَدَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ لَا يُقَبِّلُ يَدَهُ وَلَا يَدَ صَاحِبِهِ لِمَا يَأْتِي عَنْ مَالِكٍ مِنْ كَرَاهَةِ تَقْبِيلِ الْيَدِ، وَإِنَّمَا تَحْسُنُ الْمُصَافَحَةُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَوْ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، لَا بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً، وَلَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ أَوْ مُبْتَدَعٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حُسْنِ الْمُصَافَحَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ قَالَ لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي
وَكَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ
وَلَا تُبْتَدَأُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ فَلَا يَسْتَقْبِلُهُ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَلِيَقُلْ عَلَيْك وَمَنْ قَالَ عَلَيْك السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ
ــ
[الفواكه الدواني]
لَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَيَلْزَمُهُ وَيُقَبِّلُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وَأَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الِانْحِنَاءِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ الشَّرْعِيِّ.
(وَكَرِهَ مَالِكٌ) كَرَاهَةً تَنْزِيهِيَّةً (الْمُعَانَقَةَ) وَهِيَ جَعْلُ الرَّجُلِ عُنُقَهُ عَلَى عُنُقِ صَاحِبِهِ لِأَنَّهَا مِنْ فِعْلِ الْأَعَاجِمِ، وَلَمْ يَرِدْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَهَا إلَّا مَعَ جَعْفَرٍ، وَلَمْ يَجْرِ الْعَمَلُ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَهُ عليه السلام. (وَأَجَازَهَا) سُفْيَانُ (بْنُ عُيَيْنَةَ) قَالَ فِي (الذَّخِيرَةِ) : وَجَوَّزَ مَالِكٌ الْمُصَافَحَةَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ سُفْيَانُ فَصَافَحَهُ وَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْلَا أَنَّهَا بِدْعَةٌ لَعَانَقْتُكَ، فَقَالَ سُفْيَانُ: عَانَقَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْك وَهُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ عَانَقَ جَعْفَرًا حِينَ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ.
قَالَ سُفْيَانُ: بَلْ عَامٌّ مَا يَخُصُّ جَعْفَرًا يَخْصُصْنَا، وَمَا يَعُمُّهُ يَعُمُّنَا إذَا كُنَّا صَالِحِينَ، أَفَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُحَدِّثَ فِي مَجْلِسِك؟ قَالَ: نَعَمْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ اعْتَنَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَبَّلَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَالَ: جَعْفَرٌ أَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا مَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْت بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ» . وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى عَدَمِ فِعْلِهَا وَلِنُفْرَةِ النُّفُوسِ عَنْهَا غَالِبًا، وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ سُفْيَانُ مَعَ عِلْمِ مَالِكٍ بِهِ لِلْإِعْلَامِ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَتِهِ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لَهُ مَالِكٌ بِالتَّحْدِيثِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَدِيثِ لَعَلَّهُ تَطْيِيبًا لِخَاطِرِهِ لِأَنَّهُ اسْتَجَازَهُ فِي التَّحْدِيثِ وَمِنْ التَّلَطُّفِ بِهِ الْإِذْنُ لَهُ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَ الْمُعَانَقَةَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهُ حِينَ كَانَ بِمَكَّةَ وَقَدِمَهَا ذُو الْقَرْنَيْنِ وَعَلِمَ بِهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَرْكَبَ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا خَلِيلُ الرَّحْمَنِ، فَنَزَلَ ذُو الْقَرْنَيْنِ وَمَشَى إلَى إبْرَاهِيمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إبْرَاهِيمُ عليه السلام وَاعْتَنَقَهُ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عَانَقَ.
(وَكَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ) أَيْ يَدُ الْغَيْرِ حِينَ السَّلَامِ عَلَيْهِ (وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ) أَيْ التَّقْبِيلُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا: «أَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَامُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ابْتَدَرُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ» وَهُوَ صَحِيحٌ وَمِنْهَا تَقْبِيلُ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ يَدَهُ صلى الله عليه وسلم، وَمِنْهَا تَقْبِيلُ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ:«أَرِنِي آيَةً، فَقَالَ: اذْهَبْ إلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَقُلْ لَهَا: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوك فَتَحَرَّكَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَقْبَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهَا ارْجِعِي فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ، فَقَبَّلَ الْأَعْرَابِيُّ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَأَسْلَمَ» .
وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ إنْكَارُ مَالِكٍ لِمَا رُوِيَ فِي تَقْبِيلِ الْيَدَيْنِ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ، فَمَالِكٌ حُجَّةٌ فِيهَا لِأَنَّهُ إمَامُ الْحَدِيثِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْفِقْهِ، فَلِمَا تَقَدَّمَ وَعَمَلِ النَّاسِ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ يَدِ مَنْ تَجُوزُ التَّوَاضُعُ لَهُ وَإِبْرَارُهُ، فَقَدْ قَبَّلَتْ الصَّحَابَةُ يَدَ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام، وَمِنْ الرَّسُولِ لِفَاطِمَةَ، وَمِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ وَلَوْ كَانَ ذُو الْيَدِ عَالِمًا أَوْ شَيْخًا أَوْ سَيِّدًا أَوْ وَالِدًا حَاضِرًا أَوْ قَادِمًا مِنْ سَفَرٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ الْمُقَبِّلُ مُسْلِمًا، وَأَمَّا لَوْ قَبَّلَ يَدَك نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ تَقْبِيلَ الْيَدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِبْرِ وَرُؤْيَةِ النَّفْسِ عَظِيمَةً، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَعَلَّ الْمُقَبِّلَ بِالْكَسْرِ أَفْضَلُ مِنْ ذِي الْيَدِ عِنْدَ اللَّهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا يُنْكَرُ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا مَعَ ذَوِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ لِوُرُودِهَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، وَلِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهَا مَعَ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا مِنْ الْمُقَاطَعَةِ وَالشَّحْنَاءِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي زَمَانِنَا، وَمَفْهُومُ تَقْبِيلِ الْيَدِ أَنَّ تَقْبِيلَ الْفَمِ أَحْرَى بِالْكَرَاهَةِ، إذْ لَا رُخْصَةَ فِي تَقْبِيلِ الرَّجُلِ فَمَ رَجُلٍ، وَأَمَّا تَقْبِيلُ ابْنَتِهِ أَوْ أُخْتِهِ أَوْ أُمِّهِ فَمَهُ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا قَالَهُ، كَمَا لَا بَأْسَ أَنْ يُقَبِّلَ خَدَّ ابْنَتِهِ، وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَبِّلَهُ خَتَنَتُهُ وَمُعْتَقَتُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَالَّةً. .
(وَلَا) يَجُوزُ بِمَعْنَى يُكْرَهُ أَنْ (تَبْدَأَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى) وَسَائِرَ فِرَقِ الضَّلَالِ (بِالسَّلَامِ) لِأَنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةٌ وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْلَالِ لِحَدِيثِ: «لَا تَبْدَأْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَاضْطَرُّوهُمْ إلَى أَضْيَقِهِ» وَمِثْلُ الْكُفَّارِ فِي كَرَاهَةِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ سَائِرُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. (فَمَنْ سَلَّمَ عَلَى ذِمِّيٍّ) غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ أَوْ نَاسِيًا لِلنَّهْيِ أَوْ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ (فَلَا يَسْتَقْبِلُهُ) أَيْ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ أَنْ يَرُدَّ سَلَامَهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: رُدَّ سَلَامِي الَّذِي سَلَّمْته عَلَيْك لِأَنِّي لَوْ عَلِمْت أَنَّك كَافِرٌ مَا سَلَّمْت عَلَيْك.
(وَ) أَمَّا (إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ (الْيَهُودِيُّ أَوْ النَّصْرَانِيُّ فَلْيَقُلْ) أَيْ الْمُسْلِمُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ فِي رَدِّ سَلَامِ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ (عَلَيْك) بِغَيْرِ وَاوٍ لِمَا فِي مُسْلِمٍ: «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: السَّامُ عَلَيْكُمْ» فَالْمُنَاسِبُ لِذَلِكَ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّدِّ عَلَيْكَ أَوْ عَلَيْكُمْ بِغَيْرِ وَاوٍ لِيَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ عَلَيْك أَوْ عَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ وَالسَّامُ الْمَوْتُ وَأَمَّا لَوْ تَحَقَّقَ الْمُسْلِمُ أَنَّ الذِّمِّيَّ نَطَقَ بِالسَّلَامِ بِفَتْحِ السِّينِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الدُّعَاءَ قَالَهُ الْأُجْهُورِيُّ. (وَمَنْ قَالَ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي رَدِّ سَلَامِ الَّذِي عَلَيْهِ (عَلَيْك السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ فَقَدْ قِيلَ) يَجُوزُ (ذَلِكَ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: يَنْبَغِي فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَقُولَ الرَّادُّ
وَالِاسْتِئْذَانُ وَاجِبٌ فَلَا تَدْخُلْ بَيْتًا فِيهِ أَحَدٌ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك وَإِلَّا رَجَعْت
وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى
ــ
[الفواكه الدواني]
عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ، فَإِنْ تَحَقَّقْت أَنَّهُمْ قَالُوا: سَامٌ عَلَيْك أَوْ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ، فَإِنْ شِئْت قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّهُ يُسْتَجَابُ لَنَا فِيهِمْ وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِينَا، فَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ ذَلِكَ قُلْت: وَعَلَيْك بِالْوَاوِ لِأَنَّك إنْ قُلْت عَلَيْك بِغَيْرِ وَاوٍ وَقَدْ كَانَ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك كُنْت قَدْ نَفَيْت السَّلَامَ عَنْ نَفْسِك وَرَدَدْته عَلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنْ إفْشَاءَ السَّلَامِ عَلَى مَنْ لَمْ يُنْهَ عَنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّ الطَّرِيقِ لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ:«قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ، وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ، وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ، وَإِغَاثَةُ الْمَظْلُومِ، وَإِحْسَانُ الْكَلَامِ» .
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَحْثِ السَّلَامِ شَرَعَ فِي بَحْثِ الِاسْتِئْذَانِ، فَقَالَ:(وَالِاسْتِئْذَانُ) وَهُوَ طَلَبُ الْإِذْنِ بِدُخُولِ غَيْرِ بَيْتِهِ (وَاجِبٌ) عَلَى مُرِيدِ الدُّخُولِ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ، دَلَّ عَلَى وُجُوبِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ، فَالْكِتَابُ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وقَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} [النور: 27] قَالَ مَالِكٌ: الِاسْتِئْنَاسُ الِاسْتِئْذَانُ، وَالسُّنَّةُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ:«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إنِّي مَعَهَا فِي الْبَيْتِ، قَالَ: اسْتَأْذِنْهَا، قَالَ: إنِّي خَادِمُهَا، قَالَ: اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟» وَالْإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِهِ، فَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَحِكْمَةُ فَرْضِيَّتِهِ خِيفَةُ كَوْنِ أَهْلِ الْبَيْتِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الِانْبِسَاطِ يَكْرَهُونَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِمْ. (وَ) إذَا عَرَفْت أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ فَرْضٌ فَوَاجِبٌ عَلَيْك أَنْ (لَا تَدْخُلَ بَيْتًا) غَيْرَ بَيْتِكَ (فِيهِ أَحَدٌ) وَلَوْ مَحْرَمًا لَك (حَتَّى تَسْتَأْذِنَ) أَيُّهَا الْمُكَلَّفُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (ثَلَاثًا فَإِنْ أُذِنَ لَك) فِي الدُّخُولِ دَخَلْت (وَإِلَّا رَجَعْت) وَلَا يَجُوزُ لَك الدُّخُولُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَإِلَّا كُنْت عَاصِيًا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيُطْلَبُ الْإِذْنُ مِنْ كُلِّ مَنْ فِي الْبَيْتِ إلَّا الصَّغِيرَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ إلَى وَصْفِ الْعَوْرَةِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْأَعْمَى هَلْ يُطَالَبُ بِهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ، وَتَسْتَأْذِنُ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ الْمُلَازِمُونَ فِي الثَّلَاثَةِ أَوْقَاتٍ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ.
وَأَمَرَ سبحانه وتعالى أَنْ لَا يَدْخُلَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ صَاحِبُ الْمَحِلِّ وَلَا الْأَطْفَالُ عَلَى أَهْلِيهِمْ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مَظِنَّةُ كَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَمَا عَدَاهَا لَا حَرَجَ فِي دُخُولِهِمْ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ السَّمَاعِ ثُمَّ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّمَاعُ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ وَإِلَّا انْصَرَفَ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَيْتًا عَنْ نَحْوِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ وَالْفُنْدُقِ وَمَا شَابَهَهَا مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ مَطْرُوقٍ، كَبَيْتِ الْعَالِمِ وَالْقَاضِي وَالطَّبِيبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي أَوْقَاتِ الدُّخُولِ، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إذْنٍ، وَصِفَةُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ أَنْ يَقُولَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَيَجْمَعُ بَيْنَ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ، وَقِيلَ: يَبْدَأُ بِالِاسْتِئْذَانِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْهُمْ ابْنُ رُشْدٍ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ نَحْوِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَهُوَ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ فِي اسْتِعْمَالِهِ اسْمَهُ فِي الِاسْتِئْذَانِ، بِخِلَافِ التَّنَحْنُحِ أَوْ قَرْعِ الْبَابِ ثَلَاثًا كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مَغْلُوقًا فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ بِالْكَلَامِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَأْذَنُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ حَتَّى أُمِّهِ وَأُخْتِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ بِالسَّلَامِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ هَذَا؟ فَلْيُسَمِّ نَفْسَهُ بِاسْمِهِ وَبِمَا يُعْرَفُ بِهِ وَلَا يَقُولُ: أَنَا لِأَنَّ الرَّسُولَ عليه الصلاة والسلام كَرِهَهَا مِمَّنْ أَجَابَهُ بِأَنَا حَتَّى خَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا أَنَا، وَلِأَنَّ بِهَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ كَفِرْعَوْنَ وَإِبْلِيسَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا غَيْرَ بَيْتِك تَبَعًا لِلْآيَةِ. وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى مَا فِي الْآيَةِ، وَأَمَّا دُخُولُ الْمُكَلَّفِ بَيْتَ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَصَّلْ فِيهِ إنْ كَانَ مَعَ أَهْلِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا مَنْ يَحِلُّ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ التَّنْبِيهُ بِالتَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ فِي حَالِ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ خَوْفَ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يَكْرَهُهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ السَّلَفُ، وَيَكْتَفِي فِي الْإِذْنِ حَيْثُ طَلَبَ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا بِإِذْنِ الصَّبِيِّ أَوْ الْعَبْدِ حَيْثُ يُوثَقُ بِإِذْنِهِ لِضَرُورَةِ النَّاسِ.
وَلَمَّا كَانَتْ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ مُشَارِكَةً لِمَا قَبْلَهَا فِي الطَّلَبِ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا، فَقَالَ:(وَيُرَغَّبُ فِي عِيَادَةِ الْمَرْضَى) عَلَى جِهَةِ النَّدْبِ إذَا قَامَ بِهَا الْغَيْرُ وَإِلَّا وَجَبَتْ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ عَلَى جِهَةِ الْكِفَايَةِ، إلَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ فَيَجِبُ عِيَادَتُهُ عَلَيْهِ عَيْنًا، وَكُلُّ مَنْ قَدَّمَ لِعِيَادَتِهِ لَا يَدْخُلُ بِهِ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِئْذَانِ وَلَوْ كَانَتْ عِيَادَتُهُ مُرَغَّبًا فِيهَا لِمَا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مِنْهَا:«مِنْ عَادَ مَرِيضًا خَاضَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ فَإِذَا جَلَسَ عِنْدَهُ اسْتَقَرَّ فِيهَا، وَمَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَادَ مَرِيضًا أَبْعَدَهُ اللَّهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ وَأَنْ يُخَفِّفَ فِي جُلُوسِهِ عِنْدَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «رَحِم اللَّهُ عَبْدًا زَارَ فَخَفَّفَ» اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الْجُلُوسُ وَأَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَيُبَشِّرَهُ بِحُصُولِ صِحَّةٍ لَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الزِّيَارَةَ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ