الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعِصْمَةُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الِاسْتِنَادِ (إلَى ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْكِتَابِ وَمَا بَعْدَهُ (الْعِصْمَةُ) أَيْ الْحِفْظُ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَأْمُورَاتِ.
[الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ]
(وَفِي) الْمُحَافَظَةِ عَلَى (اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ النَّجَاةُ) مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَالْفَوْزُ بِكُلِّ كَمَالٍ (وَهُمْ) أَيْ السَّلَفُ (الْقُدْوَةُ) مُثَلَّثُ الْقَافِ أَيْ الْمُقْتَدَى بِهِمْ (فِي تَأْوِيلِ مَا تَأَوَّلُوهُ وَاسْتِخْرَاجِ مَا اسْتَنْبَطُوهُ) وَالْمُرَادُ بِالسَّلَفِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ، وَإِنَّمَا كَانُوا قُدْوَةً فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ: الْعِلْمَ الْكَامِلَ وَالْوَرَعَ الْحَاصِلَ وَالنَّظَرَ السَّدِيدَ. وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ:
فَتَابِعْ الصَّالِحَ مِمَّنْ سَلَفَا
…
وَجَانِبِ الْبِدْعَةَ مِمَّنْ خَلَفَا
فَأَشَارَ إلَى أَنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ مَأْمُورٌ بِأَنْ يُتَابِعَ فِي عَقَائِدِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَهَيْئَاتِهِ الْفَرِيقَ الصَّالِحَ.
قَالَ عليه الصلاة والسلام: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ غَيْرَ الْخَوَاصِّ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ يَكُونُ أَهْلًا لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ تَبِعَنَا فِيهَا الشُّرَّاحُ وَخَصَّهُ فِي التَّحْقِيقِ بِالصَّحَابَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهُمْ الْقُدْوَةُ قَاصِرًا عَلَى خُصُوصِ الْمُقَلِّدِينَ، أَيْ لَا تَكُونُ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ قُدْوَةً إلَّا لِلْمُقَلِّدِينَ، وَعَلَى تَخْصِيصِهِ بِالصَّحَابَةِ يَكُونُ عَامًّا، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ يَقْتَدِي بِهِمْ الْمُجْتَهِدُ وَالْمُقَلِّدُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، هَذَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الْأُجْهُورِيِّ.
الثَّانِي: فِي إضَافَةِ الْعِصْمَةِ إلَى الِاسْتِنَادِ إلَى الْكِتَابِ وَإِضَافَتِهِ النَّجَاةَ إلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ لِمُجَرَّدِ التَّفَنُّنِ لِأَنَّ الْمَعْصُومَ نَاجٍ وَالنَّاجِي مَعْصُومٌ، كَمَا أَنَّ التَّأْوِيلَ وَالِاسْتِخْرَاجَ بِمَعْنًى، وَقِيلَ: التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ كَتَأْوِيلِ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» لِأَنَّ الْمُرَادَ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً، وَالِاسْتِخْرَاجُ هُوَ الْقِيَاسُ كَقِيَاسِهِمْ حَدَّ شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ السَّلَفَ الصَّالِحَ يَجِبُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَقَبُولِ كَلَامِهِمْ شَرَعَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفُوا. (وَإِذَا اخْتَلَفُوا) أَيْ الْمُجْتَهِدُونَ (فِي الْفُرُوعِ) جَمْعُ فَرْعٍ وَهُوَ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِكَيْفِيَّةِ عَمَلٍ قَلْبِيٍّ كَالنِّيَّةِ أَوْ غَيْرِ قَلْبِيٍّ كَالْوُضُوءِ، وَيُقَالُ لَهَا الْفُرُوعُ الظَّنِّيَّةُ لِأَنَّهَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا هِيَ مَأْخُوذَةٌ بِالِاجْتِهَادِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ ظَنِّيٌّ. (وَ) فِي أَحْكَامِ (الْحَوَادِثِ) وَالنَّوَازِلِ (لَمْ) يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ (يَخْرُجَ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَإِذَا كَانَ لِلْمُجْمِعِينَ قَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ فِي مَسْأَلَةٍ عَلَى قَوْلَيْنِ جَازَ لِأَحَدِ الصَّحَابَةِ أَنْ يُحْدِثَ ثَالِثًا، فَإِذَا انْقَرَضَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَلَيْسَ لِلتَّابِعِينَ إحْدَاثُ ثَالِثٍ، وَكَذَا إذَا اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ جَازَ لِلتَّابِعِينَ إحْدَاثُ ثَالِثٍ دُونَ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَهَكَذَا، لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَنْ اتِّبَاعِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ خَرْقِ الْإِجْمَاعِ، وَقَدْ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعِ: أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رضي الله عنهم وَعَدَمِ جَوَازِ الْخُرُوجِ عَنْ مَذَاهِبِهِمْ، وَإِنَّمَا حَرُمَ تَقْلِيدُ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ، مَعَ أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى هُدًى لِعَدَمِ حِفْظِ مَذَاهِبِهِمْ لِمَوْتِ أَصْحَابِهِمْ وَعَدَمِ تَدْوِينِهَا، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْأَرْبَعَةِ، وَكَذَا مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ يُحْفَظُ مَذْهَبُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَدُوِّنَ حَتَّى عَرَفْت شُرُوطَهُ وَسَائِرَ مُعْتَبَرَاتِهِ، فَالْإِجْمَاعُ الَّذِي نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْقَرَافِيِّ عَلَى مَنْعِ تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فُقِدَ مِنْهُ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شَرْحِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا اللَّقَانِيِّ، وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفُرُوعِ وَالْحَوَادِثِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ أُصُولِ الدِّينِ وَسَائِرِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَا يَجِبُ لِلَّهِ وَمَا يَجُوزُ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَا يَصِحُّ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا.
1 -
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَتَبَّعَ رُخَصَ الْمَذَاهِبِ وَإِلَّا امْتَنَعَ إجْمَاعًا إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ لِتَقْلِيدِ الرُّخْصَةِ يَوْمًا فَيَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ. وَوَقَعَ خِلَافٌ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى آخَرَ عَلَى أَقْوَالٍ ثَلَاثَةٍ اقْتَصَرَ الزَّنَاتِيُّ عَلَى الْجَوَازِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ التَّنْقِيحِ لِلْقَرَافِيِّ.
قَالَ الزَّنَاتِيُّ: يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَذَاهِبِ فِي النَّوَازِلِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ مَذْهَبٍ إلَى مَذْهَبٍ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَثَلًا عَلَى صِفَةٍ تُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ كَمَنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ صَدَاقٍ وَلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَمْ يَقُلْ بِهَا أَحَدٌ.
الثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدَ فِيمَنْ يُقَلِّدُ الْفَضْلَ.