الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَلْقَتَانِ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وَكَفَّارَاتُ الْعَبْدِ كَالْحُرِّ بِخِلَافِ مَعَانِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ.
وَكُلُّ مَا وَصَلَ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي الْحَوْلَيْنِ مِنْ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ وَإِنْ مَصَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُحَرِّمُ مَا أُرْضِعَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا مَا قَرُبَ مِنْهُمَا
ــ
[الفواكه الدواني]
لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمُدَبَّرَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ، وَالْمُعْتَقَةِ لِأَجَلٍ أَوْ الْمُبَعَّضَةِ فَإِنَّهَا لَا خِيَارَ لَهَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمُعْتَقَةِ تَحْتَ الْعَبْدِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:«كَانَ فِي بَرِيرَةَ ثَلَاثُ سُنَنٍ؟ فَكَانَتْ إحْدَى السُّنَنِ أَنَّهَا عَتَقَتْ فَخُيِّرَتْ فِي زَوْجِهَا» الْحَدِيثَ، وَفِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ:«كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا» وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا، وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ فِيهِ: إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّاسِ، أَيْ وَاَلَّذِي قَالَهُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا، وَمَحَلُّ خِيَارِهَا مَا لَمْ يُعْتِقْهُ سَيِّدُهُ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا إلَّا سَقَطَ خِيَارُهَا كَسُقُوطِهِ مَعَ زَوْجِهَا الْحُرِّ أَصَالَةً.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ وُجُوبِ وَقْفِهَا بَعْدَ عِتْقِهَا عَدَمُ جَوَازِ تَأْخِيرِهَا بِالِاخْتِيَارِ، إلَّا لِأَجْلِ حَيْضٍ أَوْ لِأَجْلِ النَّظَرِ فِي الْأَصْلَحِ مِنْ الْبَقَاءِ، فَتُؤَخَّرُ مُدَّةَ النَّظَرِ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الْحَاكِمِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ عِلْمِهَا بِعِتْقِهَا إلَّا بَعْدَ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا، فَلَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا طَائِعَةً بَعْدَ عِلْمِهَا بِالْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ اخْتِيَارُهَا، فَلَوْ تَنَازَعَا فِي الْعِلْمِ بِالْعِتْقِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهَا الْجَهْلَ،
وَلَمَّا كَانَ الْفَسْخُ يُشْبِهُ الطَّلَاقَ لِحُصُولِ الْفِرَاقِ عَقِبَ كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ) أَوْ مَلَكَهَا بِسَبَبٍ غَيْرِ الشِّرَاءِ كَهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إرْثٍ. (انْفَسَخَ نِكَاحُهُ) وَلَوْ بِمِلْكِ بَعْضِهَا.
قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، لِأَنَّهَا إذَا طَالَبَتْهُ بِحَقِّ الزَّوْجِيَّةِ يُطَالِبُهَا بِحَقِّ الْمِلْكِ فَيَتَعَارَضَانِ فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحُقُوقِ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَفُسِخَ وَإِنْ طَرَأَ بِلَا طَلَاقٍ كَمَرْأَةٍ فِي زَوْجِهَا وَلَوْ بِدَفْعِ مَالٍ لِيُعْتِقَ عَنْهَا، وَإِذَا حَصَلَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْبِنَاءِ لَا صَدَاقَ لَهَا وَلَهُ وَطْؤُهَا بِالْمِلْكِ بَعْدَ الشِّرَاءِ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ
[طَلَاقُ الْعَبْدِ]
ثُمَّ شَرَعَ فِي مَسَائِلَ يُخَالِفُ الْعَبْدُ الْحُرَّ فِيهَا بِقَوْلِهِ: (وَطَلَاقُ الْعَبْدِ) وَلَوْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ. (طَلْقَتَانِ) وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعْتَبَرٌ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ، فَطَلَاقُ الْحُرِّ ثَلَاثٌ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ أَمَةً، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ فَيَكْمُلُ النِّصْفُ عَلَيْهِ بِالشَّرْعِ (وَعِدَّةُ) الزَّوْجَةِ (الْأَمَةِ) وَلَوْ فِيهَا شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ (حَيْضَتَانِ) وَلَوْ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ بِالْمَرْأَةِ عَكْسُ الطَّلَاقِ وَعَبَّرَ بِحَيْضَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَا إمَامُنَا اخْتَارَ تَفْسِيرَ الْأَقْرَاءِ بِالْأَطْهَارِ لِاسْتِلْزَامِ الْحَيْضِ لِلطُّهْرِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ طُهْرَانِ بَدَلَ حَيْضَتَانِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ، وَإِلَّا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّ الِاعْتِدَادَ بِالْأَشْهُرِ تَسْتَوِي فِيهِ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْكَلَامَ عَلَى الْعِدَّةِ قَبْلَ بَابِهَا جَمْعًا لِلنَّظِيرِ مَعَ نَظِيرِهِ. (وَكَفَّارَاتُ الرَّقِيقِ) الْمُرَادُ مَنْ فِيهِ شَائِبَةُ الرِّقِّ وَلَوْ أُنْثَى. (كَالْحُرِّ) فِي الْجُمْلَةِ فَمَا يَصِحُّ لِلْحُرِّ إخْرَاجُ الْكَفَّارَةِ مِنْهُ يُخْرَجُ مِنْهُ لِلرَّقِيقِ، وَمَا لَا يَصِحُّ لِلرَّقِيقِ، وَقَوْلُنَا فِي الْجُمْلَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ فَإِنَّمَا يُكَفِّرُ بِهِ الْحُرُّ لَا الرَّقِيقُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحُرُّ مِدْيَانًا فَيَسْتَوِيَانِ فِي عَدَمِ التَّكْفِيرِ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ عَلَى النِّصْفِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالطَّلَاقِ وَالْحَدِّ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالْحُرِّ فِي الْمُوجِبَاتِ لِلْكَفَّارَةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ مَعَانِي الْحُدُودِ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي. (بِخِلَافِ مَعَانِي الْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ) فَإِنَّ الْعَبْدَ بِمَعْنَى الرَّقِيقِ فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَإِضَافَةُ مَعَانِي الْحُدُودِ بَيَانِيَّةٌ أَوْ أَنَّهَا زَائِدَةٌ، فَيُعَدُّ فِي الزِّنَا وَالْقَذْفِ وَالشُّرْبِ نِصْفُ الْحُرِّ.
قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ عُمَرَ: مَا يُسَاوِي الْعَبْدُ الْحُرَّ فِيهِ وَمَا لَا يُسَاوِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَجِبُ عَلَى الْحُرِّ دُونَ الْعَبْدِ كَالْحَجِّ وَالْغَزْوِ وَالْجُمُعَةِ وَالزَّكَاةِ، وَقِسْمٌ يَجِبُ عَلَيْهِمَا عَلَى التَّسَاوِي كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَفَّارَاتِ وَتَحْلِيلِ الْمُحَلَّلَاتِ وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَقِسْمٌ يُشَاطِرُ الرَّقِيقُ الْحُرَّ فِيهِ كَالْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ، وَقِسْمٌ فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ النِّكَاحُ وَأَجَلُ الْمَفْقُودِ انْتَهَى، وَالْمَشْهُورُ التَّسَاوِي فِي النِّكَاحِ، فَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ أَرْبَعٍ مِنْ النِّسَاءِ، وَعَلَى النِّصْفِ فِي أَجَلِ الْمَفْقُودِ وَالْمُعْتَرِضِ
[الرَّضَاع]
ثُمَّ شَرَعَ فِي الرَّضَاعِ وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وُصُولُ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ لِمَحَلٍّ مَظِنَّةَ غِذَاءِ آخَرَ لِلتَّحْرِيمِ بِالسَّعُوطِ وَالْحُقْنَةِ، وَلَا دَلِيلَ إلَّا مُسَمًّى الرَّضَاعِ.، وَعَقَّبَ مَا سَبَقَ مِنْ الطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ لِلِّعَانِ، أَوْ مِلْكِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ لِحُصُولِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ كُلٍّ لِتَحْرِيمِ الْمَرْأَةِ بِالْجَمِيعِ فِي الْجُمْلَةِ فَقَالَ:(وَكُلُّ مَا وَصَلَ) وَلَوْ مَعَ الشَّكِّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ كَالْخَطَّابِ وَتَبِعَهُ السَّنْهُورِيِّ (إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ فِي) دَاخِلِ (الْحَوْلَيْنِ مِنْ اللَّبَنِ) وَلَوْ خُلِطَ بِغَيْرِ طَالِبٍ عَلَيْهِ، وَفَرْعُ اللَّبَنِ كَالْجُبْنِ وَالسَّمْنِ كَهُوَ، وَاحْتُرِزَ بِاللَّبَنِ عَنْ الْمَاءِ الْأَصْفَرِ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَحْرِيمٌ وَخَبَرُ " كُلُّ " الْوَاقِعِ مُبْتَدَأً. (فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ) مِثْلَ مَا حَرَّمَهُ النَّسَبُ (وَإِنْ) كَانَ الْوَاصِلُ إلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ (مَصَّةً وَاحِدَةً) عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ قَوْله تَعَالَى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]
كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ وَقِيلَ وَالشَّهْرَيْنِ وَلَوْ فُصِلَ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا اسْتَغْنَى فِيهِ بِالطَّعَامِ لَمْ يُحَرِّمْ مَا أُرْضِعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُحَرِّمُ بِالْوَجُورِ وَالسَّعُوطِ.
وَمَنْ أَرْضَعَتْ صَبِيًّا فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَبَنَاتُ فَحْلِهَا مَا تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ إخْوَةٌ لَهُ وَلِأَخِيهِ نِكَاحُ بَنَاتِهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» لَا تَحْدِيدَ فِيهِ بِعَشْرٍ وَلَا خَمْسِ رَضَعَاتٍ، وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّحْدِيدِ فَمَنْسُوخٌ بِمَا قَدَّمْنَا.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ صَاحِبَةَ اللَّبَنِ بِكَوْنِهَا حَيَّةً أَوْ مَيِّتَةً، إشَارَةً أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَيَّةِ وَالْمَيِّتَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ:{أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23] فَبِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ، فَإِذَا شَرِبَ الصَّغِيرُ لَبَنَ الْمَيِّتَةِ أَوْ النَّائِمَةِ صَارَ ابْنًا لَهَا فَلَا يَتَزَوَّجُ أُصُولَهَا وَلَا فُرُوعَهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهَا أَيْضًا بِكَوْنِهَا آدَمِيَّةً، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ، وَالْآيَةُ وَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ ارْتَضَعَ صَغِيرَانِ عَلَى بَهِيمَةٍ فَلَا يَحْرُمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ أَيْضًا ذَاتَ اللَّبَنِ بِكَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ ذَاتَ زَوْجٍ لِلْإِشَارَةِ إلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ.
قَالَ خَلِيلٌ: حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً وَلَوْ غَيْرَ مُطِيقَةٍ، إلَى قَوْلِهِ: مُحَرِّمٌ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْحَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يُحَرِّمُ مَا) أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي (أُرْضِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ عَلَى ضَمِيرِ مَا (بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ إلَّا) مَا رَضَعَهُ فِي (مَا قَرُبَ مِنْهُمَا كَالشَّهْرِ وَنَحْوِهِ) فَإِنَّهُ لَا يُحَرِّمُ (وَقِيلَ وَالشَّهْرَيْنِ) وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَشَرْطُ التَّحْرِيمِ بِالرَّضْعِ مُطْلَقًا عَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالطَّعَامِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:(وَلَوْ فُصِلَ) أَوْ مُنِعَ الرَّضِيعُ مِنْ لَبَنِ أُمِّهِ (قَبْلَ) تَمَامِ (الْحَوْلَيْنِ فِصَالًا) بَيِّنًا بِحَيْثُ (اسْتَغْنَى فِيهِ) الرَّضِيعُ (بِالطَّعَامِ) عَنْ اللَّبَنِ بِحَيْثُ لَا يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللَّبَنِ (لَمْ يُحَرِّمْ مَا) أَيْ اللَّبَنُ الَّذِي (اُرْتُضِعَ) بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ (بَعْدَ ذَلِكَ) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: إنْ حَصَلَ فِي الْحَوْلَيْنِ أَوْ زِيَادَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ وَلَوْ فِيهِمَا، فَلَا تَحْرِيمَ بِالرَّضَاعِ بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمَانُ الرَّضَاعِ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ الْفِطَامِ بِنَحْوِ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُحَرِّمُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُعِيدَ لِلرَّضَاعِ لَكَانَ قُوَّةً فِي غِذَائِهِ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ: فِصَالًا بَيِّنًا.
(تَنْبِيهٌ) لَوْ تَنَازَعَتْ الْأُمُّ مَعَ الْأَبِ فِي فِطَامِ الصَّغِيرِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَنْ أَرَادَ الْفِطَامَ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِلْأَبَوَيْنِ مَعًا، فَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُمَا مَعًا.
قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ.
قَالَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ، وَلَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ عُرْفًا شُرْبَ الْوَلَدِ بِفَمِهِ وَكَانَ التَّحْرِيمُ يَحْصُلُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ وَلَوْ مِنْ الْأَنْفِ أَوْ مِنْ الدُّبُرِ قَالَ:(وَيُحَرِّمُ) اللَّبَنُ الْوَاصِلُ إلَى الْجَوْفِ (بِالْوَجُورِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَهُوَ الصَّبُّ فِي الْحَلْقِ. (وَالسَّعُوطِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الصَّبُّ فِي الْأَنْفِ.
قَالَ خَلِيلٌ: حُصُولُ لَبَنِ امْرَأَةٍ وَإِنْ مَيِّتَةً أَوْ صَغِيرَةً بِوَجُورٍ أَوْ سَعُوطٍ أَوْ حُقْنَةٍ تَكُونُ غِذَاءً أَوْ خَلْطُ الْأَغْلَبِ وَلَا كَمَاءٍ أَصْفَرَ، إلَى قَوْلِهِ مُحَرِّمًا مَا حَرَّمَ النَّسَبُ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ، وَتَوَقَّفَ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ فِي الْأَصْلِ إلَى الْجَوْفِ مِنْ ثُقْبَةٍ تَحْتَ الْمَعِدَةِ وَفَوْقَهَا وَيَظْهَرُ لِي التَّحْرِيمُ، لِأَنَّ الثُّقْبَةَ النَّافِذَةَ إلَى مَحَلِّ الْغِذَاءِ تُشْبِهُ الدُّبُرَ، وَالْوَاصِلُ مِنْهُ إلَى مَحَلِّ الْغِذَاءِ مُحَرِّمٌ، لِأَنَّهُمْ عَوَّلُوا عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ مِنْ غَيْرِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَحَرِّرْ الْمَسْأَلَةَ، نَعَمْ جَرَى التَّرَدُّدُ فِي الْحَاصِلِ بِالْحُقْنَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ حُصُولُ الْغِذَاءِ مِنْهُ بِالْفِعْلِ أَوْ لَا؟ وَكَلَامُ خَلِيلٍ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ ذَلِكَ، وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ لَا، وَيَظْهَرُ لِي مِنْ التَّحْرِيمِ بِالْمَصَّةِ رُجْحَانُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَوَقَعَ التَّوَقُّفُ فِي لَبَنِ الْخُنَثِي الْمُشْكِلِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَرِّمُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ، قَالَهُ التَّتَّائِيُّ فِي شَرْحِ خَلِيلٍ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَحْرِيمَ الرَّضَاعِ مِثْلُ تَحْرِيمِ الْوِلَادَةِ، وَيَحْرُمُ لَهُ مِثْلُ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ نَحْوِ أُمِّ أَخِيك الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِ خَلِيلٍ: إلَّا أُمَّ أَخِيك وَأُخْتِك، أَوْ أُمَّ وَلَدِك وَجَدَّةَ وَلَدِك وَأُخْتَ وَلَدِك وَأُمَّ عَمِّك وَعَمَّتِك وَأُمَّ خَالِك وَخَالَتِك فَقَدْ لَا يَحْرُمْنَ مِنْ الرَّضَاعِ، قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِهِ: وَقَدْ فِي كَلَامِهِ لِلتَّحْقِيقِ وَنَاقَشَهُ بَعْضٌ، رَاجِعْ الْأُجْهُورِيُّ
(وَمَنْ أَرْضَعَتْ) مِنْ الْآدَمِيَّاتِ (صَبِيًّا) لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ اللَّبَنِ. (فَبَنَاتُ تِلْكَ الْمَرْأَةِ) وَلَوْ مِنْ زَوْجٍ غَيْرِ فَحْلِهَا الْيَوْمَ (وَبَنَاتُ فَحْلِهَا) الْيَوْمَ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ الرَّضَاعُ بِلَبَنِهِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ. (مَا تَقَدَّمَ) عَلَى رَضَاعِهِ (أَوْ تَأَخَّرَ) عِنْدَ الْجَمِيعِ (أُخُوَّةٌ لَهُ) أَيْ لِهَذَا الصَّبِيِّ، وَاعْلَمْ أَنَّ أُصُولَ التَّحْرِيمِ بِالرَّضَاعِ ثَلَاثَةٌ: الرَّضِيعُ وَالْمُرْضِعَةُ وَفَحْلُهَا، وَإِنْ كَانَ الرَّضِيعُ ذَكَرًا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَجَمِيعُ أَقَارِبِهَا إلَّا بَنَاتَ إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتِهَا لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ خَالَاتٍ وَبَنَاتُ أَخْوَالٍ، وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَقَارِبِ الزَّوْجِ صَاحِبِ اللَّبَنِ إلَّا بَنَاتَ إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّهُنَّ بَنَاتُ أَعْمَامٍ وَعَمَّاتٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّضِيعُ أُنْثَى حُرِّمَتْ عَلَى أَقَارِبِ الْمُرْضِعَةِ إلَّا بَنِي إخْوَتِهَا وَأَخَوَاتُهَا، وَكَذَا تَحْرُمُ عَلَى أَقَارِبِ الزَّوْجِ إلَّا عَلَى بَنِي إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ، وَتَحْرُمُ الرَّضِيعَةُ عَلَى صَاحِبِ اللَّبَنِ وَمَا تَنَاسَلَ مِنْهَا لِأَنَّهَا بِنْتُهُ، وَمَا يَتَنَاسَلُ مِنْهَا حَفَدَةٌ، وَمِنْ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إلَى الْأَطْرَافِ، ثُمَّ يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ، بَيَانُهُ