الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَتَحْمِلُ مِنْ جِرَاحِ الْخَطَإِ مَا كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ وَمَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ فَفِي مَالِ الْجَانِي.
وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ عَمْدًا فَقَالَ مَالِكٌ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَقَالَ أَيْضًا إنَّ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُمَا لَا يُقَادُ مِنْ عَمْدِهِمَا وَكَذَلِكَ مَا بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ مِمَّا لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ.
وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
وَتُعَاقِلُ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْهَاشِمَةُ كَمَا قَدَّمْنَا.
(وَ) مِثْلُ كَسْرِ (الْفَخِذِ وَ) رَضِّ (الْأُنْثَيَيْنِ) بِخِلَافِ قَطْعِهِمَا فَإِنَّ فِي عَمْدِهِ الْقِصَاصُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ قَالَ: أَخَافُ فِي رَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَنْ يَتْلَفَ.
(وَ) مِثْلُ كَسْرِ (الصُّلْبِ) أَيْ الظَّهْرِ.
(وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا يَعْظُمُ فِيهِ الْخَطَرُ أَيْ الْإِشْرَافُ عَلَى الْهَلَاكِ كَكَسْرِ عَظْمِ الصَّدْرِ أَوْ الْعُنُقِ.
(فَفِي) عَمْدِ (كُلِّ ذَلِكَ الدِّيَةُ) وَهِيَ كُلُّ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ مَعَ الْأَدَبِ، وَالْمُرَادُ الدِّيَةُ فِي كُلِّ جِنَايَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ كَامِلَةً كَدِيَةِ رَضِّ الْأُنْثَيَيْنِ، أَوْ نَاقِصَةً كَدِيَةِ الْآمَّةِ وَالْجَائِفَةِ، فَالْمُرَادُ بِالدِّيَةِ الْمَالُ الْمُؤَدَّى حَيْثُ كَانَ قَدْرَ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ.
[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]
وَلَمَّا كَانَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي أَيْ عَصَبَتُهُ لَا تُشَارِكُهُ فِي حَمْلِ الدِّيَةِ إلَّا بِشُرُوطٍ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ) شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ مَعَ الْجَانِي فِي (قَتْلِ عَمْدٍ) سَقَطَ فِيهِ الْقِصَاصُ بِعَفْوٍ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْقِطَاتِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ حَالَةً فِي مَالِ الْجَانِي.
(وَلَا) تَحْمِلُ (اعْتِرَافًا بِهِ) أَيْ لَا تَحْمِلُ مَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ إذَا كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ يُطْلَبُ مِنْ الْمُقِرِّ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَخَلِيلٍ، أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الِاعْتِرَافَ، وَلَوْ كَانَ الِاعْتِرَافُ مِنْ عَدْلٍ ثِقَةٍ لَا يُتَّهَمُ فِي إغْنَاءِ وَرَثَةِ الْمَقْتُولِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَغْرَمُهَا الْجَانِي مِنْ مَالِهِ وَلَوْ أَقْسَمَ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ، كَمَا أَصْلَحَ سَحْنُونٌ الْمُدَوَّنَةَ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَنْ فَصَّلَ، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا تُنَجَّمُ عَلَى الْجَانِي كَمَا تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَ الثُّبُوتِ بِغَيْرِ الِاعْتِرَافِ وَحَرَّرَ الْحُكْمَ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَقَلِّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ بِقَوْلِهِ: (وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (مِنْ جِرَاحِ الْخَطَإِ مَا كَانَ) وَاجِبُهُ (قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ) مِنْ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ: إنْ بَلَغَ ثُلُثَ الدِّيَةِ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِيَ، وَفَاعِلُ بَلَغَ الْوَاجِبُ لِمَنْ اعْتَبَرَ دِيَةَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَتَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا كَانَ الْجَانِي امْرَأَةً عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَتْ لَهُ أُصْبُعَيْنِ فَعَقْلُهُمَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَأَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ، فَعَلَى الْمَشْهُورِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَعَلَى مُقَابِلِهِ لَا تَحْمِلُهُ.
(وَمَا كَانَ) مِنْ الْجِرَاحِ (دُونَ الثُّلُثِ) أَيْ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ كُلٍّ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(فَفِي مَالِ الْجَانِي) قَالَ الْعَلَّامَةُ خَلِيلٌ: وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ الْخَطَإِ بِلَا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي إنْ بَلَغَ أَيْ الْوَاجِبُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ الْجَانِي وَمَا لَمْ يَبْلُغْ فَحَالٌّ عَلَيْهِ كَعَمْدٍ وَدِيَةٍ غَلُظَتْ وَسَاقِطٍ لِعَدَمِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ حَمْلِهَا مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ قَالَ بِهِ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَحْمِلُ الْقَلِيلَ كَالْكَثِيرِ، وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَمَّا جَرَى خِلَافٌ فِي حَمْلِهَا دِيَةَ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ الْمَتَالِفِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَأَمَّا الْمَأْمُومَةُ وَالْجَائِفَةُ) وَمِثْلُهُمَا الدَّامِغَةُ وَكَسْرُ عَظْمِ الصَّدْرِ وَالْعُنُقِ وَالْفَخْذِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى جَمِيعِ مَا ذُكِرَ (عَمْدًا فَقَالَ مَالِكٌ) رضي الله عنه (ذَلِكَ) أَيْ الْوَاجِبُ فِيهَا مُوَزَّعٌ (عَلَى عَاقِلَتِهِ) مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ الْعَمْدِ الَّذِي لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إلَّا مَا لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ الْجِرَاحِ لِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهَا، وَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ لِعِظَمِ خَطَرِهِ حَيْثُ كَانَ الْوَاجِبُ فِيهِ قَدْرُ ثُلُثِ الدِّيَةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مَعْلُومٌ عَنْ الشَّارِعِ أَمْ لَا، لِتَدْخُلَ الْحُكُومَةُ إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا.
(وَقَالَ) أَيْ الْإِمَامُ مَالِكٌ (أَيْضًا) قَوْلًا مُقَابِلًا الْمُعْتَمَدَ الْمُتَقَدِّمَ (إنَّ) وَاجِبَ (ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَأْمُومَةِ وَمَا مَعَهَا (فِي مَالِهِ) أَيْ الْجَانِي وَحْدَهُ (إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدِيمًا) لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَهَا (فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ) ثُمَّ عَلَّلَ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ بِقَوْلِهِ: (لِأَنَّهُمَا لَا يُقَادُ مِنْ عَمْدِهِمَا) وَلِلْإِمَامِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ كَوْنُهَا عَلَى الْجَانِي مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ فِي عَمْدِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَرْجَحُهَا أَوَّلُهَا، لِأَنَّهُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهِيَ كَوْنُهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ مُطْلَقًا.
ثَانِيهِمَا: فِي مَالِ الْجَانِي الْمَلِيءِ.
ثَالِثُهَا: عَلَى الْجَانِي مُطْلَقًا.
وَلَمَّا خَصَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ بِالْمَأْمُومَةِ وَالْجَائِفَةِ وَكَانَ غَيْرُهُمَا مِمَّا هُوَ مِنْ الْمَتَالِفِ كَذَلِكَ قَالَ: (وَكَذَلِكَ مَا بَلَغَ) وَاجِبُهُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ) كَالدَّامِغَةِ أَوْ غَيْرِهَا (مِمَّا لَا يُقَادُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ) .
وَلَمَّا كَانَ مِنْ شَرْطِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْجَانِي جَنَى عَلَى نَفْسِهِ قَالَ: (وَلَا تَعْقِلُ الْعَاقِلَةُ) دِيَةَ (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) بَلْ يَكُونُ دَمُهُ هَدَرًا فِي الْعَمْدِ اتِّفَاقًا، وَفِي الْخَطَإِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ عَنْ الْجَانِي إلَّا بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: حُرِّيَّةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَكَوْنُ الْجِنَايَةِ خَطَأً أَوْ فِي حُكْمِ الْخَطَإِ، وَثُبُوتُ الْجِنَايَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ قَسَامَةٍ لَا بِاعْتِرَافٍ، وَبُلُوغُ الْوَاجِبِ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، وَأَنْ لَا تَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا صُلْحًا وَلَا مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ» .
وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ: «وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ» وَهِيَ الصَّوَابُ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَلِمَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام: «تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ
الْمَرْأَةُ الرَّجُلَ إلَى ثُلُثِ دِيَةِ الرَّجُلِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا.
وَالنَّفَرُ يَقْتُلُونَ رَجُلًا فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ.
وَالسَّكْرَانُ إنْ قَتَلَ قُتِلَ.
وَإِنْ قَتَلَ مَجْنُونٌ رَجُلًا فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَإِ وَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ ثُلُثُ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ
ــ
[الفواكه الدواني]
الثُّلُثَ فَصَاعِدًا» .
وَعَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ عَاقَلَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارِ فَجَعَلَ ثُلُثَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ» رَوَاهُ مَالِكٌ،
وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ: وَكُلُّ أُنْثَى عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ شُمُولُهُ لِدِيَةِ الْأَطْرَافِ مُطْلَقًا، وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ:(وَتُعَاقِلُ الْمَرْأَةُ) أَيْ تُسَاوِي (الرَّجُلَ) مِنْ أَهْلِ دِينِهَا فَتَأْخُذُ فِي أَطْرَافِهَا مِثْلَ مَا يَأْخُذُ الرَّجُلُ وَتَسْتَمِرُّ مُسَاوِيَةً لَهُ.
(إلَى) أَنْ تَبْلُغَ (ثُلُثَ دِيَةِ الرَّجُلِ) وَالْغَايَةُ خَارِجَةٌ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُغَيَّا بِإِلَى.
(فَإِذَا بَلَغَتْهَا) أَيْ دُرِّيَّةَ الرَّجُلِ أَيْ ثُلُثَهَا (رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا) فَإِذَا قَطَعَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَصَابِعَ فَلَهَا ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ كَالرَّجُلِ، فَإِذَا قَطَعَ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أُنْمُلَةً رَجَعَتْ إلَى عَقْلِهَا، وَكَذَا إذَا قَطَعَ لَهَا أَرْبَعَةَ أَصَابِعَ أَوْ ثَلَاثَةً وَأُنْمُلَةً فَإِنَّهَا تَأْخُذُ نِصْفَ مَا يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ فَلَهَا فِي الْمُنَقِّلَةِ وَالْهَاشِمَةِ، وَفِيمَا نَقَصَ مِنْ الْأَصَابِعِ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَأُنْمُلَةٍ كَالرَّجُلِ، وَأَمَّا فِي قَطْعِ ثَلَاثَةٍ وَأُنْمُلَةٍ أَوْ الْجَائِفَةِ أَوْ الدَّامِغَةِ أَوْ الْآمَّةِ نِصْفُ مَا لِلرَّجُلِ، فَيَكُونُ لَهَا فِيمَا ذُكِرَ سِتَّةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثَا بَعِيرٍ، وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ لِابْنِ الْمُسَيِّبِ: كَمْ فِي ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ الْمَرْأَةِ؟ فَقَالَ: ثَلَاثُونَ، فَقُلْت: كَمْ فِي أَرْبَعَةٍ؟ فَقَالَ: عِشْرُونَ، فَقُلْت حِينَ عَظُمَ جُرْمُهَا وَاشْتَدَّتْ بَلِيَّتُهَا: نَقَصَ عَقْلُهَا، فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت: بَلْ عَالِمٌ مُتَثَبِّتٌ أَوْ جَاهِلٌ مُتَعَلِّمٌ، فَقَالَ: هِيَ السُّنَّةُ يَا ابْنَ أَخِي.
قَالَ ابْنُ شَاسٍ: وَهُوَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ.
وَلَمَّا كَانَ مِنْ الْمَجْمَعِ عَلَيْهِ لِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَهُوَ يُوهِمُ عَدَمَ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ قَالَ: (وَالنَّفَرُ) وَهُمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ النَّاسِ (يَقْتُلُونَ رَجُلًا) أَوْ امْرَأَةً عَمْدًا عُدْوَانًا مِنْ غَيْرِ تَمَالُؤٍ عَلَى قَتْلِهِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ضَرَبَاتُهُمْ وَمَاتَ مَكَانَهُ أَوْ أَنْفَذَتْ مَقَاتِلَهُ وَلَوْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ.
(فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بِهِ) قَالَ خَلِيلٌ: وَيُقْتَلُ الْجَمْعُ بِوَاحِدٍ حَيْثُ ثَبَتَ الْقَتْلُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ اعْتِرَافٍ مِنْ الْقَاتِلِينَ، لَا إنْ احْتَاجَ إلَى قَسَامَةٍ فَلَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ تَعَيَّنَ لَهَا، وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ التَّمَالُؤِ لِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَالْمُتَمَالَئُونَ وَإِنْ بِسَوْطٍ سَوْطٍ، بَلْ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ إلَّا بَعْضُهُمْ حَيْثُ كَانَ غَيْرُهُ بِحَيْثُ لَوْ اسْتَعَانَ بِهِ الْقَاتِلُ لَأَعَانَهُ، وَقَيَّدْنَا بِعَدَمِ تَمَيُّزِ الضَّرَبَاتِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ تَمَيَّزَتْ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ كُلٍّ كَفِعْلِهِ، وَقَيَّدْنَا بِمَوْتِهِ مَكَانَهُ أَوْ إنْفَاذِ مَقْتَلِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ لَمْ يَنْفُذُ مَقْتَلُهُ بَلْ دُفِعَ حَيًّا وَعَاشَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ ثُمَّ مَاتَ فَإِنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ بِهِ جَمِيعًا، بَلْ لَا يُقْتَلُ بِهِ إلَّا وَاحِدٌ تُعَيِّنُهُ الْأَوْلِيَاءُ وَيَقْسِمُونَ عَلَيْهِ، وَقَيَّدْنَا بِالْعَمْدِ الْعُدْوَانِ لِأَنَّ الْمَقْتُولَ عَمْدًا غَيْرَ عُدْوَانٍ لَا شَيْءَ فِيهِ كَالْبُغَاةِ وَالْمَقْتُولِ خَطَأً يَغْرَمُ دِيَتَهُ اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، وَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: يُقْتَلُونَ بِهِ أَنَّهُمْ مُكَلَّفُونَ مُكَافِئُونَ لِلْمَقْتُولِ أَوْ أَدْنَى مِنْهُ، لَا إنْ كَانُوا أَعْلَى مِنْهُ بِحُرِّيَّةٍ أَوْ إسْلَامٍ، لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ إلَّا فِي قَتْلِ الْغِيلَةِ فَيُقْتَلُ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَا إنْ كَانُوا غَيْرَ مُكَلَّفِينَ كَصِبْيَةٍ أَوْ مَجَانِينَ فَلَا يُقْتَلُونَ بِمَا قَتَلُوهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ مَا فِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَتَلَ نَفَرًا خَمْسَةً أَوْ سَبْعَةً.
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْقِصَاصِ تَكْلِيفُ الْجَانِي وَكَانَ زَوَالُ الْعَقْلِ بِالسُّكْرِ الْحَرَامِ لَا يُزِيلُ التَّكْلِيفَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ قَالَ: (وَالسَّكْرَانُ) سُكْرًا حَرَامًا لِشُرْبِهِ الْمُسْكِرَ غَيْرَ ظَانٍّ أَنَّهُ غَيْرُهُ.
(إنْ قَتَلَ) مَعْصُومًا مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ.
(قُتِلَ) حَيْثُ كَانَ بَالِغًا وَلَا يُعْذَرُ بِغَيْبُوبَةِ عَقْلِهِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا لَا يُعْذَرُ بِذَلِكَ إذَا طَلَّقَ أَوْ قَذَفَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ زَنَى وَلَوْ كَانَ طَافِحًا، بِخِلَافِ لَوْ أَقَرَّ أَوْ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى فَلَا يَلْزَمُهُ، وَأَمَّا لَوْ سَكِرَ سُكْرًا غَيْرَ حَرَامٍ كَشُرْبِهِ الْمُسْكِرَ يَظُنُّهُ لَبَنًا أَوْ عَسَلًا أَوْ غَالِطًا أَوْ لِغُصَّةٍ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَالْمَجْنُونِ.
(وَ) أَمَّا (إنْ قَتَلَ مَجْنُونٌ) حَالَ جُنُونِهِ (رَجُلًا) الْمُرَادُ شَخْصًا مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَدْنَى (فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) لِأَنَّ عَمْدَهُ كَخَطَئِهِ وَيَلْحَقُ بِهِ كُلُّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِغَيْرِ تَعَمُّدِ اسْتِعْمَالِ الْمُزِيلِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ ذُكِرَ وَبَيْنَ السَّكْرَانِ سُكْرًا حَرَامًا رَفْعُ الْقَلَمِ عَنْ هَذَا الزَّوَالِ لِمَحَلِّ الْخِطَابِ وَهُوَ الْعَقْلُ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا بِحَالِ جُنُونِهِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ قَتَلَ مُتَقَطِّعُ الْجُنُونِ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْهُ كَالصَّحِيحِ لَكِنْ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، فَإِنْ أَيِسَ مِنْ أَفَاقَتْهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: يُسَلَّمُ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَيَقْتُلُونَهُ إنْ شَاءُوا، فَإِنْ أَفَاقَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَتُرَدُّ الدِّيَةُ.
وَبَقِيَتْ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ مَا إذَا شَكَّ هَلْ قَتَلَ فِي حَالِ صَحْوِهِ أَوْ فِي جُنُونِهِ؟ فَجَزَمَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلَازِمَةٌ مِنْ قَبْلُ لِعَاقِلَتِهِ وَقِيلَ لَهُ وَلَا سَبِيلَ لِإِسْقَاطِهَا.
(وَعَمْدُ الصَّبِيِّ) الْمُرَادُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَلَوْ أُنْثَى (كَالْخَطَإِ) فَلَا يُقْتَصُّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ» .
لَعَلَّ الْمُرَادَ بِاحْتِلَامِهِ رُؤْيَةُ عَلَامَةِ الْبُلُوغِ.
(وَذَلِكَ) أَيْ وَاجِبُ جِنَايَتِهِ كَائِنٌ (عَلَى
وَإِلَّا فَفِي مَالِهِ.
وَتَقْتُلُ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالرَّجُلُ بِهَا وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ.
وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِعَبْدٍ وَيُقْتَلُ بِهِ الْعَبْدُ.
وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَيُقْتَلُ بِهِ الْكَافِرُ.
وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي جُرْحٍ.
وَلَا بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ.
وَالسَّائِقُ
ــ
[الفواكه الدواني]
عَاقِلَتِهِ) بِشَرْطٍ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (إنْ كَانَ) أَيْ وَاجِبُ جِنَايَةِ يَبْلُغُ (ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي كُلِّ مَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَاجِبُ جِنَايَتِهِ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي وَلَا الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(فَفِي مَالِهِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى الْحُلُولِ وَيُتَّبَعُ بِهِ إنْ أَعْدَمَ.
وَاخْتُلِفَ إذَا اشْتَرَكَ بَالِغٌ عَاقِلٌ مَعَ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ فِي قَتْلِ شَخْصٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، أَشْهُرُهَا أَنَّ شَرِيكَ الصَّبِيِّ يُقْتَلُ بِخِلَافِ شَرِيكِ الْمَجْنُونِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَعَلَى شَرِيكِ الصَّبِيِّ الْقِصَاصُ إنْ تَمَالَأَ عَلَى قَتْلِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ تَمَالُؤٌ فَإِنْ كَانَ الْكَبِيرُ مُتَعَمِّدًا وَحْدَهُ أَوْ الصَّبِيُّ كَذَلِكَ فَنِصْفُ دِيَةِ مَقْتُولِهِمَا فِي مَالِ الْكَبِيرِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّبِيِّ، وَإِنْ أَخْطَأَ الْكَبِيرُ فَنِصْفُ دِيَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْكَبِيرِ وَنِصْفُهَا الْآخَرُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ، وَأَمَّا شَرِيكُ الْمُخْطِئِ وَالْمَجْنُونِ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلَا تَعَمُّدَ لِلشَّكِّ فِيمَنْ مَاتَ بِفِعْلِهِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُخْطِئِ أَوْ الْمَجْنُونِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَعَلَى شَرِيكِهِ الْمُتَعَمِّدِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَلَا يُنْظَرُ لِقَوْلِ الْأَوْلِيَاءِ إنَّمَا قَتَلَهُ الْعَاقِلُ الْمُشَارِكُ لِلْمُخْطِئِ أَوْ الْمَجْنُونِ لَوْ أَقْسَمُوا.
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْقِصَاصِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ أَوْ شَرُفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَلَى الْجَانِي فَقَطْ.
(وَتُقْتَلُ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالرَّجُلُ بِهَا) حَيْثُ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ كَانَ الْقَاتِلُ رَقِيقًا وَالْمَقْتُولُ حُرًّا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] الْآيَةَ فَإِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِآيَةِ: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى} [البقرة: 178] وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: «يُقْتَلُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ» .
(وَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ) أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (مِنْ بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ) فَيُقْتَصُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَعَكْسُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا تُقْطَعُ يَدُ الرَّجُلِ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ وَلَا عَكْسُهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ قَالَ: (وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ) مُسْلِمٌ (بِعَبْدٍ) مُسْلِمٍ لِأَنَّ الْحُرَّ الْمُسْلِمَ أَشْرَفُ مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، سَوَاءٌ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ عَبْدَ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيِّ عَهْدٍ وَلَا حُرٌّ بِعَبْدٍ، وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَيَّدْنَا الْحُرَّ بِالْمُسْلِمِ لِنَتَحَرَّزَ عَنْ الْحُرِّ غَيْرِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَيُقْتَلُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ بِالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَتَلَهُ غِيلَةً وَإِلَّا قُتِلَ الْقَاتِلُ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُكَافَأَةٌ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْحُرِّ قَاتِلِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ فِي غَيْرِ الْغِيلَةِ، وَفِي جُرْحِهِ مَا نَقْصُ قِيمَتِهِ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَمْلُوكَةِ لِغَيْرِ الْجَانِي لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ وَإِنْ زَادَتْ أَيْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَتَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى أَنَّهُ قِنٌّ وَلَا مُبَعَّضًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ كَانَ قَتْلُهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَافِئًا لَهُ فَيُقْتَلُ بِهِ.
(وَيُقْتَلُ بِهِ) أَيْ بِالْحُرِّ الْمُسْلِمِ (الْعَبْدُ) لِأَنَّهُ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ فَأَوْلَى الْحُرُّ الْمُسْلِمُ، وَمَعْنَى يُقْتَلُ بِهِ أَنَّهُ يَقْضِي بِقَتْلِهِ إنْ طَلَبَهُ الْوَلِيُّ، فَلَا يُنَافِي أَنَّ لِلْوَلِيِّ الْخِيَارَ بَيْنَ قَتْلِهِ وَاسْتِحْيَائِهِ، لَكِنْ اسْتِحْيَاؤُهُ يُثْبِتُ لِسَيِّدِهِ الْخِيَارَ بَيْنَ إسْلَامِهِ أَوْ دَفْعِ دِيَةِ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ، كَمَا أَنَّهُ يُخَيَّرُ إذَا قَتَلَ الْعَبْدُ حُرًّا مُسْلِمًا خَطَأً بَيْنَ تَسْلِيمِهِ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَوْ فِدَائِهِ بِدِيَةِ الْمَقْتُولِ، وَأَمَّا لَوْ وَقَعَتْ مِنْ رَقِيقٍ عَلَى رَقِيقٍ فَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فَالْقِصَاصُ وَلَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ قِنَّا مَحْضًا وَالْقَاتِلُ فِيهِ شَائِبَةُ حُرِّيَّةٍ، حَكَّمَ مَا فِيهِ شَائِبَةٌ عَلَى الرِّقِّ حَتَّى يَخْرُجَ حُرًّا، وَفِي الْخَطَإِ جِنَايَتُهُ فِي رَقَبَتِهِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ فِدَائِهِ وَإِسْلَامِهِ.
(وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ) وَلَوْ رَقِيقًا (بِكَافِرٍ) وَلَوْ حُرًّا لِأَنَّ الْأَعْلَى لَا يُقْتَلُ بِالْأَدْنَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَقَتْلُ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى كَحُرٍّ كِتَابِيٍّ بِعَبْدٍ مُسْلِمٍ، لِأَنَّ الْحُرَّ الْكِتَابِيَّ أَدْنَى مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، إذْ حُرْمَةُ الْإِسْلَامِ لَا يُعَادِلُهَا حُرِّيَّةُ الْكِتَابِيِّ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ قَتْلِ الْغِيلَةِ، «فَقَدْ قَتَلَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ مُسْلِمًا بِكَافِرٍ قَتَلَهُ غِيلَةً» ، وَأَشَارَ إلَى مَفْهُومِ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ بِقَوْلِهِ:(وَيُقْتَلُ بِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ وَلَوْ رَقِيقًا (الْكَافِرُ) وَلَوْ حُرًّا لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الْكَافِرِ لَا تُعَادِلُ شَرَفَ الْإِسْلَامِ.
(تَنْبِيهٌ) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى حُكْمِ مَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ مُكَافِئًا لِلْمَقْتُولِ حِينَ الْقَتْلِ ثُمَّ زَالَتْ الْمُسَاوَاةُ قَبْلَ الْقِصَاصِ، وَأَشَارَ إلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَلَا يَسْقُطُ الْقَتْلُ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ بِزَوَالِهَا بِعِتْقٍ أَوْ إسْلَامٍ، فَإِذَا قَتَلَ كَافِرٌ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْقَاتِلُ أَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الْقَاتِلُ فِي الصُّورَتَيْنِ، لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمُسَاوَاةُ عِنْدَ الْقَتْلِ وَقَدْ وُجِدَتْ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْأَدْنَى يُقْتَلُ بِالْأَعْلَى بِخِلَافِ الْعَكْسِ فِي الْغِيلَةِ وَكَانَ حُكْمُ الْجِرَاحِ لَيْسَ كَالدِّمَاءِ قَالَ: (وَلَا قِصَاصَ) مَشْرُوعٌ (بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِي جَرْحٍ) حَصَلَ مِنْ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، سَوَاءٌ كَانَ الْجَارِحُ الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي جَرَحَ الْحُرَّ فَالْعَبْدُ فِيمَا جَنَى، سَوَاءٌ جَنَى عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ الْحُرَّ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى عُضُولٍ فِيهِ عَقْلٌ مُسَمًّى بِالنِّسْبَةِ لِلْحُرِّ
وَالْقَائِدُ وَالرَّاكِبُ ضَامِنُونَ لِمَا وَطِئَتْ الدَّابَّةُ.
وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ أَوْ وَهِيَ وَاقِفَةٌ لِغَيْرِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَذَلِكَ هَدَرٌ
ــ
[الفواكه الدواني]
فَيُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْعَقْلِ لِقِيمَتِهِ، فَفِي قَطْعِ يَدِهِ نِصْفُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ، وَفِي جَائِفَتِهِ أَوْ آمَّتِهِ ثُلُثُ قِيمَتِهِ، وَفِي مُنَقِّلَتِهِ وَهَاشِمَتِهِ عُشْرُ قِيمَتِهِ وَنِصْفُ عُشْرِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ مُسَمًّى فَيَلْزَمُ فِيهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ أَنَّهُ يُقْتَصُّ لِلْحُرِّ مِنْ الْحُرِّ وَمِنْ الرَّقِيقِ لِلرَّقِيقِ وَلَوْ بِشَائِبَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضِ كَذَوِي الرُّوقِ: وَيُقْتَصُّ لِذَكَرِ كُلٍّ مِنْ أُنْثَاهُ كَمَا يُقْتَصُّ لِلضَّعِيفِ مِنْ الصَّحِيحِ وَعَكْسُهُ.
قَالَ: وَذَكَرٌ وَصَحِيحٌ وَضِدُّهُمَا أَيْ يُقْتَصُّ لِكُلٍّ مِنْ الْآخَرِ.
(وَلَا) قِصَاصَ أَيْضًا فِي جُرْحٍ وَقَعَ (بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ) وَحِينَئِذٍ فَإِنَّ الْجَارِحَ الْمُسْلِمَ فَعَلَيْهِ دِيَةُ عُضْوِ الْكَافِرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ فِي شَيْءٍ لَا عَقْلَ لَهُ فَفِيهِ حُكُومَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ الْكَافِرَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ أَوْ الْحُكُومَةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَالْجُرْحُ كَالنَّفْسِ فِي الْفِعْلِ وَالْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ إلَّا نَاقِصًا جَرَحَ كَامِلًا فَلَا قِصَاصَ، وَعَلَى كَافِرٍ جَرَحَ مُسْلِمًا، وَلَا عَلَى عَبْدٍ جَرَحَ حُرًّا مُسْلِمًا وَإِنْ كَانَ يُقْتَصُّ مِنْهُمَا بِقَتْلِ النَّفْسِ، هَذَا هُوَ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَتَلْزَمُ الدِّيَةُ.
(تَنْبِيهٌ)
فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ: وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ يُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، قَالَ خَلِيلٌ: وَالْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ كِتَابِيٌّ وَمَجُوسِيٌّ وَمُؤْمِنٌ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، فَيُقْتَصُّ لِلْيَهُودِيِّ أَوْ النَّصْرَانِيِّ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَعَابِدِ النَّارِ، وَالْمُؤَمَّنِ الْكَافِرِ الدَّاخِلِ بَلَدَ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ.
وَلَمَّا كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ الدَّابَّةُ ذَاتُ الْقَائِدِ أَوْ الرَّاكِبِ أَوْ السَّائِقِ مُتَعَلِّقًا بِهِ نَاسَبَ ذِكْرَهَا عَقِبَ جِنَايَةِ الشَّخْصِ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّائِقُ) لِلدَّابَّةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ الْمَقَامِ وَهُوَ الْحَاثُّ لَهَا عَلَى السَّيْرِ.
(وَالْقَائِدُ) وَهُوَ الَّذِي يَتَقَدَّمُ أَمَامَهَا وَتَسِيرُ بِسَيْرِهِ.
(وَالرَّاكِبُ) الْمُسْتَوْلِي عَلَى ظَهْرِهَا.
(ضَامِنُونَ لِمَا وَطِئَتْ) أَيْ أَصَابَتْهُ وَأَتْلَفَتْهُ بِرِجْلِهَا (الدَّابَّةَ) وَكَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ مُخَاطَبٌ بِهِ عِنْدَ انْفِرَادِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ اجْتِمَاعِ الثَّلَاثَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالسَّائِقِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاكِبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَتَاعِ الْكَائِنِ عَلَى ظَهْرِهَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ إتْلَافُهَا بِسَبَبِ الرَّاكِبِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الضَّمَانُ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ مِنْهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي التَّسَبُّبِ، وَمِثْلُ مَا وَطِئَتْهُ مَا لَوْ طَارَتْ حَصَاةٌ مِنْ تَحْتِ حَافِرِهَا فَكَسَرَتْ آنِيَةً مَثَلًا فَضَمَانُهَا مِنْ قَائِدِهَا أَوْ سَائِقِهَا أَوْ رَاكِبِهَا عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ، خِلَافًا لِابْنِ زَرْبٍ فِي ذَلِكَ، وَمَفْهُومُ وَطِئَتْ الدَّابَّةُ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ وَلَدُ الدَّابَّةِ الْمَسُوقَةِ أَوْ الْمَرْكُوبَةِ أَوْ الْمُقَادَةِ لَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَا لَوْ رَكِبَهَا شَخْصَانِ وَوَطِئَتْ شَيْئًا فَأَتْلَفَتْهُ، وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا عَلَى ظَهْرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُقَدَّمِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُؤَخَّرُ حَرَّكَهَا فَيَضْمَنَانِ مَعًا، إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُؤَخَّرِ مِثْلُ أَنْ يَضْرِبَهَا الْمُؤَخَّرُ فَتَرْمَحَ بِضَرْبِهِ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ الْمُقَدَّمُ عَلَى مَنْعِهَا وَتَقْتُلَ رَجُلًا فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمُؤَخَّرِ خَاصَّةً، وَأَمَّا لَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّاكِبَيْنِ فِي جَنْبِهَا لَاشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، وَأَمَّا لَوْ رَكِبَهَا ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ عَلَى ظَهْرِهَا وَاثْنَانِ فِي جَنْبَيْهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الثَّلَاثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الْإِتْلَافِ مِنْ وَاحِدٍ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَحَرَّرَهُ، هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا وَطِئَتْهُ بِرِجْلِهَا، وَأَمَّا مَا كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا أَوْ أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ نَفْخِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ إلَّا أَنْ يَتَسَبَّبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَمِثْلُ تَسَبُّبِهِ لَوْ رَآهَا أَصَابَتْ شَيْئًا بِفَمِهَا وَتَمَكَّنَ مِنْ تَخْلِيصِهِ قَبْلَ إتْلَافِهِ وَلَمْ يَصْرِفْهَا لِأَنَّ حِفْظَ مَالِ الْغَيْرِ وَاجِبٌ، وَكَذَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا جَمِيعَ مَا أَتْلَفَتْهُ بِفِيهَا إذَا كَانَ شَأْنُهَا الْإِتْلَافَ بِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ الْآنَ، لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ وَضْعُ شَيْءٍ عَلَى فِيهَا حَيْثُ اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ لَا إنْ عَجَزَ عَنْ تَخْلِيصِهِ أَوْ لَمْ تَشْتَهِرْ بِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ شَيْئًا وَهِيَ فِي مَحَلِّ الرَّعْيِ أَيْ فِي مَحَلِّ وُقُوفِهَا الْمُعْتَادِ لَهَا أَوْ فِي السُّوقِ أَوْ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، بِخِلَافِ إيقَافِهَا بِمَحَلٍّ غَيْرِ ذَلِكَ فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْهُ بِرِجْلِهَا، وَبَقِيَ مَا لَوْ ظَهَرَ تَلَفُ شَيْءٍ مِنْ الدَّابَّةِ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ بِمَا يُوجِبُ الضَّمَانَ أَوْ لَا؟ وَيَظْهَرُ عَدَمُ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّسَبُّبِ.
وَبَقِيَ مَسَائِلُ أُخَرُ مِنْهَا مَنْ قَادَ قِطَارًا فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا وَطِئَ الْبَعِيرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ شَرِيكَيْنِ فِيمَا وَطِئَ الْآخِرُ وَحْدَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي حَصَلَ فِيهِ السَّوْقُ، وَلَا يَضْمَنُ السَّائِقُ مَا أَصَابَ الَّذِي يَلِي الْآخِرَ لِأَنَّ السَّوْقَ يَنْفَعُ فِي الْآخِرِ وَمَا قَبْلَهُ.
وَمِنْهَا مَا فِي الْكِتَابِ عَنْ مَالِكٍ فِي حَمَّالٍ حَمَلَ عَدْلَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَهُوَ أَجِيرٌ فَسَارَ بِهِ وَسَطَ السُّوقِ فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ وَسَقَطَ عَدْلٌ عَلَى شَخْصٍ فَقَتَلَهُ ضَمِنَ الْجَمَّالُ دُونَ صَاحِبِ الْبَعِيرِ.
وَمِنْهَا مَنْ سَقَطَ مِنْ فَوْقِ دَابَّةٍ عَلَى شَخْصٍ فَقَتَلَهُ فَالسَّاقِطُ ضَامِنٌ وَذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
وَمِنْهَا مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: مَنْ انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ فَنَادَى رَجُلًا يَحْبِسُهَا لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ لِيَحْبِسَهَا لَهُ ضَرَبَتْهُ فَمَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ فِعْلِ الْعَجْمَاءِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَبْدًا أَوْ صَغِيرًا فَدِيَةُ الْحُرِّ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ فِي مَالِهِ.
وَمِنْهَا مَنْ دَفَعَ لِصَبِيٍّ دَابَّتَهُ أَوْ سِلَاحَهُ لِيُمْسِكَهُ فَعَطِبَ بِذَلِكَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الدَّافِعِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الدَّابَّةُ يَسْقِيهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَبِيرًا فَإِنَّ قِيمَتَهُ تَكُونُ عَلَى
وَمَا مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ مَعْدِنٍ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَهُوَ هَدَرٌ.
وَتُنَجَّمُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَثُلُثُهَا فِي سَنَةٍ وَنِصْفُهَا
ــ
[الفواكه الدواني]
الدَّافِعِ مِنْ مَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَمَرَ حُرًّا كَبِيرًا بِمَسْكِهَا فَقَتَلَتْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْآمِرِ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَتْ بَعْدَ انْفِلَاتِهَا مِنْ مَرْبِطِهَا الْحَافِظِ مِنْ الْهُرُوبِ شَخْصًا غَيْرَ مَأْمُورٍ بِمَسْكِهَا فَلَا شَيْءَ فِيهِ، بِخِلَافِ لَوْ أَفْلَتَتْ مِنْ يَدِ إنْسَانٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ضَمَانَ فِعْلِ الْخَطَإِ.
وَمِنْ الْمَسَائِلِ: لَوْ حَمَلَ صَبِيًّا عَلَى دَابَّتِهِ يَمْسِكُهَا لَهُ أَوْ يَسْقِيهَا فَوَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّغِيرِ وَلَا رُجُوعَ لِعَاقِلَتِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّجُلِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالصَّغِيرِ الْمُرَاهِقُ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْمَحْمُولُ حُرًّا، وَأَمَّا لَوْ كَانَ عَبْدًا صَغِيرًا وَحَمَلَهُ عَلَى دَابَّتِهِ فَوَطِئَتْ رَجُلًا فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِدِيَةِ الْحُرِّ أَوْ يُسَلِّمَهُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَلَا يَرْجِعُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَلَى الْحَامِلِ لَهُ بِشَيْءٍ.
وَمِنْهَا لَوْ نَخَسَ أَجْنَبِيٌّ دَابَّةً لَهَا سَائِقٌ أَوْ قَائِدٌ أَوْ رَاكِبٌ وَنَشَأَ عَنْ نَخْسِهَا شَيْءٌ فَعَلَى النَّاخِسِ دُونَ مَنْ مَعَهَا مِنْ سَائِقٍ أَوْ قَائِدٍ أَوْ رَاكِبٍ حَتَّى لَوْ قَتَلَتْ شَخْصًا بِنَخْسِهَا لَوَجَبَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ ذَلِكَ النَّاخِسِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّ الْهَارِبَ الْخَائِفَ إذَا وَطِئَ أَوْ صَدَمَ شَيْئًا فَذَلِكَ عَلَى الَّذِي فَعَلَ بِهِ.
وَلَمَّا كَانَ ضَمَانُ مَا وَطِئَتْهُ الدَّابَّةُ وَأَتْلَفَتْهُ مِنْ السَّائِقِ أَوْ الْقَائِدِ لِتَسَبُّبِهِ، ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبِهِمْ بِقَوْلِهِ:(وَمَا كَانَ مِنْهَا) أَيْ وَالْإِتْلَافُ الْحَاصِلُ مِنْ الدَّابَّةِ (مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِمْ) أَيْ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ بِأَنْ أَتْلَفَتْهُ بِذَنَبِهَا أَوْ كَدَمَتْهُ بِفَمِهَا وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا أَوْ رَاكِبُهَا مِنْ مَنْعِهَا.
(أَوْ) أَتْلَفَتْهُ (وَهِيَ وَاقِفَةٌ) فِي مَحَلِّهَا الْمُعَدِّ لَهَا أَوْ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا كَبَابِ الْمَسْجِدِ أَوْ السُّوقِ وَلَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً بِالْعَدَاءِ وَحَصَلَ الْإِتْلَافُ مِنْهَا.
(لِغَيْرِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَذَلِكَ هَدَرٌ) أَيْ سَاقِطٌ عَنْ صَاحِبِهَا وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالدَّالِ وَقَدْ تَسْكُنُ الدَّالُ، وَأَمَّا لَوْ أَتْلَفَتْ مِنْ أَجْلِ شَيْءٍ فُعِلَ بِهَا فَضَمَانُهُ عَلَى الْفَاعِلِ، كَمَا لَوْ ضَرَبَهَا شَخْصٌ فَضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ بِقَرْنِهَا آخَرَ فَقَتَلَتْهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا أَتْلَفَتْهُ مِنْ غَيْرِ الزُّرُوعِ، وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَا إذَا أَتْلَفَتْ شَيْئًا مِنْ الزُّرُوعِ وَالْحَوَائِطِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ.
(وَمَا مَاتَ فِي بِئْرٍ) أَيْ وَاَلَّذِي مَاتَ بِسَبَبِ انْهِدَامِ بِئْرٍ عَلَيْهِ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى حَفْرِهَا أَوْ بِنَائِهَا أَوْ غَوْصِهَا.
(أَوْ) مَاتَ فِي (مَعْدِنٍ) اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْعَمَلِ فِيهِ وَالْحَالُ أَنَّ مَوْتَ مَنْ ذُكِرَ (مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ فَهُوَ هَدَرٌ) خَبَرُ مَا الْوَاقِعَةِ مُبْتَدَأً أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ، وَمَوْضُوعُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْحَفْرَ فِي مَحَلٍّ يُجَوَّزُ الْحَفْرُ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:«فِعْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ وَالْبِئْرُ جُبَارٌ وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ» .
وَالْعَجْمَاءُ بِالْمَدِّ كُلُّ حَيَوَانٍ غَيْرُ الْآدَمِيِّ، وَسُمِّيَتْ الْبَهِيمَةُ بِالْعَجْمَاءِ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ، وَالْجُبَارُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ عَمَّا لَوْ كَانَا اثْنَيْنِ فَمَاتَا فَإِنَّ نِصْفَ دِيَةِ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَثُلُثُ دِيَةِ كُلٍّ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ، وَهَكَذَا لَوْ كُثْرُ وَالتَّسَبُّبُ كُلٌّ فِي قَتْلِهِ وَقَتْلِ صَاحِبِهِ فَمَاتَا بِهِ سَاقِطٌ كَقَتْلِ نَفْسِهِ وَتُؤْخَذُ عَاقِلَتُهُ بِمَا تَسَبَّبَ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحَفْرُ فِيهِ فَمَا تَلَفَ فِيهِ يَضْمَنُهُ الْمَالُ فِي مَالِهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ بَلَغَتْ الثُّلُثَ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ دِيَةَ الْعَمْدِ وَمَا فِي حُكْمِهَا مِمَّا لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِنَقْصِهِ عَنْ الثُّلُثِ حَالَّةً فِي مَالِ الْجَانِي ذَكَرَ هُنَا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ تُنَجَّمُ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِقَوْلِهِ: (وَتُنَجَّمُ) أَيْ تُقَسَّطُ (الدِّيَةُ) الْكَامِلَةُ (عَلَى الْعَاقِلَةُ) فِي قَتْلِ الْخَطَإِ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَنُجِّمَتْ دِيَةُ الْحُرِّ بِلَا اعْتِرَافٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْجَانِي الْكَامِلَةُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ تَحِلُّ بِأَوَاخِرِهَا مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ دِيَةَ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ خَطَأً إذَا ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اعْتِرَافِ الْقَاتِلِ تُفَرَّقُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ثَلَاثَةَ أَقْسَاطٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْحُرُّ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَالْقَاتِلُ كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَهُمْ عَصَبَتُهُ مِنْ النَّسَبِ أَوْ الْوَلَاءِ أَوْ أَهْلَ دِيوَانِهِ أَوْ بَيْتُ الْمَالِ، لَكِنْ عِنْدَ وُجُودِ الْجَمِيعِ الْمَبْدَأُ أَهْلُ الدِّيوَانِ الْقَائِمِ الْعَطَاءِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَعَصَبَتُهُ نَسَبًا، وَإِلَّا فَالْمَوَالِي الْأَعْلَوْنَ ثُمَّ الْأَعْلَوْنَ ثُمَّ الْأَسْفَلُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوَالٍ فَبَيْتُ الْمَالِ إنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ مَا يُضْرَبُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ مَعَ الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَتُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْجَانِي، وَيَظْهَرُ لِي أَنَّهَا تُقَسَّطُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالرِّفْقِ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَحَرَّرَهُ، وَأَمَّا الذِّمِّيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ وَلَا عَصَبَةَ لَهُ فَيَعْقِلُ عَنْهُ أَهْلُ دِيَتِهِ مِنْ كُورَتِهِ، فَلَا يَعْقِلُ نَصْرَانِيٌّ عَنْ يَهُودِيٍّ وَلَا عَكْسُهُ وَالصُّلْحِيُّ أَهْلُ صُلْحِهِ، وَاخْتُلِفَ فِي عَدَدِهَا فَقِيلَ سَبْعُمِائَةِ رَجُلٍ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ الزَّائِدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ نَقَصُوا عَنْ السَّبْعِمِائَةِ كَمَّلُوا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَعَلَى الثَّانِي كَذَلِكَ، وَيُضْرَبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا لَا يُضَرُّ بِهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَّسِعِ فِي الْغِنَى بِقَدْرِهِ وَمِمَّنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ، وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَقِيرُ وَالْغَارِمُ يُعْقَلُ عَنْهُمْ وَلَا يَعْقِلُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَالْمُعْتَبَرُ حَالُهُمْ وَقْتَ تَوْزِيعِ الدِّيَةِ، فَمَنْ كَانَ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ الْقَاتِلِ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ أَوْ فَقِيرًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُضْرَبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ أَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ أَوْ أَيْسَرَ الْفَقِيرُ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَضْرُوبِ بِزَوَالِ الْغِنَى أَوْ بِالْمَوْتِ، وَتَكُونُ الْأَقْسَاطُ مُتَسَاوِيَةً، وَيُعْطَى كُلُّ ثُلُثٍ فِي آخِرِ السَّنَةِ كَمَا قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما -