الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزَّرْعِ وَلَا فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ.
وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الْبُقُولِ، وَإِنْ قَلَّتْ وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَّا قَدْرُ الثُّلُثِ.
وَمَنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
وَقَيَّدْنَا بِتِلْكَ الْمَكِيلَةِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَكِيلَةُ لَا الْقِيمَةُ، فَإِذَا كَانَ الْمُجَاحُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ فَإِنَّهُ لَا يُوضَعُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَلَوْ سَاوَتْ قِيمَةُ ذَلِكَ الْأَقَلِّ نِصْفَ الثَّمَنِ أَوْ جَمِيعَهُ. وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي، وَإِنْ قَلَّ، بِخِلَافِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ قَدْ يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي مَعَهُ وَقَدْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْجَوَائِحَ لِتَكَرُّرِهَا يُعَدُّ الْمُشْتَرِي كَالدَّاخِلِ عَلَى ذَلِكَ وَلِنُدُورِ الِاسْتِحْقَاقِ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ.
(وَ) مَفْهُومُ قَدْرِ الثُّلُثِ أَنَّ (مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ فَمِنْ الْمُبْتَاعِ) أَيْ مُصِيبَتُهُ مِنْهُ وَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ مُجَوِّزٌ لِذَهَابِ مَا نَقَصَ عَنْ الثُّلُثِ بِأَكْلِ طَيْرٍ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِ الثَّمَرَةِ بِرِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ جَائِحَةُ الثِّمَارِ كَالْمَوْزِ وَالْمَقَاثِي، وَإِنْ بِيعَتْ عَلَى الْجَذِّ، وَمِنْ عَرِيَّةٍ لَا مَهْرٍ إنْ بَلَغَتْ ثُلُثَ الْمَكِيلَةِ، وَلَوْ مِنْ كَصَيْحَانِيٍّ وَبَرْنِيِّ وَبَقِيَتْ؛ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا، وَأُفْرِدَتْ أَوْ أُلْحِقَ أَصْلُهَا لَا عَكْسُهُ أَوْ مَعَهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى وَضْعِ الْجَوَائِحِ مَا فِي الصَّحِيحِ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ» وَفِيهِ أَيْضًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ بِعْت مِنْ أَخِيك تَمْرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ تَأْخُذَ مَالَ أَخِيك بِغَيْرِ حَقٍّ» وَرُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «إذَا أُصِيبَ ثُلُثُ الثَّمَرَةِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الْوَضْعِيَّةُ» فَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُقَيِّدٌ لِإِطْلَاقِ الَّتِي قَبْلَهَا.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّحْدِيدِ بِالثُّلُثِ فِي غَيْرِ مَا ذَهَبَ بِسَبَبِ الْعَطَشِ، وَإِلَّا وُضِعَتْ مُطْلَقًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ بِسَبَبِ الْعَطَشِ، وَإِنْ قَلَّتْ؛ لِأَنَّ السَّقْيَ لَمَّا كَانَ عَلَى الْبَائِعِ أَشْبَهَ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ.
الثَّانِي: مِثْلُ ذَهَابِ ثُلُثِ الْمَكِيلَةِ ذَهَابُ ثُلُثِ الْقِيمَةِ فِيمَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَالْعَيْنُ قَائِمَةٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتَعْيِينُهَا كَذَلِكَ فَإِنَّ التَّشْبِيهَ فِي مُطْلَقِ الذَّهَابِ لَا بِقَيْدِ الْمَكِيلَةِ، فَإِنْ أَذْهَبَ التَّعْيِيبُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ وُضِعَ عَنْ الْمُشْتَرِي ثُلُثُ الثَّمَنِ.
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الْوَضْعِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَقِيَتْ لِيَنْتَهِيَ طِيبُهَا قَالَ: (وَلَا جَائِحَةَ فِي الزَّرْعِ) كَالْقَمْحِ وَالْفُولِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْحُبُوبِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ يُبْسِهِ وَاسْتِحْصَادِهِ، فَتَأْخِيرُهُ مَحْضُ تَفْرِيطٍ مَعَ الْمُشْتَرِي فَلَا يُوضَعُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. (وَلَا فِيمَا اُشْتُرِيَ بَعْدَ أَنْ يَبِسَ مِنْ الثِّمَارِ) وَتَنَاهَى طِيبُهُ وَفَاتَ أَوَانُ قَطْعِهِ عَلَى الْمُعْتَادِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ تَنَاهَتْ الثَّمَرَةُ فَلَا جَائِحَةَ كَالْقَصَبِ الْحُلْوِ وَيَابِسِ الْحَبِّ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ زَمَانِ قَطْعِهِ عَلَى الْعَادَةِ مَحْضُ تَفْرِيطٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَلَوْ أَذْهَبَتْ الْجَائِحَةُ جَمِيعَهُ، وَأَمَّا لَوْ أَصَابَتْهُ الْجَائِحَةُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ لَحُطَّتْ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ تَأْخِيرِهَا لِتَنَاهِي طِيبِهَا.
(تَنْبِيهٌ) . فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحُبُوبِ فِي الْأَنْدَرِ لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ مُحَصَّلُهُ: إنْ وَقَعَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهَا صُبْرَةً فَلَا خِلَافَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي الْجَوَازِ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْجُزَافِ بِشُرُوطِهِ، وَأَمَّا إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ نَقْشِهِ وَقَبْلَ دَرْسِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ، وَأَمَّا بَعْدَ دَرْسِهِ وَقَبْلَ تَذْرِيَتِهِ فَالْمَشْهُورُ الْجَوَازُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ بَيْعُ حِنْطَةٍ فِي سُنْبُلٍ وَتِبْنٍ، وَإِنْ بِكَيْلِ وَقْتٍ جُزَافًا لَا مَنْفُوشًا، وَقَالَ الْعَلَّامَةُ بَهْرَامُ: وَلَا خِلَافَ عِنْدَنَا فِي جَوَازِ بَيْعِ الزَّرْعِ قَائِمًا لَكِنْ بِشُرُوطِ الْجُزَافِ، وَيَجُوزُ الْمُبْتَغَى مِنْهُ مِنْ حَبٍّ وَغَيْرِهِ كَالْبِرْسِيمِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت.
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ التَّحْدِيدِ بِالثُّلُثِ مُخْتَصًّا بِالثِّمَارِ قَالَ: (وَتُوضَعُ) عَنْ الْمُشْتَرِي (جَائِحَةُ الْبُقُولِ، وَإِنْ قَلَّتْ) وَنَقَصَتْ عَنْ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُجَاحُ شَيْئًا قَلِيلًا جِدًّا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتُوضَعُ مِنْ الْعَطَشِ، وَإِنْ قَلَّتْ كَالْبُقُولِ تَشْبِيهٌ فِي الْوَضْعِ، وَإِنْ قَلَّتْ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْعَطَشِ، وَالْمُرَادُ بِالْبُقُولِ مَا لَا تَطُولُ مُدَّتُهُ فِي الْأَرْضِ كَالْخَسِّ وَالْجَزَرِ وَالسَّلْقِ وَالْكُزْبَرَةِ وَالْهُنْدُبَا وَالزَّعْفَرَانِ وَالرِّيحَانِ وَالْقَرَظِ وَوَرَقِ التُّوتِ وَالْبَصَلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تُوضَعُ مِنْهَا، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الثُّلُثِ لِعُسْرِ مَعْرِفَةِ ثُلُثِهَا؛ لِأَنَّهَا تُقْطَعُ شَيْئًا فَشَيْئًا. (وَقِيلَ لَا يُوضَعُ إلَّا قَدْرُ الثُّلُثِ) قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمُعْتَمَدِ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَضْعِهَا مُطْلَقًا وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ، وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَكَى هَذَا بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ.
(تَنْبِيهٌ) . فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ بَيْعِ مَغِيبِ الْأَصْلِ كَالْجَزَرِ وَالْبَصَلِ وَالْفُجْلِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْبُقُولِ، وَهُوَ كَذَلِكَ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي حَالِ بَيْعِهَا أَنْ يُقْلَعَ مِنْهَا شَيْءٌ وَيَرَاهُ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا، وَلَكِنْ ذَكَرَ النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ أَنَّهُ يَكْفِي فِي جَوَازِ بَيْعِ مَغِيبِ الْأَصْلِ رُؤْيَةُ ظَاهِرِهِ، أَيْ؛ لِأَنَّهُ بِرُؤْيَةِ وَرَقِهِ يُسْتَدَلُّ عَلَى مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوفٌ لِأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ.
(خَاتِمَةٌ عَزِيزَةُ الْوُجُودِ) . مِمَّا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْجَائِحَةِ عَدَمُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، مِنْ ذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ وَرَقَ تُوتٍ لِيُطْعِمَهُ لِدُودِ الْحَرِيرِ فَيَمُوتَ الدُّودُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا لَوْ اكْتَرَى حَمَّامًا أَوْ فُنْدُقًا فِي بَلَدٍ فَخُلِّيَ الْبَلَدُ وَلَوْ يُوجَدْ مَنْ يَتَحَمَّمُ أَوْ يَسْكُنُ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَنْ اشْتَرَى ثَمَرَةً لِيَبِيعَهَا فِي بَلَدٍ فَخَرِبَ الْبَلَدُ، أَوْ اشْتَرَى عَلَفًا لِيَبِيعَهُ لِقَافِلَةٍ تَأْتِي مِنْ طَرِيقٍ مَعْرُوفَةٍ فَعَدَلَتْ عَنْهُ، وَوَجْهُ تَنَزُّلِ مَا ذُكِرَ مَنْزِلَةَ الْجَائِحَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ الْفَسْخُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الثَّمَنُ أَوْ الْكِرَاءُ.
[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى إطْعَامِ الْجَائِحَةِ شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا جَمْعُ عَرِيَّةٍ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ
أَعْرَى ثَمَرَ نَخَلَاتٍ لِرَجُلٍ مِنْ جِنَانِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا إذَا أَزْهَتْ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يُعْطِيهِ ذَلِكَ عِنْدَ الْجِذَاذِ إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إلَّا بِالْعَيْنِ وَالْعَرْضِ.
ــ
[الفواكه الدواني]
مُشْتَقَّةٌ مِنْ عَرَوْتُهُ أَعْرُوهُ إذَا طَلَبْتُ مَعْرُوفَهُ، فَعَرِيَّةٌ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ بَعْضٌ: هِبَةُ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ لِشَخْصٍ يَأْكُلُهَا هُوَ أَوْ عِيَالُهُ فِي عَامٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ:(وَمَنْ أَعْرَى) أَيْ وَهَبَ (ثَمَرَ نَخَلَاتٍ) أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا تَيْبَسُ ثَمَرَتُهُ بِالْفِعْلِ إذَا تُرِكَتْ، وَلَا يَكْفِي يُبْسُ نَوْعِهَا وَذَلِكَ كَثَمَرِ نَخْلٍ غَيْرِ مِصْرَ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ، كَذَلِكَ لَا ثَمَرَ مَا ذُكِرَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَلَا فِي مَوْزٍ وَلَا رُمَّانٍ وَلَا تُفَّاحٍ؛ لِأَنَّهَا لَا تَيْبَسُ (لِرَجُلٍ) الْمُرَادُ لِشَخْصٍ وَلَوْ امْرَأَةً (مِنْ جِنَانِهِ) أَيْ الْمُعْرِي. وَأَمَّا لَوْ أَعْرَى رَجُلًا ثَمَرَ نَخْلٍ آخَرَ لَكَانَتْ عَرِيَّتُهُ بَاطِلَةً؛ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْإِنْسَانِ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَإِنْ أَجَازَ الْغَيْرُ كَانَ ابْتِدَاءَ عَطِيَّةٍ مِنْهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ بَيْعِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ يَمْضِي بِإِجَازَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ، وَلَا يُحْتَرَزُ بِقَوْلِ مِنْ جِنَانِهِ عَنْ عَرِيَّةِ جَمِيعِ ثَمَرِ الْحَائِطِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَمِنْ شَرْطِيَّةٍ، وَأَعْرَى فِعْلُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهُ (فَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا) أَيْ يَجُوزُ لِمُعْرِيهَا شِرَاؤُهَا (بِخِرْصِهَا) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ بِكَيْلِهَا (تَمْرًا) قَالَ خَلِيلٌ: وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ، وَإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ اشْتِرَاءَ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ كَلَوْزٍ لَا كَمَوْزٍ، وَتِلْكَ الرُّخْصَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ رِبَا الْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ يَشْتَرِيهَا بِنَوْعِهَا وَخِرْصِهَا مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ، وَالشَّكُّ فِي التَّمَاثُلِ كَتَحَقُّقِ التَّفَاضُلِ وَرِبَا النَّسَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُبَاعُ بِخِرْصِهَا إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ عِنْدَ الْجِذَاذِ.
وَالْمُزَابَنَةُ، وَهِيَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ مِنْ نَوْعِهِ وَالرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَشْهُورُ فِي هَذَا الْأَخِيرِ الْكَرَاهَةَ، وَمَعْنَى رُخِّصَ أُبِيحَ؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ هُنَا جَائِزَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهَا مَا فِي الْمُوَطَّإِ وَالصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْخَصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخِرْصِهَا مِنْ الثَّمَرِ بِمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي، وَحَدِيثِ سَهْلٍ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ» إلَّا أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخِرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا، وَأَشَارَ إلَى شُرُوطِ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ:(إذَا أَزْهَتْ) أَيْ بَدَا صَلَاحُهَا فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَخْتَصَّ بِالْعَرِيَّةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ لِكَوْنِ شِرَائِهَا رُخْصَةً حَتَّى قَالَ الْبَاجِيُّ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ، وَفَسَّرْنَا الزُّهُوَّ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالْبَلَحِ الْمُخْتَصِّ بِالزُّهُوِّ الَّذِي هُوَ الِاحْمِرَارُ أَوْ الِاصْفِرَارُ.
وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بِخِرْصِهَا أَيْ بِكَيْلِهَا بِأَنْ يَقُولَ الْخَارِصُ أَيْ الْحَازِرُ الْعَارِفُ: إذَا جَفَّتْ تَصِيرُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ، فَيُعْطَى الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ مَكِيلَةَ ذَلِكَ الْقَدْرِ عِنْدَ الْجِذَاذِ، وَإِذَا جُذَّتْ فَوُجِدَتْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ يَرْجِعُ عَلَى الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَرْجِعُ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ عَلَى الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ فِي الثَّانِي، وَقِيلَ إنَّهُ حُكْمٌ مَضَى. وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ خِرْصُهَا مِنْ نَوْعِهَا، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الصَّيْحَانِيِّ عَنْ الْبَرْنِيِّ وَلَا الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ، وَأَوْلَى فِي الْمَنْعِ بَيْعُهَا بِعَرَضٍ أَوْ دِرْهَمٍ،، وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ (يُعْطِيَهُ) أَيْ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ لِلْمُعْرَى بِالْفَتْحِ (ذَلِكَ) الْخِرْصَ (عِنْدَ الْجِذَاذِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَطْعِ الثَّمَرَةِ. وَمِنْ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَرِيَّةُ أَكْثَرَ، وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(إنْ كَانَ فِيهَا خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ) وَلِذَلِكَ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ) لِلْمُعْرِي بِالْكَسْرِ (شِرَاءُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ إلَّا بِالْعَيْنِ وَالْعَرَضِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَأَقَلُّ، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْأَكْثَرِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِخِرْصِهَا وَالزَّائِدُ يَشْتَرِيهِ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.
قَالَ خَلِيلٌ: لَا يَجُوزُ أَخْذُ زَائِدٍ عَلَيْهِ مَعَهُ بِعَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالضَّمِيرُ فِي عَلَيْهِ، وَمَعَهُ لِلْقَدْرِ الْمُرَخَّصِ فِي شِرَائِهِ، وَأَمَّا شِرَاءُ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِعَيْنٍ أَوْ عَرَضٍ فَيَجُوزُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ خَلِيلٍ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْعَرِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَأَمَّا لَوْ أَعْرَاهُ عَرَايَا فِي حَوَائِطَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ كُلِّ حَائِطٍ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ لَا إنْ كَانَتْ الْعَرَايَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَكَعَرِيَّةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَشْتَرِي مِنْهَا إلَّا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا كُلِّهِ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ وَاتِّحَادِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْمَوَّاقُ (تَنْبِيهٌ) . اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَسْتَوْفِ شُرُوطَ الْعَرِيَّةِ.
وَإِنَّمَا اسْتَوْفَاهَا خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَرُخِّصَ لِمُعْرٍ وَقَائِمٍ مَقَامَهُ، وَإِنْ بِاشْتِرَاءِ الثَّمَرَةِ فَقَطْ اشْتِرَاءَ ثَمَرَةٍ تَيْبَسُ إنْ لَفْظَ بِالْعَرِيَّةِ وَبَدَا صَلَاحُهَا وَكَانَ بِخِرْصِهَا وَنَوْعِهَا، وَأَنْ لَا يَدْخُلَا عَلَى شَرْطِ تَعْجِيلِهَا بَلْ دَخَلَا عَلَى الْوَفَاءِ عِنْدَ الْجِذَاذِ أَوْ سَكَتَا وَلَوْ عَجَّلَ الْخِرْصَ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ لَوْ شَرَطَا التَّعْجِيلَ فَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهَا، وَلَوْ جَذَّهَا رُطَبًا رَدَّ الْمِثْلَ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَأَقَلَّ، وَأَنْ يَكُونَ الِاشْتِرَاءُ إمَّا لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِدُخُولِ الْمُعْرَى بِالْفَتْحِ حَائِطَ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ، أَوْ لِلْمَعْرُوفِ رِفْقًا بِالْمُعْرَى بِالْفَتْحِ بِكِفَايَتِهِ الْحِرَاسَةَ وَالْمُؤْنَةَ. وَأَمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُرَخَّصُ فِي شِرَائِهَا، كَمَا لَا يُرَخَّصُ لِغَيْرِ الْمُعْرِي بِالْكَسْرِ لِمَا عَلِمْت مِنْ اسْتِثْنَائِهَا مِنْ أُصُولٍ مَمْنُوعَةٍ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى عُقُودِ الْمُعَامَلَاتِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا، شَرَعَ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِ الْقُرَبِ فَقَالَ.