الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلَّا أَنْ يُسْلَمَ.
وَ
مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ
لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْمُحَارِبُ لَا عَفْوَ فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ فَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ.
[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]
وَإِنْ لَمْ يَقْتُلُ فَيَسَعُ الْإِمَامَ فِيهِ اجْتِهَادُهُ بِقَدْرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ مُقَامِهِ فِي فَسَادِهِ فَإِمَّا قَتَلَهُ أَوْ صَلَبَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ يُقَطِّعُهُ مِنْ خِلَافٍ أَوْ
ــ
[الفواكه الدواني]
إسْلَامُهُ وَلَا يُجْعَلُ سَبُّهُ مِنْ جُمْلَةِ كُفْرِهِ، لِأَنَّا لَمْ نُعْطِهِمْ الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا عَلَى قَتْلِنَا وَأَخْذِ أَمْوَالِنَا، وَلَوْ قَتَلَ أَحَدَنَا قَتَلْنَاهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ اسْتِحْلَالُهُ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ سَبَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام بِمَا بِهِ كُفْرٌ كَيَا سَاحِرًا، أَوْ قَالَ النَّصْرَانِيُّ: إنَّمَا أُرْسِلَ إلَيْنَا عِيسَى لَا مُحَمَّدٌ، وَالْيَهُودِيُّ إنَّمَا رَسُولُنَا مُوسَى، وَكَذَا لَوْ سَبَّ اللَّهَ بِمَا بِهِ كُفْرٌ كَقَوْلِ النَّصْرَانِيِّ: اللَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، أَوْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَكَقَوْلِ الْيَهُودِيِّ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ لِأَنَّ شَرْعَنَا أَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ، فَلَا يُقْتَلُونَ بِهِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى عليه السلام، فَيَتَقَضَّى أَمَدُ أَخْذِ الْجِزْيَةِ وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ الْقَتْلِ، لِأَنَّ حِلَّ أَخْذِهَا مُغَيَّا بِنُزُولِ عِيسَى عليه السلام كَمَا نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ السَّبِّ بِمَا لَمْ يُكْفَرْ بِهِ، وَبَيْنَ السَّبِّ بِمَا بِهِ كُفْرٌ، فَيُقْتَلُ بِالْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ خَلِيلٌ أَيْضًا، فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ لَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ حَتَّى ادَّعَى أَنَّ الْمَشْهُورَ قَتْلُ الذِّمِّيِّ بِمُطْلَقِ السَّبِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا بِهِ كُفْرٌ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
(تَنْبِيهٌ) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ قَتْلَ السَّابِّ مُقَيَّدٌ بِسَبِّ مَنْ أُجْمِعَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَأُمِّ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَذِي الْقَرْنَيْنِ وَالْحَوَارِيِّينَ وَإِخْوَةِ يُوسُفَ، وَكَذَا مَنْ اُخْتُلِفَ فِي مَلَكِيَّتِهِ كَهَارُوتَ وَمَارُوتَ فَإِنَّهُ يُنَكَّلُ نَكَالًا شَدِيدًا كَمَا أَشَرْنَا لَهُ سَابِقًا، كَمَا يُنَكَّلُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا إلَّا عَائِشَةَ رضي الله عنها فَإِنَّهُ إنْ رَمَاهَا بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ بِأَنْ قَالَ زَنَتْ، أَوْ يُنْكِرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ إسْلَامَ الْعَشْرَةِ أَوْ إسْلَامَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَفَّرَ الْأَرْبَعَةَ أَوْ وَاحِدًا فَإِنَّهُ يَكْفُرُ، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ وَإِنْ نَاقَشَ الْأُجْهُورِيُّ فِي بَعْضِهِ،
[مِيرَاث الْمُرْتَدّ]
وَلَمَّا كَانَ الْمَقْتُولُ حَدًّا تَرِثُهُ وَرَثَتُهُ لِمَوْتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَنْ قُتِلَ كُفْرًا قَالَ: (وَمِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ) الْحُرِّ إذَا قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ (لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ خَلِيلٌ: وَمَالُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَإِلَّا فَفَيْءٌ، أَيْ وَأَمَّا مَالُ الْحُرِّ الَّذِي مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ كُفَّارًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا وَلَوْ ارْتَدَّ فِي مَرَضِهِ، وَأَمَّا لَوْ تَابَ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنَّ مَالَهُ يَرْجِعُ لَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا.
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الْكَلَامِ عَلَى أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ وَالسَّابِّ، شَرَعَ فِي أَحْكَامِ الْمُحَارِبِ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحِرَابَةِ وَحَقِيقَتُهَا كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْخُرُوجُ لِإِخَافَةِ سَبِيلٍ لِأَخْذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ بِمُكَابَرَةِ قِتَالٍ أَوْ خَوْفِهِ أَوْ إذْهَابِ عَقْلٍ أَوْ قَتْلِ خُفْيَةٍ، وَلِمُجَرَّدِ قَطْعِ الطَّرِيقِ لَا لِإِمَارَةٍ وَلَا نَائِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ فَيَدْخُلُ قَوْلُهَا: وَالْخَنَّاقُونَ الَّذِينَ يَسْقُونَ النَّاسَ السَّيْكَرَانَ لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَهُمْ مُحَارِبُونَ فَالْمُقَاتِلُ لِيَكُونَ أَمِيرًا أَوْ لِأَجْلِ عَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُقَاتِلُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّائِرَةِ لَا يَكُونُ مُحَارِبًا فَقَالَ: (وَالْمُحَارِبُ) اسْم فَاعِلٍ وَهُوَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ لِمُجَرَّدِ مَنْعِ السُّلُوكِ، أَوْ آخِذٍ بِالْمَدِّ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ، أَوْ الَّذِي يُغَيِّبُ عَقْلَ غَيْرِهِ لِيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، أَوْ الْمُخَادِعُ لِنَحْوِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْخِلَهُ مَوْضِعًا وَيَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَا مَعَهُ، أَوْ الدَّاخِلُ فِي زُقَاقٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لِيَأْخُذَ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ التَّغَلُّبِ وَالْقَهْرِ.
(لَا عَفْوُ) جَائِزٌ (فِيهِ إذَا ظُفِرَ بِهِ) وَأُخِذَ قَبْلَ تَوْبَتِهِ لِأَنَّ حَدَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ.
(فَإِنْ قَتَلَ) أَيْ الْمُحَارِبُ (أَحَدًا فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ) حَيْثُ كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَبِالْقَتْلِ يَجِبُ قَتْلُهُ وَلَوْ كَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، وَلَا يُشْتَرَطُ مُبَاشَرَتُهُ لِلْقَتْلِ بَلْ وَلَوْ شَارَكَ فِيهِ بِإِعَانَةٍ كَضَرْبٍ أَوْ إمْسَاكٍ بَلْ وَلَوْ بِالْمُمَالَأَةِ، وَلَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ حَدُّ الْحِرَابَةِ لَا حَقُّ الْآدَمِيِّ، وَمَعْنَى وُجُوبِ الْقَتْلِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ كَمَا هُوَ قَاعِدَةُ قَتْلِ الْعَمْدِ، أَمَّا الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الرِّضَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ عَلَى أَخْذِ الدِّيَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَتْلَ الْمُحَارِبِ إذَا وَجَبَ قَتْلُهُ حَقٌّ لِلَّهِ قَبْلَ التَّوْبَةِ وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ، وَأَمَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْ الْحِرَابَةِ فَيَسْقُطُ حَدُّهَا فَقَطْ، وَيَتَمَحَّضُ الْحَقُّ لِلْآدَمِيِّ فَلَهُ قَتْلُهُ قِصَاصًا إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُكَافِئًا لَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ وَلَهُ الْعَفْوُ عَنْهُ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْمُحَارِبِ يَجِبُ قَتْلُهُ بِقَتْلِ غَيْرِهِ وَلَوْ كَافِرًا أَوْ رَقِيقًا، شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَدِّهِ إذَا لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا بِقَوْلِهِ:(وَ) أَمَّا (إنْ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا) فَلَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَحِينَئِذٍ (فَيَسْعَى) أَيْ يَفْعَلُ (الْإِمَامُ فِيهِ اجْتِهَادَهُ بِقَدْرِ جُرْمِهِ) أَيْ بِحَسْبِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فِي زَمَنِ مُحَارَبَتِهِ.
(وَكَثْرَةِ مَقَامِهِ) أَيْ طُولِ إقَامَتِهِ.
(فِي فَسَادِهِ) فَيُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ إنْ كَانَ ذَكَرًا حُرًّا وَأَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (فَإِمَّا قَتَلَهُ) ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ صَلْبٍ لَكِنْ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: نَاشَدْتُك اللَّهَ إلَّا مَا خَلَّيْت سَبِيلِي إنْ لَمْ يُعَالَجْ إلَّا بِالْقَتْلِ وَإِلَّا قَتَلَهُ مِنْ غَيْرِ مُنَاشَدَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: فَيُقْتَلُ بَعْدَ الْمُنَاشَدَةِ إنْ أَمْكَنَ (أَوْ) أَيْ وَإِمَّا (صَلَبَهُ) حَيًّا بِأَنْ يُرْبَطَ عَلَى جِذْعٍ مِنْ غَيْرِ تَنْكِيسٍ (ثُمَّ قَتَلَهُ) بَعْدَ الصَّلْبِ فَالصَّلْبُ مِنْ صِفَاتِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَوْ حَبَسَهُ الْإِمَامُ لِيَقْتُلَهُ فَمَاتَ فِي الْحَبْسِ لَمْ يَصْلُبْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَعَهُ مِنْ الْحُدُودِ شَيْئًا، وَلَوْ قَتَلَهُ إنْسَانٌ فِي الْحَبْسِ لَصَلَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ حَدِّهِ.
(أَوْ) أَيْ وَإِمَّا (يُقَطِّعُهُ
يَنْفِيهِ إلَى بَلَدٍ يُسْجَنُ بِهَا حَتَّى يَتُوبَ.
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا سَلَبُوهُ مِنْ الْأَمْوَالِ.
وَتَقْتُلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ وَإِنْ وَلِيَ الْقَتْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَيُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِقَتْلِ الذِّمِّيِّ قُتِلَ غِيلَةٍ أَوْ حِرَابَةٍ.
وَمَنْ زَنَى مِنْ حُرٍّ مُحْصَنٍ
ــ
[الفواكه الدواني]
مِنْ خِلَافٍ) بِأَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى وَلَاءً مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ، فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً فِي قِصَاصٍ مَثَلًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى حَتَّى يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، وَصِفَةُ قَطْعِ الْيَدِ قِيلَ عَلَى حَدِّ الْأَصَابِعِ وَقِيلَ مِنْ الْكُوعِ، وَفِي الرِّجْلِ قِيلَ مِنْ نِصْفِ الْقَدَمِ وَقِيلَ تُقْطَعُ مِنْ الْكَعْبِ.
(أَوْ) أَيْ وَإِمَّا (يَنْفِيهِ) إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا (إلَى بَلَدٍ يُسْجَنُ بِهَا) كَمَا يُنْفَى فِي الزِّنَا، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ مَسَافَةُ قَصْرٍ كَفَدَكَ وَخَيْبَرَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَغَايَةُ حَبْسِهِ (حَتَّى يَمُوتَ) أَوْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُحَارِبُ عَبْدًا لَخُيِّرَ فِيهِ الْإِمَامُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءِ: الْقَطْعُ مِنْ خِلَافٍ، أَوْ الْقَتْلُ الْمُجَرَّدُ، أَوْ الصَّلْبُ ثُمَّ الْقَتْلُ، وَلَا يُنْفَى إلَّا أَنْ يَرْضَى سَيِّدُهُ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُخَيَّرُ فِيهَا بَيْنَ الْقَتْلِ الْمُجَرَّدِ أَوْ الْقَطْعِ مِنْ خِلَافٍ، وَلَا تُصْلَبُ وَلَا تُنْفَى إلَّا أَنْ تَرْضَى بِالنَّفْيِ إلَى بَلَدٍ عَلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ وَوُجِدَتْ رُفْقَةٌ مَأْمُونَةٌ فَذَلِكَ لَهَا، لِأَنَّ هَذَا أَهْوَنُ عَلَيْهَا مِنْ قَطْعِهَا مِنْ خِلَافٍ وَمِنْ قَتْلِهَا، وَمَحَلُّ التَّخْيِيرِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَكُنْ قَتَلَ أَحَدًا وَإِلَّا تَعَيَّنَ قَتْلُهُ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَتْلِهِ مَفْسَدَةٌ أَشَدُّ، كَمَا كَانَ يَقَعُ فِي غَرْبِ إفْرِيقِيَةَ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَخْصًا وَقَتَلُوهُ بِهِ يُخَرِّبُونَ الْبِلَادَ وَيَقْتُلُونَ خَلَائِقَ كَثِيرَةً وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي زَمَانِنَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَوْله تَعَالَى:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] إلَى أَنْ قَالَ: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ، فَأَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ عَلَى الْمَشْهُورِ، إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِعْلُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ النَّظَرُ فِي حَالِ الْمُحَارِبِ، فَإِنْ كَانَ ذَا تَدْبِيرٍ اُسْتُحِبَّ قَتْلُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَا بَطْشٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْقَطْعُ وَلِغَيْرِهِمَا، وَمَنْ وَقَعَتْ مِنْهُ فَلْتَةُ النَّفْيِ وَالضَّرْبِ وَالتَّعْيِينُ لِلْإِمَامِ لَا لِمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَنَحْوُهَا.
(فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُحَارَبُ (حَتَّى جَاءَ) إلَى الْإِمَامِ (تَائِبًا) أَوْ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْحِرَابَةِ بِأَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ (وُضِعَ عَنْهُ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ ثُمَّ قَتْلِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَ حَدُّهَا بِإِتْيَانِ الْإِمَامِ طَائِعًا أَوْ تَرَكَ مَا هُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَأْمِينُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ تَأْمِينُ الْكَافِرِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ يُقَرُّ عَلَى حَالِهِ بِالتَّأْمِينِ، وَتُتْرَكُ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ بِيَدِهِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِلْمُحَارِبِ، وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: مِنْ ذَلِكَ أَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُحَارِبِ بِتَوْبَتِهِ بَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَلِذَا قَالَ: (وَأُخِذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَنَائِبُ الْفَاعِلِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ الْعَائِدُ عَلَى الْمُحَارِبِ (بِحُقُوقِ النَّاسِ مِنْ مَالٍ أَوْ دَمٍ) تَعَلَّقَ بِهِ زَمَنَ حِرَابَتِهِ، وَمِثْلُهُ حُقُوقُ اللَّهِ سِوَى عُقُوبَةِ الْحِرَابَةِ كَأَنْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ زَنَى وَهُوَ مُحَارِبٌ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى مِنْهُ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا أَسْقَطَتْ حَدَّ الْحِرَابَةِ فَقَطْ، وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ: وَأُخِذَ بِحُقُوقِ النَّاسِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ نَصَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَالْحُمَلَاءِ بِقَوْلِهِ: (وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ اللُّصُوصِ) أَيْ الْمُحَارِبِينَ (ضَامِنٌ لِجَمِيعِ مَا سَلَبُوهُ) أَيْ نَهَبُوهُ (مِنْ الْأَمْوَالِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إنَّمَا تَقَوَّى بِأَصْحَابِهِ، فَالْمُرَادُ بِاللِّصِّ هُنَا الْمُحَارِبُ سَوَاءٌ أُخِذَ فِي حَالِ تَلَصُّصِهِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا، فَاللُّصُوصُ كَالْحُمَلَاءِ فَكُلُّ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ يَغْرَمُ جَمِيعَ مَا أَخَذُوهُ وَيَرْجِعُ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ، وَمِثْلُ الْمُحَارِبِينَ الْغُصَّابُ وَالْبُغَاةُ، وَأَمَّا مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الْحِرَابَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِهِ مِنْ جِهَةِ أَخْذِ الْمَالِ مِنْ تَرِكَتِهِ أَمْ يُتَّبَعُ بِهِ إنْ قُطِعَ مِنْ خِلَافٍ أَوْ غُرِّبَ.
وَمُحَصَّلُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ حُكْمَهُ كَالسَّارِقِ، فَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَا يُتَّبَعُ بِمَا أَخَذَ إلَّا إذَا اتَّصَلَ يَسَارُهُ بِحَدِّهِ لَا مَنْ أَعْدَمَ بَعْدَ الْأَخْذِ وَلَوْ أَيْسَرَ يَوْمَ إقَامَةِ الْحَدِّ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيُتَّبَعُ مُطْلَقًا، وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَعَدَمَ كُلٌّ عَنْ الْجَمِيعِ مُطْلَقًا وَاتُّبِعَ كَالسَّارِقِ،
وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الْمَالِ مِنْ الْمُحَارِبِ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الدَّمِ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَجِبُ أَنْ (تُقْتَلَ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) الَّذِي قَتَلُوهُ (فِي الْحِرَابَةِ وَالْغِيلَةِ) وَهِيَ الْقَتْلُ لِأَخْذِ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْغَوْثُ وَهِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْحِرَابَةِ.
(وَإِنْ وَلِيَ) أَيْ بَاشَرَ (الْقَتْلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) وَأَعَادَ هَذَا وَإِنْ فُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ: وَإِنْ قَتَلَ أَحَدًا فَإِنَّهُ يَجِبُ قَتْلُهُ لِمَا فِي هَذَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَتْلُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَلِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: (وَيُقْتَلُ