المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ - الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني - جـ ٢

[النفراوي]

فهرس الكتاب

- ‌ بَابٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَالْخُلْعِ وَالرَّضَاعِ

- ‌[أَرْكَان النِّكَاح]

- ‌[الْمُحْرِمَات فِي النِّكَاح]

- ‌[الْقَسْمُ بَيْن الزَّوْجَاتِ]

- ‌[شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ]

- ‌[إسْلَامِ الزَّوْجَيْنِ الْكَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا]

- ‌ الطَّلَاقُ

- ‌الْخُلْعُ

- ‌[أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ]

- ‌[مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ]

- ‌[عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ الْمُوجِبَةِ لِخِيَارِ كُلٍّ فِي صَاحِبِهِ]

- ‌[أَحْكَامِ الزَّوْجِ الْمَفْقُودِ]

- ‌[النِّيَابَةِ فِي الطَّلَاقِ]

- ‌[الْإِيلَاء]

- ‌[الظِّهَار]

- ‌اللِّعَانُ

- ‌[صِفَةِ اللِّعَانِ]

- ‌[طَلَاقُ الْعَبْدِ]

- ‌[الرَّضَاع]

- ‌[بَابٌ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّفَقَةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ]

- ‌[أَسْبَابُ الْعِدَّةِ]

- ‌عِدَّةُ الْحُرَّةِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ الْأَمَةِ فِي الطَّلَاقِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ]

- ‌عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ وَفَاةِ سَيِّدِهَا

- ‌وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَأَسْبَابُهَا]

- ‌[بَابٌ فِي الْبُيُوعِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ]

- ‌[بَاب السَّلَم]

- ‌الْعُهْدَةُ

- ‌[السَّلَمُ فِي الْعُرُوضِ]

- ‌[أَقَلِّ أَجَلِ السَّلَمِ]

- ‌[بَيْع الدِّين بالدين]

- ‌[الْبِيَاعَات الْمُنْهِيَ عَنْهَا سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ]

- ‌[بَيْع الجزاف]

- ‌[الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى الْبَرْنَامَجِ]

- ‌[بَاب الْإِجَارَة]

- ‌[حُكْم الْإِجَارَة]

- ‌[شُرُوط الْإِجَارَة]

- ‌[الْعَقْدِ عَلَى مَنَافِعِ الدَّوَابِّ]

- ‌[الْإِجَارَةُ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ]

- ‌[تضمين الصناع]

- ‌[بَاب الشَّرِكَة]

- ‌[حُكْم الشَّرِكَة وَأَرْكَانهَا]

- ‌[بَاب الْقِرَاض]

- ‌[الْقِرَاضُ بِالْعُرُوضِ]

- ‌[بَاب الْمُسَاقَاة]

- ‌[أَرْكَانُ الْمُسَاقَاة]

- ‌[بَاب الْمُزَارَعَة]

- ‌[الصُّوَر الْمَمْنُوعَة فِي الْمُزَارَعَة]

- ‌[حُكْمِ شِرَاءِ الْعَرَايَا]

- ‌بَابٌ فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْإِيصَاءُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَامِ الْوَصَايَا الْمُتَّحِدَةِ الرُّتْبَةِ وَيَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا]

- ‌[أَحْكَام التَّدْبِير]

- ‌[صفة إخْرَاج الْمُدَبَّرِ وَعِتْقِهِ مِنْ الثُّلُثِ]

- ‌[أَحْكَام الْكِتَابَة]

- ‌[أَحْكَام أُمّ الْوَلَد]

- ‌[أَحْكَامِ الْعِتْق النَّاجِز]

- ‌[الْعِتْقِ بِالسِّرَايَةِ]

- ‌[مَنْ يَكُونُ لَهُ الْوَلَاءُ]

- ‌[بَابٌ فِي الشُّفْعَةِ]

- ‌[مَا يُسْقِطُ الشُّفْعَةَ]

- ‌[أَحْكَام الْهِبَة]

- ‌[هِبَة الْوَالِد جَمِيعَ مَالِهِ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ]

- ‌[مُبْطِلَات الْهِبَة]

- ‌[أَحْكَام الحبس]

- ‌[أَحْكَام الْعُمْرَى]

- ‌[بَيَان حُكْمِ الْحُبُسِ بَعْدَ مَوْتِ بَعْضِ مَنْ حَبَسَ عَلَيْهِ]

- ‌[صِفَةِ قَسْمِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْوَقْفِ]

- ‌[بَاب الرَّهْن]

- ‌ضَمَانُ الرَّهْنِ

- ‌[مُسْتَحِقّ غَلَّةَ الرَّهْنِ]

- ‌[بَاب الْعَارِيَّةِ]

- ‌[بَاب الْوَدِيعَة]

- ‌[حُكْمِ الِاتِّجَارِ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا]

- ‌[بَاب اللُّقَطَة]

- ‌[أَحْكَام الضَّالَّةِ]

- ‌[التَّعَدِّي عَلَى مَالِ الْغَيْرِ]

- ‌[بَاب الْغَصْب]

- ‌بَابٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاءِ

- ‌[ثُبُوت الْقَتْل بِالْقَسَامَةِ]

- ‌[صفة الْقَسَامَة وَحَقِيقَتَهَا]

- ‌[صِفَةِ حَلِفِ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ وَمَنْ يَحْلِفُهَا]

- ‌[مَا تَكُون فِيهِ الْقَسَامَة]

- ‌[الْعَفْو عَنْ الدَّم]

- ‌[أَحْكَام الدِّيَة]

- ‌[مِقْدَار الدِّيَة]

- ‌[دِيَةِ الْأَطْرَافِ وَالْمَعَانِي]

- ‌[الْقِصَاص فِي الْجِرَاح]

- ‌[تَحْمِل الْعَاقِلَة شَيْئًا مِنْ الدِّيَة مَعَ الْجَانِي]

- ‌[مُسْتَحَقّ دِيَةِ الْمَقْتُولِ]

- ‌[أَحْكَامِ كَفَّارَة الْقَتْل]

- ‌[كِتَاب الْحُدُود]

- ‌[أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ]

- ‌مِيرَاثُ الْمُرْتَدِّ

- ‌[أَحْكَامِ الْمُحَارِب]

- ‌[بَاب الزِّنَا]

- ‌[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]

- ‌[حَدّ اللِّوَاط]

- ‌[بَاب القذف]

- ‌ شُرُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌[كَرَّرَ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ كَرَّرَ فِعْلَ الزِّنَا]

- ‌[صِفَةِ الْمَحْدُودِ]

- ‌[بَاب السَّرِقَة]

- ‌[مَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ]

- ‌[حُكْم الشَّفَاعَةِ فِيمَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَدٌّ]

- ‌(بَابٌ فِي الْأَقْضِيَةِ وَالشَّهَادَاتِ)

- ‌[وَجَدَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِالْحَقِّ بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ]

- ‌[أَقْسَام الشَّهَادَة]

- ‌[مَا تَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ]

- ‌ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ

- ‌[شَهَادَة الزَّوْج لِلزَّوْجَةِ]

- ‌[شَهَادَةُ وَصِيٍّ لِيَتِيمِهِ بِشَيْءٍ عَلَى آخَرَ]

- ‌ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ

- ‌[مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ التَّعْدِيلُ وَالتَّجْرِيحُ وَمَنْ لَا يَصِحُّ]

- ‌[الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْوَكَالَة]

- ‌[حُكْمِ الصُّلْحِ]

- ‌[بَعْض مَسَائِل الِاسْتِحْقَاق]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ مَسَائِلِ الْفَلَسِ]

- ‌[بَعْضَ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الضَّمَانِ]

- ‌[شُرُوط الْحَوَالَةِ]

- ‌[أَحْكَام الْقِسْمَة]

- ‌[شُرُوط الْقِسْمَة]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْوَصِيَّةِ]

- ‌[بَعْضِ مَسَائِلَ مِنْ الْإِقْرَارِ]

- ‌[حُكْمِ مَا إذَا مَاتَ أَجِيرُ الْحَجِّ قَبْلَ التَّمَام]

- ‌[بَابٌ فِي الْفَرَائِضِ]

- ‌[الْوَارِثَاتِ مِنْ النِّسَاءِ]

- ‌[الْفُرُوض فِي الْمِيرَاث]

- ‌[إرْثِ الْبَنَاتِ مَعَ الْأَخَوَاتِ]

- ‌[أَنْوَاع الحجب]

- ‌[مِيرَاث الْإِخْوَة لإم]

- ‌[مَوَانِعِ الْإِرْث]

- ‌مِيرَاثُ الْجَدِّ

- ‌[إرْث الْجَدَّة]

- ‌[اجْتِمَاعِ الْإِخْوَةِ الْأَشِقَّاءِ وَاَلَّذِينَ لِلْأَبِ مَعَ الْجَدِّ]

- ‌[مَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ]

- ‌[أَحْكَام الْعَوْل]

- ‌[كَيْفِيَّةُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ وَتَأْصِيلِهَا وَكَيْفِيَّةُ قَسْمِ التَّرِكَةِ]

- ‌بَابٌ: جُمَلٌ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْوَاجِبَةِ وَالرَّغَائِبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ

- ‌[حُكْم السِّوَاك]

- ‌[الْقُنُوت فِي الصَّلَاة]

- ‌[صَلَاةُ الْجُمُعَةِ]

- ‌[صَلَاة الْوِتْر]

- ‌[جَمْعِ الصَّلَاة]

- ‌رَكْعَتَا الْفَجْرِ

- ‌صَلَاةُ الضُّحَى

- ‌ قِيَامُ رَمَضَانَ

- ‌[الْفِطْر فِي السَّفَر]

- ‌ طَلَبُ الْعِلْمِ

- ‌[صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[الْجِهَاد قَيْءٍ سَبِيل اللَّه]

- ‌ غَضُّ الْبَصَرِ

- ‌[صَلَاة النَّوَافِل فِي الْبُيُوت]

- ‌[صَوْنُ اللِّسَانِ عَنْ الْكَذِبِ]

- ‌[الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّسَاءِ فِي زَمَنِ خُرُوجِ دَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاس]

- ‌أَكْلِ الطَّيِّبِ

- ‌[أَكْلَ الْمَيْتَةِ]

- ‌ الِانْتِفَاعُ بِأَنْيَابِ الْفِيلِ

- ‌ شُرْبَ الْخَمْرِ

- ‌[الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ]

- ‌[أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاع وَأَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ]

- ‌[بِرُّ الْوَالِدَيْنِ]

- ‌[الِاسْتِغْفَار لِلْوَالِدَيْنِ]

- ‌[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

- ‌الْهِجْرَانُ الْجَائِزُ

- ‌[مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ]

- ‌[سَمَاعَ الْأَمْرِ الْبَاطِلِ]

- ‌ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ

- ‌[حُكْم التَّوْبَةُ]

- ‌بَابٌ فِي الْفِطْرَةِ وَالْخِتَانِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَاللِّبَاسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ

- ‌ صِبَاغُ الشَّعْرِ

- ‌ لِبَاسِ الْحَرِيرِ

- ‌ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ

- ‌[التَّخَتُّم بِالذَّهَبِ]

- ‌[جَرّ الرَّجُلُ إزَارَهُ فِي الْأَرْضِ]

- ‌ وَصْلِ الشَّعْرِ

- ‌بَابٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

- ‌[آدَابِ الْأَكْلِ الْمُقَارِنَةِ لَهُ]

- ‌[الْآدَابِ الْمُقَارِنَةِ لِلشُّرْبِ]

- ‌[بَابٌ فِي السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَالتَّنَاجِي]

- ‌[صِفَةُ السَّلَامِ]

- ‌[الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ السَّفَرِ أَوْ النَّوْمِ]

- ‌[آدَابِ قَارِئِ الْقُرْآنِ]

- ‌[بَابٌ فِي حُكْم التَّعَالُجِ]

- ‌الرُّقَى بِكِتَابِ اللَّهِ وَبِالْكَلَامِ الطَّيِّبِ

- ‌[التَّدَاوِي بِالْكَيِّ]

- ‌[الْكَلَامِ عَلَى الطِّيَرَة]

- ‌[صِفَةِ الرُّقْيَةِ مِنْ الْعَيْنِ]

- ‌[اتِّخَاذ الْكِلَاب فِي الْبُيُوت]

- ‌[الرِّفْق بِالْمَمْلُوكِ]

- ‌[بَابٌ فِي الرُّؤْيَا وَالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ وَغَيْرهَا]

- ‌[اللَّعِب بِالنَّرْدِ]

- ‌[اللَّعِب بِالشِّطْرَنْجِ]

- ‌[حُكْم المسابقة]

- ‌[صُوَرِ الْمُسَابَقَةِ]

- ‌[قَتْلَ جَمِيعِ الْحَشَرَاتِ بِالنَّارِ]

- ‌[قَتْلِ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ وَالصُّرَد]

- ‌[التَّفَاخُرَ بِالْآبَاءِ]

- ‌[أَفْضَلِ الْعُلُومِ]

- ‌[الثَّمَرَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْعِلْمِ]

- ‌[الْمُحَافَظَةِ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِ]

- ‌[خَاتِمَة الْكتاب]

الفصل: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ وَيَعُودَهُ إذَا مَرِضَ وَيُشَمِّتَهُ إذَا

ــ

[الفواكه الدواني]

يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» . فَالنَّصِيحَةُ لِلَّهِ أَنْ يَصِفَهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ سَائِرِ الصِّفَاتِ الْوَاجِبَةِ لَهُ وَيُنَزِّهَهُ عَنْ سَائِرِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ. وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُولِهِ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ وَبِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ وَيَمْتَثِلَ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ وَيُحْيِيَ سُنَّتَهُ بِتَعْلِيمِهَا لِلنَّاسِ وَيُحَافَظَ عَلَى شَرِيعَتِهِ بِالْعَمَلِ بِهَا. وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِهِ أَنْ يَتَأَوَّلَهُ بِتَأْوِيلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَيَمْتَثِلَ أَوَامِرَهُ وَيَجْتَنِبَ نَوَاهِيَهُ وَيَتْلُوَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ مَعَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ. وَالنَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ امْتِثَالُ أَوَامِرِهِمْ وَقَوَانِينِهِمْ الْمُوَافَقَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ الْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبَلِّغَ لَهُمْ أُمُورَ الْعَامَّةِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْجَوْرِ، وَهَذَا إنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ. وَالنَّصِيحَةُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُعَامَلَتُهُمْ بِالصِّدْقِ فَلَا يَغُشَّهُمْ وَلَا يَكْذِبَ عَلَيْهِمْ.

(تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ النَّصِيحَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَاجِبَةٌ سَوَاءٌ طَلَبُوا ذَلِكَ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ.

قَالَ الشَّاذِلِيُّ: وَبِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَقُولُ: فَمَنْ رَأَى شَخْصًا لَا يُحْسِنُ الْوُضُوءَ أَوْ الصَّلَاةَ أَوْ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ دِينِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إرْشَادُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ جَاهِلًا يُعَلِّمُهُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا يَنْصَحُهُ لِفِعْلِ الصَّوَابِ بِالزَّجْرِ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ الْبَاطِلِ، وَتَكُونُ النَّصِيحَةُ بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ وَالرِّفْقِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى قَبُولِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا هُوَ كَالتَّأْكِيدِ لِمَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ:

[حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ]

(وَلَا يَبْلُغُ أَحَدٌ) كَمَالَ (حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ) قَدْ مَرَّ تَفْسِيرُهُ (حَتَّى يُحِبَّ) بِالنَّصْبِ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ (لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ) مِنْ الْخَيْرِ مِثْلَ (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) إذْ عَيْنُهُ مُحَالٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ عَيْنُهُ فِي مَحَلَّيْنِ. (كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ لَوْ قَالَ: لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم بِصِيغَةِ الْجَزْمِ لِأَنَّ صِيغَةَ رُوِيَ وَذَكَرَ تُشْعِرُ بِالتَّمْرِيضِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ، وَلَفْظُ الْمَرْوِيِّ مَا فِي مُسْلِمٍ:«لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ: لَا يَكْمُلُ إيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَتَكُونُ الْمَحَبَّةُ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَيَبْغَضُ لَهُ مِثْلُ مَا يَبْغَضُ لِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْإِيمَانِ اكْتِفَاءً بِذَكَرِ ضِدِّهِ عَلَى حَدِّ:{سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81] أَيْ وَالْبَرْدَ، أَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُبَّ الشَّيْءِ مُسْتَلْزِمٌ لِبُغْضِ نَقِيضِهِ، وَبِقَوْلِنَا مِنْ الْخَيْرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَطْءَ حَلِيلَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ وَطْأَهَا مَعَ كَوْنِهَا حَلِيلَتَهُ لِحُرْمَةِ ذَلِكَ، وَالِانْدِفَاعُ بِوَجْهَيْنِ: التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْخَيْرِ فِي الرِّوَايَةِ، وَثَانِيهمَا أَنَّ كَامِلَ الْإِيمَانِ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ ذَلِكَ لِحُرْمَتِهِ، نَعَمْ التَّعْبِيرُ بِأَخِيهِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَيُحِبُّ لِلْكَافِرِ الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَسَائِرُ الْكَمَالَاتِ الدِّينِيَّةِ كَمَا يُحِبُّهَا لِنَفْسِهِ، وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْكَافِرِ بِالْهِدَايَةِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ إيمَانُ الشَّخْصِ إلَّا إذَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِلْمًا وَوَرَعًا وَزُهْدًا، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فِي أَوْصَافِ الْخَيْرِ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ شَيْئًا، وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ عَلَى أَصْحَابِ الْقُلُوبِ، وَإِنَّمَا يَعْسُرُ عَلَى مَنْ لَمْ يَكْمُلْ إيمَانُهُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِثْلِيَّةِ الْمُشَارَكَةُ فِي أَوْصَافِ الْكَمَالِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِكَفِّ الْأَذَى وَالْحَسَدِ، فَفِي الْحَدِيثِ:«اُنْظُرْ مَا تُحِبُّ أَنْ يَصْنَعَهُ غَيْرُك مَعَك اصْنَعْهُ مَعَهُ» وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِلْأَحْنَفِ: مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ؟ قَالَ: مِنْ نَفْسِي، قِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: كُنْت إذَا كَرِهْت شَيْئًا مِنْ غَيْرِي لَمْ أَفْعَلْ بِأَحَدٍ مِثْلَهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَحْصُلُ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ بِالْمَحَبَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَهُ أَرْكَانٌ أُخَرُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذِكْرَ الْمَحَبَّةِ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّهَا الرُّكْنُ الْأَعْظَمُ لِلْإِيمَانِ الْكَامِلِ نَحْوَ الْحَجُّ عَرَفَةَ، أَوْ هِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِبَقِيَّةِ أَرْكَانِهِ، وَحَقِيقَةُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَيْلُ الِاخْتِيَارِيُّ دُونَ الطَّبِيعِيِّ، إذْ لَا قُدْرَةَ لِلْإِنْسَانِ عَلَى تَحْصِيلِهِ، كَمَيْلِهِ إلَى أَنْ يَكُونَ أَوَرَعَ أَوْ أَعْلَمَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَاحْتَرَزَ بِمَحَبَّةِ أَخِيهِ عَنْ مَحَبَّةِ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَإِنَّهَا شَرْطٌ فِي وُجُودِ الْإِيمَانِ، فَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى يَكُونَ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَنَفْسِهِ. (وَ) مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَيْضًا (أَنْ يَصِلَ) أَيْ يَزُورَ (رَحِمَهُ) أَيْ قَرَابَتَهُ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ بَعُدُوا سَوَاءٌ الْوَارِثُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَكُون الصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِبَذْلِ الْمَالِ وَبِالْقَوْلِ الْحَسَنِ، وَبِالسُّؤَالِ عَنْ الْحَالِ وَالصَّفْحِ عَنْ زَلَّاتِهِمْ وَبِالْمَعُونَةِ لَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَقَيَّدْنَا بِالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَهُمْ إلَّا بِرَّ وَالِدَيْهِ، وَأَمَّا الصِّلَةُ وَمَا شَابَهَهَا مِمَّا يَسْتَدْعِي كَثْرَةَ التَّرَدُّدِ وَمَحَبَّةَ جَمِيعِ مَا عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ فَلَا، قَالَ تَعَالَى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] وَالصِّلَةُ بِالزِّيَارَةِ إنَّمَا تَكُونُ مِمَّنْ قَرُبَ مِنْ مَحَلِّ أَرْحَامِهِ، وَأَمَّا بَعِيدُ الْمَحَلِّ فَتَكُونُ زِيَارَتُهُ بِالْكُتُبِ إلَيْهِ أَوْ إرْسَالِ الرَّسُولِ، دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ صِلَةِ

ص: 292

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الفواكه الدواني]

الْأَرْحَامِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةُ.

قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1] وَالسُّنَّةُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» . وَالْإِجْمَاعُ دَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ صِلَةِ الرَّحِمِ، مَنْ تَرَكَهَا يَكُونُ عَاصِيًا، وَيَجِبُ صِلَةُ الرَّحِمِ وَصَلَكَ أَوْ قَطَعَكَ، فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ: لَيْسَ الْمُوَاصِلُ مِنْ يَصِلُ مَنْ وَصَلَهُ وَإِنَّمَا الْمُوَاصِلُ مِنْ يَصِلُ مَنْ قَطَعَهُ، لِأَنَّ مُوَاصِلَ الْمُوَاصِلِ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَنْ يَكُونُ رَحِمُهُ يَتَعَاظَمُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يُحِبُّ أَنْ يَصِلَهُ وَيَتَضَرَّرُ مِنْ حُضُورِهِ لَهُ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي بَعْضِ الْأَغْنِيَاءِ لَا يُحِبُّونَ مِنْ أَرْحَامِهِمْ الْفُقَرَاءِ الْقُرْبَ إلَيْهِمْ، فَهَؤُلَاءِ لَا يُطْلَبُ مِنْ الْقَرِيبِ الْفَقِيرِ صِلَتُهُمْ، وَلَا شَكَّ فِي إثْمِ الْغَنِيِّ بَلْ هُوَ اللَّئِيمُ، لِأَنَّهُ الَّذِي إذَا اسْتَغْنَى يَجْفُو قَرَابَتَهُ الْفُقَرَاءَ وَيُنْكِرُ نِسْبَتَهُمْ إلَيْهِ. وَفِي صِلَةِ الْأَرْحَامِ فَوَائِدُ، مِنْهَا: أَنَّهَا تُطِيلُ فِي الْعُمُرِ وَتَزِيدُ فِي الرِّزْقِ وَتَدْعُو لِمَنْ يَصِلُهَا، فَفِي الصَّحِيحِ:«الرَّحِمُ شُجْنَةٌ وَصَلَ اللَّهُ مَنْ وَصَلَهَا وَقَطَعَ اللَّهُ مَنْ قَطَعَهَا» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي عُمُرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» وَيُنْسَأَ مِنْ النُّسَأِ فَهُوَ بِالْهَمْزِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: «الرَّحِمُ حُجْنَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِالْعَرْشِ تَتَكَلَّمُ بِلِسَانٍ ذَلْقٍ: اللَّهُمَّ صِلْ مَنْ وَصَلَنِي، وَاقْطَعْ مَنْ قَطَعَنِي» وَشُجْنَةٌ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا فِي أُصُولٍ كَثِيرَةٍ، وَفِي الْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ فِي إدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ لِلسُّيُوطِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ حُجْنَةٌ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ. وَفِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحِمِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَيُكْسَرُ وَحُكِيَ الْفَتْحُ أَيْضًا، وَأَصْلُهَا اشْتِبَاكُ الْعُرُوقِ وَالْأَغْصَانِ.

وَفِي النِّهَايَةِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحِمِ أَيْ قَرَابَةٌ مُشْتَبِكَةٌ كَاشْتِبَاكِ الْعُرُوقِ وَشِبْهِهَا فَهُوَ مَجَازٌ، لِأَنَّ الشُّجْنَةَ فِي الْأَصْلِ شُعْبَةٌ مِنْ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِ الشَّجَرِ، وَبِضَبْطِ السُّيُوطِيّ الْتَبَسَ الْحَقُّ عِنْدِي هَلْ شُجْنَةٌ بِالشِّينِ أَوْ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ يُحَرَّرُ.

وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ قِيلَ حَقِيقَةٌ وَقِيلَ مَجَازٌ عَنْ حُصُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ، وَكَمَا تَزِيدُ صِلَةُ الرَّحِمِ فِي الْعُمُرِ كَذَلِكَ الصَّدَقَةُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ وَبِالسَّلَامِ عَلَى مَنْ لَقِيته مِنْ الْأُمَّةِ لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَسٍ:«أَلَا أُعَلِّمُك ثَلَاثَ خِصَالٍ تَنْتَفِعُ بِهَا؟ فَقُلْت: بَلَى بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ لَقِيت مِنْ أُمَّتِي فَسَلِّمْ عَلَيْهِ يَطُلْ عُمُرَك، وَإِذَا دَخَلْت بَيْتَك فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ يَكْثُرْ خَيْرُ بَيْتِك، وَتَسْرِيحُ اللِّحْيَةِ مِنْ الرَّأْسِ عَلَى الدَّوَامِ» لِأَنَّ الْمُلَازَمَةَ عَلَى ذَلِكَ تَحْفَظُ مِنْ الْبِلَى وَتُطِيلُ مِنْ الْعُمُرِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْصُلُ طُولُ الْعُمُرِ بِفِعْلِ خَصْلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهَا، وَالزِّيَادَةُ فِي الْعُمُرِ بِالْمَذْكُورَاتِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَقِيقَةً، وَأَنْ تَكُونَ مَعْنَوِيَّةً بِأَنْ يُبَارِكَ فِي عُمُرِهِ بِحَيْثُ يَعْمَلُ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ عَمَلِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَوَازُ الدُّعَاءِ بِطُولِ الْعُمْرِ وَعَدَمُ جَوَازِهِ وَالْحَقُّ الْجَوَازُ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْعُمْرَ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ فَبِاعْتِبَارِ مَا فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ. وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ وُجُوبِ مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُلَازَمَةُ فِي كُلِّ زَمَنٍ بَيَّنَ هُنَا الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:(وَمِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ) الثَّابِتِ لَهُ (عَلَى) أَخِيهِ (الْمُؤْمِنِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ إذَا لَقِيَهُ) بِأَنْ يَبْدَأَهُ بِالسَّلَامِ، وَإِنَّمَا وَصَفْنَا الْحَقَّ بِالثَّابِتِ دُونَ الْوَاجِبِ، لِأَنَّ الْأُمُورَ الْآتِيَةَ مِنْ الْعِبَادَةِ وَالتَّشْمِيتِ وَشُهُودِ الْجِنَازَةِ قَدْ تَكُونُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ وَكَذَلِكَ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْهُجْرَانِ الْمُحَرَّمِ يَكُونُ وَاجِبًا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهِ يَكُونُ سُنَّةً فَلَا تَتَوَهَّمُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَقِّ الْوُجُوبَ مُطْلَقًا، وَإِذَا سَلَّمَ الْمُؤْمِنُ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ فَيُطْلَبُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ خَالِيًا مِنْ الْحِقْدِ وَالْغِلِّ وَالْحَسَدِ حَتَّى يَكُونَ مُوَالِيًا لَهُ.

(وَ) مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَيْضًا أَنْ (يَعُودَهُ) أَيْ يَزُورَهُ وَيَقُومَ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (إذَا مَرِضَ) وَالْمَطَالِبُ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً الْقَرِيبُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأَصْحَابُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ أَصْحَابٌ فَأَهْلُ مَوْضِعِهِ، فَإِنْ تَرَكُوا جَمِيعًا عَصَوْا لِأَنَّ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ عِنْدَ وُجُودِ الْغَيْرِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ، وَتَكُونُ الْعِيَادَةُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا كُنَّ مِنْ الْمَحَارِمِ لَهُ، وَتَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَقِيلَ بِطَلَبِهَا لَيْلًا فِي الشِّتَاءِ وَنَهَارًا فِي الصَّيْفِ لِشِدَّةِ تَأَذِّي الْمَرِيضِ لِطُولِ اللَّيْلِ فِي الشِّتَاءِ وَلِطُولِ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ، وَأَقَلُّ مَرَاتِبِهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَنْ يَشْتَدُّ بِهِ الْمَرَضُ، وَإِلَّا فَقَدْ تَجِبُ فِي كُلَّ وَقْتٍ وَتُشْرَعُ لِكُلِّ مَرِيضٍ وَلَوْ أَرْمَدَ، وَخَبَرُ:«ثَلَاثَةٌ لَا يُعَادُونَ: صَاحِبُ الضِّرْسِ وَصَاحِبُ الرَّمَدِ وَصَاحِبُ الدُّمَّلِ» ضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ، فَالصَّوَابُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:«عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِي الرَّمَدِ أَنْ يُعَادَ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلزَّائِرِ مُطْلَقًا أَنْ تَكُونَ زِيَارَتُهُ عَلَى وَجْهٍ وَفِي وَقْتٍ يَرْضَاهُ الْمَرِيضُ وَيَأْنَسُ بِهِ، فَلَا يَزُورُهُ فِي وَقْتٍ يُكْرَهُ زِيَارَتُهُ فِيهِ كَوَقْتِ اشْتِغَالِهِ بِعِبَادَةٍ، أَوْ يَكُونُ نَحْوُ زَوْجَتِهِ عِنْدَهُ إذَا كَانَ يَرْتَاحُ مَعَهَا أَكْثَرَ، وَفِي الْعِيَادَةِ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزُلْ يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ يُغْمَسُ فِيهَا» . وَيُطْلَبُ مِنْ الزَّائِرِ أُمُورٌ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا كَمَالُ الْأَجْرِ، مِنْهَا: قِلَّةُ السُّؤَالِ عَنْ حَالِهِ، وَإِظْهَارُ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، وَقِلَّةُ الْجُلُوسِ عِنْدَهُ إلَّا أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَمِنْهَا: الدُّعَاءُ لَهُ

ص: 293

عَطَسَ وَيَشْهَدَ جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ وَيَحْفَظَهُ إذَا غَابَ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَلَا يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَالسَّلَامُ يُخْرِجُهُ

ــ

[الفواكه الدواني]

وَوَضْعُ يَدِهِ عَلَى بَعْضِ جَسَدِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَكْرَهُ ذَلِكَ، وَأَنْ يَجْلِسَ عِنْدَهُ بِخُشُوعٍ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي عَوْرَةِ مَنْزِلِهِ، وَأَنْ يُبَشِّرَ بِالْمَثُوبَاتِ لِلْمَرِيضِ. وَمِنْ أَدْعِيَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمَرِيضِ مَا فِي مُسْلِمٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا زَارَ مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ إلَيْهِ قَالَ فِي دُعَائِهِ: أَذْهِبْ الْبَأْسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إلَّا شِفَاؤُك شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا» أَيْ لَا يَتْرُكُ سَقَمًا، وَقَالَ أَيْضًا عليه الصلاة والسلام:«مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَك إلَّا شَفَاهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَضَرَ أَجَلُهُ» هَذَا مُحَصَّلُ مَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ الْأَجْرِ لِلزَّائِرِ، وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ بِهِ كَمَالُ أَجْرِ الْمَرَضِ مِنْ تَكْفِيرِ الذُّنُوبِ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَاضَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ، فَهِيَ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ فِي مَرَضِهِ، فَلَا يُضَيِّعُهَا بَلْ يَأْتِي بِصَلَاتِهِ وَلَوْ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ، وَأَنْ يُكْثِرَ الرَّجَاءَ، وَلَا يَقْنَطَ مِنْ عَفْوِ رَبِّهِ، وَلَا يُكْثِرَ الشَّكْوَى إلَّا عِنْدَ صَالِحٍ تُرْتَجَى بَرَكَةُ دُعَائِهِ، وَأَنْ لَا يَنْطِقَ لِسَانُهُ بِالْكَلَامِ الَّذِي لَا يَنْبَغِي فِي حَقِّ الْبَارِي، بَلْ يُلَاحِظُ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِلْعِبَادِ يَفْعَلُ فِيهِمْ كَيْفَ شَاءَ، فَإِنْ خَفَّفَ فَبِمَحْضِ فَضْلِهِ، وَإِنْ شَدَّدَ فَبِعَدْلِهِ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ حَكِيمٌ يُدَاوِيه، لِأَنَّ الْمُدَاوِيَ حَقِيقَةً هُوَ الَّذِي خَلَقَ الْمَرَضَ، وَجَوَازُ التَّدَاوِي لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى اللَّهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ مِنْ قَوْلِ الصُّوفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ. فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وسلم يَتَعَاطَى لِأَسْبَابِ التَّدَاوِي مَعَ أَنَّهُ أَعْظَمُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى.

(وَ) مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَنْ (يُشَمِّتَهُ إذَا عَطَسَ) إذَا سَمِعَهُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْإِتْيَانَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ لِسَمَاعِهِ تَشْمِيتَ غَيْرِهِ لَهُ مَثَلًا، وَجَرَى خِلَافٌ فِي تَنْبِيهٍ عَلَى الْحَمْدِ إذَا تَرَكَهُ لِيُشَمِّتَهُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الصَّوَابَ تَنْبِيهُهُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَنْبِيهِ الْإِمَامِ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلَى فِعْلِ مَطْلُوبٍ، وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ التَّشْمِيتِ فَرَجَّحَ بَعْضٌ وُجُوبَهُ كِفَايَةً، وَرَجَّحَ بَعْضٌ سُنِّيَّتَهُ كِفَايَةً، وَحَقِيقَتُهُ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ حَالَةِ الْعُطَاسِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ كَرِيهَةٌ شَبِيهَةٌ بِحَالَةِ الْمَوْتِ، وَأَقَلُّ الدُّعَاءِ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ وَيُشَمِّتُهُ وَلَوْ تَسَبَّبَ فِي الْعُطَاسِ، وَالتَّشْمِيتُ يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ فَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ جَعَلَك اللَّهُ عَلَى سَمْتٍ حَسَنٍ، وَبِالْمُعْجَمَةِ أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْك الشَّمَاتَةَ بِأَنْ أَعَادَك إلَى الْحَالَةِ الْأُولَى، وَعَطَسَ مِنْ بَابِ ذَهَبَ وَنَصَرَ.

(وَ) مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَيْضًا أَنْ (يَشْهَدَ) أَيْ يَحْضُرَ (جِنَازَتَهُ إذَا مَاتَ) لِأَجَلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَمُوَارَاتِهِ، لِأَنَّ تَجْهِيزَ الْأَمْوَاتِ وَالْقِيَامَ بِأُمُورِهِمْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ. (وَ) مِنْ حَقِّ الْمُؤْمِنِ عَلَى أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَيْضًا أَنْ (يَحْفَظَهُ إذَا غَابَ) لِوُجُوبِ حِفْظِهِ عَلَيْهِ (فِي السِّرِّ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَلَا يُؤْذِيهِ بِبَاطِنِهِ بِأَنْ يُسِيءَ الظَّنَّ بِهِ أَوْ يَغْتَابَهُ أَوْ يَحْقِدَ عَلَيْهِ أَوْ يَحْسُدَهُ أَوْ يَتَعَدَّى عَلَى حَرِيمِهِ أَوْ أَمَانَتِهِ.

(وَ) فِي (الْعَلَانِيَةِ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَلَا يُؤْذِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فِي عِرْضِهِ وَلَا مَالِهِ وَلَا فِي جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّبُّ عَنْهُ وَعَنْ عِرْضِهِ وَمَالِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى حَقِيَةِ تِلْكَ الْمَذْكُورَاتِ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ» وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ، قِيلَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إذَا لَقِيته فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاك فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَك فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» . وَوَرَدَ أَيْضًا عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ ذَبَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغَيْبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنْ النَّارِ» .

وَفِي رِوَايَةٍ: «رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَوَرَدَ أَيْضًا: «مَنْ اُغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَلَمْ يَنْصُرْهُ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ نُصْرَتَهُ أَدْرَكَهُ إثْمُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَلَمَّا كَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْ طَلَبِ السَّلَامِ عَلَى الْمُؤْمِنِ كُلَّمَا لَقِيَهُ إثْمُهُ بِتَرْكِ ذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ: (وَلَا) يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ (يَهْجُرَ أَخَاهُ) الْمُؤْمِنَ بِحَيْثُ لَا يُكَلِّمُهُ وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ. (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» أَيْ مَعَ أَيَّامِهَا.

وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةٌ: «يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيَعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ» فَمَنْ زَادَ عَلَى التَّحْدِيدِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ جُرْحَةٌ فِي شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ مُقَاطَعَةٌ وَمُدَابَرَةٌ، وَالْمُوَالَاةُ لِإِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهَذَا إذَا هَجَرَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ لِحَقِّ اللَّهِ بِأَنْ كَانَ لِمُلَابَسَتِهِ لِمَعْصِيَةٍ أَوْ لِأَجْلِ الْأَدَبِ وَالرَّدْعِ عَمَّا لَا يَحِلُّ، كَهَجْرِ الزَّوْجِ الزَّوْجَةَ لِزَجْرِهَا، وَكَهُجْرِ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالشَّيْخِ مَعَ تِلْمِيذِهِ حَتَّى يُقْلِعَ الْمَهْجُورُ عَمَّا لِأَجْلِهِ الْهَجْرُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ وَلَوْ زَادَتْ الْمُدَّةُ فَوْقَ شَهْرٍ، وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْحَدِيثِ أَنَّ هِجْرَانَ الثَّلَاثِ جَائِزٌ، لِأَنَّهُ لَوْ حَرُمَ الْهِجْرَانُ مُطْلَقًا لَكَانَ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ، لِأَنَّ طَبْعَ الْإِنْسَانِ قَلَّ أَنْ يَنْفَكَّ عَنْ غَضَبٍ، فَالْهِجْرَان الْمُحَرَّمُ الزَّائِدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ بِلَيَالِيِهَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ حَقِّ اللَّهِ وَلِغَيْرِ الْأَدَبِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَوَرَدَ:«أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تُفْتَحُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ مُسْلِمٍ لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ اُنْظُرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» .

وَلَمَّا قَدَّمَ حُرْمَةَ هِجْرَانِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ ذَكَرَ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِقَوْلِهِ: (وَالسَّلَامُ) الْوَاقِعُ مِنْ مُرْتَكِبِ الْهَجْرِ الْمُحَرَّمِ (يُخْرِجُهُ مِنْ) إثْمِ

ص: 294