الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا جُزَافٌ بِجُزَافٍ مِنْ صِنْفِهِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَضْلُ بَيْنَهُمَا إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ.
وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ، وَلَا يُنْقَدُ فِيهِ بِشَرْطٍ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ أَوْ يَكُونَ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ فَيَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ.
وَ
الْعُهْدَةُ
جَائِزَةٌ فِي الرَّقِيقِ إنْ اُشْتُرِطَتْ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً بِالْبَلَدِ
[الْعُهْدَةِ]
فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ الضَّمَانُ فِيهَا مِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
الْأَوْثَانُ، وَالْمُزَابَنَةُ مَأْخُوذٌ مِنْ الزَّبْنِ، وَهُوَ الدَّفْعُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ وَيُغَالِبُهُ، وَفَسَّرَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ بِأَنَّهَا بَيْعُ مَعْلُومٍ بِمَجْهُولٍ، أَوْ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَيْنِ التَّفْسِيرَيْنِ بِقَوْلِهِ:(وَلَا يُبَاعُ جُزَافٌ) ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ (بِمَكِيلٍ مِنْ جِنْسِهِ) ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ، وَهَذَا أَحَدُ التَّفْسِيرَيْنِ، وَأَشَارَ إلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ:(وَلَا) يُبَاعُ (جُزَافٌ بِجُزَافٍ مِنْ جِنْسِهِ) ، وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الْمَجْهُولِ بِمَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ.
وَمِثَالُ الْأَوَّلِ: كَصُبْرَةِ قَمْحٍ لَا يُعْلَمُ كَيْلُهَا بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ مِنْ الْقَمْحِ. وَمِثَالُ الثَّانِي: كَصُبْرَةِ قَمْحٍ غَيْرِ مَكِيلَةٍ بِأُخْرَى غَيْرِ مَكِيلَةٍ.
قَالَ خَلِيلٌ عَاطِفًا عَلَى مَا يَجُوزُ: وَكَمُزَابَنَةِ مَجْهُولٍ بِمَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مِنْ جِنْسِهِ عَنْ بَيْعِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِهِ بِشَرْطِ الْمُنَاجَزَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُزَابَنَةَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ -:«فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَجْنَاسُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ» ، وَمِثْلُ الْجِنْسَيْنِ فِي الْجَوَازِ الْجِنْسُ الْوَاحِدُ إذَا دَخَلَتْ الصَّنْعَةُ الْقَوِيَّةُ فِيهِ.
فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ مِمَّا لَمْ تَدْخُلْهُ صَنْعَةٌ، أَوْ تَدْخُلُ فِيهِ صَنْعَةٌ سَهْلَةٌ كَقِطْعَةِ نُحَاسٍ جُعِلَتْ صَحْنًا أَوْ إبْرِيقًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِمَا تَدْخُلُهُ صَنْعَةٌ قَوِيَّةٌ وَلَوْ جُهِلَ قَدْرُهُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ بَيْعُ نُحَاسٍ بِتَوْرٍ وَلَا بِفُلُوسٍ؛ لِهَيِّنَةِ صَنْعَتِهَا. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُزَابَنَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالرِّبَوِيِّ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْغَرَرِ، إلَّا أَنَّ الرِّبَوِيَّ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ وَعَدَمِهَا، فَإِنَّ الَّذِي يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجِنْسِ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إلَّا عِنْدَ تَحْقِيقِهَا، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِيهِ الْمُزَابَنَةُ عِنْدَ عَدَمِ تَحَقُّقِ الْمُفَاضَلَةِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ الْفَضْلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمَجْهُولَيْنِ فَيَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ (إنْ كَانَ) مَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُفَاضَلَةُ الْبَيِّنَةُ (مِمَّا يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَلَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، بَلْ كَانَ مِمَّا يَدْخُلُهُ رِبَا النَّسَاءِ فَقَطْ، أَوْ لَا يَدْخُلُهُ رِبًا أَصْلًا كَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ إنْ كَثُرَ أَحَدُهُمَا فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ رِبَوِيٍّ أَيْ رِبَا فَضْلٍ، وَأَمَّا مَا يَدْخُلُهُ رِبَا الْفَضْلِ فَلَا يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إلَّا عِنْدَ تَحْقِيقِ الْمُمَاثَلَةِ وَالْمُنَاجَزَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ غَيْرَ مَحْصُورٍ فِي مُشَاهَدَتِهِ مَعَ شَرْطِيَّةِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ اللُّزُومِ قَالَ: (وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ) وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَمَّا عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ لِجِنْسِهِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ عَلَى يَوْمٍ أَوْ وَصَفَهُ غَيْرُ بَائِعِهِ أَيْ وَلَوْ كَانَ بِوَصْفِ بَائِعِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُبَاعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ وَجَوَازُهُ مَشْرُوطٌ بِغَيْبَتِهِ وَيَكْفِي غَيْبَتُهُ، وَلَوْ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ وَلَا غَيْبَتُهُ عَنْ الْبَلَدِ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ، خِلَافًا لِمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ خَلِيلٍ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأُجْهُورِيُّ، نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَبْعُدَ مَكَانُهُ جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ الْأَنْدَلُسِ، كَمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَبِيعٍ عَلَى اللُّزُومِ، وَمِثْلُ غَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ حُضُورُهُ بِهِ حَيْثُ كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ أَوْ فَسَادٌ. وَأَمَّا الْحَاضِرُ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ وَلَا مَشَقَّةَ وَلَا فَسَادَ فِي رُؤْيَتِهِ فَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ مِنْ رُؤْيَتِهِ حَيْثُ كَانَ الْبَيْعُ عَلَى اللُّزُومِ، وَأَنْ يَكُونَ بِوَصْفِ غَيْرِ الْبَائِعِ إنْ اشْتَرَطَ نَقْدَ الثَّمَنِ فِيهِ، وَإِلَّا جَازَ وَلَوْ بِوَصْفِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي يَعْرِفُ مَا يُوصَفُ لَهُ مَعْرِفَةً تَامَّةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ مَكَانَهُ بَعِيدًا جِدًّا كَخُرَاسَانَ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ.
(وَ) مِنْ شُرُوطِ الْمَبِيعِ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ أَيْضًا أَنْ (لَا يُنْقَدَ فِيهِ) الثَّمَنُ (بِشَرْطِ إلَّا أَنْ يَقْرُبَ مَكَانُهُ) أَيْ الْمَبِيعِ عَلَى الصِّفَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ كَيَوْمَيْنِ ذَهَابًا حَيْثُ لَا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا (أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ) ، وَهُوَ الْعَقَارُ (مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ فَيَجُوزُ) اشْتِرَاطُ (النَّقْدِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِمَّا يَقْرُبُ مَكَانُهُ أَوْ يُؤْمَنُ تَغَيُّرُهُ.
وَقَالَ خَلِيلٌ: وَجَازَ النَّقْدُ فِيهِ أَيْ الْغَائِبِ عَلَى الصِّفَةِ بِاللُّزُومِ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ تَطَوُّعًا، وَمَعَ الشَّرْطِ فِي الْعَقَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ وَصْفِ الْبَائِعِ وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ كَالْيَوْمَيْنِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ عَلَى اللُّزُومِ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ تَطَوُّعًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا بِشَرْطٍ فَيَجُوزُ فِي الْعَقَارِ مُطْلَقًا وَفِي غَيْرِهِ إنْ قَرُبَ مَكَانُهُ، وَأَمَّا مَا بِيعَ عَلَى الْخِيَارِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ وَلَوْ تَطَوُّعًا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَمُنِعَ وَإِنْ بِلَا شَرْطٍ فِي مُوَاضَعَةٍ وَغَائِبٍ وَكِرَاءٍ ضَمِنَ وَسَلَّمَ بِخِيَارٍ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ بَيْعِ الْغَائِبِ مَا يُبَاعُ عَلَى الْخِيَارِ بِالرُّؤْيَةِ، وَهَذَا جَائِزٌ، وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا مَشَقَّةَ فِي رُؤْيَتِهِ أَوْ كَانَ بَعِيدًا جِدًّا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَغَائِبٌ وَلَوْ بِلَا وَصْفٍ عَلَى خِيَارِهِ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يُقَالُ: شَرْطُ الْبَيْعِ عِلْمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ زَمَنَ الْعَقْدِ
الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ.
وَعُهْدَةُ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ.
وَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِي الْعُرُوضِ وَالرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ
ــ
[الفواكه الدواني]
لِأَنَّا نَقُولُ: هَذَا شَرْطٌ فِي الْبَيْعِ عَلَى اللُّزُومِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُبَاعَ عَلَى رُؤْيَةٍ سَابِقَةٍ، وَهُوَ جَائِزٌ وَلَوْ عَلَى اللُّزُومِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا بَيْنَ يَدَيْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ خَلْفَ جِدَارٍ أَوْ فِي صُنْدُوقٍ مَثَلًا.
1 -
(تَتِمَّتَانِ) . الْأُولَى: لَمْ يَذْكُرْ ضَمَانَ الْغَائِبِ، وَمُحَصَّلُهُ: إنْ كَانَ عَقَارًا وَأَدْرَكَتْهُ الصِّفَةُ سَالِمًا يَكُونُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ بِيعَ بِشَرْطِ النَّقْدِ أَمْ لَا، قَرُبَ مَكَانُهُ أَوْ بَعُدَ حَيْثُ بِيعَ جُزَافًا، هَكَذَا قَالَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ، وَلِي وَقْفَةٌ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ جُزَافًا مَعَ غَيْبَتِهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالْوَصْفِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ وَغَيْرُ الْعَقَارِ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَكَذَا الْعَقَارُ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ سَلَامَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ خِلَافُهُ، وَإِلَّا عُمِلَ بِالشَّرْطِ رَاجِعْ شُرَّاحَ خَلِيلٍ.
الثَّانِيَةُ: لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا عَلَى تَحْصِيلِ الْغَائِبِ، وَإِحْضَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَنَصَّ عَلَيْهِ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَقَبْضُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا عَلَى الْبَائِعِ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْإِتْيَانُ بِالْغَائِبِ عَلَى مُبْتَاعِهِ وَشَرْطُهُ إيَّاهُ عَلَى بَائِعِهِ مَعَ ضَمَانِهِ يَفْسُدُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ ضَمَانُهُ فِي إتْيَانِهِ مُبْتَاعَهُ فَجَائِزٌ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ الِالْتِزَامُ قَالَ - تَعَالَى -:{وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] أَيْ بِمَا الْتَزَمْتُمْ لِي مِنْ طَاعَتِي أُوفِ لَكُمْ بِمَا الْتَزَمْتُ لَكُمْ مِنْ ثَوَابِي. وَأَمَّا شَرْعًا وَاصْطِلَاحًا: فَهِيَ تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ مِنْ بَائِعِهِ مِمَّا يَطْرَأُ عَلَيْهِ. وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْعَامَّةُ هِيَ عُهْدَةُ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ دَرْكُ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِالرَّقِيقِ، وَلَا يُعْمَلُ بِشَرْطِ إسْقَاطِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَكَذَا الْعَيْبُ فِي غَيْرِ الرَّقِيقِ، وَكَذَا فِي الرَّقِيقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَيْبِ الَّذِي يَعْلَمُ بِهِ الْبَائِعُ، بِخِلَافِ عَيْبِ الرَّقِيقِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ بِهِ إنْ طَالَتْ إقَامَتُهُ عِنْدَهُ، وَخَاصَّةً وَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالرَّقِيقِ فَقَطْ، وَأَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ:(وَالْعُهْدَةُ) ، وَهِيَ تَعَلُّقُ ضَمَانِ الْمَبِيعِ مِنْ كُلِّ حَادِثٍ أَوْ مِنْ حَادِثٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَحْدُودٍ (جَائِزَةٌ) مَعْمُولٌ بِهَا (فِي الرَّقِيقِ) فَقَطْ؛ لِأَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى التَّحَيُّلِ بِكَتْمِ بَعْضِ عُيُوبِهِ دُونَ غَيْرِهِ. (إنْ اُشْتُرِطَتْ) بِأَنْ اشْتَرَطَهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ، وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِهَا الْعَادَةُ. (أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً) أَيْ مُعْتَادَةً (فِي الْبَلَدِ) الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْبَيْعُ، وَكَذَا إنْ حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَيُقْضَى بِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَرْطٌ وَلَا عَادَةٌ وَلَا حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا فَلَا تَلْزَمُ وَلَا يُقْضَى بِهَا.
وَتِلْكَ الْعُهْدَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ: عُهْدَةُ ثَلَاثٍ وَعُهْدَةُ سَنَةٍ. (فَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ) قَلِيلَةُ الزَّمَانِ كَثِيرَةُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ (الضَّمَانَ فِيهَا مِنْ الْبَائِعِ فِي كُلِّ شَيْءٍ) يَحْدُثُ فِي الرَّقِيقِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَوَامِلَ لِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَتُعْتَبَرُ بِلَيَالِيِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ اللَّازِمِ ابْتِدَاءً أَوْ بِانْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَرُدَّ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ حَتَّى الْمَوْتِ مَا عَدَا ذَهَابَ الْمَالِ، فَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ مَالَهُ ثُمَّ ذَهَبَ فِي زَمَنِ الْعُهْدَةِ فَلَا يُرَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي مَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَهُ السَّيِّدُ لِنَفْسِهِ لَكَانَ لَهُ رَدُّهُ بِذَهَابِ مَالِهِ، وَإِذَا كَانَ ضَمَانُ الْحَادِثِ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ مِنْ الْبَائِعِ وَيَرُدُّهُ الْمُشْتَرِي بِهِ، فَمِنْ بَابِ أَوْلَى لَهُ الرَّدُّ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ، وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ وَالْمَوْهُوبُ الْجَمِيعُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَهُ إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ فَمَا يُوهَبُ لِلْعَبْدِ تَابِعٌ لِمَالِهِ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَبِيعَ بِعُهْدَةِ الثَّلَاثِ يُرَدُّ بِكُلِّ حَادِثٍ وَبِالْقَدِيمِ بِالْأَوْلَى مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَبِعْ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا الْبَائِعُ بِهِ مَعَ طُولِ إقَامَتِهِ عِنْدَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُرَدَّ بِالْقَدِيمِ عَمَلًا بِالْبَرَاءَةِ، وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالْحَادِثِ عَمَلًا بِالْعُهْدَةِ الْمُشْتَرَطَةِ أَوْ الَّتِي حَمَلَ السُّلْطَانُ النَّاسَ عَلَيْهَا، كَمَا قَرَّرَهُ عَلَّامَةُ الزَّمَانِ الْأُجْهُورِيُّ.
(تَنْبِيهٌ) . ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْعُهْدَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَتَدْخُلُ مِنْ أَيَّامِ الْمُوَاضَعَةِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بِمَعْنَى أَنَّ الزَّمَانَ يُحْسَبُ لَهُمَا، فَإِذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ الْعُهْدَةِ قَبْلَ رُؤْيَةِ الدَّمِ انْتَظَرَتْهُ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ، وَإِذَا اشْتَرَى عَلَى الْعُهْدَتَيْنِ قُدِّمَتْ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَتُبْتَدَأُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَهَا وَبَعْدَ الْمُوَاضَعَةِ.
(وَعُهْدَةُ السَّنَةِ) عَكْسُ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَثِيرَةُ الزَّمَانِ قَلِيلَةُ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِيهَا (مِنْ الْجُنُونِ) إذَا كَانَ بِطَبْعٍ أَوْ مَسِّ جِنٍّ، لَا إنْ كَانَ بِكَضَرْبَةٍ أَوْ طَرْبَةٍ. (وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ) الْمُحَقَّقَيْنِ وَفِي مَشْكُوكِهِمَا خِلَافٌ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَفِي عُهْدَةِ السَّنَةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ لَا بِكَضَرْبَةٍ بِشَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْحَاصِلِ مِنْ تِلْكَ الْأَدْوَاءِ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ لَا إنْ حَصَلَ وَاحِدٌ مِنْهَا دَاخِلَ السَّنَةِ وَزَالَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَلَا رَدَّ بِهِ إلَّا أَنْ تَقُولَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِعَوْدِهِ، وَيَسْقُطُ كُلٌّ مِنْ الْعُهْدَتَيْنِ بِالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَسَقَطَتَا بِكَعِتْقٍ فِيهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعُهْدَتَيْنِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَفِي الْمُوَطَّإِ: أَنَّ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ كَانَا يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حِينَ يُشْتَرَى الْعَبْدُ أَوْ الْوَلِيدَةُ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِهَا، وَبِهَا قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ وَابْنُ شِهَابٍ وَالْقُضَاةُ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ بِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ.