الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا وَلَا عَلَى امْرَأَةٍ.
وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ أَوْ بِحَمْلٍ يَظْهَرُ أَوْ بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا.
[مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا]
وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ.
وَيُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَالِدِهِ.
وَلَا يُحَدُّ وَاطِئُ أَمَةِ وَلَدِهِ وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ.
وَيُؤَدَّبُ الشَّرِيكُ
ــ
[الفواكه الدواني]
تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أُجْرَةِ حَمْلِ الزَّانِي إلَى مَحَلِّ التَّغْرِيبِ وَأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَبَيَّنَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَمِنْهُ، وَمِثْلُهُ الْمُحَارِبُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُصُولُ إلَيْهِ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ.
الثَّانِي: قَالَ خَلِيلٌ فِي تَوْضِيحِهِ: وَانْظُرْ لَوْ زَنَى فِي الْمَكَانِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ أَوْ زَنَى الْغَرِيبُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ هَلْ يَكُونُ سَجْنُهُ فِي مَكَانِهِ الَّذِي زَنَى فِيهِ تَغْرِيبًا أَمْ لَا؟ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالظَّاهِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ تَأَنَّسَ فِي السِّجْنِ مَعَ الْمَسْجُونِينَ بِحَيْثُ لَمْ يَتَوَحَّشْ بِهِ غَرَّبَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ يُسْجَنُ فِيهِ سَنَةً يَبْتَدِئُهَا مِنْ يَوْمِ الْخُرُوجِ الثَّانِي وَلَا يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى وَإِلَّا فَفِي سِجْنِهِ الْأَوَّلِ، وَالْغَرِيبُ إنْ كَانَ بِفَوْرِ نُزُولِهِ قَبْلَ تَأَنُّسِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي زَنَى بِهَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ فِيهَا سَنَةً وَإِلَّا أُخْرِجَ إلَى غَيْرِهَا.
وَالنَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْجَلْدُ فَقَطْ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: (وَعَلَى الْعَبْدِ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَإِنْ كَانَا مُتَزَوِّجَيْنِ) لِفَقْدِ شَرْطِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ الْحُرِّيَّةُ.
قَالَ خَلِيلٌ: وَتُشْطَرُ بِالرِّقِّ، وَقَالَ تَعَالَى:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25] وَالْعَبْدُ مَقِيسٌ عَلَى الْأَمَةِ.
(وَلَا تَغْرِيبَ عَلَيْهِمَا) أَيْ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ لِمَا يَلْحَقُ سَيِّدَهُمَا مِنْ الضَّرَرِ.
(وَ) كَذَلِكَ (لَا) تَغْرِيبَ (عَلَى امْرَأَةٍ) حُرَّةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهَا الْجَلْدُ فَقَطْ، لِأَنَّ تَغْرِيبَهَا ذَرِيعَةٌ إلَى الْفَسَادِ وَلَوْ رَضِيَتْ بِالتَّغْرِيبِ أَوْ رَضِيَ زَوْجُهَا، كَمَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يُغَرَّبُ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُهُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الرَّقِيقِ الْمُحَارِبِ وَالْمَرْأَةِ الْمُحَارِبَةِ إذَا رَضِيَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أَوْ رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ بِالنَّفْيِ فَلَهُمَا ذَلِكَ حَيْثُ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ رُفْقَةً مَأْمُونَةً وَحَرَّرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ.
ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَدُّ الزَّانِي إلَّا بِاعْتِرَافٍ) مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا حَيْثُ أَقَرَّ طَائِعًا وَاسْتَمَرَّ عَلَى إقْرَارِهِ وَلَوْ مَرَّةً، خِلَافًا لِمَنْ شَرَطَ فِي إقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَخْذًا بِحَدِيثِ مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ إذْ رَدَّهُ عليه الصلاة والسلام حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
لَنَا حَدِيثُ الْعَسِيفِ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَأَرْجُمْهَا فَغَدَا إلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَرَّةِ، وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ مَاعِزٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَنْكَرَ عَقْلَهُ وَلِذَلِكَ أَرْسَلَ إلَى قَوْمِهِ مَرَّتَيْنِ يَسْأَلُهُمْ عَنْ عَقْلِهِ حَتَّى أَخْبَرُوهُ بِصِحَّتِهِ فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ» وَسَيَأْتِي أَنَّ الرَّاجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ، وَإِلَى طَرِيقٍ ثَانٍ لِلثُّبُوتِ بِقَوْلِهِ:(وَ) إلَّا (بِحَمْلٍ يَظْهَرُ بِغَيْرِ مُتَزَوِّجَةٍ) وَغَيْرِ ذَاتِ سَيِّدٍ مُقِرٍّ بِوَطْئِهَا، وَمِثْلُ الْخَالِيَةِ مِنْ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ ذَاتُ السَّيِّدِ أَوْ الزَّوْجُ الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ فَزَوْجَةُ الصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ يَلْزَمُهَا الْحَدُّ، وَمِثْلُهَا الْمُتَزَوِّجَةُ بِمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ لَكِنْ وَلَدَتْ لِمُدَّةٍ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ فِيهَا بِزَوْجِهَا، كَمَا لَوْ وَضَعَتْ حَمْلًا كَامِلًا لِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ يَوْمِ الدُّخُولِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ أَيْضًا، وَأَشَارَ إلَى طَرِيقٍ آخَرَ لِلثُّبُوتِ بِقَوْلِهِ:(أَوْ) إلَّا (بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَحْرَارٍ بَالِغِينَ عُدُولٍ يَرَوْنَهُ) أَيْ ذَكَرَ الزَّانِي فِي فَرْجِهَا.
(كَالْمِرْوَدِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْمَيْلُ الدَّاخِلُ.
(فِي الْمُكْحُلَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَالْحَاءِ ظَرْفُ الْكُحْلِ.
(وَيَشْهَدُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ) عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِيَّةِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَلِلزِّنَا وَاللِّوَاطِ أَرْبَعَةٌ بِوَقْتٍ وَرُؤْيَا اتَّحَدَا، فَجُمْلَةُ الشُّرُوطِ سِتَّةٌ: يَكُونُ الشُّهُودُ أَرْبَعَةً وَكَوْنُهُمْ رِجَالًا وَبُلُوغُهُمْ وَعَدَالَتُهُمْ وَقَوْلُهُمْ: رَأَيْنَا فَرْجَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ، فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمْ: نَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا زَنَى بِفُلَانَةَ، وَأَنْ تَتَّفِقَ شَهَادَتُهُمْ فِي الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الشُّرُوطُ حُدَّتْ الْمَرْأَةُ وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِبَقَاءِ عُذْرَتِهَا، بِخِلَافِ لَوْ شَهِدَ عَلَى بَقَائِهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَدُّهَا، وَلَا يَفْسُقُونَ بِتَعَمُّدِ رُؤْيَتِهَا لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا بَلْ يَجُوزُ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِشُهُودِ الزِّنَا كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:(فَإِنْ لَمْ يُتِمَّ أَحَدُهُمْ الصِّفَةَ) بِأَنْ قَالَ: رَأَيْت ذَكَرَهُ بَيْنَ فَخْذَيْهَا وَلَا أَدْرِي هَلْ دَخَلَ فَرْجَهَا أَمْ لَا؟ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَإِلَّا زَادَ عَلَى الْحَدِّ، وَ (حُدَّ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ أَتَمُّوهَا) حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ فِي تِلْكَ الْمَرْأَةِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: رَأَيْت ذَكَرَهُ عَلَى بَابِ فَرْجِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِزِنَاهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا: يُعَاقَبُ بِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَلَا يُحَدُّ، وَإِنَّمَا شُرِطَ فِي ثُبُوتِ الزِّنَا أَرْبَعَةٌ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْحُقُوقِ تَغْلِيظًا عَلَى الشَّاهِدِ بِقَذْفِهِ، لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى تِلْكَ الشَّهَادَةِ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ، فَشُدِّدَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَكَادَ يَثْبُتُ الزِّنَا عَلَى أَحَدٍ وَقَصْدًا لِلسَّتْرِ، وَلِأَنَّ الزِّنَا مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي لَا تَقَعُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَطُلِبَتْ الْأَرْبَعُ لِيَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَانِ،
وَلَمَّا كَانَ شَرْطُ الزِّنَا تَكْلِيفَ الْفَاعِلِ قَالَ: (وَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ) سَوَاءٌ
فِي الْأَمَةِ يَطَؤُهَا وَيَضْمَنُ قِيمَتَهَا إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ أَوْ تُقَوَّمَ عَلَيْهِ.
وَإِنْ
ــ
[الفواكه الدواني]
كَانَ فَاعِلًا أَوْ مَفْعُولًا، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُهُ اسْتِصْلَاحًا لِحَالِهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا بَالِغًا دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَالِغُ الْفَاعِلَ حُدَّ بِشَرْطِ إطَاقَةِ الْمَفْعُولِ، وَأَمَّا عَكْسُهُ بِأَنْ بَلَغَ الْمَفْعُولُ دُونَ الْفَاعِلِ فَلَا حَدَّ، وَإِنَّمَا يُعَزَّرُ الْمَفْعُولُ كَاَلَّذِي يَفْعَلُ بِنَفْسِهِ،
وَلَمَّا اشْتَرَطَ فِي لُزُومِ الْحَدِّ عَدَمُ الشُّبْهَةِ لِلْفَاعِلِ فِي الْمَفْعُولِ بِهِ قَالَ: (وَيُحَدُّ) الْوَلَدُ الْمُكَلَّفُ (الْوَاطِئُ أَمَةَ وَالِدِهِ) أَوْ وَالِدَتِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي مَالِ أَصْلِهِ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا تُحَرَّمُ عَلَى الْأَبِ بِوَطْءِ ابْنِهِ وَلَهُ وَطْؤُهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِالزِّنَا حَلَالٌ، وَإِذَا وَلَدَتْ كَانَ وَلَدُهُ رَقِيقًا وَلَا يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِ الْأُمِّ، وَلَوْ قَالَ: وَيُحَدُّ الْفَرْعُ بِوَطْءِ أَمَةِ الْأَصْلِ لَكَانَ أَشْمَلَ،
وَأَمَّا عَكْسُ هَذَا فَلَا حَدَّ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَلَا يُحَدُّ) الْأَصْلُ الـ (وَاطِئُ أَمَةَ وَلَدِهِ) الْمُرَادُ أَمَةُ فَرْعِهِ وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّ لِلْأَصْلِ شُبْهَةً فِي مَالِ الْفَرْعِ لِخَبَرِ:«أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» (وَ) لَكِنْ (تُقَوَّمُ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَصْلِ وَلَوْ جَدًّا لِأَبٍ أَوْ أُمٍّ لِأَنَّ الْجَدَّ كَالْأَبِ فِي ذَلِكَ، وَفِي الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ، وَفِي عَدَمِ قَتْلِهِ بِقَتْلِ فَرْعِهِ إلَّا إذَا ذَبَحَهُ أَوْ شَقَّ جَوْفَهُ أَوْ قَصَدَ إزْهَاقَ رُوحِهِ، وَفِي تَغْلِيظِ الدِّيَةِ بِالتَّثْلِيثِ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لَمْ يُقْتَلْ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ، ثُمَّ بَالَغَ عَلَى تَقْوِيمِ جَارِيَةِ الْوَلَدِ عَلَى أَصْلِهِ بِوَطْئِهَا بِقَوْلِهِ:(وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ) سَوَاءٌ كَانَ مَلِيًّا أَوْ مُعْدَمًا قَالَ خَلِيلٌ: وَمُلِّكَ أَبٌ جَارِيَةَ ابْنِهِ بِتَلَذُّذِهِ بِالْقِيمَةِ وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ بَعْدَ غُرْمِ قِيمَتِهَا أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إنْ أَرَادَ الِاسْتِمْرَارَ عَلَى وَطْئِهَا لِيُفَرِّقَ بَيْنَ مَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمِلْكِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لِلْأَبِ وَطْؤُهَا بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَ لِلِابْنِ وَطْءٌ وَإِلَّا حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا.
قَالَ خَلِيلٌ: وَحَرُمَتْ عَلَيْهِمَا إنْ وَطِئَاهَا، وَلَكِنْ يَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِوَلَدِهِ وَلَوْ لَمْ تَحْمِلْ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ وَطِئَ أُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ وَلَا تُبَاعُ، وَإِنَّمَا تُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهَا لَهُ الَّذِي أَحْدَثَ فِيهَا الْحُرِّيَّةَ، وَهَذَا إذَا كَانَ الْأَبُ وَالْوَلَدُ حُرَّيْنِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ عَبْدًا وَالْأَبُ حُرًّا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الرَّقِيقُ الْأَبَ لَكَانَتْ الْقِيمَةُ فِي رَقَبَتِهِ فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ فِي إسْلَامِهِ أَوْ فِدَائِهِ، فَإِنْ فَدَاهُ تَعَيَّنَتْ الْأَمَةُ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ الْوَلَدَ فِي قِيمَةِ الْأَبِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ وَتَبْقَى الْأَمَةُ لِلْأَبِ وَالْوَلَدُ حُرٌّ لِأَنَّهُ أَخُو السَّيِّدِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْوَلَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلسَّيِّدِ، وَكَذَلِكَ إذَا قَتَلَهُ السَّيِّدُ نَقَلَ ذَلِكَ الْأَقْفَهْسِيُّ.
(وَيُؤَدَّبُ الشَّرِيكُ فِي الْأَمَةِ) حَالَةَ كَوْنِهِ (يَطَؤُهَا) عَالِمًا بِتَحْرِيمِ وَطْئِهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُحَدَّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لُزُومُ الْأَدَبِ حَيْثُ كَانَ غَيْرَ جَاهِلٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فِي وَطْئِهَا، لِأَنَّ فَرْجَهَا لَا يُبَاحُ لَهُ بِمُجَرَّدِ إذْنِ شَرِيكِهِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الشَّرِكَةِ.
(وَيَضْمَنُ) الشَّرِيكُ الْوَاطِئُ بَعْدَ الْأَدَبِ لِشَرِيكِهِ.
(قِيمَتَهَا) أَيْ قِيمَةَ حِصَّتِهِ (إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) وَقَدْ حَمَلَتْ مِنْهُ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدِهِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُلْزِمَهُ بِمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَيَتْبَعَ ذِمَّتَهُ أَوْ يُجْبِرَهُ عَلَى بَيْعِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهَا لَكِنْ بَعْدَ وَضْعِهَا، إذْ لَا تُبَاعُ وَهِيَ حَامِلٌ لِأَنَّ وَلَدَهَا مِنْهُ لَا يُبَاعُ بِحَالٍ، فَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنَ النِّصْفِ اُتُّبِعَ بِالْبَاقِي كَمَا يَتْبَعُهُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مِنْ الْوَلَدِ فِي قَسَمِ الْعُسْرِ، وَأَمَّا فِي قَسَمِ الْيُسْرِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ.
(فَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَتَمَاسَكَ) بِحِصَّتِهِ وَيَبْقَى عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشٍ وَلَا صَدَاقٍ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ لِشَرِيكِهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا.
(أَوْ تُقَوَّمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْوَاطِئِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَلَهُ اتِّبَاعُهُ بِقِيمَتِهَا أَوْ جَبْرُهُ عَلَى بَيْعِهَا وَلَوْ كُلَّهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَحْمِلْ، وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ خَلِيلٍ: وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةً لِلشَّرِكَةِ بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِهِ وَحَمَلَتْ قُوِّمَتْ وَإِلَّا فَلِلْآخَرِ إبْقَاؤُهَا أَوْ مُفَادَاتُهَا، وَمُحَصَّلُ كَلَامِهِ أَنَّ الشَّرِيكَ إنْ أَذِنَ لِشَرِيكِهِ فِي الْوَطْءِ وَوَطِئَ فَإِنَّهَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا حَمَلَتْ أَمْ لَا، غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ سِوَى قِيمَةِ حِصَّتِهِ وَلَا قِيمَةِ الْوَلَدِ وَتَكُونُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا تُبَاعُ إنْ حَمَلَتْ وَيُتَّبَعُ بِقِيمَةِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ فَتُبَاعُ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقِيمَةِ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَإِنْ حَمَلَتْ فَلَيْسَ لِشَرِيكِهِ إلَّا قِيمَةُ حِصَّتِهِ إنْ أَيْسَرَ الْوَاطِئُ لِأَنَّهَا لَا تُبَاعُ فِي هَذَا الْفَرْضِ، وَلَا يَجُوزُ لَلشَّرِيكِ التَّمَاسُكُ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ أَعْدَمَ الْوَاطِئُ فَالشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إبْقَائِهَا لِلشَّرِكَةِ أَوْ إلْزَامِ الْوَاطِئِ بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مِنْهَا فَيَتَّبِعُهُ بِهَا فِي ذَمِّهِ أَوْ يُجْبِرُهُ عَلَى بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْهَا لَكِنْ بَعْدَ وَضْعِهَا، وَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنَ نِصْفِهَا اُتُّبِعَ بِبَاقِي الْقِيمَةِ كَمَا يُتَّبَعُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ فِي الْوَلَدِ فِي قِسْمَيْ التَّخْيِيرِ، وَهَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ شُرَّاحِ خَلِيلٍ.
(تَنْبِيهَانِ) الْأَوَّلُ: عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةَ لَاحِقٌ بِأَبِيهِ فِي كُلِّ الصُّوَرِ وَهُوَ حُرٌّ لَا يُبَاعُ بِحَالٍ وَإِنْ بِيعَتْ أُمُّهُ، لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تُبَاعُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ وَوَلَدُهُ لَا يُبَاعُ بِحَالٍ، وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ بَيْعِهَا بَعْدَ وَضْعِ حَمْلِهَا فَاَلَّذِي يُبَاعُ هُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يُوفِ ثَمَنَهُ وَيَلْزَمُهُ الْبَاقِي، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَحْمِلْ فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَوْ كُلَّهَا.
الثَّانِي: لَوْ تَأَخَّرَ تَقْوِيمُ الْأَمَةِ عَلَى
قَالَتْ امْرَأَةٌ بِهَا حَمْلٌ اُسْتُكْرِهَتْ لَمْ تُصَدَّقْ وَحُدَّتْ إلَّا أَنْ تُعْرَفَ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا احْتَمَلَتْ حَتَّى غَابَ عَلَيْهَا أَوْ جَاءَتْ مُسْتَغِيثَةً عِنْدَ النَّازِلَةِ أَوْ جَاءَتْ تُدْمِي.
وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا غَصَبَ الْمُسْلِمَةَ فِي الزِّنَا قُتِلَ.
وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالزِّنَا أُقِيلَ وَتُرِكَ.
ــ
[الفواكه الدواني]
الْوَاطِئِ حَتَّى مَاتَتْ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ قِيمَتُهَا لِأَنَّ الْقِيمَةَ تَرَتَّبَتْ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ.
(وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ) لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ حِينَ ظَهَرَ (بِهَا حَمْلٌ) وَأُرِيدَ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا (اُسْتُكْرِهْت) أَيْ أَكْرَهَنِي مَنْ لَا أَسْتَطِيعُ دَفْعَهُ عَنِّي وَفَعَلَ بِي.
(لَمْ تُصَدَّقْ) فِي دَعْوَاهَا الْإِكْرَاهَ (وَحُدَّتْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّوْعُ حَتَّى يَثْبُتَ الْإِكْرَاهُ وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يَلِيقُ بِهَا ذَلِكَ أَمْ لَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِأَنَّ تَصْدِيقَهَا ذَرِيعَةٌ إلَى كَثْرَةِ الزِّنَا، وَلَا سِيَّمَا مَعَ قِلَّةِ دِينِ النِّسَاءِ وَمَيْلِهِنَّ لِلْوَطْءِ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ عَدَمِ تَصْدِيقِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةُ صِدْقِهَا بِقَوْلِهِ: (إلَّا أَنْ تَعْرِفَ) أَيْ تَشْهَدَ (بَيِّنَةٌ) عَادِلَةٌ قِيلَ اثْنَانِ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: يَكْفِي الْوَاحِدُ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَخَبَرُهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ الْمُسْقِطَةَ الْحَدِّ مِنْ بَابِ أَوْلَى مِنْ إسْقَاطِهِ بِاسْتِغَاثَتِهَا.
(أَنَّهَا اُحْتُمِلَتْ) أَيْ أُخِذَتْ قَهْرًا وَعَايَنَتْ الْبَيِّنَةُ غَصْبَهَا وَإِكْرَاهَهَا.
(حَتَّى غَابَ عَلَيْهَا) الْمُكْرِهُ لَهَا (أَوْ) إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ (جَاءَتْ مُسْتَغِيثَةً) أَيْ مُتَظَلِّمَةً (عِنْدَ) تِلْكَ (النَّازِلَةِ) أَيْ عِنْدَ وُقُوعِ الزِّنَا بِهَا لِأَنَّ مَجِيئَهَا صَائِحَةً قَرِينَةُ غَصْبِهَا.
(أَوْ) إلَّا أَنْ تَكُونَ قَدْ (جَاءَتْ) إلَيْنَا حَالَةَ كَوْنِهَا (تُدْمِي) أَيْ يَسِيلُ دَمُهَا مِنْ قُبُلِهَا فَلَا تُحَدُّ فِي صُورَةٍ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ، هَذَا تَقْرِيرُ كَلَامِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَعَدَمُ حَدِّهَا فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي عَدَمِ حَدِّهَا مُجَرَّدُ مَجِيئُهَا تُدْمِي، بَلْ لَا يَسْقُطُ حَدُّهَا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْفِعْلِ بِهَا إلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهَا، كَمَجِيئِهَا صَائِحَةً أَوْ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ لَا إنْ ادَّعَتْ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُ زَنَى بِهَا وَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَدِّهَا.
وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَإِنْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: اُسْتُكْرِهْت لَمْ تُصَدَّقْ، وَقَالَ خَلِيلٌ: وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ أَيْ لِلزِّنَا، وَأَمَّا لَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلزِّنَا وَتُحَدُّ لَهُ لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا وَلَوْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى فَاسِقٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا لِلْقَذْفِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا لِلزِّنَا فَتَحُدُّ لَهُ بِشَرْطَيْنِ أَنْ تَحْمِلْ وَلَمْ تَتَعَلَّقْ، وَأَمَّا لَوْ ادَّعَتْ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ فَتَحُدُّ لِلزِّنَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ وَيَسْقُطُ عَنْهَا إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ كَدَعْوَاهَا عَلَى صَالِحٍ، وَأَمَّا حَدُّهَا لِلْقَذْفِ فِي دَعْوَاهَا عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ فَيَلْزَمُهَا إنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ مُطْلَقًا، كَأَنْ تَعَلَّقَتْ إنْ كَانَتْ تَخْشَى فَضِيحَةَ نَفْسِهَا وَإِلَّا فَفِي حَدِّهَا خِلَافٌ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: صَالِحٌ وَفَاسِقٌ وَمَجْهُولُ الْحَالِ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثِ إمَّا أَنْ تَتَعَلَّقَ أَوْ لَا، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَا أَحْكَامَهَا مِنْ جِهَةِ الْحَدِّ وَعَدَمِهِ، وَسَكَتَ خَلِيلٌ عَنْ الصَّدَاقِ وَالْحُكْمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ فِي صُورَةٍ مِنْ الصُّوَرِ، إلَّا فِي صُورَةٍ مَنْصُوصَةٍ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْمَغْصُوبَةِ: تَحْمِلُ بِمُعَايَنَةِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتَقُولُ: وَطِئَنِي غَصْبًا وَهُوَ يُنْكِرُ فَلَهَا الْمَهْرُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا.
قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنْ ثَبَتَ وَطْؤُهُ الْحُرَّةَ بِإِقْرَارِهِ لِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ أَوْ بِمُعَايَنَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لِلْوَطْءِ وَيُحَدُّ وَمَا دُونَهُمْ لَغْوٌ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى إقْرَارِهِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: يَجِبُ بِهِمَا الْمَهْرُ، وَأَمَّا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِاعْتِرَافِهِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ وَفِيهِ خِلَافٌ.
وَلَمَّا كَانَ الزِّنَا شَرْعًا وَطْءُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ فَرْجَ آدَمِيٍّ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ ذَكَرَ مَفْهُومَ الْمُسْلِمِ بِقَوْلِهِ: (وَالنَّصْرَانِيُّ) الْمُرَادُ الذِّمِّيُّ حَتَّى النَّازِلُ بِأَمَانٍ. (إذَا غَصَبَ) الْحُرَّةَ (الْمُسْلِمَةَ فِي الزِّنَا) وَثَبَتَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ رَأَوْهُ كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ عَلَى مَا رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الْقَاسِمِ.
(قُتِلَ) لِنَقْضِهِ عَهْدَهُ وَالْوَلَدُ الْمُتَخَلِّقُ مِنْ وَطْئِهِ عَلَى دِينِ أُمِّهِ وَلَا يَلْحَقُ أَبَاهُ وَلَوْ أَسْلَمَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ مِثْلُهَا مِنْ مَالِهِ، وَمَفْهُومُ غَصَبَ أَنَّهَا لَوْ طَاوَعَتْهُ لَا يُقْتَلُ وَلَا يُحَدُّ فَإِنَّمَا يُعَاقَبُ، وَأَمَّا هِيَ فَتُحَدُّ، وَقَيَّدْنَا بِالْحُرَّةِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَلَا يُقْتَلُ بِغَصْبِهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ وَمَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحُرَّةِ أَنَّ الْأَمَةَ مَالٌ وَلَا قَتْلَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَالِ، وَأَمَّا لَوْ تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِكَوْنِهِ ذِمِّيًّا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِهِ وَالظَّاهِرُ قَتْلُهُ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالتَّطَلُّعِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَتْ بِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ وَتَزَوَّجَتْهُ فَإِنْ كَانَتْ تَجْهَلُ تَحْرِيمَ نِكَاحِهِمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُقْتَلُ وَإِنَّمَا يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً، وَمَفْهُومُ الْمُسْلِمَةِ لَوْ غَصَبَ الْحُرَّةَ الْكِتَابِيَّةَ وَهِيَ زَوْجَةُ الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ لِحُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَعُقُوبَتُهُ قَوْلَانِ.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ وَكَانَ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ لُزُومُ الْحَدِّ وَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ قَالَ: (وَإِنْ رَجَعَ الْمُقِرُّ) عَلَى نَفْسِهِ (بِالزِّنَا) طَائِعًا (أُقِيلَ وَتُرِكَ) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ حَدٌّ وَلَا أَدَبٌ، سَوَاءٌ رَجَعَ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ رَجَعَ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، مِثَالُ الشُّبْهَةِ أَنْ يَقُولَ: إذَا وَطِئْت زَوْجَتِي فِي الْحَيْضِ أَوْ وَقَعَ عَقْدُهَا فَاسِدًا فَاعْتَقَدَ أَنَّ الْوَطْءَ الْمُسْتَنِدَ لِمِثْلِ ذَلِكَ يُسَمَّى زِنًا، وَأَمَّا الْهُرُوبُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ فَكَالرُّجُوعِ يُسْقِطُ عَنْهُ الْحَدَّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ فَلَا يَسْقُطُ حَدُّهُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْهُرُوبَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ لِإِذَاقَتِهِ الْعَذَابَ بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ، خِلَافًا لِظَاهِرِ كَلَامِ خَلِيلٍ وَمِثْلُ رُجُوعِهِ مَا إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا وَالْحَالُ أَنَّهُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ، فَإِنَّ إنْكَارَهُ يُعَدُّ رُجُوعًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ رُجُوعَهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ إنَّمَا يَنْفَعُهُ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ عَنْهُ لَا فِي عَدَمِ لُزُومِ صَدَاقِ الْمَزْنِيِّ بِهَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ حَيْثُ كَانَتْ مُكْرَهَةً.
(تَنْبِيهٌ) إنَّمَا سَقَطَ الْحَدُّ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَبِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ بِرُجُوعِهِ