الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني:
بمعنى ما قبله.
* * *
2 - بابُ فَضْلِ الصَّوْمِ
(باب فَضْل الصَّوم)
1894 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبي الزِّناَدِ، عَنِ الأَعْرَج، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ؛ مَرَّتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ الله تَعَالَى مِنْ رِيح الْمِسْكِ، يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي، الصِّيَامُ لِي، وَأَناَ أَجْزِي بِهِ، وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".
(جُنة) بضمِّ الجيم، أي: التُّرس، أي: فيكون مانِعًا من النَّار، أو من المَعاصي؛ لأنه يَكسِر الشَّهوة، ويُضعف القوَّة.
(يَرْفُث) بضم الفاء، وكسرها، على أنَّ ماضيه (رَفَثَ) بالفتْح، فأما على أنَّه بالكسر، فالمضارع: يَرفُث بالفتح رفْثًا بالسكون في المصدر، والفتْح في الاسم، أي: يُفْحِش في الكلام.
(يجهل)؛ أي: يَفعل فِعْل الجُهَّال كالصِّياح والسُّخرية، أو يَسفَه.
(فليقل) أي: بقلبه، ولسانه: الأوَّل لكَفِّ نفْسه عن مُقاتلة خصمه، والثاني لكَفِّ خصمه عن الزِّيادة، وهو من أسرار الشريعة، فهو مِن حمل اللَّفظ على حقيقتيه، أو حقيقته ومَجازِه، وذلك واجبٌ عند الشَّافعي، وهذا وإنْ لم يختصَّ بالصَّائم إلا أنَّه في الصِّيام أَوْكَد.
وقال الأَوزاعي: يُفطِر بالسَّبِّ والغِيْبة، فقيل: معناه: يصير كالمُفطِر في سُقوط الأجْر لا أنه يُفطِر حقيقةً.
(لَخُلُوف) بضمِّ الخاء على الصَّحيح المشهور، وهو تغيُّر رائحة الفَمِ.
(عند الله) قال (ط): أي: في الآخِرة كما في: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ} [الحج: 47]، أي: مِن أيام الآخرة.
قال المَازَرِي: هذا استعارةٌ؛ لأنَّ استِطابةَ بعض الرَّوائح من صفات الحيَوان الذي له طبيعةٌ تميل إلى الشَّيء، وتَستطيبه وتنفِر عنه، فتَستقْذره، والله مُقدَّسٌ عن ذلك، لكنْ جرَتْ عادتُنا بتقريب الرَّوائح الطَّيِّبة، فاستُعير ذلك في تَقْريب الصَّوم.
وقيل: المعنى: لَجزاء خُلُوفه أطيَبُ منه، أي: فيُجازيه في الآخرة بكون نكْهته أطيَب من المِسْك، وقيل: المراد: عند ملائكة الله، فهو على حَذْف مضافٍ، وقيل: أكثَر له قَبولًا من قَبول رِيْح المِسْك عندكم؛ لأنَّ الطِّيب مُستلزِمٌ للقَبول عادةً، أو على وجْه
الفَرْض، أي: لو تُصوِّر الطِّيْب عند الله لكان الخُلُوف أَطيب، أو المقصود من التركيب زُبْدتُه، وهو الثَّناء على الصائم، والرِّضَا بفِعْله؛ لئلا يمنعَه الخُلُوف المتغيِّر من مُواظبة الصَّوم.
وقال (ن): الأصحُّ أن الخُلُوف أكثَر ثَوابًا من المِسْك حيث نُدب إليه في الجُمَع والأعياد.
وقال البَيْضاوي: هو تفضيلٌ لمَا يُستكرهُ من الصَّائم على أطْيَب ما يُستلَذُّ من جنْسه، وهو المِسْك؛ ليُقاس عليه ما فَوقه من آثار الصَّوم (1).
(من أجلي) هذا يحتاج لتقديرٍ، حتى لا يتَّحِدَ المتكلِّم في:(والذي نفْسي) مع: (لأَجْلي)، أي: قال الله، وقَول الله في مثل ذلك، وهو المسمَّى بالقُدسي، والإلهي، والربَّاني، يُفارِق لفْظ القُرآن أنَّ ذلك معجزةٌ بقصده مُتعبَّدٌ بتلاوته.
وعبارة (ك) في نفي الإعجاز فيه بالكُلِّية، وأنَّه لم يأْتِ به جبريل ليس بجيِّدٍ فيها، نعَمْ، الفَرْق بينه وبين الأحاديث النَّبويَّة -مع أنَّه ما ينطِقُ عن الهَوَى، وكلُّها وَحْيٌ- أنَّ هذا أيضًا يُضاف (2) إلى الله تعالى
(1) نسبة الاستطابة إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فكما أن ذاته عز وجل لا تشبه ذوات خلقه، فصفاته لا تشبه صفات المخلوقين وأفعالهم، فكذا يقال في نسبة الاستطابة إليه والرضا والغضب والكراهية وغير ذلك مما ورد في القرآن وصحيح السنة النبوية المطهرة.
(2)
"يضاف" ليس في الأصل.
بخلاف لفظ الأحاديث.
قال: ويُفرَّق بأن القُدسيَّ ما يتعلَّق بتنزيه ذات الله تعالى، وبصفاته الجَلاليَّة والجَمالية، منسوبٌ إلى الحَضْرة المقدَّسة.
قلتُ: إنْ أراد: غيرُهما لا يتعلَّق بتنزيه الله تعالى وصفاته؛ فليس بصحيحٍ، بل الأحاديث النبويَّة تتعلَّق بذلك، وإنْ أراد أنها لا تُضاف لله تعالى؛ فهو عين الفَرْق الأول.
ونُقل عن الطِّيْبي: أنَّ القُدسيَّ خاصٌّ بالمَنام، أو بالإلهام، والقُرآن نزَلَ به جِبْريل، [و] فيه نظَرٌ؛ فإنَّ الأحاديث القُدسية قد نَزل بها جِبْريل، لكنْ إنما يَفترقان في قَصْد الإعجاز، والتعبُّد بتلاوته.
(الصوم لي) بمعنى: لم يُتعبَّد به أحدٌ غيري، وإنْ كانت العبادات كلُّها لله تعالى، وإنْ كان الكفار يُعظِّمون آلهتهم بسجودٍ، وصدقةٍ، ونحو ذلك، أما بالصِّيام فلا، أو أنَّ الصَّائم ليس له فيه حظٌّ؛ إذ لا يطَّلِع عليه أحدٌ.
وفيه كَسْر النَّفْس، وتعرُّض البدَن للنَّقص، والصَّبر على حُرقة العطَش، ومضَضِ الجُوع.
وقيل: هو إضافة تشريفٍ كـ: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13].
وقال (خ): الصَّوم عبادةٌ خالصةٌ لا يَستولي عليها الرِّياء والسُّمعة؛ لأنه عمَلُ سِرٍّ لا يطَّلِعُ عليه إلا الله، كما رُوي:"نيَّةُ المؤمِنِ خيرٌ مِن عمَلِه"؛ فإنَّ مَحلَّها القَلْب، أي: النيَّة منفردةً خيرٌ من عمَلٍ خالٍ عن النيَّة كما في: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3]، أي: