الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فرغت)؛ أي: من العمرة.
(وفرغت من الطواف)؛ أي: للوَداع، فكرَّرت: فرغت؛ لأنهما فراغان، وفي بعضها:(وفرغ)؛ أي: عبد الرّحمن، فلا تكرارَ أصلًا، بل قال بعضُهم: لعلَّ الأَولى هو هذا: أن يُراد به فراغ عبد الرّحمن؛ لأن بعده: (أفَرغتم؟)، وفي أول الحديث:"ثمّ أفرغا، ثمّ ائتيا".
(بسحر) بفتح الراء غير منصرف، وبكسرها مع التَّنوين، وهو: قُبيل الصُّبح الصادق؛ لأنك إن أردتَ سَحَر ليلتك منَعتَ؛ للعَدْلِ وهو علمٌ له، وإنْ أردتَ نكرةً صرَفتَ، والأُولى أَولى.
(فرغتم)؛ أي: أنتُما ومَن معكما من العُمَّار، أو أن أقلَّ الجمْع اثنان.
(فأذن)؛ أي: أعلَمَ.
وفيه أن مَنْ كان بمكةَ فمِيْقات عُمرته الحِلُّ جمعًا بين الحِلِّ والحرَم كما يجمع الحاجُّ؛ فإنَّ عرَفات من الحِلَّ.
* * *
34 - بابُ التَّمَتُّعِ وَالإقْرَانِ وَالإِفْرَادِ بالْحَجِّ وَفَسْخِ الْحَجِّ لِمَنْ لم يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ
(باب التمتُّع)، وهو أن يُحْرِمَ بالعُمرة في أشهر الحجِّ، ثمّ بعد الفراغ منها يُحْرِم بالحج.
(والإقران) يريد القِرَان، وهو أن يُهِلَّ بالحج والعُمرة معًا، أو بالعمرة ثمّ يدخل الحجِّ قبل فعْل شيءٍ منها.
(والإفراد): أن يفرغَ من الحجِّ، ثمّ يعتمر.
قال السَّفَاقُسِيُّ: التعبيرُ بالإقِرَان غيرُ ظاهرٍ، وصوابه القِرَان.
قال (ش): لم يُسمَع في الحجِّ إقرَانٌ، ولا في مَصدر (قَرَن) فيه إقران، بل يقال: قِرَان، ونحوه ما قاله (ع): إن في أكثَر الرِّوايات: "نهى عَنِ الإقْرَانِ في التَّمْرِ"، وصَوابه: القِران.
ثمّ قال السَّفَاقُسِي: ومضارع قَرَن: يَقْرِن بكسر الراء، قال (ش): والذي في "المُحْكَمِ"، و"الصحاح"، وغيرِهما: الضمُّ، وقيل: المراد أنها تُريد بذلك غيرها من الصّحابة؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون العُمرة في أشهر الحجِّ، فلم يخرجوا مُحْرِمين بالحجِّ.
* * *
1561 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا نُرَى إلا أنَّهُ الْحَجُّ، فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ، فَأمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ، فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ، وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَحِضْتُ فَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! يَرْجِعُ النَّاسُ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَرْجِعُ أَنَا بِحَجَّةٍ؟ قَالَ: "وَمَا طُفْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا مَكَّةَ؟ "، قُلْتُ: لَا،
قَالَ: "فَاذْهَبي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيم فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ مَوْعِدُكِ كَذَا وَكَذَا"، قَالَتْ صَفِيَّةُ: مَا أُرَانِي إلا حَابسَتَهُمْ، قَالَ:"عَقْرَى حَلْقَى، أَوَ مَا طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟ "، قَالَتْ: قُلْتُ: بَلَى، قَالَ:"لَا بَأسَ، انْفِرِي"، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: فَلَقِيَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُصْعِدٌ مِنْ مَكَّةَ، وَأَنًا مُنْهَبطَةٌ عَلَيْهَا، أَوْ أَنًا مُصْعِدَةٌ وَهْوَ مُنْهَبطٌ مِنْهَا.
(لا نُرى) بضم النون، أي: نظُنُّ، وسبق الجمع بينه وبين:"فأهلَلْنا بعُمرة" في (باب: كيف تُهِلُّ الحائض؟).
(أن يُحل)؛ أي: بأن، وهو بضمِّ الياء، وهو مناسبٌ لقوله:(فأحللن)، وفي بعضها: بفتحها، أي: يصير حَلالًا، وهو مناسبٌ لقوله:(فحلَّ)، نعَمْ، هنا أنه أمرَهم به بعد دُخول مكةَ، وسبَق أنه أمرَهم به بسَرِف، ولا منافاةَ؛ لأنه أمرَهم مرَّتين ثانيهما توكيدٌ.
(فلم أطف) لا يُنافي قولها قبل ذلك: (تطوَّفْنا)؛ لأنها عَنَتْ بذلك الصَّحابة، وهذا تخصيصٌ بذاك، وليس المراد بنفيها الطواف طوافَ الحجِّ بل طوافَ العمرة الّذي كان عليها لو استمرَّتْ معتمرةً، أما طوافُ الحجِّ فقد قالت فيه:(ثُمَّ خرَجتُ من مِنَى فأفضْتُ بالبَيْت).
(ليلة الحَصْبة) بسُكون الصاد، وجاء فيها الكسر، والفتح، أي: اللَّيلةَ الّتي بعد ليالي التَّشْريقِ الّتي ينزِلون فيها بالمُحَصَّب.
(بحجة)؛ أي: بلا عُمرةٍ مفردةٍ، كما رجَع النَّاس بها.
(فأهلي) المراد أصلُ التَّلْبية؛ لأن المرأةَ لا تَرفع صوتها.
(صفية)؛ أي: أمُّ المؤمنين.
(أُراني): بضمِّ الهمزة، أي: ما أظُنُّ نفْسي.
(حَابسَتهم)؛ أي: حابسةً القومَ عن التوجُّه للمدينة؛ لأني حِضْتُ وما طُفْتُ، أي: فيتوقَّفون بسبَبي حتّى أطوفَ، وإسنادُ الحبْس إليها مجازٌ.
(عَقْرَى حَلْقَى) فيه أوجهٌ:
أحدها: أنهما وصفان لمؤنَّثٍ بوزن فَعْلَى على معنى مفعولٍ، أي: عقَرَها الله في جسَدها وحلْقها: أصابَها بوجَعٍ في حلْقها، أو حُلِق شَعرها، فهي مُعْقَرةٌ مَحلُوقةٌ، وهما مرفوعان خبرٌ عن مبتدأ، أي: هي.
ثانيها: كذلك إلا أنه بمعنى فاعِل، أي: أنها تَعْقِرُ قَومَها، وتحلقهم بشُؤْمها، أي: تستأْصلُهم، فكأنه وصفٌ من فِعْلٍ مُتَعَدٍّ، وبه قال الزَّمَخْشَرِيُّ.
ثالثها: كذلك، أي: أنه جمعٌ كجَريحٍ وجَرْحَى، أي: ويكون وصف المفرَد بذلك مبالغةً.
رابعها: أنه وصفُ فاعلٍ، لكنْ بمعنى: لا تَلِدُ؛ كعاقِر، وحَلْقَى، أي: مَشؤُومة.
قال الأَصمعيُّ: يُقال: أصبحتْ أمُّه حالِقًا، أي: ثَاكِلًا، وهذه الأربعةُ لا تنوين فيها؛ لأنَّ الألف فيها للتأنيث.
قال (ن): إن المحدِّثين يَروُونه بالألف للتأنيث، ويكتبونه بالياء، ولا يُنوِّنونه.
خامسها: قاله أبو عُبيدةَ: إنّه صوابه خلافًا للمحدثين، عَقْرًا، حَلْقًا -بالتنوين-، أي: مصدرين، قال: لأنَّ فَعْلَى تَجيء نعْتًا، ولم تجئْ في الدُّعاءِ هذا، وهذا دعاءٌ.
سادسها: قاله صاحب "المُحْكَم" عن معناه كما سبق: مِن عَقَرَها الله وحَلَقها، أي: شَعْرَها، أو أصابَها في حَلْقها، لكنه مصدرٌ كدَعْوى، أي: فيكون نصبُه مفعولًا مطلقًا بحركةٍ مقدرةٍ على قاعدة المقصورِ، وليس بوصفٍ.
قال إن): وعلى الأقوال كلِّها هي كلمةٌ اتسعتْ فيها العرَب، فتُطلقها ولا تُريد حقيقةَ معناها، أي: لا وصفٌ ولا دعاءٌ، بل هي كـ: تَرِبَتْ يداه، وقاتَلَه الله، ونحو ذلك.
(انْفِري) بكسر الفاء، أي: اذهبي لا حاجةَ لك إلى طواف الوداعِ؛ لسُقوطه عن الحائض.
* * *
1562 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ ابن الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَداعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ
أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ.
الحديث الثّاني:
سَبَق الجمْع بين هذا التَّقسيم الّذي فيه وبين حديثِ (لا نريد إلا الحجِّ) في (باب: كيف تُهِلُّ الحائض والنُّفَساء؟).
* * *
1563 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، حدَّثنا غُنْدَرٌ، حدَّثنا شُعْبَةُ، عنِ الحَكَم، عنْ عَلِيِّ بن حُسَيْنٍ، عن مَرْوانَ بن الْحَكَمِ قَالَ: شَهِدْتُ عُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهما وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَأَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا رَأَى عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ، قَالَ: مَا كنْتُ لأَدَعَ سُنَّةَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَدٍ.
الحديث الثّالث:
(المتعة) المراد بها فسخُ الحجِّ؛ لأنه كان مخصوصًا بتلك السَّنة، وقيل: التمتُّع المشهور، والنهي للتَّنزيه تَرغيبًا في الإفراد.
(وأن يُجْمع) بضم أوّله، وهو القِران، سماه تمتُّعًا؛ لمَا فيه من التمتُّع بإسقاط سفَره للنُّسُك الآخَر.
قال (ن): كَرِه عُمر، وعُثمان، وغيرُهما التمتُّعَ، وبعضهم: التمتُّعَ والقِران، ثمّ انعقَد الإجماع على جواز الثّلاثة، وإنّما اختلفوا في الأفْضل.
(عليّ) فاعل رأَى، وحُذف مفعوله، أي: النَّهي.
(أهَلَّ) جوابٌ لـ (ما).
(لَبَّيْكَ)؛ أي: قائلًا لبَّيك، فهو مقول القَول المقدَّر.
(قال) استئنافٌ، أي: قال عَليٌّ، وكأنَّ قائلًا قال له: لِمَ خالفْتَه؟، فأجاب بذلك؛ لأن المجتهدَ لا يُقلِّدُ مجتهدًا، لا سيَّما والسُّنَّة موجودةٌ.
* * *
1564 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا ابن طَاوُسٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنِ ابن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ، وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَيَقُولُونَ: إِذَا بَرَا الدَّبَرْ، وَعَفَا الأَثَرْ، وَانْسَلَخَ صَفَرْ، حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ، قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبيحَةَ رَابعَةٍ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: "حِلٌّ كُلُّهُ".
الحديث الرّابع:
(كانوا)؛ أي: أهلُ الجاهلية.
(يَرون)؛ أي: يعتقدون.
(المُحَرَّمَ صَفَرًا)؛ أي: يجعلون صَفَر من الأشهر الحرُم لا المُحَرَّم. قال الزَّمَخْشَرِيُّ: النَّسِيءُ هو: تأخير حُرْمَةِ الشهر إلى شهرٍ آخَر،
وربما زادوا في عدد الشُّهور، فيجعلونه ثلاثةَ عشر، أو أربعةَ عشَر، فيتَّسع لهم الوقْت. أي: لأنهم إذا توالتْ عليهم ثلاثةُ أشهرٍ حُرُمٍ ضاق الوقت على أحوالهم وذكر الطِّيْبي نحو ذلك، وفي التركيب لَطافةُ إرادة المعنى اللُّغوي في المحرَّم، فهو من الإيهام.
قال (ن): و (صفَر) مصروفٌ بلا خلاف، ولكن كتَبوه بلا ألف، قال (ك): أي: على لغة رَبيْعَةَ في الوقْف على المنصوب المنوَّن، لكنْ حكى (ش) عن بعضهم: أنه غيرُ مصروفٍ، ثمَّ قال (ن): إنَّ هذهِ الألفاظَ تُقرأ كلُّها ساكنةَ الآخِر موقوفةً؛ لأجْل السَّجْع.
(بَراء) بفتح الراء.
(الدَّبَر) بمهملةٍ وراءٍ مفتوحتين، أي: ما يَلحق ظُهورَ الإبل من جُرحٍ ونحوه من الأثَر باصطِكاكِ الأقْتابِ، فيَبْرأ ذلك الدَّبَر إنْ حصَل في زمَن الحجِّ بعد الانصِراف منه.
(وعفا الأثر)؛ أي: ذهبَ أثرُ ذلك الدَّبَر، يُقال: عفَا الشَّيء: إذا ذهَب.
قال (خ): لكنَّ المعروف في عامة الرِّوايات: (عفَا الوَبَر)، أي: كَثُر، كقوله تعالى:{حَتَّى عَفَوْا} [الأعراف: 95]، أي: كثُروا، أي: فهو من الأضْداد، قال (ش): وكذا رواه أبو داوُدَ: (وعفَا الوَبَر).
وقيل: المراد بالأثَر: أثَر الإبل، والسَّيْر، أي: آثار مشي الحاجِّ في الطَّريق من وُقوع الأمطارِ وغيرِها لطُول الأيَّام.
(حلت العُمرة)؛ أي: صارتْ حَلالًا.
ووجه تعلُّق انسلاخ صفَر بالاعتمار في أشهر الحجِّ الّذي هو المقصود في الحديث -مع أن المُحَرَّم وصفر ليسا من أشهر الحجِّ-: أنَّهم لمَّا سمَّوا المحرَّم صفَرًا لزِمَ من تصرُّفهم عن السَّنَة ثلاثةَ عشَرَ شهرًا أن يصير المحرَّم الّذي سمَّوه صفَرًا آخِرَ السنَة، فيكون آخر أشهر الحجِّ، أو يقال: إن المراد أن بَراء الدَّبَر إنّما هو بمضيِّ الحِجَّة والمحرَّم؛ إذ لا بُرْء بأقلَّ من ذلك غالبًا، وأمّا انسلاخُ صفر فلانه من الأشهر الحُرُمِ بزعمهم، فلو وقَع قِتالٌ في طريق مكّة؛ لقَدَروا على المُقاتَلة، فكأنه قال: إذا انقضَى شهرُ الحجِّ، وأثَرُه، والشهرُ الحرامُ جازَ الاعتمارُ، أو يقال: المراد بصفَر: المحرَّم، ويكون قوله:(إذا انسَلخَ صفَر) كالبَيان أو البَدَل من قوله: (إذا بَرأ الدَّبَر)؛ لأنه لا يحصُل إلا في هذه المُدَّة ما بين نحو أربعين يومًا إلى خمسين.
قال (ك): وهذا أَظهرُ، لكنْ بشرط أن يكون مرادُهم بكراهة العُمرة في أشهر الحجِّ هي والزَّمانُ الّذي فيه الأثَر بعدها.
(رابعة)؛ أي: ليلةَ رابعةٍ من ذي الحِجَّة.
(ذلك)؛ أي: الاعتمارُ في أشهر الحجِّ.
(أيُّ الحل)؛ أي: أيُّ شيءٍ يحلُّ لنا.
(كُله)؛ أي: كُلُّ ما كان حرامًا على المُحْرِم، حتّى الجِماع.
* * *
1565 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بن مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بن شِهَابٍ، عَنْ أَبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَهُ بِالْحِلِّ.
الحديث الخامس:
(فأمره) مقتضى الظاهرِ: فأمَرَني، لكنَّ الراوي رواه بالمعنى لا بحكايةِ لفظِه.
* * *
1566 -
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنهم زَوْجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله! مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: "إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيي، فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ".
السادس:
(لبدت) سبق أن معناه جَعْل صمغٍ ونحوِه في شَعْر الرأْس ليجتَمعَ ولا يقَع فيه قَمْلٌ.
(وقلدت)؛ أي: تعليقُ شيءٍ في عنُق المُهدَى من النِّعَم علامةً أنه هَدْيٌ، وذكرَه وإنْ كان أجنبيًّا من الحِلِّ، وعدمُه بيانٌ، لأنه من أول الأمر مستعد لدوام إحرامه حتَّى يبلغَ الهديُ مَحِلَّه، والتلبيدُ مُشْعِرٌ بمدةٍ
طويلةٍ، أو ذَكَر ذلك لبيان الواقِع، أو للتأكيد.
وفيه أنه صلى الله عليه وسلم كان قارِنًا.
* * *
1567 -
حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ نصرُ بن عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: تَمَتَّعْتُ، فَنَهَانِي نَاسٌ، فَسَأَلْتُ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَأَمَرَنِي، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا يَقُولُ لِي: حَجٌّ مَبْرُورٌ وعُمْرُةٌ مُتَقَبَّلَةٌ، فَأَخبَرْتُ ابن عَبَّاسٍ فقال: سُنَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أَقِمْ عِنْدِي فأجْعَلَ لَكَ سَهْمًا مِنْ مالِي، قال شُعْبَةُ: فَقُلْتُ: لِمَ؟ فقال: لِلرُّؤْيا الَّتِي رَأَيْتُ.
السابع:
(فأمرني)؛ أي: بالتمتع.
(حج) هو خبرُ مبتدأ محذوفٍ، أي: هذا، وفي بعضها:(حَجَّةٌ -بالتأنيث- مبرورةٌ).
(سنة) بالرفع: خبرُ مبتدأ محذوفٍ، وبالنصب: على الاختصاص.
(وأجعل) جملةٌ حالية، أي: وأنا أجعل، وفي بعضها:(وأجعلَ) بالنصب.
(رأيت) بتاء المتكلمِ، أي: لأجل موافقةِ أمره، ولسنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
* * *
1568 -
حَدَّثَنَا أَبُو نعيْمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَدِمْتُ مُتَمَتِّعًا مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ، فَدَخَلْنَا قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِثَلَاثَةِ أيَّامٍ، فَقَالَ لِي أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: تَصِيرُ الآنَ حَجَّتُكَ مَكِّيَّةً، فَدَخَلْتُ عَلَى عَطَاءٍ أَسْتَفْتِيهِ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابرُ بن عَبْدِ الله أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُمْ:"أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا ثُمَّ أَقِيمُوا حَلَالًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ، وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً"، فَقَالُوا: كَيْفَ نَجْعَلُهَا مُتْعَةً وَقَدْ سَمَّيْنَا الْحَجَّ؟ فَقَالَ: "افْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ، فَلَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَفَعَلْتُ مِثْلَ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ مِنِّي حَرَامٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ"، فَفَعَلُوا.
الثّامن:
(مكية)؛ أي: فتكونُ قليلةَ الثّواب لقلَّة مَشقَّتها.
(البُدُن) بضم الدال وإسكانها.
(مُفْرَدًا) بفتح الراء وكسرِها باعتبارِ كلِّ واحد.
(أحلوا) في الكلام حذفٌ، أي: اجعَلُوا إحرامَكم عُمرةً، ثمّ حُلُّوا.
(بين الصفا)؛ أي: وبالسَّعي بين الصفا، أو سماه طوافًا.
(قدِمتم) بكسر الدال.
(متعة)؛ أي: عُمرة، ووجْهُ التَّجَوُّز في إطلاقه ظاهرٌ.
(إلا هذا)؛ أي: هذا الحديث، وقيل: المرادُ ليس له بسنَدٍ عن عَطاءٍ إلا هذا لا مُطلقًا.
* * *
1569 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بن سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بن مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنْ شُعْبة، عَنْ عَمْرِو بن مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بن الْمُسَيَّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهما وَهمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا تُرِيدُ إلا أَنْ تنهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا.
التّاسع:
(بِعُسْفان) بضم المهملة الأُولى، وسكون الثّانية: قريةٌ بين مكّة والمدينة، بها بئرٌ على نحوِ مرحلتين من مكّة.
(في المتعة)؛ أي: القِرَان كما سبق بدليل آخِرِ الحديث؛ لمَا فيها من التمتُّع بالتخفيف.
(ألى أن)؛ أي: ما تريد إرادةً منتهيةً إلى ذلك، أو ضَمَّن الإرادةَ معنى المَيْل.
(بهمًا) أي: قِرَانًا، ويحتمل أن القِرَانَ عند عُثمانَ التمتُّع كما سبق آنفًا في قوله:(وأن يجمَع)، أو المرادُ بالمتعة العُمرةُ في أشهر الحجِّ، ولو في ضمْن قِرَان.
* * *