الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويحمل نهيه عن التمتع على هذا، وقيل: إنّما نهى عن التمتُّع المعروف، لكن نهيَ تنزيهٍ لا تحريمٍ.
(أن نأخذ بكتاب الله)؛ أي: بقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، أي: ومن جملة الإتمام المأمورِ به أن يُحْرِم بالحجِّ من الميقات، والمتمتعُ إنّما إحْرامُه من مكّة، أو أن المرادَ بالإتمام امتدادُ زمانِ العمرة إلى وقتِ تحلُّل الحجِّ؛ لكونها في سِلْك واحدٍ.
واعلم أنه صلى الله عليه وسلم إنّما أمَر أبا موسى بالإحلال؛ لأنه ليس معه هَدْيٌ، بخلاف عليٍّ حيث أمرَه بالبقاء؛ لأن معه الهدي، مع أنهما أحر ما كإحرامِه، لكنْ أَمَرَ أبا موسى بالإحلال تشبيهًا بنفسِه لو لم يكن معه هديٌ، وأمر عليًّا مُشبَّهًا به في الحالة الراهنة.
وفي الحديث صحة الإحرام المُعلَّق، وقيل: يحتمل أنهما نَوَيا القِرَان تأسيًّا، فلما سأَلهما أجابا: بأنهما قَرَنا بمثل ما قَرَن، لا أنهما علَّقا إحرامهما بإحرامه.
* * *
33 - بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}
وَقَالَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّال وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ
مِنْ ذِي الْحَجَّةِ.
وَقَالَ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مِنَ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إلا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَكَرِهَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ.
(باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197])
قولُ ابن عُمر: (وعشر)[ذهب] إليه أبو حنيفة، وقال الشَّافعيُّ: تسعٌ وليلةُ النَّحر، وقال مالك: ذو الحِجَّة بكماله، وإنّما جعَل بعضَ الشهر مع الأوَّلَين شهرًا تنزيلًا للبعض منزلةَ الكُلِّ، أو أنَّ الجمْع يَصدُق بكلِّ ما وراءَ الواحد.
(من السنة) وصلَه ابن خُزَيْمَة في "صحيحه"، والدَّارَقُطْنِي، والحاكم، ومعناه: من الشَّريعة، أنَّ ذاك واجبٌ، فلا ينعقد الإحرامُ عند الشَّافعيِّ إلا في أشهره، وأمّا غيرُه فلا يصحُّ شيءٌ من أفعاله إلا في أشهُره.
(خُرَاسان) بضم الخاء: المَمْلكَة المعروفة، موطِن كثيرٍ من علماء المسلمين.
(كِرمان) بكسر الكاف، وقيل: بفتْحها، قال (ك): منْزِل الكَرَم والكرام، ودار أهل السنة والجماعة إلى جانب خُرَاسان، وهما مثَلٌ للبَعيد كالهند والصين ونحو ذلك.
فوجْهُ الكراهة ما فيه من الحرَج والتضرُّر، ولا حرَجَ في الدِّين
ولا إضرارَ، ويحتمل: أن مثل ذلك في البُعد إذا أحرم منه لا يكون الإحرامُ إلا قبل أشهر الحجِّ، وهو: إمّا حرامٌ، أو مكروهٌ على الخلاف، ويحتمل: أنه لكون الإحرام من دُوَيْرَة أهله، ولا أفضلَ من الميقات عند الكثير اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكنَّه لا يُناسب التّرجمة.
* * *
1560 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِي، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بن حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بن مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَيَالِي الْحَجِّ، وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ، قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابهِ فَقَالَ: "مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا"، قَالَتْ: فَالآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابهِ، قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ، وَكَانَ مَعَهُمُ الْهَدْيُ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: "مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهْ؟ "، قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لأَصْحَابكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ، قَالَ:"وَمَا شَأْنُكِ؟ "، قُلْتُ: لَا أُصَلِّي، قَالَ:"فَلَا يَضيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ بناتِ آدَمَ كَتَبَ الله عَلَيْكِ مَا كتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ، فَعَسَى الله أَنْ يَرْزُقَكِيهَا"، قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ، قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الآخِرِ حَتَّى نزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن أَبي بَكْرٍ فَقَالَ: "اخْرُجْ بِأخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَة، ثُمَّ افْرُغَا، ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أنظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي" قَالَتْ: فَخَرَجْنَا، حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ، وَفَرَغْتُ مِنَ الطَّوَافِ ثُمَّ جِئتهُ بِسَحَرَ، فَقَالَ:"هَلْ فَرَغْتُمْ؟ "، فَقُلْتُ: نعمْ، فَأَذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
ضَيْرِ: مِنْ ضَارَ يَضيرُ ضَيْرًا، وُيقَالُ: ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا.
(وحُرُم) بضم المهملة، والراء، قال (ن): أي: أزْمنته وأمكِنته وحالاته، وبفتح الراء: جَمْع حُرْمة، أي: ممنوعات الشَّرع ومحرَّماته.
قال (ش): وبهذا ضبطه الأَصِيْلِي.
(سَرِف) بفتح السين، وكسر الراء، وفتح الفاء، غيرُ منصرفٍ؛ لأنه عَلَمُ البُقعة، وهي على عشر أميالٍ من مكَّة.
(فالآخذ) مبتدأ، (من أصحابه) خبرُه.
(يا هنتاه)؛ أي: يا هذه، وهو بفتح النُّون، وتُسكَّن، وبضمِّ الهاء الأخير، وتُسكَّن، وأصلُه:(هَنٌ) كنايةٌ عن شيءٍ لا يُذكَر باسمه، والأُنثى هَنَةٌ، فإنْ ناديتَ مذكَّرًا قلت: يا هَنٌ، ولك أن تُدخل فيه السَّكْت لبَيان الحركة، وتُشبع حركة النون ألفًا فيصير: يا هَنَاهْ، أو مؤنثًّا قلتَ: يا هَنْت، بسكون النون، أو يا هنتَاه، على ما سبق
في المذكَّر، ولا يُستعملان إلا في النِّداء، وقال التَّيْمِيُّ: الألف والهاء في آخِره كالألف والهاء في النُّدبة، والأصلُ على الأوّل في الهاء السُّكون؛ لأنها للسَّكْت، لكنْ شبَّهوها بالضمير فأثبتُوها وَصْلًا وضمُّوها، وقيل: معناه يا بَلْها عن مُكايدة النَّاس.
(لا أُصلّي) كنايةٌ عن الحيض، وفيه رعايةُ الأدب، وحُسْن المعاشرة.
(يضيرك)؛ أي: يضرُّك، وكذا يضُورك، الثّلاثةُ بمعنى.
(يرزقكها) في بعضها بإشباع كسرة الكاف ياءً.
(النفر) بإسكان الفاء: الانطِلاق، والرُّجوع.
(الآخر) بكسر الخاء، أي: ثالثَ عشَر الحِجَّة، أما الأوّل ففي الثّاني عشر.
(المُحَصَّب) بميم مضمومةٍ، وحاءٍ، وصادٍ مهملتين، والصاد مشدَّدة: موضعٌ بقُرب مكّة، سمي بذلك لاجتماع الحصَا فيه بحمْل السَّيْل؛ لأنه مُنْهَبطٌ، وهو الأبْطَح والبَطْحاء، وحدُّه: ما بين الجبَلَين إلى المَقابر، وليست المقبرة منه، ويُسمَّى موضعَ الجِمار أيضًا من مِنَى المُحَصَّب، وليس مرادًا هنا.
(أفرغا) يدلُّ على أن عبد الرَّحمن اعتمَر معها أيضًا.
(أنظركما)؛ أي: أنتَظِرُكما.
(تأتيان) أصلُه: تأتياني بنون الوقاية، وياء المتكلِّم، فحُذفت الياء اكتفاءً بالكسرة.