الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى كانوا يبدؤون بالشيء الآخر، لأن نفي النَّفْي إثبات، وهو نقيض المقصود، لأنا نقول هو تأكيد للنفي السابق أو هو ابتداء كلامٍ.
(ولا أحد) عطفٌ على فاعل (لم ينقضها)، أي: لا ابن عُمر ولا أحدٌ.
قال: وفيه حُجَّةٌ لمن اختار الإفرادَ؛ لأن النّبيّ صلى الله عليه وسلم -ولا أحدًا [من صحبه]- لم يَعدِل إلى تمتُّعٍ ولا قِرَانٍ.
(مسحوا) مؤوَّل بأنهم طافوا، أو سعوا وحَلَقوا، فحذف للعلم به كما سبق بيانه قريبًا، ولا يُنافي هذا قوله: إنهما لا يحلان؛ لأن الأوّل في الحجِّ، والثّاني في العُمْرَة، وغرَضه انهم كانوا إذا أحرموا بالعُمْرَة يحلُّون بعد الطَّواف ليُعلم أنهم إذا لم يحلُّوا بعده لم يكونوا معتمِرين ولا فاسخِين للحج، وذلك لأن الطَّواف في الحجِّ للقُدوم، وفي العُمْرَة للرُّكْن.
* * *
79 - بابُ وُجُوبِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَجُعِلَ مِنْ شَعَائِرِ الله
(باب وُجوبِ الصَّفا والمَروةِ)
هو على حذْف مضافٍ، أي: وجوب سَعْي الصفا والمروة؛ لأن الحكم إنّما يتعلَّق بالأفعال لا بالذَّوات، وكذا في قوله:(وجعل)؛ أي: السَّعي بينهما، وفي بعضها:(وجعلا).
(شعائر) جمع شعيرةٍ، وهي العلّامة، أي: جُعِلا من علامات طاعة الله.
* * *
1643 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ، سَألْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ قَوْلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ، فَوَالله مَا عَلَى أَحَدٍ جُنَاحٌ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَتْ: بِئْسَ مَا قُلْتَ يَا ابن أُخْتِي! إِنَّ هَذِهِ لَوْ كَانَتْ كمَا أَوَّلْتَهَا عَلَيْهِ كَانَتْ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَطَوَّفَ بِهِمَا، وَلَكِنَّهَا أُنْزِلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَّةِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونها عِنْدَ الْمُشَلَّلِ، فَكَانَ مَنْ أَهَلَّ يَتَحَرَّجُ أَنْ يَطُوفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا سَأَلوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! إِنَّا كنَّا نتَحَرَّجُ أَنْ نَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الطَّوَافَ بَينَهُمَا، فَلَيسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ مَا كنْتُ سَمِعْتُهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْم، يَذْكُرُونَ أَنَّ النَّاسَ إلا مَنْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ مِمَّنْ كَانَ يُهِلُّ بِمَنَاةَ، كَانُوا يَطُوفُونَ كُلُّهُمْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا ذَكَرَ الله تَعَالَى الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فِي الْقُرْآنِ قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! كنَّا نَطُوفُ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،
وَإِنَّ الله أَنْزَلَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ، فَلَمْ يَذْكرِ الصَّفَا، فَهَلْ عَلَيْنَا مِنْ حَرَجٍ أَنْ نطَّوَّفَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ فَأنْزَلَ الله تَعَالَى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآيَةَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَسْمَعُ هَذِهِ الآيَةَ نزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كلَيْهِمَا؛ فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْجَاهِلِيَّةَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الإسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الله تَعَالَى أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ.
(أرأيت)؛ أي: أخبرْني عن هذه الآية؛ إذ مفهومها عدَم وُجوب السَّعي بينهما؛ لأن فيها نفْي الجُناح، وهو الإثم في الطّواف بهما، فمِنْ أين الإثْم في ترك ذلك؟، فأجابته بأنه:(لو كانت كما أولتها عليه كان: لا جناح عليه أن لا يطوف)؛ أي: فكان ينتَفي الإثم عمَّن لم يطُف، فيُعرف أنه غير واجبٍ.
قال (ن): وهذا من بَدِيْع عِلْمها، وثاقِب فهمها، وكثرة معرفتها بدقائق الألفاظ؛ لأن الآية دلَّتْ على رفْع الجُناح عن الطائف، فلا دلالةَ فيها لا على الوُجوب، ولا على عدَمه، وبَيَّنت السبَبَ في نُزولها، والحكمةَ في نظْمها، وقد يكون الفعل واجبًا، ويعتقدُ الإنسان أنه يمتنع إيقاعه على صفةٍ مخصوصةٍ، كمَنْ عليه صلاة الظُّهر فظنَّ أنه لا يجوز فعْلُها عند الغُروب، فسأَل، فقيل في جوابه: لا جُناحَ عليك إنْ صلَّيتَها في هذا الوقت، فإنَّ الجَواب صحيحٌ، ولا يقتضي نفْيَ
وجوب صلاة الظهر.
(لِمَناةَ) بفتح الميم، وخِفَّة النون: اسمُ صنَمٍ كان نصَبه عَمْرو بن لُحَيٍّ بالمُشَلَّل ممّا يلي قُدَيدًا، فجرُّه بالفتحة للعلَّمية والتَّأْنيث.
(الطاغية) فاعلُه، من الطُّغيان، صفةٌ لها، ولو رُوي بكسر (مَنَاة) وإضافتها للطَّاغِية، ويكون موصوفُ الطاغية محذوفًا، أي: الفُرقة الطَّاغية، وهم الكفَّار = لجازَ.
(المُشَلَّل) بضم الميم، وفتح المشدَّدة: موضعٌ قريبٌ من قُدَيد قريب البحر، فلمَّا كان صنم الأنصار بالمُشَلَّل، ولغيرهم صنَمان بالصَّفا: إِسَافٌ بكسر الهمزة، وخفَّة السين، وبالمَرْوَة نائِلَة، بالنُّون، والهمزة، والمَدِّ، تَحرَّجوا من الطَّواف بينهما كراهيةً لذَينِكَ الصَّنَمَين، وحُبهم صنَمهم الّذي بالمُشَلَّل.
(يتحرج) بمهملةٍ، ثمّ جيمٍ، أي: يَخافُ الحرَج، ومقصود عائشة: أنَّ نفْي الحرَج لم ينصرف إلى نفي الفعل، بل إلى مَحَلِّ الفِعل.
قال (ش): لأنهم كانوا يعبُدون في تلك البُقعة الأصنامَ، فتحرَّجوا أن يتخذونها مَعبَدًا لله سبحانه وتعالى.
قلتُ: سياق ما ذكَرتْه عائشةُ مِنْ أنَّ لهم صنَمًا بالمُشَلَّل يُنافي أن التحرُّج كان لأنهم كانوا يعبدون الأصنامَ عند الصَّفا والمروة، فكرِهوا أن يُعبد الله في ذلك الموضع المكروه، إنّما هذا سبَبٌ آخر محتملٌ خارجٌ عن السَّبَب الّذي ذكرتْه عائشة، والمذكورِ بعده.
(وقد سن)؛ أي: شرَع وجعلَه رُكنًا، واستِفادةُ ذلك إمّا من فِعْله مع انضمام:"خُذُوا عنِّي مَناسِكَكُم"، أو فهِمتْ بالقَرائن أنَّ فِعْله للوُجوب، أو أنَّ مَذْهبهما أنَّ مجرَّد فِعْله للوجوب كما قال به من العُلماء: ابن سُرَيْج وغيره، فالسَّعي ركنٌ عند الشَّافعي، ومالك، وأحمد، وقال أبو حنيفة: واجبٌ يصحُّ الحجُّ بدُونه، ويُجبر بدمٍ.
(ثمّ أخرت) هو من قول الزُّهْرِي.
(لعلم) بفتح اللام الأُولى، وتنوين علمٍ، وفي بعضها:(إن هذا العِلْمَ)، منتصبٌ صفةً لهذا.
(كنت) بتاء المتكلِّم، وقال (ك): إنها تاء المخاطَب على النُّسخة الأُولى، وهي:(لعِلْمٌ).
قال: (وما) موصولةٌ، نصبٌ على الاختصاص، أو رفعٌ صفةً، أو خبر بعد خبر، و (ما) نافيةٌ، و (كنتُ) بصيغة المتكلِّم، وحاصلُه استِحسان قَولها.
(كلاهما) هو على لُغة مَنْ يُلزمها الألف دائمًا، أي: فالآية لردِّ معتقَد الفريقَين صريحًا.
(حتّى ذكر ذلك)؛ أي: الطَّوافَ بينهما بعد ذِكْر الطَّواف بالبيت، وفي بعضها:(بعد ذلك)، أي: إن لفْظَ (ما ذَكَر) يدلُّ على ذلك، و (ما) مصدريةٌ، والكاف مقدرةٌ كما في: زيدٌ [أسدٌ](1)، أي: ذكر السَّعي بعد ذِكْر الطَّواف، فذكر الطَّواف واضحًا جليًّا، ومَشروعًا
(1) انظر: "الكواكب الدراري"(8/ 147).