الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
34 -
كتاب البيوع
وقَولِ الله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وقوله:{إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} [البقرة: 282].
1 - باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الله تَعَالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} ، وَقولهِ:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}
.
(كتاب البُيوع)
جمع: بَيْعٍ، يُطلَق مرَّةً بمعناه المشهور، وتارة بمعنى الشِّراء، كما يُطلَق الشِّراء بمعنى البَيْع.
ومعنى البيع اصطلاحًا: قال الرَّافِعي: مُقابَلَة مالٍ بمالٍ، وزاد بعضُهم: على وجه التَّمليك الأَبَديِّ، ومنهم من تعقَّب هذا، وضبْطُ ذلك في الفِقْه.
* * *
2047 -
حَدَّثَنَا أبو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَني سَعِيدُ بن الْمُسَيَّبِ، وَأبُو سَلَمَةَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ أبا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكم تَقُولُونَ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبي هُرَيْرَةَ؟! وَإِنَّ إِخْوَتي مِنَ الْمُهاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُم صَفْق بِالأَسْوَاقِ، وَكنْتُ ألزمُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، فَأَشْهدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحْفَظُ إِذَا نسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوتي مِنَ الأَنْصَارِ عَمَلُ أَموَالِهِم، وكُنْتُ امرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ، أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَد قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ:"إِنَّهُ لَنْ يبسُطَ أَحدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضيَ مَقَالَتي هذِهِ، ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلَّا وَعَى مَا أَقُولُ"، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ، حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَالتهُ، جَمَعْتُها إِلَى صَدرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.
الحديث الأول:
(ما بال)؛ أي: ما حالُ؟
(إخوتي)؛ أي: في الدِّين.
(يشغلهم) بفتْح أوَّله: مِن شغَلَه الشَّيءُ، وأما أَشْغَل فلُغةٌ رديئةٌ.
(سفق) يُقال بالسِّين، قال (ح): قال الخَلِيْل: كلُّ سينٍ أو صادٍ قبْل القاف فيها اللُّغتان، ولو فُصِلتْ ولكن اجتمعتَا في كلمةٍ، لكنَّ الصَّاد في بعضها أحسَنُ، وفي بعضٍ السِّين أحسَن.
قال: وكانُوا إذا تَبايعوا تَصَافَقوا بالأكُفِّ أمارةً على انتقال كلٍّ من يدِه إلى يدِ الآخَر؛ لأنَّ القَبْض ونحوه بالأَيدي، وكان المُهاجِرون تُجَّارًا، والأنصار أصحابَ زَرْعٍ، فيَغيبُون بسبَبها عن حضْرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أكثَر أحواله، فلا يُحدِّثون إلا بما كان في وقْت حُضورهم، وأبو هُريرة حاضرٌ دَهْرَه لا يَفوتُه شيءٌ منها إلا ما شاءَ الله، ثم لا يَستَولي عليه النِّسْيان لصِدْق عِنَايته بضَبْطه، وقِلَّةِ اشتِغاله بغيره، وقد لحقَتْه دَعوةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقَامَتِ الحُجَّة على مَن أنكَر أمرَه واستَغْربَ شأْنَه.
(عمل أموالهم)؛ أي: الزِّراعة.
(الصُّفَّة)؛ أي: مَأوَى فُقَراء المُهاجِرين، ومَنْ لا سكَنَ له، وهو موضعٌ مُظَلَّلٌ في المسجد.
(أعي)؛ أي: أضْبط، وهو استئنافٌ، أو حالٌ من الضَّمير في (كنْتُ) وإنْ كان مضارعًا وكان ماضيًا؛ لأنه لحكاية الحالِ الماضية.
(حين ينسون) ولم يذكُر في حقِّهم ما قال في المُهاجِرين: (أشْهدُ
إذا غابُوا)، إما لأنَّ المدينة بلَدُهم ووقْت الزِّراعة معلومٌ، وإما أن يُجعل: أَعِي ما يَنسَونَ، عائدًا للطَّائفتين، كما في: أشْهدُ إذا غابُوا، وأحفَظُ إذا نسُوا، بأن يُقَدَّرا في قصَّة الأنصار أيضًا بقَرينة السِّياق وسائرِ الروايات المعجمة (1) كما سبق في (باب: حِفْظ العِلْم).
(نمرة)؛ أي: كِسَاءَ ملوَّنًا كأنَّه من النَّمِر؛ لمَا فيه من سوادٍ وبياضٍ.
وفيه فَضْل أبي هريرة، وكان حافِظَ الأمَّة، لكنْ لا يَلزم من كَونه أكثَر أخْذًا للعِلْم وأزهدَ أفضليَّته على غيره مُطلَقًا؛ لأنَّ جِهات الأفضليَّة لا تَنحصِر في ذلك، فلغَيره الذي هو أفْضَلُ منه أمورٌ أُخرى غير ذلك.
* * *
2048 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بن عَبْدِ الله، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ رضي الله عنه لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ: آخَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْني وَبَيْنَ سَعدِ بن الرَّبيعِ، فَقَالَ سعدُ بن الرَّبيعِ: إِنِّي أكثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي، وَانْظُرْ أَيَّ زَوْجَتَيَّ هوِيتَ نزَلْتُ لَكَ عَنْها، فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَها. قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعَ. قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَأتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ
(1) في "ب": "المقحمة".
تَابَعَ الْغُدُوَّ، فَمَا لَبثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:"تَزَوَّجْتَ؟ "، قَالَ: نعم. قَالَ: "وَمَنْ؟ " قَالَ: امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "كَم سُقْتَ؟ " قَالَ: زِنة نواةٍ مِنْ ذهبٍ، أَوْ نواةً مِنْ ذَهبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَولم وَلَوْ بِشَاةٍ".
الحديث الثاني:
(آخى)؛ أي: جعلَنا أخَوَين من أَخَوْتُ الرَّجُلَ إخاوةً: صِرْتُ له أخًا، وقد استُشهد سَعْد بن الرَّبيعْ هذا في أُحدٍ.
(أيُّ امرأتيَّ) بالتثنية، و (أيُّ) إذا أُضيفتْ إلى المؤنَّث تُذكَّر وتُؤنَّث، فيُقال: أيُّ امرأة، وأيَّةُ امرأة.
(هويت)؛ أي: أردتَ نكاحَها.
(نزلت)؛ أي: طلَّقْتُ.
(حلت)؛ أي: انقَضَتْ عِدَّتها.
(قَيْنُقِاع) بفتح القاف الأُولى، وسُكون الياء، وضمّ النُّون، أو فتحها، أو كسرها، وبالقاف، والمهملة، يَنصرف ولا يَنصرف، على إرادةِ الحيِّ، أو القَبيلة، وهم شَعْث من يَهود المدينة أُضيفَتْ إليهم السُّوق.
(تابع العدو)؛ أي: الذهاب، فهو مصدرٌ، أي: في اليوم الثاني وهكذا، وفي بعضها:(الغَد) ضدُّ الأَمْس.
(صُفْرة)؛ أي: من الطِّيْب الذي استعملَه عند الزَّفاف.
(ومن)؛ أي: من التي تَزوَّجتَها.
(امرأة) هي بنت أبي الحسَن بن أبي رافِع، ولم تُسمَّ هي.
(سقت)؛ أي: أعطَيتَ.
(نواة) اسمٌ لخمسةِ دراهم، كما أنَّ النَّشَّ اسمُ لعِشْرين درهما، والأُقِيَّة لأربعين درهمًا، أي: أصدقها وزْنَ خمسة دراهم من الذَّهب، أي: ثلاث مَثاقيل ونصْف، وقيل المراد: وَزْن نوَاةِ التَّمْر من ذهبٍ، وقال أحمد: النَّواة ثلاثُ دراهم وثلُث، وقال بعض المالكية: ربُعُ دينارٍ.
(أولم)؛ أي: اتخذ وليمةً، وهي طعامٌ في العُرس، والأمر فيه للنَّدب، وقيل: للوجوب.
(بشاة) هذا مع القُدرة، وإلا فقد أَوْلَمَ صلى الله عليه وسلم في بعض نِسائه بسَويقٍ وتمرٍ.
* * *
2049 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن يُونس، حَدَّثَنَا زُهيْرٌ، حَدَّثَنَا حُمَيدٌ، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عَوْفٍ الْمَدِينَةَ، فآخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعدِ بن الرَّبيعِ الأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ سَعدٌ ذَا غنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصفَيْنِ، وَأُزَوِّجُكَ. قَالَ: بَارَكَ الله لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ. فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمنًا، فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ، فَمَكَثْنَا يَسِيرًا، أَوْ: مَا شَاءَ الله، فَجَاءَ
وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبي صلى الله عليه وسلم:"مَهْيَم؟ " قَالَ: يَا رَسُولَ الله! تَزَوَّجْتُ امرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ: "مَا سُقْتَ إِلَيها؟ " قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهبٍ. قَالَ:"أَوْلم وَلَوْ بِشَاةٍ".
الحديث الثالث:
(استفضل)؛ أي: رَبحَ.
(وَضَر) بفتح الواو، والمعجَمة، ثم راء: لَطْخٌ من خَلُوقٍ، أو طِيْبٌ له لونٌ، وقال (ش): هو أثَرٌ من غير الطِّيْب.
(مَهْيَم) بفتح الميم والياء، وبينهما هاءٌ ساكنة: كلمةٌ يُستَفهم بها، أي: ما شَأنُك؟، وقيل: إنها يمانِيَةٌ، وهي مبنية على السُّكون.
(نواة) وفي بعضها: (وَزْنَ نَواةٍ) والأحسَن نصبه؛ لأنَّ السُّؤال جملةٌ فعليةٌ، فيكون الجواب كذلك للتَّشاكُل، ويجوز الرفْع لتُشاكِل (ما)؛ فإنها مبتدأٌ.
* * *
2050 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بن مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمرٍو، عَنِ ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإسْلَامُ، فَكَأنَّهمْ تأثَّمُوا فِيهِ، فَنَزَلَتْ:{لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِم الْحَجِّ، قَرَأهَا ابن عَبَّاسٍ.