الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبهًا كافيًا في تحميله الضمان قياسًا على الأجير. وهذا ليس صحيحًا، وإنما السبب في تضمين الصناع أن الصناع يغيبون عن الأمتعة في غالب الأحوال، والأغلب عليهم التفريط وترك الحفظ، وأما انفراد المضارب في إدارة المال فإنه الأصل في عقد المضاربة، بل إن بعض أهل العلم يشترط لصحة المضاربة انفراد المضارب بالتصرف، ولم يقل أحد من أهل العلم أن انفراده بالتصرف موجب لضمانه، ولو صح هذا القياس للزم أن يقال: إن الوديع والوكيل المشترك يضمن وإن لم يتعد أو يفرط؛ لكونه مشتركًا وينفرد بالحفظ والعمل، وهذا غير صحيح. والله أعلم
(1)
.
الدليل الخامس:
قد صحح المالكية التطوع بالضمان بعد العقد وبعد الشروع فيه، ويصبح الوعد به ملزمًا للعامل؛ فإذا صح التطوع بالضمان بعد العقد، صح التطوع بالضمان في صلب العقد؛ لأن ما لا يجوز التزامه في العقد لا يجوز التطوع بالتزامه بعده.
ويناقش:
بأن مذهب المالكية أن عقد المضاربة عقد لازم، وليس عقدًا جائزًا خلافًا لمذهب الجمهور، وأن العقد لا يلزم إلا بالشروع فيه، وأن التطوع بالضمان عندهم إن كان قبل لزوم العقد لم يصح؛ لأن التطوع به يلحق بالعقد؛ لأن العقد قبل لزومه لم يستقر بعد فجميع ما يضاف إلى العقد قبل لزومه يلحق بأصل العقد، ويكون تعديلًا للعقد السابق، والضمان في هذه الحالة يكون كما لو
(1)
انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر (3/ 164 - 165)، الخدمات الاستثمارية في المصارف (2/ 128).
اشترط في صلب العقد، تمامًا كما لو زيد في الثمن أو في المبيع قبل لزوم البيع أو في مدة الخيار فإنه يلحق بالثمن أو بالمبيع.
وإن كان التطوع بالضمان بعد لزم العقد لم يلحق بالعقد على الصحيح، ويعتبر هبة محضة منفصلة عن العقد، وليست جزءًا منه، فلا تلحق بالعقد، وهذا هو السبب الذي جعل المالكية يفرقون بين أن يكون الضمان في صلب العقد فيكون فاسدًا مفسدًا، وبين التبرع به بعد لزوم العقد والشروع في العمل فلا يكون فاسدًا.
ولو كان الإلزام بالضمان في هذه الحالة عند المالكية يرونه جزءًا من المعاوضة لم يلزموا به؛ لأن مذهب المالكية صريح في منع الإلزام بالوعد في باب المعاوضات، كما بينا مذهبهم في بيع المرابحة للآمر بالشراء
(1)
، وإنما تبنوا الإلزام بالوعد في باب التبرعات وما كان من قبيل المعروف المحض، إن خرج على سبب، ودخل الموعود له بسببه في كلفة، وهو مذهب لهم خلافًا لمذهب الجمهور
(2)
.
(1)
الذخيرة (5/ 17) التاج والإكليل (4/ 405)، مواهب الجليل (4/ 406)، الاستذكار (19/ 255)، الخرشي (5/ 107)، الكافي في فقه المدينة (ص: 325 - 326).
(2)
مسألة الإلزام بالوعد بالمعروف قد اختلف فيها أهل العلم إلى أقوال:
القول الأول: ذهب الشافعية، والحنابلة، وابن حزم من الظاهرية، واختاره بعض المالكية إلى أن الوفاء بالوعد بالمعروف مستحب، وليس بواجب.
انظر في اختيار بعض المالكية، التمهيد لابن عبد البر (3/ 209)، البيان والتحصيل (8/ 18).
وفي مذهب الشافعية: المجموع (4/ 485)، الأذكار للنووي، وشرحها الفتوحات الربانية (6/ 158).
وفي مذهب الحنابلة، انظر: المبدع (9/ 345)، الإنصاف (11/ 152).
وانظر المحلى لابن حزم (8/ 28).
القول الثاني: ذهب الإمام مالك في المشهور من مذهبه إلى أنه يجب الوفاء بالوعد إن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خرج على سبب، ودخل الموعود له بسببه في كلفة، أما إذا لم يباشر الموعود السبب فلا شيء على الواعد.
وقال أصبغ: يجب الوفاء بالعدة إذا كانت مرتبطة بسبب، سواء دخل الموعود بسببه في كلفة أو لم يدخل فيه.
مثاله: كما لو قال له: اهدم دارك، وأنا أعدك أن أقرضك ما يعينك على بنائه، أو قال له تزوج: وأنا أقرضك المهر، فعلى قول مالك لا يجب الوفاء إلا إذا باشر الهدم أو دخل في كلفة الزوج.
وعلى قول أصبغ: يجب الوفاء ولو لم يباشر الهدم أو يدخل في كلفة الزواج.
الفروق للقرافي (4/ 25)، البيان والتحصيل (8/ 18)، تحرير الكلام في مسائل الالتزام (ص: 155)، المنتقى للباجي (3/ 227).
القول الثالث: ذهب الحنفية إلى أن الوعد لا يكون لازمًا إلا إذا كان معلقًا.
مثاله: أن يقول رجل لآخر: بع هذا الشيء على فلان، وإذا لم يعطك ثمنه، فأنا أعطيك إياه. فإذا لم يعطه المشتري الثمن لزم الواعد أداء الثمن المذكور.
أما إذا كان الوعد وعدًا مجردًا، أي غير مقترن بصورة من صور التعاليق، فلا يكون لازمًا.
مثال ذلك: لو باع شخص مالا من آخر بثمن المثل، أو بغبن يسير، وبعد أن تم البيع، وعد المشتري البائع بإقالته من البيع، إذا رد له الثمن، فلو أراد البائع استرداد المبيع، وطلب إلى المشتري أخذ الثمن، وإقالته من البيع، فلا يكون المشتري مجبرًا على إقالة البيع، بناء على ذلك الوعد; لأنه وعد مجرد.
كذلك، لو قال شخص لآخر: ادفع ديني من مالك، والرجل وعده بذلك، ثم امتنع عن الأداء، فلا يلزم بوعده هذا على أداء الدين.
ولعل الفرق بين قول الحنفية وبين قول أصبغ: أن ما ذهب إليه الحنفية مرتبط ارتباط الشرط بمشروطه، بخلاف ما ذهب إليه أصبغ:
يتضح ذلك من خلال المثال الآتي، لو قال رجل: أريد أن أتزوج، فهل تسلفني، فقال: نعم، لزم الوفاء على قول أصبغ؛ لأن الوعد ارتبط بسبب، ولم يلزم على قول الحنفية لأن الوعد لم يرتبط بالتعليق.
انظر في مذهب الحنفية: المادة (84) من مجلة الأحكام العدلية، وانظر درر الحكام شرح مجلة الأحكام (1/ 87)، البحر الرائق (3/ 339)، الأشباه والنظائر بحاشية الحموي (3/ 237). =
فإذا كان هذا هو التوصيف الفقهي عند المالكية للتبرع بالضمان، وأنهم إنما قبلوه وصححوه؛ لأنه من قبيل الوعد بالمعروف بعد لزوم العقد والشروع فيه لم يكن له صفة الإلزام على الصحيح، وقد قال فضيلة الشيخ نزيه حماد نفسه في المواعدة على الشراء:«لم ينقل عن أحد منهم - يعني من الفقهاء- قول بأن في المواعدة قوة ملزمة لأحد المتواعدين، أو لكليهما؛ لأن التواعد على إنشاء عقد في المستقبل ليس عقدًا»
(1)
.
وأما قولهم: إذا صح التطوع بالضمان بعد العقد، صح التطوع بالضمان في صلب العقد فهذا الكلام غير صحيح؛ لأن التطوع به في صلب العقد، وقبل
= القول الرابع: ذهب القاضي سعيد بن أشوع الكوفي، وابن شبرمة، واختاره بعض المالكية إلى وجوب الوفاء بالعدة، وأنه يقضى بها مطلقًا.
انظر صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب من أمر بإنفاذ الوعد (3/ 236)، الفروق (4/ 25)، المحلى (8/ 28).
القول الخامس: اختار تقي الدين السبكي الشافعي، إلى أن العدة يجب الوفاء بها ديانة لا قضاء، ورجحه فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي.
قال تقي الدين السبكي الشافعي كما في الفتوحات الربانية (6/ 258): «ولا أقول يبقى دينًا في ذمته حتى يقضى من تركته، وإنما أقول: يجب الوفاء تحقيقًا للصدق، وعدم الإخلاف» .
وقال الشنقيطي كما في أضواء البيان (4/ 304): «والذي يظهر لي أن إخلاف الوعد لا يجوز
…
ولا يجبر به؛ لأنه وعد بمعروف محض».
وقد ذكرنا أدلتهم عند الكلام على بيع المرابحة للآمر بالشراء، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، ولله الحمد وحده.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (5/ 2/935).
لزومه يكون جزءًا من عقد المعاوضة بخلاف التبرع به بعد لزوم العقد، ولا يصح أن تقاس عقود المعاوضات على عقود التبرعات، وذلك أن عقود التبرعات يتسامح فيها ما لا يتسامح في عقود المعاوضات، حثًا للناس على التبرع، وترغيبًا لهم في ذلك، ألا ترى أن صورة القرض هي تمامًا صورة بيع النقد بالنقد نسيئة، لكن أبيح الأول؛ لأنه تبرع، ومنع الثاني؛ لأنه معاوضة، والغرر الكثير مؤثر في عقود المعاوضات بالاتفاق، أما في عقود التبرعات فالصحيح الذي عليه الجمهور أنه غير مؤثر
(1)
.
ولو أنه أقرضه بشرط أن يقضيه خيرًا مما أعطاه حرم بالاتفاق، ولو قضاه خيرًا مما أعطاه بلا شرط لم يحرم على الصحيح.
(ح-907) يدل لذلك ما رواه مسلم من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار،
عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرًا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارًا رباعيًا، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء
(2)
.
(3)
.
(1)
انظر الخدمات الاستثمارية في المصارف (1/ 322).
(2)
صحيح مسلم (1600).
(3)
التمهيد لابن عبد البر (4/ 68)، وانظر عمدة القارئ (12/ 135).