الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
في بيان جنس البذر
[م-1445] إذا عين صاحب الأرض نوعًا من الزرع كالقطن أو القمح وجب على المزارع أن يلتزم بذلك وفاء للشرط، فإن خالف العامل كان للمالك الخيار بين الفسخ وبين إمضاء العقد
(1)
.
[م-1446] كما نص الحنفية والحنابلة على أن صاحب الأرض إذا قال: ازرع فيها ما شئت جاز للعامل أن يزرع فيها ما شاء؛ لأنه لما فوض الأمر إليه فقد رضي بالضرر الذي قد ينجم عن الزراعة، ورضي بأن تكون حصته النسبة المتفق عليها من أي محصول تنتجه الأرض.
قال ابن قدامة: «وإن قال: ما زرعتها من شيء فلي نصفه صح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ساقى أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع»
(2)
.
[م-1447] أما إذا لم يفوض الأمر إليه فقد نص الحنفية والشافعية والحنابلة على أنه يشترط بيان ما يزرعه؛ لأن الشركة بينهما في الزرع، والعلم به شرط، وهي بمثابة الأجرة للعامل، فلا بد من العلم بها، ولأنه ربما يختار بذرًا تتضرر به الأرض، أو يحتاج إلى زيادة كلفة، أو يتأثر مقدار الخارج .... إلى غير ذلك من المصالح.
إلا أن الحنفية نصوا على أنه إذا لم يبين فإن كان البذر من رب الأرض جاز؛ لأن العقد لا يكون لازمًا في حقه قبل إلقائه
(3)
، وعند الإلقاء يصير معلومًا.
(1)
حاشية الشلبي على تبيين الحقائق (5/ 279).
(2)
المغني (5/ 229).
(3)
سبق لنا حين الكلام على توصيف عقد المزارعة أن الحنفية يرون أن العقد ليس لازمًا في حق من عليه البذر بخلاف صاحبه، فإذا ألقي في الأرض أصبحت لازمة من الجانبين.
وإن كان البذر من العامل لا يجوز إذا لم يبين إلا إذا عمم بأن قال: ازرع ما بدا لك؛ لأن العقد لازم في حق صاحب الأرض، فإن زرعها انقلبت صحيحة؛ لأنه خلى بينه وبين الأرض وتركها في يده حتى ألقى البذر، فقد تحمل الضرر، فيزول المفسد كغيره من العقود الفاسدة يفيد الملك إذا أذن له بالقبض
(1)
.
هذا الكلام في مذهب الحنفية وجه القياس، وفي الاستحسان بيان ما يزرع في الأرض ليس بشرط، فوض الرأي إلى المزارع أو لم يفوض بعد أن ينص على المزارعة، فإنه مفوض إليه
(2)
.
جاء في درر الحكام شرح مجلة الأحكام: «يشترط أن يكون المزروع معلومًا، أي يشترط تعيين الزرع: أي ما سيزرع، أو تعميمه على أن يزرع الزارع ما يشاء; لأن الأجرة في المزارعة هي بعض الحاصلات، وبيان الأجرة شرط في صحة العقد، كما أن بعض الزرع يضر الأرض ضررًا بليغًا، فلذلك إذا لم يبين في العقد جنس البذر، فينظر فإذا كان البذر مشروطا إعطاؤه من قبل صاحب الأرض فيكون جائزًا; لأنه في هذه الصورة لا تتحقق المزارعة قبل الزرع ......... ويعلم البذر والأجرة بعد الزرع .... إذ الإعلام عند التأكيد بمنزلة الإعلام وقت العقد. وإذا كان البذر من طرف العامل: أي الزارع، ولم يعين كما أنه لم يعمم فتفسد المزارعة; لأنها لازمة في حق صاحب الأرض قبل إلقاء البذر، فلا تجوز، وإذا لم يعين البذر، ولم يعمم أيضا إلا أن الأرض زرعت فتنقلب المزارعة إلى الصحة، حيث قد أصبح البذر معلومًا; لأنه خلى بينه وبين
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (3/ 468)، الهداية شرح البداية (4/ 54)، الفتاوى الهندية (5/ 235)، تبيين الحقائق (5/ 279).
(2)
العناية شرح الهداية (9/ 465)، البحر الرائق (8/ 182).
الأرض، وتركها في يده حتى ألقى بذره، فقد تحمل الضرر فيزول المفسد فيجوز»
(1)
. هذا مذهب الحنفية.
وأما مذهب الشافعية فقد جاء في مغني المحتاج: «قال الدارمي: ويشترط أيضًا بيان ما يزرعه بخلاف إجارة الأرض للزراعة؛ لأنه هناك شريك، فلا بد من علمه به بخلاف الآخر إذا لا حق له في الزرع»
(2)
.
وفي مذهب الحنابلة، جاء في مطالب أولي النهى: «وشُرِطَ في عقد مزارعة عِلْمُ جنس بذر
…
برؤية أو صفة لا يختلف معها»
(3)
.
وخالف في ذلك ابن حزم، فقال: إن اتفقا على شيء تطوعًا في الأرض فحسن، وإن لم يذكر شيئًا فحسن، وإن شرط شيء من ذلك في العقد فهو شرط فاسد، وعقد فاسد بناء على مذهبه في الشروط وهو أن الأصل في الشروط البطلان إلا ما نص الشارع على صحته بعينه.
يقول في المحلى: «فإن اتفقا تطوعا على شيء يزرع في الأرض فحسن وإن لم يذكرا شيئا فحسن؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر لهم شيئًا من ذلك، ولا نهى عن ذكره فهو مباح ولا بد من أن يزرع فيها شيء ما فلا بد من ذكره إلا أنه إن شرط شيء من ذلك في العقد فهو شرط فاسد وعقد فاسد; لأنه ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل إلا أن يشترط صاحب الأرض ألا يزرع فيها ما يضر بأرضه أو شجره - إن كان له فيها شجر - فهذا واجب ولا بد لأن خلافه فساد وإهلاك للحرث.
(1)
درر الحكام شرح مجلة الأحكام (3/ 468)، وانظر الهداية شرح البداية (4/ 54).
(2)
مغني المحتاج (2/ 324)، أسنى المطالب (2/ 402)، حاشية البجيرمي (3/ 163).
(3)
مطالب أولي النهى (3/ 572).