الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في شروط المزارعة
الشرط الأول
أهلية العاقدين
[م-1444] يشترط لصحة عقد المزارعة في حق العاقدين ما يشترط في سائر عقود المعاوضات.
وقد تكلمنا في عقد البيع عن اشتراط أهلية العاقد، وأن هناك من الشروط ما هو متفق عليه بين الفقهاء، وما هو مختلف فيه بينهم:
فالمتفق عليه: اشتراط العقل: فلا تصح مزارعة مجنون، وصبي غير مميز؛ لأن العقل شرط أهلية التصرف، وهؤلاء ليس لهم قصد صحيح.
وأما المختلف فيه بين الفقهاء فمزارعة الصبي المميز.
فالشافعية يشترطون البلوغ والرشد لصحة العقد
(1)
.
جاء في مغني المحتاج: «تصح من جائز التصرف لنفسه؛ لأنها معاملة على المال كالقراض .... ولصبي ومجنون وسفيه بالولاية عليهم عند المصلحة»
(2)
.
والجمهور يصححون عقد الصبي المميز إذا كان مأذونًا له فيه، وقد تكلمنا عن أدلة الفريقين في عقد البيع، فأغنى ذلك عن إعادته هنا، والراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء بأن الصبي المميز إذا أذن له وليه بالتصرف صحت مزارعته.
(1)
مغني المحتاج (2/ 232)، منهاج الطالبين (ص: 75)، جواهر العقود للسيوطي (1/ 199).
(2)
مغني المحتاج (2/ 323).
(1)
.
وجاء في مجلة الأحكام العدلية: «يشترط أن يكون العاقدان في المزارعة عاقلين، ولا يشترط بلوغهما، فلذلك يجوز للمأذون عقد المزارعة»
(2)
.
هذا هو المعروف من مذهب الجمهور أن عقد الصبي المميز يصح بإذن الولي، ومع ذلك فقد عبر بعض المالكية وبعض الحنابلة باشتراط البلوغ.
جاء في كفاية الطالب الرباني «ولجوازها شروط ـ يعني المزارعة ـ أحدها: المتعاقدان: ويشترط فيهما أهلية الشركة والإجارة» . وهذا النص لا إشكال فيه؛ لأنه متفق مع الجمهور، لكن قال العدوي في حاشيته شارحًا هذا النص:
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع (6/ 176)، وانظر المبسوط (23/ 123)، الفتاوى الهندية (5/ 235).
(2)
مجلة الأحكام العدلية، مادة (1433).
(3)
حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (2/ 214)، وانظر الذخيرة للقرافي (6/ 137).
قلت: بل الأولى عدم الإسقاط ليتسق مع سائر العقود بأن تصرف الصبي المميز يصح بإذن الولي، والله أعلم.
وجاء في شرح منتهى الإرادات «ويعتبر لمساقاة ومناصبة، ومزارعة كون عاقد كل منهما نافذ التصرف، بأن يكون حرًا بالغًا رشيدًا؛ لأنها عقود معاوضة أشبهت البيع»
(1)
.
وهذا غلط كسابقه، فإن عقد المزارعة إذا كان يشبه البيع، فإن عقد البيع عند الحنابلة يصح من المميز إذا أذن له الولي، فلا حاجة لاشتراط البلوغ، والله أعلم.
واشترط الشافعية في عاقد المزارعة اتحاد العاقد، بأن يكون العامل في المزارعة هو نفس العامل في المساقاة لتتحقق تبعية المزارعة للمساقاة.
قال الغزالي في الوسيط: «أن يكون العامل على النخيل والزرع واحدًا»
(2)
.
(3)
.
ذكر الحنفية في شروط العاقد ألا يكون مرتدًا وقت العقد على قياس قول أبي حنيفة رحمه الله في قياس قول من أجاز المزارعة، فلا تنفذ مزارعته للحال، بل
(1)
شرح منتهى الإرادات (2/ 234)، وانظر مطالب أولي النهى (3/ 559).
(2)
الوسيط (4/ 137).
(3)
مغني المحتاج (2/ 324).
هي موقوفة فإن أسلم نفذت، وإن مات على ردته بطلت، خلافًا لأبي يوسف ومحمد حيث اعتبرا مزارعة المرتد نافذة للحال
(1)
.
وأما المرتدة فتصح مزارعتها دفعًا واحدًا بالإجماع؛ لأن تصرفاتها نافذة بمنزلة تصرفات المسلمة
(2)
.
وقولهم (وقت العقد) يخرج بذلك ما لو كانت المزارعة وقت العقد بين مسلمين ثم ارتدا، أو ارتد أحدهما فالخارج على الشرط بلا خلاف؛ لأنه لما كان مسلمًا وقت العقد صح التصرف، فاعتراض الردة بعد ذلك لا تبطله.
قال السرخسي: «وإذا دفع المرتد أرضه وبذره إلى رجل مزارعة بالنصف فعمل على ذلك، وخرج الزرع: فإن أسلم فهو على ما اشترطا وإن قتل على ردته فالخارج للعامل، وعليه ضمان البذر، ونقصان الأرض للدافع في قياس قول أبي حنيفة رحمه الله على قول من أجاز المزارعة أخرجت الأرض شيئًا أو لم تخرج وعلى قولهما: هذه المزارعة صحيحة، والخارج بينهما على الشرط وهو بناء على اختلافهم في تصرفات المرتد. عندهما تنفذ تصرفاته كما تنفذ من المسلم وعند أبي حنيفة يوقف لحق ورثته فإن أسلم نفذ عقد المزارعة بينهما فكان الخارج على الشرط وإن قتل على ردته بطل العقد، وبطل أيضا إذنه للعامل في إلقاء البذر في الأرض; لأن الحق في ماله لورثته، ولم يوجد منهم الرضا بذلك فيصير العامل بمنزلة الغاصب للأرض والبذر فيكون عليه ضمان البذر ونقصان الأرض أخرجت الأرض شيئًا أو لم تخرج والخارج كله له; لأنه ملك البذر بالضمان.
(1)
المبسوط (23/ 118 - 119)، بدائع الصنائع (6/ 176)، الفتاوى الهندية (5/ 235).
(2)
بدائع الصنائع (6/ 177).
وإن كان البذر على العامل وقتل المرتد على ردته: فإن كان في الأرض نقصان غرم العامل نقصان الأرض; لأن إجارة الأرض بطلت حين قتل على ردته. وكذلك الإذن الثابت في ضمنه فيكون العامل كالغاصب للأرض والزرع كله له. وإن لم يكن في الأرض نقصان فالقياس أن يكون الخارج له ولا شيء عليه; لأنه بمنزلة الغاصب والغاصب للأرض لا يضمن شيئا إلا إذا تمكن فيها نقصان، وفي الاستحسان يكون الخارج على الشرط بين العامل وورثة المرتد; لأن إبطال عقده كان لحق ورثته في ماله والنظر للورثة هنا في تنفيذ العقد ; لأنه إذا نفذ العقد سلم لهم نصف الخارج وإذا بطل العقد لم يكن لهم شيء فنفذ عقده استحسانا بخلاف الأول»
(1)
.
وجاء في بدائع الصنائع: «فأما إذا كانت بين مسلمين ثم ارتدا أو ارتد أحدهما فالخارج على الشرط بلا خلاف؛ لأنه لما كان مسلمًا وقت العقد صح التصرف فاعتراض الردة بعد ذلك لا تبطله»
(2)
.
والصواب قول أبي يوسف ومحمد أن عقد المزارعة مع المرتد صحيح، ونافذ في الحال، ولا أعلم وجهًا صحيحًا في التفريق بين الرجل والمرأة في الردة، فإذا كان عقد الرجل المرتد لا يصح لم يصح من المرأة، وإذا كان يصح من المرأة فهو دليل على صحته من الرجل، والله أعلم.
* * *
(1)
المبسوط (23/ 118 - 119).
(2)
بدائع الصنائع (1/ 177).