الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع
في انتهاء المضاربة
المبحث الأول
في انتهاء المضاربة بالموت
جاء في كشاف القناع: كل عقد جائز من الطرفين ..... يبطل بموت أحدهما، وعزله
(1)
.
[م-1404] اختلف الفقهاء في انتهاء عقد المضاربة بالموت على قولين:
القول الأول:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن المضاربة تبطل بموت أحدهما.
وعللوا ذلك بأن المضاربة تشتمل على الوكالة، والوكالة تبطل بموت الموكل والوكيل.
فإن مات رب المال، وكان رأس المال ناضًا لم يجز للعامل التصرف فيه قولًا واحدًا.
وإن كان عروضًا فذهب الحنفية والشافعية إلى أن للعامل أن يتولى بيعها لأن البيع من حقوق العقد الماضي يكفى فيه إذن العاقد حال الحياة، ولأن هذا البيع إتمام للقراض وليس ابتداء له
(2)
.
(1)
كشاف القناع (3/ 469).
(2)
جاء في الفتاوى الهندية (4/ 329): «تبطل المضاربة بموت رب المال علم المضارب بذلك أو لم يعلم حتى لا يملك الشراء بعد ذلك بمال المضاربة، ولا يملك السفر» .
زاد في حاشية ابن عابدين (8/ 306): «ويملك بيع ما كان عرضًا لنض المال» . وانظر الهداية شرح البداية (3/ 208).
وقال الماوردي في الحاوي (7/ 329): «عقد القراض يبطل بموت كل واحد من رب المال أو العامل؛ لأن العقود الجائزة دون اللازمة تبطل بموت عاقدها ....... وانظر مغني المحتاج (2/ 319)، المهذب (1/ 388)، روضة الطالبين (5/ 143)، نهاية المحتاج (5/ 239).
وذهب الحنابلة إلى أن العامل لا يجوز له البيع إلا بإذن الورثة؛ لأن المال قد خرج من ملك رب المال إلى ملك الورثة، فلا يبيع إلا بإذنهم
(1)
.
جاء في المبدع: «إذا مات رب المال منع المضارب من البيع والشراء إلا بإذن الوارث نص عليه
…
»
(2)
.
وإن مات العامل، وكان المال عروضًا، فمن يتولى البيع؟
ذهب الحنفية إلى أن رب المال لا يحق له بيعها؛ لأنه في حال حياة المضارب كان ممنوعًا من بيعها، فكذلك في حال وفاته؛ لأن حق المضارب لا يبطل بموته.
وأما الذي يتولى بيعها فللحنفية فيه قولان:
أحدهما: يتولى بيع العروض وصي المضارب إن كان له وصي؛ لأنه قائم مقامه، فإن لم يكن له وصي جعل القاضي له وصيًا يتولى بيعها.
والثاني: يتولى البيع رب المال ووصي المضارب، وهو الأصح؛ لأن رب المال إنما رضي بتصرف العامل ولم يرض بتصرف الوصي في ماله، والمال وإن
(1)
المبدع (5/ 34)، كشاف القناع (3/ 522)، الإنصاف (5/ 451 ـ 452)،.
(2)
المبدع (5/ 34).
كان فيه حق للمضارب إلا أن الملك لرب المال فيه ثابت، فلا ينفرد الوصي ببيعها، فصار بمنزلة مال مشترك بين اثنين، فيكون الأمر إليهما
(1)
.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن رب المال وورثة العامل لا يملكون البيع بدون إذن الآخر؛ لاشتراكهما فيه، ولأن المالك إنما رضي بتصرف مورثهم ولم يرض بتصرفهم. فإن امتنع المال من الإذن في البيع رفع إلى الحاكم ليتولى بيع العروض
(2)
.
القول الثاني:
ذهب المالكية إلى أن رب المال إن مات، فالعامل يبقى على قراضه ما دام رأس المال عروضًا حتى ينض.
فإن كان المال قد نض فلا يعمل به إلا بعد أن يأذن الورثة لانتقال الحق إليهم، فإن عمل به ضمن.
وإن مات العامل، فإن كان قبل العمل، أو كان المال قد نض فلربه أخذه، ولا مقال لورثة العامل، وليس لرب المال إلزامهم بالعمل؛ لأن العامل في هذه الحال لو كان حيًا لم يكن بإمكانه أن يمنع صاحبه من أخذه فكذلك ورثة العامل.
وإن مات بعد الشروع في العمل وقبل نضوضه فإن كان الوارث أمينًا، أو أتى الوارث بأمين أجنبي بصير بالبيع لا يخدع قضي لهم بتكميله، وقيل لهم: تقاضوا الديون وبيعوا السلع، ويستحقون ما كان لمورثهم من الربح.
(1)
الحجة لمحمد بن الحسن (3/ 25)، المبسوط للسرخسي (22/ 140)، حاشية ابن عابدين (8/ 306)، الفتاوى الهندية (4/ 330).
(2)
الحاوي الكبير (7/ 329)، مغني المحتاج (2/ 319)، كشاف القناع (3/ 522).
وجه ذلك:
أن العامل لما تصرف في المال فقد تعلق به حق الربح الذي يرجونه فيما ابتاعه مورثهم، فليس لرب المال إبطاله عليهم، والاستبداد به دونهم؛ ولأنه حق أوجبه عقد المعاوضة فجاز أن ينتقل إلى الورثة كخيار العيب.
وإن لم يكن في الورثة أمين، ولم يأتوا بأمين أجنبي رد المال إلى صاحبه مجانًا، ولا شيء لهم في ربحه؛ لأن عمل المضاربة كالجعل لا يستحق العامل فيه شيئًا إلا بإتمام العمل، ولم يتم
(1)
.
الراجح:
الذي تبين لي من خلال عرض الأقوال ما يلي:
أن المضاربة تنتهي بالموت، وإذا مات أحدهما والمال ناض لم يجز التصرف في المال إلا بإذن الآخر، والإذن بالتصرف يعتبر قراضًا جديدًا.
وإذا مات أحدهما والمضاربة عروض، بطلت المضاربة أيضًا، ويبيع العامل العروض بموافقة الورثة؛ لأن المال أصبح مشتركًا بينهما، ولا يحق للعامل أن يبيع بناء على إذن رب المال السابق، فقد انتهى إذنه بموته.
وكذلك لا يحق لرب المال أن يبيع العروض لموت العامل إلا بموافقة الورثة، فإن اختلفا تولى الحاكم بيعه لهما.
وإذا أراد ورثة العامل أن يعقدوا مضاربة جديدة مع رب المال جاز ذلك قولًا واحدًا إن كان المال ناضًا، وإن كان عروضًا جاز على الصحيح بشرط تقييم تلك
(1)
الذخيرة (6/ 56 - 57)، التاج والإكليل (5/ 370)، منح الجليل (7/ 376)، الخرشي (6/ 223)، حاشية الدسوقي (3/ 536)، المعونة (2/ 1126).
العروض واعتبارها رأس مال المضاربة، فإن كان المضارب له نصيب من الربح كان العقد شركة ومضاربة، وإلا كان العقد مضاربة فقط، والله أعلم.
* * *