الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحتمل التوفيق كان من الصعب جدًا أن تحدد الأرباح والخسائر المتأتية على كل وديعة على الأساس المعروف لتحديدها في عقود المضاربة البسيطة.
(3)
ـ غالبًا ما يكون جزء من التقييم لديون مستحقة، وهذه الديون قد تتعثر أو تنعدم، فإذا أخذ المضارب عند خروجه من هذه المضاربة نصيبه من هذه الديون، فإذا تعثرت أو انعدمت لحق الغبن لمن لم يأخذ نصيبه منها.
ونوقش هذا بما يلي:
بأن التصفية الحقيقية في عقود المضاربة في المصارف الإسلامية يعني تحويل جميع الأصول الثابتة من مباني وتجهيزات، وأوراق مالية، وديون إلى نقود وهذا أمر يتعذر تحقيقه في جميع الاستثمارات المصرفية القائمة على السرعة، وأن تظل عمليات الإيداع والسحب مفتوحة تحفيزًا للمستثمرين على الإيداع، وقطعًا للطريق على المصارف الربوية، لذلك لجأت المصارف الإسلامية إلى الأخذ بالتصفية الحكمية القائمة على تقويم أحوال المضاربة في نهاية الفترة المتفق عليها، واعتماد ذلك التقويم أساسًا لتوزيع الأرباح، ورد رأس مال من يرغب من أرباب المال بدون تصفية فعلية للمضاربة.
وقد استأنس بعضهم بصحة التنضيض الحكمي بما جاء عن ابن سيرين رحمه الله تعالى، فقد روى مصنف ابن أبي شيبة، قال: حدثنا ابن علية، عن عوف، عن ابن سيرين في المضارب إذا ربح، ثم وضع، ثم ربح، قال: الحساب على رأس المال الأول إلا أن يكون ذلك قبضًا للمال، أو حسابًا كالقبض
(1)
.
واعتمدت المصارف في طريقة توزيع الأرباح على طريقة التقويم الدوري
(2)
،
(1)
المصنف لابن أبي شيبة (4/ 478) رقم: 22290.
(2)
يقصد بالتقويم الدوري أن يقسم الوعاء الاستثماري إلى وحدات صغيرة متساوية كالسهام، وكل من يتقدم إلى المصرف لإيداع أمواله يحصل على عدد من هذه الوحدات، ثم إن هذه الوحدات تقوم كل يوم بقيمة يعلنها البنك على أساس تقويم أصوله وموجوداته، فمن أراد أن يسحب مبلغًا من البنك فإنه يبيع هذه الوحدات إلى البنك، ويلتزم البنك شراءها على أساس القيمة المعلنة في يوم التقويم. ومن خلال القيمة المعلنة ينعكس الربح الحاصل على كل وحدة، فإن زادت قيمة موجودات البنك فقد حصل الربح بقدر الزيادة، وإن انتقصت فقد حصلت الخسارة بقدر النقص. وهذه الطريقة هي المتبعة في تقويم صناديق الاستثمار في المملكة حيث يجري التقويم عادة مرتين في الأسبوع. انظر بحوث في قضايا فقهية معاصرة لفضيلة الشيخ محمد تقي العثماني (ص:372)، والخدمات الاستثمارية في المصارف ـ يوسف الشبيلي (1/ 467 - 468).
أو على حساب الإنتاج اليومي، وهو ما يعبر عنه بحساب النمر
(1)
،
أو على
(1)
حساب النمر هو طريقة حسابية تقوم على توزيع الأرباح بين أصحاب الأموال بحسب مقدار رأس مال كل منهم مضروبًا في المدة التي بقي رأس مالهم فيها لدى البنك، فهي تعتمد على عاملين اثنين فقط: هما المال والزمن، فلو أودع أحدهم ألفًا لمدة شهر، وآخر ألفين لمدة شهرين مثلًا، ويكون الربح خمسمائة، فإن الأول ـ بموجب مبدأ التوزيع بالنمر ـ يستحق مائة، والثاني يستحق أربعمائة حيث تجعل الألف الواحدة من رأس المال نمرة، والشهر الواحد من الزمن نمرة، فيستحق الأول (1×1=1) ويستحق الثاني (2×2=4)، ثم تجمع نمر الأول مع نمر الثاني (1+4=5) ثم يقسم الربح على مجموع النمر (500÷5=100) فتكون حصة النمرة الواحد (100)، ثم تضرب نمر الأول بحصة النمرة الواحدة (1×100=100) وتضرب نمر الثاني بقيمة النمرة الواحدة (4×100=400) وهكذا.
ويجب أن نلفت الانتباه أن أن توزيع الربح بطريقة النمر مختص بأرباب الأموال، أما ربح المضارب من عمله فهو نسبة شائعة يجب تحديدها مباشرة، فيجب قبل الحساب بطريقة النمر أن يقتطع منه نصيب المضارب، ثم ينظر إلى ما بقي من المال فيوزع بين أرباب الأموال بمن فيهم المضارب إذا كان قد قدم مالًا بطريقة النمر السابق ذكرها. انظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث عشر (3/ 103).
والحساب بطريقة النمر أكثر أهل العلم على جوازه، وفيها خلاف محفوظ، ولأهميته سوف أتعرض له ببحث مستقل إن شاء الله تعالى.
حساب أدنى رصيد
(1)
، والغرر الناتج عن ذلك يعتبر من الغرر المباح إما لكونه يسيرًا، أو لكونه محتاجًا إليه، ويصعب التحرز منه.
وأما الجواب عن أن احتمال أن تتحول الديون إلى ديون معدومة فقد عالجتها البنوك الإسلامية حيث قامت بإيجاد صندوق للمخاطر يتحمل هذه الديون التي لم تسدد، فإذا وقع التنضيض الحكمي، وكان جزء من هذا التقويم ديونًا معدومة أو متعثرة فإن دينه يستخلص من صندوق المخاطر.
* * *
(1)
المقصود بالحساب على أدنى رصيد، بأن يتم احتساب الربح المترتب على الوديعة الاستثمارية على أساس أقل قيمة وصلت إليها الوديعة خلال مدة معينة، بحيث يكون الربح لا يتقرر إلا على المبلغ الذي بقي خلال تلك المدة حتى لو رغب المستثمر في سحب وديعته كاملة لم يستحق شيئًا؛ لأن رصيده الأدنى بلغ صفر.
واستأنس بعضهم للاستدلال لصحة هذه الطريقة بما ورد في مغني المحتاج (2/ 320): «ولو استرد المالك بعضه ـ يعني بعض مال القراض ـ قبل ظهور ربح وخسران رجع رأس المال إلى الباقي» .
وفي نهاية المحتاج (5/ 241): «رجع رأس المال إلى الباقي؛ لأنه لم يترك في يده غيره، فصار كما لو اقتصر في الابتداء على إعطائه له» . إلا أن كلام الشافعية يشترطون أن يكون الاسترجاع قبل ظهور الربح أو الخسارة في المال، بخلاف الحساب على أدنى رصيد فإنه لا يشترط فيه ذلك.
وانظر كتاب تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية (ص:458).