الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مردود بطريقة مباشرة كالأجر أو غير مباشرة كتبادل الضمان فيما بينها وبين الجهة المضمونة إذا تصور وجود مثل هذا فإن القول بجوازه متجه
(1)
.
الدليل الثاني:
إذا صح عند المالكية أن يتبرع عامل المضاربة بالضمان بعد لزوم العقد والشروع فيه، وهو أحد طرفي العقد فكونه يتطوع بالضمان طرف ثالث مستقل أولى بالجواز خاصة أننا نشترط لهذا التبرع ألا يكون جزءًا من العقد بحيث لا يرجع المتبرع على العامل بما التزم به، ولا يعتبر قيام الواعد بما وعد شرطًا في نفاذ العقد، ولا امتناعه عن الوفاء بما وعد حجة لبطلان العقد.
ويناقش من وجهين:
الوجه الأول:
هذا الواعد بالتبرع لا يخلو من حالتين:
الحال الأولى: أن يكون مشروطًا في صلب العقد، أو معروفًا من طبيعة المعاملة أن طرفًا ثالثًا سوف يلتزم بالضمان؛ لأن المعروف كالمشروط، أو كان ذلك قبل لزوم العقد على القول بأن عقد المضاربة عقد لازم كما هو مذهب المالكية فإن ذلك لم يقل بجوازه أحد من أهل العلم.
جاء في تبيين الحقائق: «الكفالة من شرط صحتها أن يكون المكفول به مضمونًا على الأصيل بحيث لا يمكنه أن يخرج عنه إلا بدفعه أو بدفع بدله؛ لأن الكفالة التزام المطالبة بما على الأصيل، فلا بد أن يكون واجبًا على الأصيل ومضمونًا عليه ........ فلا يمكن إيجاب الضمان على الكفيل وهو ليس بواجب
(1)
انظر الخدمات الاستثمارية في المصارف (2/ 147).
على الأصيل، وكذا الأمانات ليست بمضمونة على الأصيل لا عينها، ولا تسليمها، وهي كالودائع والمضاربات، والشركات فلا يمكن جعلها مضمونة على الكفيل، فلا تصح الكفالة بها»
(1)
.
وجاء في حاشية الصاوي على الشرح الصغير: «إن دفع رب المال للعامل المال، واشترط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه فيما يتعلق بتعديه فلا يفسد بذلك؛ لأن هذا شرط جائز، وأما إن شرط عليه أن يأتيه بضامن يضمنه مطلقًا تعدى في التلف أم لا فسد القراض، ولو كان الضمان بالوجه، ولا يلزم»
(2)
.
وجاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: «فأما الأعيان فإن لم تكن مضمونة على من هي في يده كالوديعة، والمال في يد الشريك، والوصي، والوكيل، فلا يصح ضمانها قطعًا، وإن كانت مضمونة صح ضمان ردها على المذهب»
(3)
.
(4)
.
الحال الثانية:
أن يكون هذا الوعد ليس مشروطًا في صلب العقد، وإنما تطوع به طرف ثالث
(1)
تبيين الحقائق (4/ 158).
(2)
حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 688)، وانظر حاشية الدسوقي (3/ 520).
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص:329).
(4)
كشاف القناع (3/ 370).
بعد الشروع في العمل، وهذا الذي يمكن تخريجه على قول المالكية فيما لو تطوع عامل المضاربة بالضمان بعد لزوم العقد وشروعه في العمل، وفي هذه الحالة نقول:
إن كان التبرع ملزمًا لمن وعد به فإن الإلزام من طبيعة العقود، وليس من طبيعة الوعود على أصح أقوال أهل العلم، فيعتبر جزءًا من العقد فلا يصح؛ لأننا لو جعلنا الوعد ملزمًا صار ضمانًا لازمًا، وهذا لا يجوز.
يقول فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي: «إقحام الوعد الذي في أصله تبرع في مسائل المعاوضات يحول الأمور إلى مسائل شكلية تتغير فيها الأحكام بمجرد تغير الأسماء: فيصح لمن اقترض مالًا أن يعد برده وزيادة عليه تطوعًا، ويكون هذا من باب الوعد الملزم، وليس من باب الاقتراض بفائدة.
ويصح لمن ابتاع سلعة قبل أن يملكها البائع أن نلزمه بالشراء؛ لأن هذا وعد ملزم، وليس من بيع ما لا يملك.
وإذا جاز أن نلزم الطرف الثالث بالوعد فلم لا يجوز أن نلزم المضارب إذا وعد بذلك، ولا يعتبر ذلك مشروطًا. وهكذا ما لا يستباح بالعقد يمكن استباحته تحت مسمى الوعد الملزم، والنتيجة التي لا مفر منها أن يصبح جوهر عمليات المصارف الإسلامية هو جوهر عمليات المصارف الربوية، والفارق يكمن في طريقة الإخراج»
(1)
.
وإن كان الوعد غير ملزم، وكان هبة محضة، ولم يكن ثمة ثمن لهذا التبرع ولا فائدة مباشرة ولا غير مباشرة تعود إلى المتبرع فإن الوعد به صحيح، والوفاء به مستحب، ولا يلزم إلا بالقبض على الصحيح من أقوال أهل العلم، وهذه الصورة غير موجودة في المعاملات المصرفية.
(1)
الخدمات الاستثمارية في المصارف (2/ 160).
(1)
.
الراجح من الخلاف:
اشتراط الضمان في مال المضاربة لا يصح مطلقًا، لا من عامل المضاربة، ولا من طرف ثالث أجنبي.
وأما التبرع بالضمان من طرف ثالث غير مستفيد بعد الشروع في العمل فإنه يجوز بشرط ألا يكون هناك أي مصلحة للمتبرع مباشرة أو غير مباشرة، على أن يكون ذلك هبة لا تلزم إلا بالقبض، على أن تبرع البنك بضمان مال الصناديق أو تبرع البنك لبنك آخر يعتبر من تبرع المستفيد احتياطًا للسلامة، وسدًا لطرق الربا، والله أعلم.
* * *
(1)
المرجع السابق.