الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [103]
يجوز في نحو: (لا حول ولا قوة إلّا بالله) خمسة أوجه، أحدها: فتح الاسمين، وهو أشهرُها، وعليه {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة:197] ، فمن قرأ كذلك وهو الذي التزَمهُ الناسُ في المثالِ، فلو قِيلَ بوجوبه فيه إنْ لَمْ يكنْ سُمِعَ فيه غيرهُ لم يمتنعْ لجريانِه مجرى الأمثال لكثرة الاستعمال.
والثاني: رفعهما كما في الآية فيمن قرأ كذلك، وقال:[البسيط].
(وما هجرتُك حتَّى قُلْتِ معلنةً
…
لا ناقةً لي في هذا ولا جملُ)
والثالث: فتح الأول ونصب الثاني، كقوله: /222/ [السريع].
(لا نَسَبَ اليوم ولا خُلَّةً
…
اتَّسعَ الخرقُ على الراقعِ)
والرابع: فتح الأول ورفع الثاني، كقوله:[الكامل].
(هذا لعمُرُكُمُ الصَّغارُ بعينهِ
…
لا أمَّ إنْ كانَ ذاك ولا أبُ)
الخامس: عكسه، كقوله:[الوافر].
(فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها
…
وما فاهوا به أبداً مُقيمُ)
فأما البيت الأول فإنَّهُ للراعي، ويُروي (وما صَرمتُك)، أي: ما قطعت حبلَ ودَّكِ حتى تبرأتِ منّي معلنةً بذلك، وضرب قوله: لا ناقةً لي
…
البيت، مثلاً لبراءتِها منه، وهو مثلٌ مشهورٌ في هذا المعنى.
و (لي) صفة. و (في هذا) خبر. وحذف مثلها من الثاني. وموضع الخبر نصبٌ أو رفعٌ على تقدير (لا) عاملةً عمل ليس، أو ملغاةً لتكرِّرها، وكون الرفع في النكرة بالابتداء أقيس من كونه بلا، لأن الكلامَ جوابٌ لمَنْ قالَ: ألَكَ ناقةً أو جملٌ؟ والرفع في ذلك على الابتداء والخبر واجبٌ، والأصل تناسب الجوابِ والمُجابِ. وأول القصيدة: /223/.
(قالت سُلَيَّمَى أتثوى أنت أم تَغِلُ
…
وقد ينسّيك بعضَ الحاجةِ الكسلُ)
فقلن ما أنا مَمَّنْ لا يوافقني
…
ولا ثوائي ألّا رَيْثَ ارتحلُ)
(أمّلتُ خيرَك هل تأتي مواعدةً
…
واليوم قصّر عن تلقائك الأملُ)
(وما صَرَمْتُكِ ........ ........ البيت)
يقال: وغل في السير وأوغل إذا جدَّ فيه. ومعنى البيت الثاني: من لا يوافقني فليس مني، ولا أنا منه، وليس ثوائي عنده إلّا قدر ما ارتحل عنه. و (التَّلقاء) بمعنى اللقاء، وكل مصدر هكذا فهو مفتوح التاء، كالتَّجوال والتَّطواف إلّا التَّلقاء والتَّبيان. وإمّا التَّلقاء في قوله:{تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ} [الأعراف:47] فظرفٌ لا مصدرٌ.
أما البيت الثاني فإنه لأنس بنَ العباس بن مرداس السُّلَميّ، وروي القالي عجزه: الفتق على الراتق، وهو الصواب، لأنَّ قبلَهُ:
(لا صلح بيني فاعملوه ولا
…
بينكم ما حملت عاتقي)
(سيفي وما منا بنجد وما
…
قَرْقَرَ قُمْر الواد بالشاهق /224/)
وفي البيتين فصل المتعاطفين بالجملة الاعتراضية، وتأنيث العاتق، والأفصحَ تذكيره، وفيه التضمين، وهو من العيوب، فإن قوله: سيفي معمول لـ «حملت» وحذف ياء المنقوص غير المنوّن للضرورة.
و (الراتق) الذي يلحم الفتقَ، يقول إنَّهُ أصابتْهُ شِدَّةٌ تبرَّأ منه فيها الولي والصديق، وضرب اتساع الخرق مثلاً لتفاقُمِ الأمْرِ.
والشاهد فيه: نصب المعطوف على إلغاء لا الثانية وزيادتها لتوكيد
الأولى، وجاز العطف على لفظ المبنى تنزيلَا لحركة البناء العارضة بسبب داخل دخل منزلة حركة الأعراب. ومثله: يا زيدٌ الفاضلُ، برفع الصفة.
هذا قول النحويين، قال الناظم: وهو عطف على محل اسم (لا) بعد دخولها، فإنَّ له محلين، محلاً قيل دخولها وهو الرفع بالابتداء، ومحلاً بعد دخولها وهو النصب بلا، فإنها عاملةٌ عملَ إنَّ.
وقال يونس في (خُلةً): أنه مبني، ولكنه نون للضرورة. وليس بشيء.
وفي البيت قطع ألف الوصل في الدرج للضرورة، وحسَّنَهُ هنا أنَّها في أول الشطر الثاني من البيت، وهو محل ابتداء.
وأما البيت الثالث فقال سيبوية: لرجلٍ من مَدْحج، وأبو رياش: لهمام أخي /225/ جساس ابني مرة، والأصفهاني: لضمرة بن ضمرة، ويشكل عليه ندلؤه ضمرة في أول بيت من القصيدة، وسيأتي، وقد يكون نادي آخر اسمه كأسمه، والحاتمي: لابن احمر، وابن
الأعرافي: لرجل من بني عبد مناف قبل الإسلام بخمس مئة سنة، وروى: وجدكم بدل لعمركم.
و (الصَّغار) كالهَوان وزناً ومعنىً. خاطب بهذا البيت أمَّهُ، وأهْلَهُ كانوا يؤثرون عليه أخاه جُنْدُباً، وقبلَهُ:
(أضمرُ أخبرْني ولستَ بكاذبٍ
…
وأخوك نافعُكَ الذي لا يكْذبُ)
(أمِنَ السويَّةِ أنْ إذا استغنيْتُم
…
وسعدتُّم فأنا البعيدُ الأخيبُ)
(وإذا الشدائدُ بالشدائدِ مرةً
…
أشجَتْكُم فأنا الحبيبُ الأقربُ)
(ولجُنْدَّبٍ سَهْلُ البلادِ وغَدْبُها
…
ولي المِلاحُ وحَزْنُهن المُجْدِبُ)
(وإذا تكونُ كريهةً أدْعَى لها
…
وإذا يُحاسُ الحَيْسُ يُدْعىً جُنْدُبُ)
وبعده: /226/.
(عجبٌ لتِلْكَ قَضيّةٌ وإقامتي
…
فيكم على تلكَ القضية أعْجَبُ)
يقول: إذا كانت شدة دعوني لعلمهم أنَّي أغْنَي عنهم، وإذا كان رخاءٌ دعوا جُنْدُباً، وهذا عين الهوان، فإن رضيت به فليس لي أمُّ ولا أبٌ معروفان. بل أنا حينئذ لقيطٌ.
وفيه الاعتراض بين المبتدأ والخبر بالقسم، وبين المتعاطفين بالشرط، وزيادة الباء في كلمة العين المؤكدة بها، كما يقال: جاءَ زيدٌ بعينهِ.
وقيل: إنَّ (بعينه) في البيت في موضع الحال، أي هذا الصَّغارُ حقاً.
وقوله: (إن كان ذاك) أي احتمال ذاك وإلّا فذاك كابن.
والشاهد فه: رفع الاسم الثاني مع فتح الأول، وذلك إما على إلغاء (لا) الثانية، ورفع تاليها بالعطف على محل الأول مع اسمها، وعلى هذا فخبرُها واحدٌ. وأما على تقدير (لا) الثانية مقيداً بها عاملة عمل ليس، فيكون لكل من الأولى والثانية خبرٌ يخصُّها، لأنَّ خبرَ الأولى مرفوعٌ، والثانيةِ منصوبً.
و (ضمرٌ) مرخَّم ضمرة. وجملة (وليست /227/ بكاذب) حاليةٌ أو مستأنفةٌ، فهي توصيةً له بالصِّدْقِ على الأول وثناءٌ عليه به على الثاني. والأظهرُ الأول. لكن يُروي: ولستَ بصادقي.
و (السَّوِيَّة) العدل. و (الاجنب) بالجيم والنون، من الجنابة وهي البعد. ويروي بالخاء المعجمة والياء، من الخيبة. و (الكريهة) القصة المكروهة، وأنَّثَتْ بالثاء لغلبة الاسمية كالنطيحة. و (الحيس) طعام فاضل عندهم، يتخذ من سمن وأقط. و (جُنْدُبِ) بضم الدال وفتحها. (الثماد) جمع ثمد، وهو الماء القليل. و (المِلاح) بكسر الميم، جمع مَليح، وهو الماء المالح. و (عجباً) مصدر نائب عن (أعجب) ، ويُروي بالرفع على الابتداء، وإن كان نكرةَ، لتضمُّنِه معنى التعجب، أو لأنَّه مصدرٌ في الأصل، وإنما عُدِلَ إلى رفعةِ لإفادةِ معنَى الثبوت.
وأما البيت الرابع فإنه لأمية بن أبي الصَّلْت من كلمةٍ أولها:
(سلامَك رَّبنا في كلَّ فَجْرٍ
…
بريئاً ما تليق بك الذمومُ)
(عبادُك يخطئون وأنت رَبَّ
…
بكفيّك المنايا والحتومُ)
ومنها يذكر القيامة وأهل الموقف والجنة والنار.
(غداة يقول بعضُهم لبعضٍ
…
ألا يا ليت أمُّكُمُ عَقيمُ)
(فلا تدنو جهنمُ مِنْ بَرِئٍ
…
ولا عدنً يحلُّ بها الأثيمُ)
(ونخلَّ ساقطً القِنوانِ فيه
…
خلال أصول رطب قميم)
(وتفاحٌ ورمّانٌ وتينٌ
…
وماءٌ باردٌ عذبً سليمُ)
(وحورً لا يريْنَ الشمسَ فيها
…
على صور الدُّمَى فيها سهومُ)
(نواعم في الأرائك قاصرتٌ
…
فهُنَّ عقائل وهم قُرومُ)
(على سررٍ تُرَى متقابلاتٍ
…
ألا ثَمَّ النضارةُ والنعيمُ)
(عليهم سندسٌ وجيادُ رَبْط
…
وديباجُ يُرَى فيهم قتومُ)
(وتحتهم نمارق من دِمَقسٍ
…
ولا أحد يَرى فيهم سئيم)
(ولا لغوّ ولا تأثيمٌ فيها
…
ولا حَيْنٌ ولا فيها مُليم)
(وفيها لحم ساهرةٍ وبَحْرٍ
…
وما فاهوا به لهم مقيم)
كذا ثبت هذا البيتان في ديوانه الذي رواه علماء اللغة والشعر.
ويتبين بذلك أن النحويين حرّفوه، فركبوا صدر بيت على عجز آخر. وأورد المفسرون البيت على /229/ الصواب عندما تكلموا على تفسير قوله تعالى {فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات:14] ، فقالوا: الساهرة، وجه الأرض، وأنشدوا.
والمعنى: وفيها لحم بَرٍّ وبَحْرٍ، ورواه بعضُهم: وفيها لحمُ ساهرةٍ وطيرٌ.
ومن الغريب قولُ قتادة: الساهرةُ جهنم، لأنها لا نوم فيها.