الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(رأيت دماءً أشعلتُها رماحنا
…
شابيب مثل الأرجوان على النَحْرِ)
ووجه الشاهد: أن النفس تمييز محوَّلٌ عن فاعل (طِبت)، والتمييز واجب التنكير، فالألف واللام زائدة لا مُعرِّفة.
وزعم الكوفيون وابن عصفور: أن (ألْ) في البيت للتعريف، فأما الكوفيون فأعربوه تمييزًا، لأن التمييز عندهم يكون معرفة، وأما ابن عصفور مشبهًا بالمفعول به، قال: وذلك جائز مع الفعل قليلاً، كما جاء في الحديث: إن امرأة كانت تهرق الدماء، قال: فالنفس هنا كـ"نفسًا" في رواية الكسائي: خذه مطيوبةً به نفسٌ.
إذ التمييز لا ينوب عن الفاعل.
وأما البيت الرابع، فالحميد حال لا خبر، لأن دام تامة، لأنها لم تسبق بما الظرفية، والحال كالتمييز في وجوب التنكير، وزعم يونس أن الحال جائزة التعريف، فعلى قول أل للتعريف.
مسألة [44]
إذا غلب اسم بالألف واللام على بعض من هوله لم يجز نزعها منه إلا في نداء
، نحو: يا نابغة، يا أخطل.
أو إضافة، نحو: نابغة بني ذبيان.
وقوله: [الوافر].
(1)
(ألا أبلغ بني خلف رسولاً
…
أحقًا أن أخطلكم هجاني)
أو في ضرورة: [الطويل].
(2)
(إذا دبرانا يومًا لِقَيتهُ
…
أؤمل أنّ ألقاك غَدْوًا بأسْعَدِ)
فأما البيت الأول فإنه للنابغة الجعدي رضي الله عنه من كلمة يهجو فيها الأخطل النصراني حين هجاه بنو خلف رهط الأخطل، وهم من تغلب. و (رسولاً) حال الفاعل، أو اسم للمصدر بمعنى الرسالة، مثلها في قوله:[الطويل].
(لقد كذب الواشون ما بُحَتُ عندهم
…
بليلى ولا أرسلتهم برسول)
فيكون مفعولاً ثانيًا، ولو منع مانع مجيء رسول بمعنى الرسالة محتجًا بأنهم لم يستندوا في ذلك إلا إلى هذا البيت، وهو محتمل للوصفية على أنه حال لم يُحسن، لأنه يلزم منه كون الحال مؤكدة لعاملها لفظًا ومعنى.
ومجيء فَعول للجماعة، وزيادة الباء في الحال، وهذه وإن كانت /77/ أمورًا ثابتة، نحو:{وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} ، ونحو:{فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي} ونحو قوله: [الوافر].
(فما رجَعَتْ بخائبةٍ ركابٌ
…
حكيمُ بنُ المسيبِ مُنتهاها)
إلا أن اجتماعنا بعيد.
و (حقًا) ظرف عند سيبويه، ومصدر نائب عن فعله عند المبرد، ويشهد لسيبويه تصريحهم بفي معه، قال:[الطويل].
(أفي الحق أني مغرمٌ بك هائمَّ
…
وإنك لا خل لديكِ ولا خَمْرُ)
فإن وصلتها على قول سيبويه فاعل، أما بـ (ثبت) محذوفًا، أو بالظرف نفسه على الخلاف، في نحو: أعندك زيد؟ إذا أعرب فاعلاً، وأما مبتدأ خبره الظرف، وعلى قول المبّرد تتعين الفاعلية إما بالمصدر أو بالفعل قدّر في الأخطل الشياع أضافه إلى قبيلته، ليعرفه بهم، ونزع منه أل، لأنها لا تجامع الإضافة، ومن أبيات القصيدة:
(فظلّ لنسوةِ النعمان منّا
…
على سَفَوانَ يومٌ أرْوَنَاني)
وهو مما يسأل عنه، فيقال: كيف خفض صفة المرفوع؟ فقيل إنه
بالرفع على الأقواء، وقيل: أصله أروناني، بياء النسب للمبالغة، كأحمري ودواري، ثم خُفِّف، وفي أرونان، غلطة لابن الأعرابي، فإنه اشتقه من الرُّنَّة، وهي الصوت، لأنها إنما تكون مع البلاء والشدة، وبُردّه إنه ليس في العربية أفوعال، وإنما هو من الرّونة، وهي الشدة، ونظير هذا قول ثعلب في (أسْكُفّهُ) إنها من استكفَّ أي اجتمع، وليس في العربية أُسْفُعْله، وإنما هي من سكفَ، ووزنها أُفْعُلّه، وقوله: إنَّ تَنّورًا من النار، ولو صح لكان تَنْوور كما تقول في بناء مثله من القول تقوول، وإنما هو فعول من (تَنَرَ) /78/، وهذا أصلٌ لم يستعمل إلا في هذا الحرف وبالزيادة، ومثله حوشبٌ وكوكبٌ.
وأما البيت الثاني: فالدبران علم على الذي يَدْبرُ الثُّريا، وهو خمسة كواكب في الثور، ويقال: إنها شامةٌ، وحَقه أن يصدق على كل مُدْبِرٍ، ولكنه غلب على هذه الكواكب من بين ما أدبر، قال سيبويه: ولا يقال لكل شيء صار خلف شيء دبران، قال: وهذا بمنزلة العِدْل والعديل فالعديل ما عاد لك من الناس، والعدل لا يكون إلا للمتاع. انتهى.
وإنما غلب بالألف واللام، ولكن الضرورة اقتضت حذفها في البيت
كما اقتضت زيادتها في الأبيات السابقة.
وزعم ابن الأعرابي أن ذلك جائز قياسًا في أسماء النجوم خاصة، وحكى: هذا عيّوقٌ طالعًا. وهنا تنبيه: وهو أن انتزاع أل من العلم الذي غلب بها تارة يكون مع بقاء عمليته، كما في قولهم: هذا عيوق طالعًا، وهذا يوم اثنين مباركًا، ألا ترى إلى مجيء الحال منهما، وإن مفهومهما لم يتغير، وتارةًً مع زوال العلمية كما في هذا البيت، فإن دبرانًا فيه بمنزلة هيثم في قوله:[الرجز]
(لا هَيْثَمَ الليلة للمَطيِّ)
وعلى هذا فالشذوذ راجع في الحقيقة إلى تنكيره، وانتزاع أل منه بعد ذلك واجبٌ، وعلى هذا فصرفه في البيت واجبٌ لا ضرورةٌ، وانتصابه بفعل محذوف على شريطة التفسير.
ومن رواة بالرفع قدّر فعل المفعول، أي: إذا لُقِيّ دبرانٌ. ومثله في الرواية بالوجهين قوله يخاطب ناقته: [الطويل].
(إذا ابن موسى بِلالاً بلغْتِهِ
…
فقام بفَأسٍ بينَ وِصْلَيْك جازرُ)
الوصْلان، بكسر الواو: تثنية الوصْل، واحد الأَوصال والأخفش
والكوفيون يجيزون تقدير المرفوع بعد أداة الشرط مبتدأ، وقوله: أؤمل، بهمزة بعدها واو مبدلة من همزة، وتجوز قراءته بهمزتين وإن كانا في كلمة /79/، تنزيلاً لهمزة المضارعة منزلة همزة الاستفهام، لدلالتها على معنى وهو التكلم، ولعدم لزومها، إذ تخلفها أخواتها الثلاثة.
و (الغَدْو) أصل الغد، ومثله في المجيء على الأصل قوله:[الرجز]
(لا تَقْلُوهَا وادلُواها دَلْوا
…
إن معَ اليومِ أخاهُ غَدْوا)
وهو اسم لتالي يومك، ويستعمل أيضًا للزمن المتأخر مطلقًا، ومنه:{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الأشِرُ} ، أي يوم القيامة، أو يوم الفتح، وهو ظاهر في البيت.
و (أسعدُ) بضم العين: جمع سعد، وسعود النجوم وأسعدها عشرة، وهي والدبران في البيت كنايتان.
والمعنى: إذا رأيت منك يومًا سيئًا أكرهه فلا أقطع رجائي منك، ولكني أؤمل حصول خيرك بعد ذلك.