الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: (يا لا) أراد، يا لَفُلانٍ، فحكى صوت الصارخ المستغيب، وخلط اللام بيا، وجعلها كالكلمة، حتى أن الفارسي زعم أن الألف الآن يقدر انقلابها عن الواو، وعلى القياس في الألف المتوسطة المجهولة، وبعده:
(ولم تَثِق العواتقُ من غَيورٍ
…
بغَيْرتِه وخَلَّيْنَ الحِجالا)
(العواتق) اللاتي لم يتزوجن، وتخليتهن الحجال من الفزع وعدم وثوقهن بأن آباءهن وحُماتهن يمنعونهن.
مسألة [46]
إذا أُخبر بصفةٍ عن اسم وهي في المعنى لغيره، ورفعت ضميره، وخُشِيَ الإلباس وجب إبراز ذلك الضمير إجماعًا
. نحو: غلامُ زيد ضاربه هو، إذا كان الضارب زيدًا فإن أُمِنَ الإلباس نحو: غلامُ هند ضاربتُه.
فالبصريون يلتزمون الإبراز أيضًا فيقولون: ضاربته هي، طردًا للباب، وخالفهم الكوفيون وتمسكوا على ذلك بشواهد الأول قوله:[البسيط].
(قومي ذُرَى المجد بانوها وقد علمتْ
…
بكُنْهِ ذلك عدنانٌ وقحطانُ)
ووجهه أنهم قدروا: (قومي وذرى) مبتدأين، و (بانوها) خبر الثاني،
والجملة خبر الأول، فأخبروا ب (بانوها) عن (الذُّرى) وإنما هو في المعنى للقوم، لأنهم البانون، والذرى مبنية، ولم يقل: بانيها هم، لأنه قد أمِنَ الإلباس وفي الشرح: أنه لو أبرز لقال: بانوها هم، وهذا سهوٌ، لأن إفراد الوصف حين الإبراز واجب إلا في لغة: أكلوني البراغيث.
والجواب: إنا نمنع كون (ذرى) مبتدأ، بل مفعول لوصف حذف على /83/ شريطة التفسير، وذلك الوصف هو الخبر، وهو جارٍ على من هو له، والوصف المذكور بدلٌ منه، ونظيره قولك: زيد الخبز أكلَهُ، إن نصبت الخبز استتر الضمير، وإن رفعته أبرزت، و (الذُّرَى) بالضم جمع ذُروة بالضم أيضًا، كمُدية ومُدى، وذُروة الشيء أعلاه، ومن قال: ذِروة بالكسر فقياسه ذِرى بالكسر، مثل مِرية ومِرى، ومن قال: ذروة بالفتح فقياسهِ ذراء، كَركوة وركاء، وظَبية وظِباء، وشذّ قَرية وقُرى.
و (كَنُهْ) الشيء نهايتُه، يقال: أعرفه كنه المعرفة، ولا فعل من هذه المادة، وقولهم: لا يكتنه كنه كذا، مولدٌ وصاحب الكشاف يستعمله.
ويروي: بصدق ذلك، وهو أظهر. وعدنان: ابن أدّ أبو معدّ، أطلق على القبيلة المتشعبة منه، ولهذا أنت فعله في قوله:[البسيط].
(وكم أبٍ قد علا بابْنٍ ذُرَى حَسَبٍ
…
كما عَلَتْ برسولِ اللهِ عدنانُ)
وهو المراد في بيت الشاهد، وقحطان أبو اليمن.
الشاهد الثاني: [الطويل].
(وإنّ أمرًا أسرى إليك ودونَهُ
…
من الأرضِ مَوْماةٌ ويبداءُ سَمْلَقُ)
(لمحقوقةٌ أن تستجيبي لصوتِهِ
…
وأن تعلمي أنَّ المُعافَ مُوفَّقُ)
وهذا الشعر للأعشى، ووجه الشاهد أن (محقوقة) خبر عن اسم أن، وهو في المعنى للمرأة المخاطبة ولم يقل (لمحقوقة أنت) بل ترك الضمير مستترًا.
والجواب: أن (محقوقة) ليست مسندة إلى ضمير المرأة البتة، بل إلى (أن تستجيبي) أي: لمحقوقة استجابتك، والتأنيث للاستجابة لا للمرأة، حتى أنه لو قال: لمحقوق، بالتذكير لكان جائزًا في الكلام، لأن تأنيث الاستجابة غير حقيقي. و (الموماة) الأرض التي ليس فيها ماء، والبهماء التي لا طريق بها، و (السملق) المستوية.
الشاهد الثالث /84/، وقوله:[الكامل].
(إن الذي لهواكِ آسف رَهْطَهُ
…
لجديرةٌ أن تصطفيهِ خليلا)
(آسف) اغضب، ومنه {فَلَمَّا آسَفُونَا} ، وتأوله بعضهم على أن (جديرة) خبر لمحذوف، آي: لأنت جديرة، والجملة خبر لأن، وفيه تكلف.
الشاهد الرابع، قوله:[الوافر].
(ترى ارباقَهُمْ متقلديها
…
إذا حمي الحديدُ على الكُماةِ)
وذلك أن (متقلديها) مفعول ثانٍ، فإن كانت (ترى) علمية فهو خبر في الأصل، وحالٌ إن كانت بصرية، والخبر والحال والنعت سواء في هذا الحكم. و (متقلديها) جارٍ في اللفظ على الارباق، وهو لأصحابها.
ولم يقل: متقلدها هم. وقد أجيب بأن أصلَهُ: ترى أصحاب أرباقهم، ثم حذف المضاف، فمتقلديها جارٍ على الأصحاب لا الارباق.
و (الارباق) جمع رِبْق بالكسر: حبل فيه عُرى تشدّ فيه صغار الضأن، وكل من تلك العرى يسمى ربقة.
و (الكمُاة) جمع الكمي، وهو الشجاع المتكمي في سلاحه، لأنه كَمىَّ نفسه أي سترها بالدرع والبيضة.
يهجوهم بأن شهودَ الحرب ليس من شأنِهم، وأن الشجعان إذا حمي عليهم لباس الحرب كانوا مشغولين برعي صِغار الضأن، ولهذا قال يتمدَّح:[الرجز].
(قد لفها الليل بسوّاقٍ حطم
…
ليس براعي إبل ولا غنم)
ومما استدل به الكوفيون أيضًا قوله تعالى: {فَظَلَّتْ أَعْنَاقهمْ لَهَا خَاضِعِينَ} .
وحكاية الفراء: كل ذي عين ناظرة إليك، برفع ناظرة على الخبرية، وحكاية غيره: يدك بالخير باسطها.
وأجيب عن الآية بأن الأصل: فظلوا، ثم أُقحمت الأعناق لبيان محل/85/ الخضوع، ثم ترك الكلام على أصله، وبأنّ الأصل (خاضعةٌ)، ولكنْ لما وصفت بالخضوع، وهو من شأن العقلاء، قيل: خاضعين، كـ {رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} ، وبأن المراد بالأعناق الرؤساء، كما يقال لهم: الرؤوس والنواصي والصدور، بأن المراد الجماعات، لأنه يقال: جاءنا عنق من الناس، أي فوج منهم، وعن الحكايتين بأن التقدير: إلحاظ كل ذي عين، وأنت باسطها، فحذف المضاف من الأول، والمبتدأ من الثاني.
واعلم أن إيراد جماعة من النحويين الآية الكريمة، والحكاية على البصريين لخصوصيتهم سهوٌ، بل تأويلهما لازم لأهل البلدين جميعًا، لأن الخبر المشتق لم يرجع منه فيهما ضميرٌ للمخبر عنه في الظاهر إلا بالتأويل.
وأما الحكاية الأخيرة فيتأتى إيرادها، لأن مع الخبر ضميرين بارزًا يرجع للمبتدأ، ومستترًا يرجع للمخاطب، فكان حقّه أن يبرزه فيقول: باسطها أنت.