الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شواهد باب المبتدأ والخبر
مسألة [45]
المبتدأ نوعان: مفتقرٌ إلى الخبر كزيد قائم، ومستغنٍ عنه
، وهو الوصف الرافع لمنفصل مغنٍ، وشرطه عند غير الأخفش من البصريين أن يعتمد على استفهام، كقوله:[البسيط].
(أقاطنٌ قومُ سلمى أم نَووا ظَعنا
…
إنْ يَظعنوا فعجيبٌ عَيْشُ مَنْ قَطَنا)
أو نفي، كقوله:[الطويل].
(خليليَّ ما وافٍ بعهدي أنتما
…
إذا لم تكونا لي على مَنْ أقاطعُ)
وأجازه الأخفش والكوفيون بدونهما، واستدل لهم بقوله:[الطويل].
(خبيرٌ بنو لِهْبٍ فلا تكُ مُلْغيًا
…
مقالةَ لهبي إذا الطيرُ مرتِ)
وقول الآخر: [الوافر].
(فخيرٌ نحنُ عند الناسِ منكمُ
…
إذا الداعي المثوَّبُ قالَ يا لا)
فأما البيت الأول: فقاطن اسم فاعل من قطن بالمكان، أي أقام به وتوطنه، وجمعه قُطَّان وقَطينٌ، وقد جاء في بيت /80/ تنازعه فيه ثلاثة عوامل، وهو:[م. الرمل].
(علموني كيف أبكيـ ..... هم إذا خفَّ القطينُ)
فأعمل فيه (خف)، ومعناه: قل واضمر في الأول على القياس، وفي الثاني على غير القياس، لأنه فصله وقوم فاعل مغنٍ عن الخبر، لأنه مع الوصف في قوة الفعل وفاعله حَسُنَ عطف الفعل وفاعله عليهما، بأم المعادلة و (عجيب) خبر مقدم لا مبتدأ، وإن كان وقوع النكرة بعد فاء الجزاء مسوِّغًا للابتداء، نحو:
(إن مضى عَيْرٌ فعير في الرباط)
لأن المعنى على الإخبار عن (عيش) من أقام بعد أولئك، بأنه عيش عجيب، لا عن العكس.
وأما البيت الثاني ففيه شاهد على ما ذكرنا وعلى إبطال قول الكوفيين، ومن تبعهم كابن الحاجب والسهيلي أنه يجب في نحو: أقائم أنت؟ كون أنت مبتدأ مؤخرًا وكأنَّ الزمخشري يوافقهم أيضًا، لأنه جزم في:{أَراغِبٌ أَنْتَ} بذلك، وشُبْهَتُهم أن الفعل لا يليه فاعله منفصلاً، لا يقال: قام أنت. فكذا الوصف.
والجواب: أن الفعل أقوى في العمل، فلما قوي عمله امتنع فصله، وإنا أجمعنا على أن فاعل الوصف ينفصل إذا جرى على غير صاحبه، وألبس، فكما فُصِل لهذا الغرض يُفصل لغرض آخر صحيح، وهو كونه في اللفظ سادًا مسد الخبر، وهو وَاجب الفصل.
ثم كيف يصنعون بهذا البيت، فإنهم إذا قدّروا الضمير فيه مبتدأ لزم الإخبار عن الاثنين بالمفرد، وأمّا استدلال بعضهم بقول الآخر:[الطويل].
(فما باسطٌ خيرًا ولا دافعٌ أذى
…
من الناس إلا أنتمُ آل دارم)
فباطل، لأن الحصر يصحح الفصل في مرفوع الفعل كقوله:[السَريع].
(قد عَلِمتْ سَلْمى وجاراتُها
…
ما قطرَ الفارس َ إلا أنا)
فهذا لا يمنعه أحد في وصف ولا غيره، وإطلاقهم مقيد بما عدا ذلك ونحوه، وأولى ما يردّ به عليهم /81/ قوله تعالى {أَراغِبٌ أَنْتَ} ، لأن الوصف قد تعلق به عن ومجرورها فلو كان خبرًا يقتضيه مذهبهم وكما ذكرهُ الزمخشري لزم الفصل بين العامل ومعموله بالأجنبي، وقد تبين بهذا أيضًا فساد قول من يجوز في الآية الوجهين اللذين في: أقائمٌ زيد.
أما البيت الثالث فإنه لبعض الطائيين، وتوجيه الاستدلال به أن (خبير) لو كان خبرًا مقدمًا لزم الإخبار عن الجمع بالواحد، فلما بطل هذا تعيَّن كونه مبتدأ، و (بنو) فاعل به، ويُردّ هذا أن فعيلاً قد يأتي للجماعة، كقوله تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} ، وقول الشاعر:[الطويل].
(نصبن الهوى ثم ارتمين قلوبنا
…
بأوجهٍ أعداءٍ وهنَّ صديقُ)
وقول رؤبة: [الرجز]
(رؤبةُ دَعْها فما النجوى من صديقها)
لأنه يقال: ما فلان من الناس، ولا يقال: ما هو من الرجل وقد ظفرت بذلك في لفظه خبير نفسها، قال:[الوافر].
(إذا لاقيتِ قومي فاسأليهمْ
…
كفى قومًا بصاحبهم خبيرًا)
وفاعل (كفى) ضمير السؤال المفهوم من سأل، و (قَومًا) مفعول، و (خبيرًا) صفة له، و (بصاحبهم) متعلق به.
و (لِهب) بكسر اللام، وهي أحذق الناس بالعيافة والزجر، ولهذا وصفهم الشاعر بالخبرة، ونهى عن إلغاء قولهم إذا مرّت الطير، وقال الآخر:[الطويل].
(سألت أخا لهب ليزجر زجره
…
وقد صار زجر العالمين إلى لِهبِ)
وأما البيت الرابع فهو لزهير بن مسعود الضبي، و (خيرٌ) فيه مبتدأ، و (نحن) فاعل، وفيه شذوذان، أعمال الوصف غير معتمدٍ، ورفع اسم التفضيل للظاهر في غير مسألة الكحل، ولا يكون (خيرٌ) خبرًا مقدمًا لئلا يلزم الفصل بين اسم التفضيل و (من) بالأجنبي، وهو المبتدأ /82/، وقد يؤول هذا البيت على تقدير (خير) خبرًا لنحن محذوفة، وجعل (نحن) المذكورة مؤكدة للضمير المستتر في (خير) العائد على (نحن) المحذوفة، والمثوب الذي يدعو الناس يستنصر بهم دعاء يكرره، ومنه التثويب في الصبح.