الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخبَرُ عنه (كُلاُّ) كقراءة ابن عامر: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّه الْحُسْنَى} ، وكقوله:[الوافر].
(ثلاثٌ كلُّهنَّ قتلتُ عمدًا
…
فأخزى اللهُ رابعةً تعودُ)
وقول أبي النجم: [الرجز].
(قد أصبحْت أمُّ الخيارِ تدَّعي
…
عليَّ ذنبًا كلُّهُ لَمْ أَصْنَعِ)
مسألة [76]
زَعَمَ ابن مالك وابنُه أنّ (ما) قد تُعمَلُ مَعَ تقدُّم خبرها
، كقوله:[البسيط].
(فأصبَحُوا قد أعادَ اللهُ نِعمتَهُم
…
إذْ هُمْ قريشٌ وإذْ ما مِثْلَهُمْ بَشَرُ)
ومع انتقاض نفي الخبر بإلا كقوله: [الوافر].
(وما حَقُّ الذي يَعتو نَهَارًا
…
ويَسْرِقُ ليلَهُ إلا نَكَالا)
وقال آخر: [الطويل].
(وما الدّهرُ إلا منجنونًا بأهْلهِ
…
وما صاحبُ الحاجات إلا مُعَذَّبا)
فأما البيت الأول فإنه للفرزدق يمدحُ به بني أميّةَ، يقول: إنّ مُلْكَ العرب كان في الجاهلية لغير قريش وسائر مَضُر، وكانوا أحق به لفضلِهم على جميع البشر، فلما جاء الإسلام رجعَ إليهم الملكُ الذي كانوا أحقّ الناسِ به.
وهذا البيتُ حملَهُ سيبويه على ما ذكرنا من أعمال (ما) مع تقدّم خبرِها، وهو مُشكل؛ لأن الفرزدق تميمي، وبنو تميم لا يعملون (ما) مع تأخُّرِ خبرها، فكيف مع تقدّمه.
وقد أُجيب: بأنّه أرادَ أنْ بتشبه بالحجازيين فلم يَدْرِ ما شرطُ إعمالِها عندهم، وبأنَّهُ أرادَ أنْ يُخَلِّصَ الكلامَ للمدح، لأنَّك إذا قُلْتَ: ما مثلُكَ أحدًا، فنفيت الأحدية، احتمل المدح والذمَّ، فإن نصبتَ المثل ورفعتَ (أحدًا) تعيَّنَ للمدح.
وفي الجوابين نظرٌ، لأن الشاعرَ إذا جازَ أنْ يَغْلطَ في لغةٍ غيره جازَ أنْ يَغْلَطَ في لغةِ نفسهِ /138/، وزالتِ الثّقةُ بكلامهِ، ولأنّ السياقَ يعيّن الكلامَ للمدحِ.
وقال غيرُ سيبويه: لا إعمال في البيت، ثم قيل: مثلَهُم، مبتدأ، وفتحتُه، بناء، لا بهامهِ ولإضافتِه لمبني مثل:{إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} فيمن قرأه بالفتح، وقيل حالٌ من (بشر) وحُذِفَ الخبرُ، والأصل: ما في الوجود بَشرٌ مثلُهُم، برفع (مثل) على الصفة للنكرة، ورُدَّ بأن معاني الأفعال لا تعمل مضمرة، وقيل ظرف.
والمعنى: ما بَشَرٌ في مكان مثل مكانِهم، ثم أنيبَتِ الصفةُ عن الموصوف، والمضافُ إليه عن المضاف. ورُدَّ بأنّ الصفة إنّما تخلف الموصوف إذا اختصَّتْ بجنسهِ، ولهذا جازَ: رأيتُ كاتبًا، وامتنع: رأيتُ طويلاً.
وأما البيت الثاني فهو لمغلِّس بن لقيط. و (يَعْتُو) بالمهملة، أي: يستكبر أشدَّ الاستكبار، ويتجاوزُ الحدَّ. قاله الزُّبَيْديُّ، ويشهد له {فَعَتَوْا
عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ}، وقال الزمخشري: يتجاوزُ الحد في الظلم، وشهدُ له:{لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً} والعطفُ يؤذِنُ بالمُغابرة. وقوله: (إلا نَكالا) وهو محل الاستشهاد، ولا دليلَ فيه لوجهين، أحدُهما: لاحتمالهِ انّ الأصل (بألا نكالان) أي نكالٌ لعُتْوِّه، ونَكالٌ لسرقته، ثم حَذَفَ النونَ للضرورة، فهو حينئذِ مرفوعٌ لا منصوبٌ.
والثاني: أن يكون أصله (إلا ينكل نكالاً) فالنصبُ على المصدريّةِ لا على الخبرية، ونظيرهُ: ما زيدٌ إلا سَبْرًا، أي إلا يَسيرُ، ولكن هذا ضعيف من وجهين، أحدُهما: أن فيه إضمار أن المصدرية وصلتِها، وإبقاء معمولِ الصلةِ، وذلك نظير حَذْفِ الاسم وابقاءِ بعضه، والثاني: أنّ المخبرَ عنه ليس اسم عَيْن كما هو في المثال، فالقياسُ فيهِ أنْ يرفعَ عبى الخبريةِ /139/ نحو: ما شأنُك إلا سَيْرٌ.
وأما البيتُ الثالثُ، فالمنجنونُ: الدُّولاب، ولا دليل فيه أيضًا، لاحتمالهِ لأنْ يكونَ من باب "ما زيد إلا سَيْرًا" على أنّ الأصل: إلا يَدورُ دورانَ مَنْجَنُونٍ، وألا يُعَذَّبُ مُعَذَّبًا، أيْ تعذيبًا.
كما قال تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} ، أي تمزيق، ثم حُذِفَ الفعلان وما أُضيف إلى منجنون، وأقيمَ المنجنون مقامَهُ.