الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(أخا سَفَر جواب أرض تقاذفَتْ
…
بهِ فلوتٌ فهو اشْعَتُ أغبرُ)
(قليلاً على ظهرِ المطيَّةِ ظِلُهُ
…
سِوى ما يقي عنه الرداء المحبرُ)
مسألة [17]
إذا اتحدت ربتة ضميرين وأولهما غير مرفوع فصل الثاني، كملّكني إياي، ملكتك إياك، وملكته إياه، وقد يتصل إن كان الاتحاد في الغيبة واختلف لفظ الضميرين، ولذلك شواهد، أحدها قوله: /32/ [الطويل].
(وقد جعلتْ نفسي تَطيبُ لِضَغْمةٍ
…
لِضَغْمهاها يَقْرعُ العظمَ نابُها)
وهذا البيت لمغلّس بن لقيط السعدي الأسدي، وكان له ثلاثة أخوة. مرة ومدرك وأظبطه، وكان أبرهم به فمات، وأظهر الإخوان عدواته وآذياه فقال يرثيه ويشتكي من أخويه، قيل هما ابنا أخيه الذكور، وقيل أجنبيان:
(وأبقتْ ليّ الأيامُ بعدَكَ مُدْركَا
…
ومُرَّة والدنيا قليلٌ عتابُها)
(قرينين كالذئبين يقتسمانني .. وشَرُّ صَحَاباتِ الرجالِ ذئابُها)
(إذا رأُيا لي فُرصَةً آسدا بها
…
أعادي والأعداء كَلْبَى كِلابُها)
(وإن رأياني قد خدرت تبغيًا
…
لرجليَّ مهواةً هَبَاءً ترابها)
(فلولا رجائي أنا تثوبا ولا أرى
…
عقولكما إلا شديدًا ذهابُها)
(سقيتكما قبل التفرق شربةً
…
يمرُّ على باغي الظلام شرابها)
قوله (جعلت) أي شرعت، و (الضغمة) العَضَّة، ومنه قيل للأسد ضيغم، و (القَرع) هنا وصول الناب إلى العظم، وأصله الضرب بشيء صلب في مثله، و (الناب) السن التي خلف الرباعية، وذكر الضغم والقرع والناب استعارة.
وفي معنى البيت وتوجيهه خمسة أوجه، أحدها: أن الضغمة الأولى له، والثانية لهما، أي أن نفسه طابت لأن توقع بهما مصيبة عظيمة لأجل ضغمهما إياه مثلها، فاللام من (لضغمة) تتعلق ب (تطيب)، وهي لام التعدية، واللام من (لضغمهما) متعلقة بضغمة، أو بجعلت، أو بتطيب، وهي لام العلة، وضمير التثنية فاعل، وضمير المؤنث مفعول مطلق، والمعنى: لضغمهما إياي ضغمة مثلها، فحذف المفعول به والموصوف، وأناب عنه صفته، ثم حذف المضاف، وأناب عنه المضاف إليه ووصله شذوذًا.
الثاني: /33/ أن يكون المعنى كذلك، ولكن لا يقدر مثل، بل يكون ضميرًا لمؤنث عائدًا على الضغمة المتقدمة في اللفظ والمراد غيرها على حد قولهم: عندي درهم ونصفه.
الثالث: أن الضغمتين كلتيهما من فعل المتكلم، أي جعلت نفسي لأجل ايذائهما لي تطيب لايقاع ضغمة بهما يقرع العظم نابها، لشدة ضغميهما إياها، فحذف مضافين، الشدة المضافة إلى الضغمتين، وياء
المتكلم المضاف إليها الضغمتان، وهي فاعل المصدر، فاللام الأولى متعلقة بتطيب، والثانية متعلقة (بيقرع).
الرابع: أن الضغمتين للمتكلم، وأن الثانية على تقدير ياء المتكلم كما تقدم، ولكن الثانية بدل من الأولى بإعادة الجار. فاللامان للتعدية، والتقدير لأن أضغهمهما ضغمة يقرع العظمَ نابُها.
والخامس: أن الضغمة الأولى لأجنبي، والثانية لهما، أي: تطيب لأن يضغمني ضاغمٌ ضغمةٌ يقرع العظمَ نابُها لضغمهما إياي مثلها، كما تقول: طابت نفسي بالموت لما نالني من أذى فلان. واللام الأولى للتعدية والثانية للتعليل، وأرجح الأوجه الثالث؛ لأن السيرافي روى: تهمّ بضغمة علي على غيظٍ، ولأنّ بعضهم روى: لغضمة أَعضُّهُماها. وضمير نابها راجع للضغمة إما على أنه جعل لها نابًا على الاتساع، والمراد صاحبها، أو على أن التقدير: ناب صاحبها ثم حذف المضاف.
والشاهد في وصله (ها) مع اتحاد الرتبة، ومع كون العامل اسمًا، فهو ضعيف الطلب، وقد مرّ شرح قوله:(ومنعكها)، والعتاب: إما بمعنى الاعتاب، فهو مضاف إلى الفاعل، أو بمعنى المعاتبة، فهو مضاف إلى المفعول، أي: قليل نفع معاتبتها، أي: أنها لا تنفع معاتبتها.
و (آسادا) اغريا، و (كلبى) بوزن سكرى جمع كلب، بكسر
العين، وهو /34/ الذي به الكلب، بفتحتين: وهو داء لا يُبْرَأ منه، ولذلك استعاره. و (المَهواة) حفرة الصائد. و (الظلام) بالكسر مصدر ظالمته، وجميع ظلم كرماح ودهان، ويروى بالضم اسم جنس لظُلامة، أو اسم جمع لظلم كظؤر وتوأم.
الشاهد الثاني قوله: [الطويل].
(لوجهِكَ في الإحسانِ بَسْطٌ وبَهْجَةٌ
…
أنا لَهُماه قَفْوُ أكرم والد)
وقوله (في الإحسان) أي في وقته، و (القفو) الاتباع، وسائر البيت واضح لفظًا ومعنى، والاتصال فيه أحسن منه في الذي قبله، لأن العامل فعل وفيه من البديع الاستطراد، كما في قوله تعالى:{أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَن كَمَا بَعِدَتْ ثَمُود} ، وقول الشاعر:[الطويل].
(فتَى شَقِيَتْ أموالهُ بنوالهِ
…
كما شقيتْ بكرٌ بأرماحِ تَغْلِبِ)
وقول آخر: [الطويل]
(وأنا لقومُ لا نرى القتلَ سُبَّةَ
…
إذا ما رأته بمامرٌ وَسلولُ)
الشاهد الثالث: قو بعضهم في النثر: هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموها
وهذا أشد من قوله: لضغمهماها، لأن اسم التفضيل أضعف في العمل من المصدر، ولهذا لا يعمل في المفعول مطلقًا، ولا في الظاهر، أي الملفوظ به إلا في مسألة الكحل، فهو أبعد من احتمال الاتصال، ولأن عمله في الثاني خارج عن القياس، /35/ لأنه نصبه على التشبيه بالمفعول به كما حكى الكسائي: لا عهد لي بألأم قفًا منه، ولا أوضعه، بفتح العين، لتقدير الضمير منصوبًا على التشبيه لا مجرورًا بالإضافة، وإنما حقا لصفة المشبهة أن تكون صالحة للتثنية والجمع والتأنيث بالتاء، وقد يقال: إن انتصاب الضمير الثاني ليس على التشبيه، بل على التمييز، لأنه عائد على (وجوهًا)، ووقوعه بعد (أنضر) كوقوع (وجوها) بعد (أحسن الناس)، وهذا لا يتأتى إلا على قول من زعم أن التمييز يجوز مجيئه معرفة، ويستدل عليه بمثل حكاية الكسائي: هو أحسن الناس هاتين، يشير إلى عينيه، أو على قول من يزعم أن ضمير النكرة نكرة مطلقًا، أو على قول من يقول أنه نكرة إذا عاد على واجب التنكير كالحال والتمييز ومجرور رب، والأولى في (هاتين) أن يكون مشبهًا بالمفعول به شذوذًا لا تمييزًا، وفي (وجوهًا) أن يكون كذلك ليناسب إعرابه إعراب الضمير الراجع إليه، و (أنضر) من النضارة، والنضرة أي الرونق، وفعلها كـ (دخل) فيتعدى ولا يتعدى، وكـ (ظرف وفرح)، فلا يتعدى، ومن الأول قوله:[الخفيف].
(نضر الله أعظمَا دفنونها
…
بسجستان طلحةَ الطلحاتِ)
والمشهور في روايته: رحم الله، وفي الحديث: