الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوز ابن با بشاذ أن يكون الأصل: إلا كنجنون، ثم حُذِفَ الجار، فانتصب المجرور.
ومَنْ زَعَمَ أن كافَ التشبيه لا تَتَعلَّقُ بشيء فَهَذَا التخريج عندَهُ باطلٌ، إذْ كانَ حَقُّه أنْ يرفعَ المجرورَ بَعْدَ حَذْفِها، لأنَّهُ كانَ في محلِّ رفع على الخبرية لا في موضعِ نَصْبٍ باستقرار مقدر، فإذا ذهبَ الجارُّ ظهرَ ما كان للمحلِّ.
مسألة [77]
قد تدخلُ الباءُ الزائدةُ على خبر كان المنفية
كقوله: [الطويل].
(وإنْ مدت الأيدي إلى الزادِ لَمْ أكُنْ
…
بأعجلهِم إذْ أجْشَعُ القَومِ أعْجَلُ)
وعلى المفعول الذي أصله خبر المبتدأ إذا نفي عاملهُ كقوله: [الطويل].
(دعاني أخي والخيل بيني وبينه
…
فلما دعاني لم يجدني بقُعْدَدِ)
وعلى خبر مبتدأ مسبوق بهل كقوله: [الطويل].
(ويقول إذا أقلولي عليها وأقْرَرَتْ
…
ألا هَلْ أخو عيشٍ لذيذٍ بدائمِ)
وعلى خبر أن كقوله: [الطويل].
(فإن تنأ عنها حقيةً لا تُلاقِها
…
فإنّك مِما أحدَثَتْ بالمجربِ)
فأما البيت الأول فإنه للشَّنْفَري الأزديّ، واسمه ثابت بن جابر، وهو أحد خُرَّاب العرب، أي لصوصهم، والواحد حَارِبٌ. و (الزاد) في الأصل الطعام الذي يتخذ للسفر، ثم أطلق على /140/ كل طعام. و (الجَشَع) بالجيم فالمعجمة فالمهملة: أشد الحرص على الأكل، ويُقال منه: جَشِعَ، بالكسرِ، فهو جَشِعٌ ومِجْشَاعٌ، قال:[الطويل].
(ولستُ بِمْجْشَاعٍ وإنْ كُنْتُ أخمصًا
…
ولا هَلِعٌ عند الصريخِ المُثوِّبِ)
و (أعجلُ) في البيت بمعنى: عجِل، لا للتفضيل.
والبيت من كلمة شهيرة تسمى لامية العرب، وكان أهل الأدب يقولون: أولى ما تراض به الأبناء لاميةُ العرب، أو السّبْعُ الطِّوال، فإنّها تفتق الألسنَ بالفصاحة، وتهذّب الأخلاقَ، وتزيد في العقل. وأولها:
(أقيموا بني أُمّي صدورَ مطيُكم
…
فإني إلى قومٍ سواكم لا ميلُ)
(فقد حُمَّتِ الحاجاتُ والليلُ مقمرٌ
…
وشُدَّت لطيّاتٍ مَطايا وأرحلُ)
(وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى
…
وفيها لمن خاف القلى مُتحولُ)
(لعَمْرُكَ ما في الأرض ضيق على امرئٍ
…
سَرَى راغبًا أو راهبًا وهو يَعقِلُ)
(ولي دونَكم أهلون سِيد عملسٌ
…
وأرقطَ زهلولٌ وعَرفاءَ جَيْألُ)
(هُم الأهل، لا مستودعُ السرِ شائعٌ
…
لديهم ولا الجاني بما جَرِّ يُخْذَلُ)
(وكلُّ أبيُّ باسِلٌ غيرَ أنني
…
إذا عرضت أولى الطرائدِ أبْسَلُ)
(وإن مُدَّتِ الأيدي ........... البيت)
(وما ذاك إلا بَسْطَةٌ عن تفضُّلٍ
…
عليهم وكانَ الأفضلَ المتفضِّلُ)
ومنها:
(أُديمُ مطالَ الجوعِ حتى أُميتَهُ
…
واضرب عنه الذكرَ صَفْحًا فأذْهَلُ)
(وأسْتفُّ تُرْبَ الأرض كيلا يُرى له
…
عليَّ من الطَّوْلِ امروءٌ مُتَطَولُ)
(ولولا اجتناب الذامِ لَمْ يُلْفَ مَشْرَبٌ
…
يُعابُ بِهِ إلا لَدي ومأكل)
(ولكن نفسًا حرة لا تقيم بي
…
على الخَسْفِ إلا رَيْثَما أتحوَّلُ)
ومن أبياتها بيت يأتي شرحه- إن شاء الله تعالى- في حروف الجر.
يقال: أقام /141/ صدر مطيّتهِ، إذا سار. و (حُمَّتْ) بالمهملة المضمومة: قُدِّرتْ. و (مُقْمِرٌ) واضح. والطِّيَّة، بكسر المهملة: الحاجة. و (مَنْأَى) مَبْعَدٌ. و (سِيدٌ) ذئبٌ، وجمعه سيدانٌ. و (عملَّس) خفيف. و (أرقط) نمرٌ. و (زُهلول) خفيف اللحم. و (عَرفاء) ضَبُعٌ. و (جيأل) علمٌ عليها، فهو بدل من ضبع، لا عطف بيان، لأن عرفاء نكرة، ولا صفة لأن العلم لا يوصف به و (الباء) في (بما) باء السببية، وهي متعلقة بجر، و (جرَّ) من (الجريرة)، وهي الجناية. و (أبيُّ) حميُّ ممتنعٌ، و (باسل) شديد الإقدام، وأَبْسَل: أشدّ بسالةً.
وأما البيت الثاني فإنه لدريد بمن الصِّمة الجُشَمي. و (القُعْدَد) بضم الدال وفتحها، قال في المحكم: الجبان: اللئيم القاعد عن الحرب والمكارم. وقال ابن السيد في شرح الكامل: الجبان وأيضًا أقعد القرابة في النسب أي أحطهم فيه. وقال الجوهري: القريب الأباء إلى الجد الأكبر، وأنشد عليه البيت.
قال: ووجه الذَّمِّ به أنه من أولاد الهَرْمَى، فيكون ضعيفًا، ويمدح به أيضًا، لأن الولاء للكُبْر. وكان من خبر هذا الشعر أن عبد الله أخا دريد غزا بقومه غطفان، فغنم وانصرف ونزل بمنقطع اللوى، فقال له دريد: ليس هذا بمنزل لك والقوم تابعوك لأجل ما غنمت منهم، فلم يسمع منه، فطلع دريد
على رابية وأنذرهم مجئ الخيل، ووصف من عليها، فقال عبد الله: هذه فزارة، ولا بأس علينا، ثم أنذرهم آخرين ووصفهم، فقال: هذه أشجع ولا بأس، ثم أنذرهم بآخرين ووصفهم، فقال: هذه عبس، وقد جاءكم الموت، فأدركتهم الخيل، وقاتلوهم قتالاً شديداً، وطعن ذؤاب ابن أسماء عبد الله، فسقط إلى الأرض واستغاث بدريد، فأقبل يدفع عنه الخيل ساعة، ثم صرع دريد وقتل عبد الله، وانهزم أصحابه، واستنقذت الغنيمة، ويسمى ذلك يوم / 142/ اللوى، فقال دريد:
(نصحت لعارض وأبناء عارض
…
ورهط بني السوداء والقوم شهدي)
(وقلت لهم إن الأحاليف كلها
…
قعود على ماء الشليل فثهمد)
(وقلت لهم: ظنوا بألفي مدجج
…
سراتهم بالفارسي المسرد)
(أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
…
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد)
(فلما عصوني كنت منهم وقد أرى
…
غوايتهم وأنني غير مهتد)
(وهل أنا إلا من غزية إن غوت
…
غويت وإن ترشد غزية أرشد)
(تنادوا وقالوا أردت الخيل فارساً
…
فقلت أعبد الله ذلكم الردى)
(دعاني أخي .......... البيت)
(فطاعنت عنه الخيل حتى تبددت
…
وحتى علاني حالك اللون اسود)
(طعان امرئ آسى أخاه بنفسه
…
ويعلم أن المرء غير مخلد)
(فإن يك عبد الله خلى مكانه
…
فما كان وقافاً ولا طائش اليد)
(كميش الازار خارج نصف ساقه
…
صبور على اللأواء طلاع أنجد)
(قليل التشكي للمصيبات حافظ
…
من اليوم أعقاب المصيبات في غد)
(وهون وجدي أنني لم أقل له
…
كذبت ولم أبخل بما ملكت يدي)
(فإن تعقب الأيام والدهر تعلموا
…
بني قارب أنا غضاب بمعبد)
(الشهد) جمع شاهد، بمعنى حاضر. و (الأحاليف) الأصحاب، والواحد حليف، كحديث وأحاديث. (والمدجج) بالفتح والكسر: الكامل السلاح، وقيل: لابس السلاح، وإن لم يكمل وقيل: هو بالكسر للفارس، وبالفتح للفرس، وإنهم كانوا يدرعون الخيل. و (الفارسي) دروع تصنع بفارس. و (المسرد) المنسوج بالحلق المحكم. وقيل: الدقيق محل السرد. و (سراتهم) أشرافهم، والواحد سري. و (منعرج / 143 / اللوى) ما انعطف من الرمل. وقوله (اسودى) أصله (أسودي) بياء مشددة
للمبالغة في معنى الصفة، كما يقال: احمري، ثم خفف فينبغي كتابته بالياء. و (كميش) مرتفع.
وأما البيت الثالث فإنه للفرزدق يهجو كليباً، ويرميهم بإتيان الأتن، كما أن بني فزارة يرمون بإتيان الابل. قال:[البسيط].
(لا تأمنن فزارياً خلوت به
…
على قلوصك واكتبها بأسيار)
وقبل البيت:
(وليس كليبي إذا جن ليله
…
إذا لم يذق طعم الأتان بنائم)
وقد وهم أبو علي في (التذكرة)، فقال في قول الفرزدق يرمي كليباً بذلك:[الوافر]
كأن فوارساً لبني كليب
…
ضفادع سبحت بمغير بان
وما تنفك تبصر في طريق
…
كليبياً عليه مزادتان
أنه يريد أنهم حمارة، وأن زجرهم للحمير عند سيرهم بها كصوت الضفادع.
والصواب أنه إنما أراد ما قدمنا، وأنه يريد أنهم أولاد الحمير. و (آقلولي) بالقاف: ارتفع. و (اقرد) بالقاف: لصق بالأرض من ذلة أو فزع.
وإذا قدّرت (هل) بمعنى ما مثلها في {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ، فلا دليل فيه.
ويروى: ألا ليت ذا العيش اللذيذ.
فيكون دليلاً على أن الباء قد تدخل على خبر ليت، وقد دخلت بعدها على أن السادة هي وصلتها مسد اسمها وخبرها في قول الحطيئة:[الوافر]
(ندمت على لسان كان مني
…
فليت بأنه في جوف عكم)
و (اللسان) هنا الكلام لا الجارحة، لأن الندم لا يكون على الأعيان / 144 /، واستعمله مذكراً، وهو لغة التنزيل لجمعه فيه على ألسنة. و (العكم) هنا باطن الجنب، أتى به على المثل.
وأما البيت الرابع فإنه لامرئ القيس. ومعنى (تنأى) تبعد. و (حقبة) مدة و (لا تلاقيها) بدل من (تنأى)، لأن النأي مشتمل على عدم اللقي. و (المجرب) ويروى بكسر الراء. وعليه يأتي الاستشهاد، أي: فإنك المجرب، ويكون فما أحدثت، إما (تبييناً) بتقدير (أعني) أو متعلقاً بالمجرب وباؤه للتعليل، أي بسبب ما أحدثته قبل ذلك في حال غيبتك.
ويروي بفتحها، فالمجرب، قال أبو علي الجرجاني: اسم مكان، والباء ظرفية مثلها في {فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} أي بحيث يفوزون