الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واشتاق (العائر) من العُوار، بضم العين وتشديد الواو: قذى العين، فذو العائر: ذو قذى العين. وقيل العائر: الرمد. والأولى أولى، ليكون أشق للجمع بينهما، ويحصل التَّرقِّي أيضًا، لأن الرمد أبلغ من قذى العين، ولعدم تكرره.
و (من) لابتداء الغاية، مثلها في {مِّمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا} وذلك إشارة إلى المذكور كله.
وقوله: (من نبأ جاءني وخبرته) قد يقتضي أن النبأ والخبر غيران. قال الراغب: النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يتضمن ما ذكر.
و (أبي الأسود) كنية، وقيل: بل (أبي) مضاف ومضاف إليه، و (الأسود) صفة للأب، وهو أفعل من السؤدد، أو من السواد.
مسألة [69]
لا يلي كان أو إحدى أخواتها ما ليس بظرف أو مجرور من معمول خبرها
، نحو: كان طعامك زيد آكلاً. خلافًا للكوفيين، وذكر الشارح أنهم احتجوا ببيتين أحدهما:[الطويل].
(قنافِذُ هدّاجون حول بيوتهم
…
بما كانَ إيّاهم عطيةُ عَوَّدا)
والثاني: [البسيط].
(فأصبحوا والنوى عالي مُعرَّسِهمْ
…
وليس كلَّ النوى تُلْقِي المساكينُ)
وإن ذلك عند البصريين محمول على إسناد وكان وليس وإلى ضمير الشأن كما إذا وقع المبتدأ والخبر بعد الفعل الناسخ مرفوعين كقوله: [الطويل]
(إذا مِتُّ كان الناسُ صِنفانِ شامِتٌ
…
وآخرُ مُئْنٍ بالذي كنتُ أصْنَعُ)
/118/ فأما البيت الأول فإنه للفرزدق يهجو جريرًا، و (قنافذ) بالذال المعجمة، جمع قنفذ: دويبة شَوِكة يضرب بها المثل في سري الليل، فقال:"أسْرَى من قنفذ"، والأنثى قنفذة، ويقال للذكر أيضًا: شَيْهَمٌ بالمعجمة المفتوحة فآخر الحروف ساكنة.
و (هدّاجون) فعالون من الهَدْج بالإسكان، والهدجان بالتحريك وهو السير السريع، وفعله كضرب، ويروى: دّراجون، من درج الشيخ بالإسكان، وفعله كدخل، ومعناه: تقارب الخطو بمنزلة مشى الصبي.
ودرّامون أي مشّاؤون مشيًا متقاربًا في سرعة. و (حول خبائهم) وحول خيامهم، و (عطية) أبو جرير.
يقول: أن رهط جرير كالقنافذ لمشيهم في الليل للسرقة والفجور، وأن أبا جرير هو الذي عودهم ذلك.
وللأخطل شعر يهجو به جريرًا وقومه يشبه هذا، وهو:[البسيط].
(أمّا كليبُ بنُ يربوع فليس لها
…
عِنْدَ التفاخُر إيرادٌ ولا صَدَرُ)
(مُخلفون ويقضي الناس أمرهُمُ
…
وهم بغيبٍ وفي عمياء ما شعروا)
(مثلُ القنافذِ هدّاجون قد بَلَغَتْ
…
نجرانَ أو بَلَغَتْ سواتِهم هَجَرُ)
وفي هذا البيت دليل على قلب الإعراب لأمن الإلباس، إذ الأصل أن يرفع السوءات وينصب (هجر)
ووجه الدليل من البيت أن (عطية) اسم كان و (عوّد) خبرها، و (إياهم) مفعول (عوّد)، وقد ولي كان.
والجواب: إنا لا نسلم أن (كان) ناقصة، بل زائدة لا اسم لها ولا خبر.
سلمنا أنها ناقصة لكن لا نسلم أن (عطية) اسمها، بل اسمها مستتر فيها، راجع إما إلى (ما)، لأنها اسم موصول، أي بسبب الأمر الذي كان هو عطية عودهم إياه، أو إلى الجملة بعدها على أنه ضمير الشأنِ والحديثِ.
وعلى الأوجه الثلاثة، فعطية عودَ مبتدأ وخبرٌ، واعترض بأن الخبر الفعلي لا يسبق المبتدأ فكذا معموله.
والجواب: أن المانع /119/ من تقدُّم الفعل خشية التباس الاسمية بالفعلية، وذلك مأمون مع تقدم المعمول، سلمنا أنها ناقصة، و (عطية) اسمها ولكن الضرورة تبيح تقديم ما يستحق التأخير، وهذا الجواب عندي أولى لاطراده في نحو قوله:[البسيط].
(باتت فواديَ ذاتُ الخالِ سالبةٌ
…
فالعيش إن حُمَّ لي عَيْشٌ من العَجَبِ)
إذ الأصل: باتت ذات الخال سالبة فؤادي، ولا يجوز تقدير (ذات) مبتدأ، لنصب سالبة.
وأما البيت الثاني فإنه لحُميد الأرقط التميمي. والرُّقْطة: سواد في بياض أو بالعكس، لقب بذلك لإثار كانت بوجهه.
وحُميد وأبو الأسرد والحطيئة شعراء مجيدون بخلاء، ولحميد أشعار في هجاء الضيفان، ووصفهم بالأكل، كقوله:[الطويل]
(أتانا وما داناه سحبانُ وائل
…
بيانًا وعلمًا بالذي هو قائل)
(فما زال عنه اللَقْمُ حتى كأنّهُ
…
من العِيّ لما أن تكلّم باقلُ)
سحبانُ خطيب بليغ باهلي، وهو القائل:[الطويل].
(لقد عَلِمَ الحيُّ اليمانونَ أنني
…
إذا قلتُ أما بَعْدُ أنّي خطيبُها)
وباقل عيي أياديٌ، وبهما يضرب المثل، ومن عِيّ باقل أنه رؤي وفي
يديه ظبي، فقيل له: بكم. فأراد أن يقول: بأحد عشر، ففرق أصابعه العشر، وأدلع لسانه، فأفلت الظبي.
ونزل بحميد أضياف، فقدم لهم تمرًا، فلما أصبح استكثر نواه، فقال:
(باتوا وجُلتنا الصهباء بينهم
…
كأنّ أنيابَهم فيها السكاكينُ)
(فأصبحوا ....... البيت).
والجُلَّة، بضم الجيم: قُفة التمر تتخذ من سَعَف النخل، وفيها صُهُوبةٌ، والمعوّس، بضم ففتحتين: مكان التعريس، أي النزول ليلاً.
ووصفهم بأكل بعض النوى، لشدة أكلهم /1202/، و (المسكين) الذي لا شيء له، وهو من السكون لانقطاع حركته، والمساكين نائب عن الضمير.
وقول الشارح: إن الكوفيين استدلوا بهذا البيت، كما استدلوا بقوله:
(بما كان إياهم عطية عوّدا)
وإن البصريين يحملونها على ضمير الشأن سهوٌ، بل هذا البيت محمول عند الجميع على إضمار الشأن لئلا تدخل (ليس) إن لم يضمر فيها
الشأن على (يُلْقى) وهو فعل، ولا يدخل فعل على فعلى، فإن جوزت ذلك في (ليس) حملاً لها على (ما) كما حمل الحجازيون (ما) على (ليس)، فليس حينئذ مهملة لا اسم لها ولا خبر، وخرج البيت عما نحن فيه البتة، فإن قيل: قدّر (المساكين) اسمها، قلنا: ففاعل (يلقى) حينئذ ضميرهم، فكان يجب أن يقال:(يلقون)، أو (تلقى) بالتأنيث.
وأما البيت الثالث فإنه للعُجَير بن عبد الله السَّلوليّ، شاعر إسلامي أموي مُقِلٌ، يُكنى أبا الفرزدق وأبا الفيل، ويقال: مُتّ تموت، كقُمت تقوم، ومِتّ تَماتُ، كخفت تخاف.
وروى البيت بالضم والكسر، واسم كان ضمير الشأن، لا الناس، لارتفاع (صنفان أو نصفان)، وهذا محل الاستشهاد، إنه لما خرَّج البيتين السابقين على إضمار الشأن استدل على صحة رفع ضمير الشأن بالفعل الناسخ بهذا البيت، لا يقال: جاء على حد {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ، لأن الشاعر سلولي وليس ذلك لغة لبني سلول، ونون (النصف مثلثة، وصاد (الصنف) مكسورة أو مفتوحة، ومعناه القسم والنوع، والشامت: الفَرِح