الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني. أن (ليس) هنا للاستثناء فحق الضمير بعدها الانفصال، وإنما وصله للضرورة كقول الآخر:[البسيط].
(وما نبالي إذا ما كنت جارتنا
…
أن لا يجاورنا إلاك ديار)
والنون ممتنعة مع الفصل، فتركها مع الوصل التفاتًا إلى الأصل.
الثالث: أن (ليسي) وغيري بمعنى ولا نون مع غير.
مسألة [19]
إذا نصبت الياء ب "ليت" وجبت النون
، نحو:{يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ} لشبه (ليت) بالفعل مع أنه لا ثقل بلحقها بسبب النون، وقد تترك في الضرورة، كقوله:[الوافر].
(كمنية جابر إذ قال ليتي
…
أصادفه وأفقد بعض مالي)
وقوله: [الوافر].
(فيا ليتي إذا ما كان ذاكم
…
ولجتُ وكنتُ أولهم ولوجا)
والبيت الأول لزيد الخيل بن مهلهل الطائي، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد طيء، فأسلم وسماه عليه السلام زيد الخير، وقال له: ما وصف لي أحد في الجاهلية إلا ورأيته دون ما وصف غيرك، ويروى ليسك، وقبله:
(تمنى مَزْيَدٌ زيدًا فلاقَى
…
أخا ثقة إذا اختلفَ العوالي)
ومزيد رجل من بني أسد، كان يتمنى لقاء زيد، فلما لقيه طعنه زيد فهرب، وكذلك جابر، وعدل عن أن يقول تمناني حكاية لما كان المتمني بقوله، ولأن زيدًا اشتهر بالشجاعة، فكأنه قال: تمنى الشجاع المشهور، ولحُسْن اللفظ بتجانس مزيد وزيد.
و (العوالي) الرماح، والكاف ومجرورها نعت مصدر، و (المُنية) بضم الميم التمني، كالغرفة والأكلة.
و (جابر) مرفوع المحل، و (إذ) ظرف للمنية، والواو للجمع، والفعل نصب بأن مضمرة في جواب التمني.
ويروى أيضًا بالرفع خبرًا لأنا محذوفًا، والواو حينئذ واو الحال ولا يكون الرفع بالعطف على (أصادف)، لئلا يصير الفعل متمنى، ويروى (أتلف)
مكان (أفقد)، ويروى (أغرم).
وروى الجوهري: جل مالي، وهو أحسن، ومن زعم أن بعضًا يرد بمعنى كل، وخرج عليه قوله تعالى:{يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} وقول الأعشى: [البسيط].
(وقد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون مع المستعجل الزلل)
صح عنده حمل رواية الجماعة على ذلك، فيكون أبلغ من رواية الجوهري، إلا أن هذا القول مردود.
وأما البيت الثاني فهو لورقة بن نوفل ابن عم خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين، قاله لما ذكرت له عن غلامها ميسرة ما رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفره، وما قاله بَحيرَي الراهب في شأنه، وقبله:
(لججتُ وكنتُ في الذكرى لجوجًا
…
لهَم طال ما بعث النشيجا)
(ووصف من خديجة بعد وصفٍ
…
فقد طال انتظاري يا خديجا)
(ببطن المكتين على رجائي
…
حديثك أن أرى منه خروجًا)
(/38/ بما خبرتِنا من قولِ قُس
…
من البرهان أكره أن تعوجا)
(بأن محمدًا سيسود قومًا
…
ويخصم من يكون له حجيجًا)
(ويُظهر في البلاد ضياء نور
…
يُقيمُ به البرية أن تموجا)
(فيلقى من يحاربهُ خسارًا
…
ويلقى من يسالمه فلوجًا)
فيا ليتني
…
البيت، وبعده:
(وُلوجًا في الذي كرِهَتْ قريش
…
ولو عَجتْ بمكتها عَجيجًا)
(أرجى بالذي كرهوا جميعًا
…
إلى ذي العرش أن سفلو عروجًا)
(فإن يبقوا وأبق تَكُنْ أمورٌ
…
تَضِجُّ الكافرون لها ضجيجًا)
(وإن أهلك فكل فتىً سيلقى
…
من الأقدارُ مُتلِفةً خروجًا)
(النشيج) مصدر نشج، كضرب، ونشيجًا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير الانتحاب، والباء من قوله:(ببطن) متعلقة بانتظاري، ويسمى كلاً من جانبي مكة، أو كلاً من أعلاها وأسفلها مكة، فلذلك ثناها، ونظيره قولهم:
صدنا يقنوين.
وإنما هو (قنا) اسم جبل، وشربت بماء الدَّحرضين، ودار لها بالرقمتين، وسال المربدان، وإنما هو مِرْبد البصرة، وهو أحد القولين في
قوله: {جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ} ، بدليل {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ} ، وفي {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} ، بدليل {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} .... الآية، وعلى رجائي حال من فاعل الانتظار، وهو الياء، وحديثك مفعوله، وإن وصلتها بدل اشتمال عنه، ومنه متعلق بـ (خروجا) وإن كان مصدرًا للاتساع في الظرف، ومثله:{لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} ، {وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا} ، {لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا} ، اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجًا ومخرجًا، وقوله /39/ ضياء نور بدل، لقول السهيلي إن الضياء والنور غير إن قال: والنور هو الأصل والضوء منتشر عنه بدليل: {فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ} ، فعلق الأذهاب بالنور، لينتفي الضياء بانتفائه بخلاف العكس {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} ، وفي الحديث:«الصلاة نور والصبر ضياء» ، لأن الصلاة عماد الدين وتنهى عن الفحشاء والمنكر، فالصبر عن المنكرات وعلى الطاعات ضياء صادر عنها، وفي أسمائه سبحانه وتعالى النور لا الضياء.