الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة [37]
ماذا صنعت؟ يحتمل كون (ماذا مفعولاً مقدمًا على تركيب (ذا) مع (ما)، ويحتمل كونهما مبتدأ وخبرًا، فتكون (ذا) موصولة، فإذا أبدلت قلت على الأول: أخيرًا أم شرًا، بالنصب، وعلى الثاني: أخيرٌ أم شرٌ بالرفع، وعليه قوله:[الطويل].
(ألا تسألان المرءَ ماذا يحاولُ
…
أنْحَبٌ فيُقضَى أم ضَلالٌ وباطلُ)
وهو للبيد، وقد مضى ذكر ذلك في أول الكتاب.
و (ما) استفهامية معلقة لفعل السؤال، إجراءً له مجرى مسببه وهو العلم، ومثله {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} ، وهي مبتدأ، و (ذا)، خبر، وبالعكس على الخلاف، و (نَحْبٌ) بدل من (ما) بدل تفصيل، وهو الذي دل على أن (ما) مرفوعة المحل، وثبوت الرفع لـ"ما" هو الذي أوجب كون (ذا) موصولة، و (يحاول) صِلةٌ حذف عائدها، وفي ألف (يُقضى) فتحة مقدرة، لأنه جواب الاستفهام.
مسألة [38]
قد توصل (أل) بالمضارع في الضرورة
، كقوله:[البسيط].
ما أنتَ بالحكم التُّرضى حكومته .... ولا الأصيل ولا ذو الرأي والجدل)
وقوله: [البسيط].
(ما كاليروح ويغدو لاهيًا فرحًا
…
مشمِّرٌ مستديمُ الحزمِ ذو رَشَدِ)
وقوله: [الطويل].
(وليس اليرى للخِلِّ دون الذي يَرى
…
له الخِلُّ أهلاً أن يَعُدُّ خليلاً)
وقوله: [الطويل].
(أتانا كلامُ التغلبي ابنُ دَيْسَق
…
ففي أيِّ هذا ويلَهُ يتنزَّعُ)
(يقول الخَنا وأبغضُ العُجْمِ ناطقًا
…
إلى رَبِّنا صوتُ الحمار اليُجدَّعُ)
(ويَستخرج اليربوع من نافقائه
…
ومن جُحْرِهِ بالشيحة الينقصَّعُ /65/)
وذلك من الضرائر غير المستحسنة، وقال ابن السراج: وهو من أقبح الضرورات وقال الجرجاني: استعمال مثل هذا خطأ بإجماع. يعني في النثر. وقال الناظم: لا يختص بالشعر، إذ كان يمكن أن يقول الأول: المُرضي حكومتُهُ، فيصلها باسم الفاعل، والثاني: ما مَن يَروح، والثالث:
وما من يرى، فيأتيان بموصولٍ غير أل، والرابع: صوتُ حمارٍ يُجدعُ، فيترك أل، فإذ لم يقولوا ذلك مع تمكنهم منه دل على أنهم مختارون، قال: ومما يُشعرُ بأنهم فعلوه اختيارًا أنهم خصوه بالمضارع لشبهه باسم الفاعل.
قلتُ: ما ذكره أولاً مبني على اختياره في تفسير الضرورة بأنها ما لا يمكن الشاعر العدول عنه، وقد مضى رده، ثم لا نسلم ما ذكر في البيت الثاني لجواز أن يكون المراد به مدح شخص وذم آخر، فلا يستفاد ذلك إلا بذكر التشبيه. وأما ما ذكره ثانيًا فيرده قول سيبويه «وليس شيء مما يضطرون إليه إلا وهم يحاولون به وجهًا» ، فلا تنافي بين كون الشيء ضرورة وكونه ذا وجه يسوغه، بل لا تكون الضرورة إلا كذلك بشهادة إمام النحو.
وفي الصحاح: إن الأخفش قال في قوله (اليُجدَّع: يريد الذي يُجَدع كما تقول: هو اليَضْربُك، تريد الذي يضربك. انتهى.
وظاهره أن الأخفش يجيزه في الكلام كما قال الناظم، وفي ذلك رد على مَنْ قال إِنّ الناظم استأثر بهذا المذهب.
واللام في قوله الأول: (الترضي) مدغمة في التاء وجوبًا، والناس قد لهجوا بإظهارها، والذي أوقعهم ذلك أنّ المعلمين إذا أنشدوه أظهروا، ليُسمعوا الطالب لفظة (أل) فتوهموا أن ذلك وجه الانشاد.
والبيت كأنه هجاء في قاضٍ /66/، وكأن قائله إنما استسهل ذكر الفعل، لأن فيه محافظة على تأنيث المسند لتأنيث المستند إليه، مع ما فيه من التنبيه على الأصل في صلة الألف واللام.
والبيت الرابع الذي الخرق الطهوي، شاعر جاهلي، سُمي بذلك لقوله:[البسيط].
(لما رأت إبلي جاءت حمولتها
…
جاءت عجافًا عليها الريشُ والخرقُ)
وهو من أبيات نوادر أبي زيد. ووهم الجوهري فقال: إنه من أبيات الكتاب.
و (ديسق) بفتح الدال المهملة بعدها آخر الحروف ثم المهملة، علم منقول من الدَيْسَق، وهو بياض السراب وترقرقه، ويقال يتنزع إليه بالشر، وتسرع بمعنى، ورويا في البيت.
وقوله: (وأبغض العُجْم) تقدير: وأبغض أصوات العجم، بدليل الإخبار عنه بصوت الحمار، وأفعل بعض ما يضاف إليه، و (ناطقًا) حال من العجم، ويصح الحال من المضاف إليه إذا كان المضاف عاملاً في الحال، أو كان بعض المضاف إليه، وكلاهما موجود هنا، فإن في (أفعل) أحرف
الفعل، وهو أبدأ بعض ما يضاف إليه، وكان حقه أن يقول: ناطقةً أو ناطقاتٍ، إلا أنه ناب المفرد عن الجمع للضرورة، كقوله:[الوافر].
(كلوا في بعض بطنكم تَعِفوا
…
فإن زمانكم زمن خميص)
لا يقال: أجمله حالاً من (أبغض)، لتخلص من مجيء الحال من المضاف إليه، ومن إنابة المفرد عن الجمع، لأن الابتداء لا يعمل في الحال.
وشبه صوته، غير تلك الحالة، فما الظن به فيها، ووصفه أخيرًا بالخديعة والمكر.
والشيحة واحدة الشيح، وهو النبات المعروف، ويظهر أن المقتضي لعدوله عن المُجدع والمتقصع كراهيةُ الإقواءِ، فإن قافية الأول مرفوعة، وهو يتنزع أو يتسرع. وقافية الأخيرين مخفوضتان، إذ هما صفة /67/ للحمار، وصفة لجحره، أي ومن جحره الذي يتقصع فيه، أي يدخل، وإن قدر (اليتقصع) صفة لليربوع فاللازم على المجيء بالوصف اختلاف القوافي بالرفع والجر والنصب.