الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شواهد باب المعرف بالأداة
مسألة [43]
قد تزاد ألْ للضرورة في اسم مستغنٍ عنها، إما بكونه معرفة بدونها، أو بكونه، واجب التنكير
، فالأول كقوله:[الكامل].
(ولقد جنيتُك اكموءً وعساقلاً
…
ولقد نهيتُكَ عن بناتِ الأوبرِ)
وقوله: [الطويل].
(أما ودماءٍ مائراتٍ تخالُها
…
على قُنة العزَّى وبالنَّسْرِ عَنْدما)
والثاني كقوله: [الطويل].
(رأيتُكَ لما أن عرفت وجوهنا
…
صددتَ وطبْتَ النفسَ يا قيسُ عن عَمْرِو)
وقوله: [البسيط].
(دمتَ الحميَد فما تنفك منتصرًا
…
على العِدى في سبيل المجدِ والكرمِ)
فأما البيت الأول فأصل (جنتيك) جنيت لك، أي تناولت لك، فحذف الجار توسعًا، ومثله {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ} و {تَبْغُونَهَا عِوَجًا} و {?وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِل} .
أي: كالوا لهم، ووزنوا لهم، وتبغون لها، وقدرنا له.
والأكمؤ جمع كمء كأفلس جمع فلس، والكمؤ واحدة الكماة، على العكس من باب تمر وتمرة. هذا قول منتجع بن نبهان وعكس ذلك أبو خيرة، فتحاكما إلى العجاج، فقضى لمنتجع.
و (العَساقل) ضَرْبٌ من الكمأةِ أيضًا، وأصلُها عساقيل، لأن واحدها عُسْقُول كعُصْفُور، فحذف المدة للضرورة، كما زادها في الصيارف من قال:[البسيط].
(تنفي يداها الحصى في كل هاجرةٍ
…
نفىَ الدارهيمِ تِنقادُ الصياريف)
فأما الدراهيم فقد يكون جمع دِرْهام.
و (بنات أوبر) كمأة صغار على لون التراب، يضرب بها المثل في الرداءة وقلة الخير، فيقال: إن بني فلان بنات أوبر، أي يظن بهم خير فلا يوجد، وهو علم جنس ممنوع الصرف /73/ للعلمية والوزن، كابن آوى، فالألف واللام فيه زائدة، إذ لا يجتمع تعريف العلمية وأل، هذا قول سيبويه والأصمعي، وعليه بني الناظم والشارح. وزعم المبرد أنه اسم جنس بمنزلة ابن لبون، فهو مصروف، وأل فيه للتعريف، ويرده أنه لم يسمع بالألف واللام إلا في الشعر، وقول الآخر:[البسيط].
(ومن جنى الأرض ما تأتي الرِّعاءُ به
…
من ابن أوْبَرٍ والمقرود والنِّقعة)
وهذه الثلاثة أنواع من الكمأة، فمنعه من الصرف، وأيضًا فليس من نظم
الكلام أن يأتي بأحدها نكرة وبالآخر معرفة مع تمكنه من أن يقول: من ابن الأوبر، بالنقل.
زعم ابن خروف أن (أل) في بنات الأوبر للمح الصفة مثلها في الحسن، لأن أوبر صفة في الأصل. ويردّه ما قدمناه من أنّ ذلك لم يستعمل في النثر.
وأما البيت الثاني فإنه لرجل جاهلي مجهول الاسم، وأورده الجوهري في بابي الهمزة والراء هكذا، وذكره الزجاجي في كتاب اللامات، وعبد الدائم القيرواني في حُلى العُلى:
فأبدلا (لا تزال كأنها)، مكان قوله:(ما برأت تخالها) ومحل الشاهد قوله:
وبالنَّسْر، فإنه علم على الصنم، ووضع بغير ألف ولام، ولكنها زيدت هنا للضرورة، وأما بمنزلة ألا في التنبيه والاستفتاح، ويغلب عليها أن تُردفَ بالقسم كهذا البيت، وكقوله:[الطويل].
(أما والذي أبكى وأضحك والذي
…
أمات وأحيا والذي أمرهُ الأمرُ)
أو بما يجاب به القسم، كقولهم: أما إن جزاك الله خيرًا.
ومار الشيء يمور مورًا فهو مائر، إذا اضطرب وجاء وذهب، ومنه {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} ، و (تخالها) تحسبها، وقنه الشيء: أعلاه، والعُزَّى: في الأصل: تأنيث أعز، ثم نقل بالألف واللام إلى سمرة كانت غطفان تعبدها، وبعث /74/ عليه الصلاة والسلام إليها خالد بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شيطانةٌ واضعةٌ يدها على رأسها، ناشرةً شعرها، داعيةً بثبورها، فجعل يضربها بالسيف حتى قتلها، وهو يقول:[الرجز].
(يا عَزَّ كفرانك لا سبحانك
…
إني رأيتُ الله قد أهانَكِ)
وقال عليه الصلاة والسلام: «تلك العزّى لن تعبد أبدًا» .
والنَّسْر: في الأصل اسم الطائر المعروف، ثم نقله قوم نوح عليه السلام لصنم صنعوه على هيئة النسر وعبدوه، ثم انتقل منهم إلى العرب، فكان لذي الكلاع بأرض حمير، وكان يغوث لمذحج، بذال معجمة وحاء مهملة مكسورة ثم جيم. ويعوق: لهَمْدان بميم ساكنة ودال مهملة، وقيل:
إن هذه أسماء قوم صالحين من أولاد آدم عليه السلام، ماتوا، فقال الشيطان لمن بعدهم لو صوّرتموهم فكنتم تنظرون إليهم، ففعلوا، فلما مات أولئك قال لمن بعدهم: إنهم كانوا يعبدونهم، ففعلوا.
أقسم هذا الشاعر بالدماء التي تذبح للأصنام، وذلك أنه كان لهم أحجار تُسمَّى الأنصاب، يذبحون عليها الذبائح، ويشرحون اللحم، ويتقربون بذلك لأصنامهم، وهي اللحوم التي حرم الله سبحانه بقوله عز وجل:{وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} ، ونظيره قول النابغة:[البسيط].
(فلا العمرُ الذي مسّحتُ كعبتَهُ
…
وما أريقَ على الأنصابِ من جسدِ)
و (تخالها) تحسبها، و (عَنْدَما) مفعول ثانٍ، وهو دم الأخوين، و (على قُنَّةِ العُزى) حال من المفعول الأول فيتعلق بمحذوف، أي تحسبها في حالة كونها على رأس العُزَّى عَنْدَما، وذلك لأنهم كان يُصيبون الصنم بذلك الدم.
وأما من روى (لا تزال كأنها) فكان الظاهر أن يرفع (عَنْدَما) خبرًا لكأن، فقد يكون نصب بها الجزأين، كقول الآخر:[الرجز].
(كأنّ أُذْنَيه إذا تشوفا
…
قادمةً أو قلمًا محرَّفا)
ويروى هذا البيت /75/ أيضًا: تخال أذنيه، فلا يكون فيه شاهد.
وفي انتصاب الخبر في باب إن أقوال، ثالثها الجواز في ثلاثة منها: ليت ولعل وكأنّ، ورابعها الجواز في (ليت) خاصةً.
وحيث قيل بمنع ذلك في (كأن) فيجوز أن يُقَدَّر خبر لكأن ناصب لعندم، أي كأنها تُرى عَنْدَمًا، كما قدّر في قراءة علي رضي الله عنه:{وَنَحْنُ عُصْبَة} بالنصب، وأن يجعل (عَنْدَمًا) خبر تزال، وخبر كأن محذوف، واعترض بها وبمعمولها بين زال وخبرها، أي لا تزال مثل عندم كأنها كذلك، وبعد هذا البيت:
(وما سبّحَ الرهبانُ في كلّ بِيعةٍ
…
أبيلٍ إلا بيلينَ المسيح بن مريما)
(لقد ذاق منا عامرٌ يومَ لَعْلَعٍ
…
حُسامًا إذا ما هزَّ بالكفّ صممّا)
وما مصدرية، وهي وصلتها عطف على دماء، أقسم بالدماء المذكورة، وتسبيح الرهبان، وبيعة بكسر أولها كجمعها، وهو متعبد النصارى، وأبيل، بفتح
الهمزة وبالباء الموحدة المكسورة ثم آخر الحروف: الراهب، قال عدي بن زيد:
(بأبيل كلما صلى جأر)
وهو فارسي معرب، فمعنى أبيل الابيلين: راهب الرهبان، أي أفضلهم، وكانوا يطلقون ذلك على المسيح، والأصل: الابيلين، بياء النسب فحذف، كما قالوا الأشعرين والأعجمين.
والمسيح: عطف بيان، والبيت الثالث جواب القسم، وأما البيت الثالث فإنه لراشد بن شهاب اليشكري، ورواه المفضل الضبي:
(لمّا عرفتَ جِلادَنا رضيتَ
…
وطِبْتَ النفسَ يا بكرُ عن عَمْرِو)
وكذا أنشده ابن السيد في شرح شعر المعري:
ومعناه واضح بخلاف ما أنشده الشارح، وبعده: