الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى تَقْدِيرِ فَرْضِ تَجَسُّمِهِ وَذَبْحِهِ لَا يُوجِبُ ذَبْحَهُ الْعِلْمَ بِعَدَمِ الْمَوْتِ بَعْدَ ذَلِكَ لِإِمْكَانِ خَلْقِ مِثْلِهِ، أَوْ إِعَادَتِهِ كَمَا أَعَادَ الْمَوْتَى الْمَذْبُوحِينَ مِنْهُمْ وَغَيْرَهُمْ، وَفِي الزَّوَائِدِ هَذَا إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[باب صِفَةِ الْجَنَّةِ]
4328 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ اللَّهُ عز وجل أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنْ بَلْهَ مَا قَدْ أَطْلَعَكُمْ اللَّهُ عَلَيْهِ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] قَالَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْرَؤُهَا مِنْ قُرَّاتِ أَعْيُنٍ
ــ
أَخَرَّهَا لِيَكُونَ خَتْمُ الْكِتَابِ بِهَا تَفَاؤُلًا بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ رَزَقَنَا اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
قَوْلُهُ: (مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ. . . إِلَخْ) أَيْ: مَا لَمْ يُبْصِرْ ذَاتَهُ عَيْنٌ وَلَا سَمِعَتْ وَصْفَهُ أُذُنٌ وَلَا خَطَرَ مَاهِيَّتُهُ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الصُّورَةَ الْحَسَنَةَ وَبِالثَّانِيَةِ الْأَصْوَاتَ الطَّيِّبَةَ وَبِالثَّالِثِ الْخَوَاطِرَ الْمُفْرِحَةَ كَذَا قِيلَ. قُلْتُ: وَعَلَى هَذَا، فَالظَّاهِرُ تَكْرَارُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا ذِكْرُهَا مَرَّةً كَمَا فِي الْحَدِيثِ (وَمِنْ بَلْهَ مَا قَدْ أَطْلَعَكُمُ اللَّهُ عَلَيْهِ) قِيلَ: هُوَ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَفَتْحِ هَاءٍ بِمَعْنَى دَعْ، أَيْ: دَعْ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَعَرَفْتُمُوهَا مِنْ لَذَّاتِهَا فَالَّذِي لَمْ يُطْلِعُكُمْ عَلَيْهِ أَعْظَمِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا وَجْهَ لِكَلِمَةِ مِنْ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: اتَّفَقَ النَّسْخُ عَلَى رِوَايَةِ مِنْ بَلْهَ وَالصَّوَابُ إِسْقَاطُ كَلِمَةِ مِنْ، وَقِيلَ: بِمَعْنَى غَيْرِ وَسِوَى فَالْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ، بَلْ مِنْ سِوَى مَا ذُكِرَ فِيهِ.
4329 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَشِبْرٌ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهَا الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
ــ
قَوْلُهُ: (لَشِبْرٌ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) يَكْفِي فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَاكَ بَاقٍ وَهَذِهِ فَانِيَةٌ فَأَيُّ نِسْبَةٍ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ذَاكَ هُوَ الْخَيْرُ الْخَالِصُ، وَأَمَّا هَذِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرًّا خَالِصًا فَلَا شَكَّ فِي غَلَبَةِ الشَّرِّ، وَفِي الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ.
4330 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ مَنْظُورٍ حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»
ــ
قَوْلُهُ: (مَوْضِعُ سَوْطٍ) أَيْ: أَدْنَى مَكَانٍ وَأَقَلُّهُ، وَخَصَّ
السَّوْطَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِلْقَاءِ الرَّاكِبِ سَوْطَهُ فِي مَوْضِعٍ يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَسْبِقَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ، وَفِي الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ زَكَرِيَّا وَهُوَ ضَعِيفٌ.
4331 -
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ كُلُّ دَرَجَةٍ مِنْهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَإِنَّ أَعْلَاهَا الْفِرْدَوْسُ وَإِنَّ أَوْسَطَهَا الْفِرْدَوْسُ وَإِنَّ الْعَرْشَ عَلَى الْفِرْدَوْسِ مِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ فَإِذَا مَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ»
ــ
قَوْلُهُ: (كُلُّ دَرَجَةٍ مِنْهَا) أَيْ: مِقْدَارُ عُلُوِّ كُلِّ دَرَجَةٍ مِنْهَا فَفِي الْكَلَامِ مُضَافَانِ مُقَدَّرَانِ وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدِ أَنَّ الْمُرَادَ سَعَةُ كُلِّ دَرَجَةٍ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَاحِدٍ (وَأَوْسَطُهَا) أَيْ وَأَفْضَلُهَا وَخَيْرُهَا وَأَنَّ الْعَرْشَ عَلَى الْفِرْدَوْسِ، أَيْ: هُوَ السَّطْحُ لِلْفِرْدَوْسِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ التِّرْمِذِيِّ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ نُكَتٌ شَتَّى وَفَرَائِدُ حِسَانٍ: أَنْزَهُ الْمَوْجُودَاتِ وَأَظْهَرُهَا وَأَنْوَرُهَا وَأَشْرَفُهَا وَأَعْلَاهَا ذَاتًا وَقَدْرًا وَأَوْسَطُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ جل جلاله، وَكُلَّمَا كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْعَرْشِ كَانَ أَنْوَرَ وَأَظْهَرَ وَأَشْرَفَ مِمَّا بَعُدَ عَنْهُ وَلِهَذَا كَانَتْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ أَعْلَى الْجِنَانِ وَأَشْرَفَهَا وَأَنْوَرَهَا وَأَجَلَّهَا لِقُرْبِهَا مِنَ الْعَرْشِ إِذْ هُوَ سَقْفُهَا وَكُلَّمَا بَعُدَ عَنْهُ كَانَ أَظْلَمَ وَأَضْيَقَ وَلِهَذَا كَانَ أَسْفَلُ سَافِلِينَ شَرَّ الْأَمْكِنَةِ وَأَضْيَقَهَا وَأَبْعَدَهَا مِنْ كُلِّ خَيْرٍ.
4332 -
حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي الضَّحَّاكُ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ لِأَصْحَابِهِ أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ قَالُوا نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ وَحَضَّ عَلَيْهِ»
ــ
قَوْلُهُ: (أَلَا مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ) مِنَ التَّشْمِيرِ، أَيْ: أَلَا فِيكُمْ سَاعٍ لَهَا غَايَةَ السَّعْيِ طَالِبٌ لَهَا عَنْ صِدْقِ رَغْبَةٍ وَوُفُورِ نِعْمَةٍ (لَا خَطَرَ لَهَا) قَالَ السُّيُوطِيُّ: أَيْ لَا مِثْلَ لَهَا وَلَا يُقَالُ إِلَّا فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَهُ قَدْرٌ وَمَزِيَّةٌ اهـ، وَعَلَى هَذَا هُوَ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا خَطَرٌ لِهَذَا، أَيْ: مِثْلٌ لَهُ فِي الْقَدْرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَظَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ، أَيْ: لَا مَنْعَ لَهَا مِنْ أَنْ تُطْلَبَ، أَيْ: أَنَّهَا مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي يُمْكِنُ طَلَبُهَا وَحُصُولُهَا وَهِيَ مِنَ الْخَيْرِ بِمَكَانٍ فَكَيْفَ الْغَفْلَةُ عَنْهَا (تَهْتَزُّ) تَتَحَرَّكُ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ عَلَيْهَا (مُطَّرِدٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: جَارٍ عَلَيْهَا مِنْ أَطْرَدَ الشَّيْءَ، أَيْ: تَبِعَ بَعْضُهُ بَعْضًا وَجَرَى قَوْلُهُ: (فِي مَقَامٍ أَبَدًا)
بِفَتْحَتَيْنِ بِلَا مَدٍّ بِمَعْنَى الدَّائِمِ (فِي حَبْرَةٍ) بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ، أَيْ: نِعْمَةٍ وَسَعَةِ عَيْشٍ (وَنَضْرَةٍ) هِيَ حُسْنُ الْوَجْهِ (قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) إِذِ الْمَدَارُ عَلَى الْخَتْمِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ نَبَّهَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّشْمِيرَ لَهَا يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةِ اجْتِهَادٍ عَنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا ضَمَّ إِلَيْهِ حَدِيثَ الْجِهَادِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 214] الْآيَةَ، وَفِي الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالضَّحَّاكُ الْمُعَافِرِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ، وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي طَبَقَاتِ التَّهْذِيبِ: مَجْهُولٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى الْأُمَوِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَاقِي رِجَالِ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
4333 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ أَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا» حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ عُمَارَةَ
ــ
قَوْلُهُ: (دُرِّيٌّ) أَيْ: مُضِيءٌ شَدِيدُ الْإِنَارَةِ فَقَوْلُهُ إِضَاءَةٌ مَصْدَرٌ لَهُ مَعْنًى (أَمْشَاطُهُمْ) قِيلَ: الْإِمْشَاطُ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ لِتَلْبِيدِ الشَّعْرِ وَوَسَخِهَا، بَلْ لِزِيَادَةِ تَزَيُّنٍ وَرَفَاهِيَةٍ كَذَا التَّبْخِيرُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِدَفْعِ النَّتْنِ وَخُبْثِ الرَّائِحَةِ، بَلْ يَكُونُ لِزِيَادَةِ التَّطَيُّبِ وَالتَّنَعُّمِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى الِامْتِشَاطِ وَالتَّبَخُّرِ لِعَدَمِ تَلْبِيدِ شَعْرِهِمْ وَلَا وَسَخَ فِيهَا وَرِيحُهُمْ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَرَشْحُهُمْ ضُبِطَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ عَنِ الْكَرْمَانِيِّ بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْعَرَقُ، وَقِيلَ: الْمُصَحَّحُ فِي النُّسَخِ الْمَعْلُومُ مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهَا بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ، وَالْمُرَادُ أَنَّ عَرَقَهُمْ كَالْمِسْكِ فِي طِيبِ الرَّائِحَةِ (وَمَجَامِرُهُمْ) جَمْعُ مِجْمَرٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ النَّارُ لِلْبَخُورِ وَبِالضَّمِّ هُوَ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ (الْأَلُوَّةُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمُّهَا وَضَمُّ اللَّامِ وَتَشْدِيدُ الْوَاوِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحُكِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ عُودٌ يُتَبَخَّرُ بِهِ (عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ) رُوِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ «عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ» وَبِضَمِّهَا، وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ أَخْلَاقُهُمْ وَقَدْ رُجِّحَ الْوَجْهُ الثَّانِي بِأَنْ يُجْعَلَ قَوْلُهُ: عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا وَلَا يُجْعَلُ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ: عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ، أَيْ: هُمْ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ قُلْتُ: وَهَذَا أَيْضًا أَبْلَغُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَيَانِ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ جَمِيعًا وَالْأَوَّلُ لَا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ: أَخْلَاقَهُمْ أَصْلًا عَلَى
أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ يُرْوَى بِضَمِّهَا.
4334 -
حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ مَجْرَاهُ عَلَى الْيَاقُوتِ وَالدُّرِّ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَمَاؤُهُ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ»
ــ
قَوْلُهُ: (الْكَوْثَرُ) أَيِ: الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] وَقِيلَ: هَذَا تَفْسِيرٌ بِالْمِثَالِ، وَإِلَّا فَالْكَوْثَرُ مُبَالَغَةٌ فِي الْكَثْرَةِ، وَالْمُرَادُ الْخَيْرُ الْبَالِغُ غَايَتَهُ.
4335 -
حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَقْطَعُهَا وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ - وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} [الواقعة: 30 - 31] »
ــ
قَوْلُهُ: (فِي ظِلِّهَا) أَمَّا بِنَاؤُهُ عَلَى أَنَّ النُّورِ فِي الْجَنَّةِ يَكُونُ مِنْ جَانِبِ السَّطْحِ الَّذِي هُوَ الْعَرْشُ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ فِيهَا الظِّلُّ لِلْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ، وَإِمَّا الْمُرَادُ بِهِ مَكَانُ الظِّلِّ لَوْ فُرِضَ هُنَاكَ ظِلٌّ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ مُضِيئَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يُمْكِنُ الظِّلُّ فِيهَا.
4336 -
ــ
قَوْلُهُ: (فِي سُوقِ الْجَنَّةِ) قِيلَ: هُوَ مَجْمَعٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا فِي كُلِّ مِقْدَارِ جُمْعَةٍ، أَيْ: أُسْبُوعٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ أُسْبُوعٌ حَقِيقَةً لِفَقْدِ الشَّمْسِ وَالنَّهَارِ وَاللَّيْلِ (وَيَبْرُزُ) مِنْ أَبْرَزَ إِذَا ظَهَرَ (وَيَتَبَدَّى) أَيْ: يَظْهَرُ هُوَ تَعَالَى لَهُمْ قَوْلُهُ: (أَدْنَاهُمْ) أَيْ: أَقَلُّهُمْ مَنْزِلَةً وَدَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ (دَنِيءٌ) خَسِيسٌ
(إِلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً) الْكَلِمَتَانِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ كَشْفُ الْحِجَابِ وَالْمُقَارَبَةُ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا تُرْجُمَانَ (غَدَرَاتِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ غَدْرَةٍ هُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْمَعَاصِي مَا لَمْ تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ، قِيلَ: بَدَلٌ مِمَّا أَعْدَدْتُ، أَوْ خَبَرٌ مَحْذُوفٌ أَيْ هُوَ، أَيْ: ذَلِكَ الْمُعَدُّ لَكُمْ (فَيَرُوعُهُ) أَيْ: يُعْجِبُهُ (أَنْ يَحْزَنَ) مِنْ حَزِنَ كَفَرِحَ.
4337 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْرَقُ أَبُو مَرْوَانَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ أَحَدٍ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ إِلَّا زَوَّجَهُ اللَّهُ عز وجل ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً ثِنْتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَسَبْعِينَ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مَا مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ إِلَّا وَلَهَا قُبُلٌ شَهِيٌّ وَلَهُ ذَكَرٌ لَا يَنْثَنِي» قَالَ هِشَامُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَعْنِي رِجَالًا دَخَلُوا النَّارَ فَوَرِثَ أَهْلُ الْجَنَّةِ نِسَاءَهُمْ كَمَا وُرِثَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ
ــ
قَوْلُهُ: (وَلَهُ ذَكَرٌ لَا يَنْثَنِي) كِنَايَةٌ عَنْ وُفُورِ قُوَّةِ الْقِيَامِ، وَفِي الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي مَالِكٍ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ الْجَارُودَ السَّاجِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
4338 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا يَشْتَهِي»
ــ
قَوْلُهُ: (الْمُؤْمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، ثُمَّ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَنَّةِ جِمَاعٌ وَلَا يَكُونُ وَلَدٌ وَهَكَذَا يُرْوَى عَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ الْوَلَدَ فِي الْجَنَّةِ» هَذَا إِذَا اشْتَهَى وَلَكِنْ لَا يَشْتَهِي قَالَ مُحَمَّدُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ» اهـ. وَحَاصِلُ التَّأْوِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ إِسْحَاقَ أَنَّ قَوْلَهُ: صلى الله عليه وسلم «إِذَا اشْتَهَى الْمُؤْمِنُ» عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَكَلِمَةُ إِذَا وُضِعَتْ مَوْضِعَ لَوِ الْمُفِيدَةِ لِلْفَرْضِ.
4339 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيُقَالُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ فَكَانَ يُقَالُ هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا»
ــ
قَوْلُهُ: (فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا. . . إِلَخْ) كَأَنَّهُ تَعَالَى يُخْفِي عَلَيْهِ مَنْزِلَهُ، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَهْلِ أَنَّهُ مَا بَقِيَ فِيهَا مَنْزِلٌ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي كَأَنَّهُ اسْتَبْعَدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لَذَلِكَ وَأَنَّ الْجَنَّةَ مَا بَقِيَ قِيهَا أَدْنَى مَنْزِلٍ فَضْلًا عَنْ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنَ الْفَرَاغِ، قِيلَ: هَذَا الْكَلَامُ صَادِرٌ عَنْهُ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَا قَالَ مِنَ السُّرُورِ بِبُلُوغِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ فَلَمْ يَضْبِطْ لِسَانَهُ فَرَحًا وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُخَالَطَةِ الْمَخْلُوقِ قَوْلُهُ: (ضَحِكَ) قِيلَ: إِنَّمَا ضَحِكَ صلى الله عليه وسلم اسْتِعْجَابًا وَسُرُورًا بِمَا رَأَى مِنْ كَمَالِ رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَلُطْفِهِ عَلَى عَبْدِهِ الْمُذْنِبِ وَكَمَالِ الرِّضَا عَنْهُ. قَوْلُهُ: (قَالَتِ الْجَنَّةُ. . . إِلَخْ
فِيهِ حَثٌّ عَلَى كَثْرَةِ سُؤَالِ الْجَنَّةِ وَالتَّعَوُّذِ مِنَ النَّارِ قَوْلُهُ: (فَذَلِكَ أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنَازِلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، هُوَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ:{أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون: 10] فَسَمَّاهُمُ الْوَارِثِينَ، وَهُمُ الْآخِذُونَ مَا تَرَكَهُ الْآخَرُونَ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا نَصِيبَنَا مِنْ هَذِهِ الْوِرَاثَةِ، وَفِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تُتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
4340 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَأَلَ الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتْ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ»