الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَحُرْمَتُهُ لَا تَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبٍ وَلَا يَتِمُّ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ: الْأَوْلَى أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الرُّقْيَةِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَحَدِيثِ «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى» وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ، وَهُوَ لَا نَعْرِفُهُ، قَالَهُ ابْنُ الْمَدِينِيِّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ لِلذَّهَبِيِّ اهـ.
قُلْتُ: دَعْوَى النَّسْخِ يَحْتَاجُ إِلَى عِلْمِ التَّارِيخِ، وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ أَبِي دَاوُدَ: أَخَذَ بِظَاهِرِهِ قَوْمٌ وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ، وَقَالُوا: هُوَ مُعَارَضٌ بِحَدِيثِ «زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ» . وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: رِجَالُهُ كُلُّهُمْ مَعْرُوفُونَ إِلَّا الْأَسْوَدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ فَإِنَّا لَا نَحْفَظُ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ، وَهُوَ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى عُبَادَةَ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْهُ، انْتَهَى.
الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ تَقْدِيمُ الْمُحَرِّمِ، وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّسَاوِي، لَكِنَّ كَلَامَ أَبِي دَاوُدَ يُشِيرُ إِلَى دَفْعِ الْمُعَارَضَةِ بِأَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُ فِي الطِّبِّ، وَحَدِيثَ عُبَادَةَ فِي التَّعْلِيمِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ الْأَجْرِ جَائِزًا فِي الطِّبِّ دُونَ التَّعْلِيمِ، وَأَجَابَ آخَرُونَ بِأَنَّ عُبَادَةَ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِالتَّعْلِيمِ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُضَيِّعَ أَجْرَهُ وَيُبْطِلَ حِسْبَتَهُ بِمَا يَأْخُذُهُ بِهِ، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ أَنْ نَقْصِدَ بِهِ الْأُجْرَةَ ابْتِدَاءً وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: هَذَا تَهْدِيدٌ عَلَى فَوَاتِ الْعَزِيمَةِ وَالْإِخْلَاصِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ، كَذَا قَالُوا. قُلْتُ: لَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يُوَافِقُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، أَوِ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُقَالُ: إِنَّ الْخِلَافَ فِي الْأُجْرَةِ، وَأَمَّا الْهَدِيَّةُ فَلَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِي جَوَازِهَا، فَالْحَدِيثُ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي الْأُجْرَةِ.
2158 -
حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَلْمٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «عَلَّمْتُ رَجُلًا الْقُرْآنَ فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنْ أَخَذْتَهَا أَخَذْتَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ فَرَدَدْتُهَا»
ــ
(قَوْلُهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. . . إِلَخْ) فِي الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَقَالَ الْعَلَاءُ فِي الْمَرَاسِيلِ: عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكُلَاعِيُّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مُرْسَلٌ.
[بَاب النَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ]
2159 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ»
ــ
قَوْلُهُ: (عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِهِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَحَمَلُوا
الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْذُونِ بِهِ فِي الِاتِّخَاذِ، وَأَمَّا الْمُنْتَفَعُ بِهِ حِرَاسَةً أَوِ اصْطِيَادًا فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ. قَوْلُهُ:(وَمَهْرُ الْبَغِيِّ) بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ أَوْ كَسْرٍ فَتَشْدِيدِ يَاءٍ: الزَّانِيَةُ فَقِيلَ: يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ، وَمَهْرُهَا مَا تُعْطَى عَلَى الزِّنَا قَوْلُهُ:(وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَصْدَرُ حَلَوْتُهُ إِذَا أَعْطَيْتُهُ، وَالْمُرَادُ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ عَلَى أَنَّهُ يَتَكَهَّنُ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ. وَأَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ مَا يُعْطَى الْكَاهِنُ بِشَيْءٍ حُلْوٍ لِأَخْذِهِ إِيَّاهُ سَهْلًا دُونَ كُلْفَةٍ، يُقَالُ: حَلَوْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَطْعَمْتُهُ الْحُلْوَ، وَيُقَالُ: لِلرِّشْوَةِ الْحُلْوَاتُ.
2160 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ»
ــ
قَوْلُهُ: (وَعَسْبِ الْفَحْلِ) عَسْبُهُ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرُهُمَا ضِرَابُهُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، بَلْ عَنْ كِرَاءٍ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ إِعَارَتَهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَفِي الْمَنْعِ عَنْ إِعَارَتِهِ قَطْعُ النَّسْلِ فَهُوَ بِحَذْفِ الْمُضَافِ، أَيْ: كِرَاءُ عَسْبِهِ وَقِيلَ: يُقَالُ لِكِرَائِهِ: عَسْبٌ أَيْضًا.
2161 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنْبَأَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ»
ــ
قَوْلُهُ: (عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ) قِيلَ: يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَفِي إِسْنَادِ الْمُصَنِّفِ ابْنُ لَهِيعَةَ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ، فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ لَا يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا بِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلَعَلَّ مُسْلِمًا إِنَّمَا لَمْ يُخَرِّجْهُ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ وَكِيعًا رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: قَالَ جَابِرٌ فَذَكَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْأَعْمَشُ: أَرَى أَبَا سُفْيَانَ ذَكَرَهُ، فَالْأَعْمَشُ شَكَّ فِي أَصْلِ الْحَدِيثِ، فَصَارَ رِوَايَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ ضَعِيفَةً. قُلْتُ: وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِرِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: «سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ، قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ» . فَكَانَ مُرَادُ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُخَرِّجْهُ بِرِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ -. ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْهِرِّ إِذَا تَوَحَّشَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَزَعَمَ بَعْضٌ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ ابْتِدَاءَ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ مَحْكُومًا بِنَجَاسَتِهِ، ثُمَّ حِينَ صَارَ مَحْكُومًا بِطَهَارَةِ سُؤْرِهِ حَلَّ ثَمَنُهُ، وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ بِثَمَنِ السِّنَّوْرِ، وَقَالَ: إِذَا ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَلَمْ يَثْبُتْ نَسْخُهُ لَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.