الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده:
مهما لي الليلة مهما ليه
…
أودى بنعلي وسرباليه
على أن جماعة منهم ابن مالك زعموا أن "مهما" فيه للاستفهام، وزعموا أنها مبتدأ و "لي" خبرها، وأن الشاعر أراد: مالي الليلة؟ ! استفهاماً على طريق التعجب، قال أبو حيان وناظر الجيش في قول "التسهيل": وربما استفهم بمهما، قد ذكر ذلك غير ابن مالك، قالوا: ندر في مهما مجيئها استفهاماً، وأنشد أبو علي: مهما لي الليلة .. البيت، وقد مر شرحه في الإنشاد الثالث والخمسين بعد المائة، وقال ابن الحاجب في "أماليه": يجوز أن يكون قوله "مه" من قوله: "مهما لي الليلة" اسم بمعنى: اسكت واكفف عما أنت فيه من اللوم وشبهه، كأنه يخاطب لائماً على ما يراه من الوله، ثم قال: ما لي الليلة؛ تعظيماً للحال التي أصابته، والشدة التي أدركته، ثم ذكر الأمر الذي يحقق تعظيم الأمر، فقال:
أودى بنعلي وسرباليه
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والأربعون بعد الخمسمائة:
(541)
ومهما تصلها أو بدأت براءة
تمامه:
لتنزيلها بالسيف لست مبسملا
على أنه من المشكل، فإن مهما فيه لا يجوز أن يكون مفعولاً به لـ "تصل" لاستيفائه مفعوله، ولا مبتدأ لعدم الرابط، وأجاب بأنه يتعين كون "مهما" فيه ظرف زمان بتقدير: وأي وقت تصل براءة، ثانيهما: أن يكون مفعولاً لفعل محذوف تقديره: ومهما تفعل، ويكون "تصل" و"بدأت" بدلاً مفصلاً من الفعل المقدر.
أقول: الجواب الأول للشيخ شهاب الدين عبد الرحمن الشهير بأبي شامة، قال في شرح قول الشاطبي:
ومهما أتيت من قبل أو بعد كلمة
…
فكن عند شرطي واقض بالواو فيصلا
في "مهما" بحوث حسنة ذكرناها في "الشرح الكبير" وحاصله أنها في استعمال الناظم هنا، وفي قوله:
ومهما تصلها أو بدأت براءة
بمعنى متى ما، ووجه صحة هذا الاستعمال أن مهما مركبة من "ما" التي للشرط، ومن "ما" المزيدة للتأكيد، ثم أبدل ألف ما الجزائية هاء فصار مهما، وقد استقر أن "ما" الجزائية تضمن معنى الزمان، ولهذا يقال لها الظرفية، كقوله تعالى:(فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ)[التوبة/ 7] فمتى أبدلت ألف الظرفية هاء لدخول المزيدة عليها، صار معنى مهما: متى ما، ومتى كانت المبدلة غير ظرفية، لم تكن بهذا المعنى، والله سبحانه أعلم. انتهى.
وقد رده عليه سائر الشراح، منهم محمد بن الحسن المقرئ الشهير بالفاسي قال: موضعها نصب على معنى: أي إتيان أتيت، فإن قيل: جعلها بمعنى "متى ما" أوضح، وقد ذكر ذلك في قوله تعالى:(مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ)[الأعراف/ 132] فالجواب أن ذلك ليس بمذهب المحققين، وقد ذكر الزمخشري في "الكشاف" عند ذكر هذه الآية أن هذه الكلمة في عداد الكلم التي يحرفها من لا يد له في علم العربية في شيء، فيضعها في غير موضعها، ويحسبها بمعنى متى ما، ويقول: مهما جئتني أعطيتك قال: وهذا من وضعه، وليس من كلام واضع العربية في شيء، ثم يذهب فيفسر (مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ) بمعنى الوقت فيلحد في آيات الله وهو لا يشعر.
وقال شهاب الدين الحلبي الشهير بالسمين في شرحه: هذا الذي قاله، قول مرجوح مرغوب عنه، وقوله: إن "ما" الجزائية استقر فيها أن تكون للزمان .. إلخ، لم يقل النحويون ذلك إلا في المصدرية، أما الشرطية، فلا، إلا من لا يعبأ بكلامه. ومحل "مهما" النصب عل المصدرية، كأنه قال: أي إتيان أتيت، فالناصب له أتيت. انتهى.
وقال الجعبري: موضعها نصب بالفعل، أي: أي إتيان أتيت. انتهى. والجواب الثاني للفاسي قال: مهما في: ومهما تصلها، في موضع نصب بفعل محذوف تقديره: ومهما تفعل، أي: أي شيء تفعل في براءة، يعني من الوصل والابتداء، وقوله: تصلها أو بدأت، تفسير لذلك الفعل المحذوف، ولما حذف ذلك الفعل وما اتصل به، أشكل عود ضمير تصلها، فجعل ما كان يعود عليه بدلاً منه للبيان أو منصوباً بإضمار أعني، والمراد بقوله: تصلها، تقرأها إثر الأنفال، وبـ "أو" التنبيه على إباحة الأمرين للقارئ. انتهى. وتبعه الجعبري، فقال: ومهما منصوبة بمقدر، أي: أي حالة تقرأ ثم فسر بفعلي الشرط، وقد توجها إلى ظاهر بعدهما على جهة المفعولية، فأعمل الثاني على اختيار البصريين لقربه، وأضمر المفعول في الأول جوازاً، والأفصح حذفه، كقوله تعالى:(آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا)[الكهف/96] انتهى. وقال السمين: قوله: "تصلها أو بدأت براءة" يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها أنه من باب التنازع، وهو من إعمال الثاني، ولكنه أثبت الضمير في المهمل ضرورة كقوله:
إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب .. البيت
الثاني: أن يكون براءة بدلاً من الضمير المنصوب في تصلها: كقوله:
على جوده لضن بالماء حاتم
الثالث: أن تكون براءة منصوبة على إسقاط الخافض، أي: ببراءة، يقال: بدأت بكذا، أي: ابتدأت به، وأما بدأت الشيء من غير ياء، أي: فعلته ابتداء، نحو بدأ الله الخلق. ولتنزيلها: متعلق بالنفي الذي في لست، وبالسيف: متعلق بمحذوف، لأنه حال من ضمير براءة، أي: ملتبسة بالسيف، أي: بالقتال، وصرف "براءة" للضرورة، وجملة لست مبسملاً جواب الشرط، قال الفاسي:
النفي هنا خبر بمعنى النهي، ولو جاء بصيغة النهي لكان لا بد من الفاء، لكن لما جاء بصيغة الماضي لفظاً لا معنى لم يأت بها، وكذا في شرح الجعبري، قال: جملة لست جواب الشرط نفي بمعنى النهي، وإذا كان الجواب ماضياً لفظاً بلا قد امتنعت الفاء فلا ضرورة، وقال السمين: هذا فاسد، فإن الفاء لازمة في النهي، فكيف بالخبر الذي في معناه.
والحاصل أن براءة لا بسملة في أولها، سواء ابتدئ بها أم وصلت بما قبلها، لأنها لم ترسم في المصحف للفصل بين الأنفال وبراءة، بل ترك سطر مكانها.
واختلف أهل العلم بسبب ذلك على أقوال كثيرة يرجع معناها إلى ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها نزلت بالسيف، والأمر بالقتال، ونبذ العهد، وكشف أستار المنافقين، فلا يناسب أن يؤتى بالبسملة في أولها، لأنها آية رحمة.
الثاني: أن قصتها شبيهة بقصة السورة التي قبلها، وقبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولم يأمرهم بالبسملة فتركوها، كأنهم توهموا أنها سورة واحدة.
الثالث: أن أولها قد نسخ، فلذلك تركت البسملة منها لذهاب أولها.
وبعد هذا البيت:
ولا بد منها في ابتدائك سورة
…
سواها وفي الأجزاء خير من تلا
ومهما تصلها مع أواخر سورة
…
فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
وقوله: ولا بد منها إلى آخره، أي: ولا بد من البسملة لجميع القراء في ابتداء كل سورة سوى براءة، وخير الشيوخ التالون أصحابهم في البسملة وتركها في ابتداء الأجزاء، أي: في أثناء سور القرآن.
وقوله: ومهما تصلها، أي: مع أواخر سورة إلى آخره، أي: ومهما تصل البسملة بآخر سورة، فلا يجوز أن تقف على البسملة وحدها، نص على امتناعه جماعة، وذلك لأن البسملة إنما جيء بها للتبرك في الابتداء عند من لا يعتقدها آية، أو لأنها آية من أول كل سورة، فلا معنى لوصلها بآخر السورة فقط، بل إما أن تصلها بأول السورة الأخرى، أو تقف على آخر السورة، ثم تبسمل مهلاً للبسملة بأول السورة أو واقفاً على البسملة، ثم تبتدئ بأول السورة الأخرى، قال الفاسي: