الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والعشرون بعد الستمائة:
(624)
إن الثمانين وبلغتها
…
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
على أن جملة: "وبلغتها" معترضة بين اسم إن وخبرها، وبلغتها بالبناء للمفعول، والخطاب دعاء لمخاطبه أن يبلغه الله من العمر ثمانين سنة. واعترض بأنه دعاء على الممدوح بالصيرورة إلى ضعف سمعه واحتياجه إلى ترجمان، ويدفع بأنه دعاء له بطول العمر، وأما ضعف السمع والبصر والقوى، فمن لوازمه، غير مقصود ولا ملاحظ، وقد أورده الخطيب القزويني في بحث "الاعتراض من باب الإطناب"، وقال السعد: الواو فيه اعراضية، ليست عاطفة، ولا حالية، كما ذكره بعض النحاة، وبه يشعر كلام صاحب "الكشاف". والترجمان: المفسر لغة بلغة أخرى، وهذا ليس المراد هنا، وإنما المراد من يرفع الصوت لقصد الإسماع، فإن الثمانين أحدثت في سمعه ثقلاً؛ فيحتاج إلى رفع صوت المتكلم؛ ليسمع الكلام، وهو بفتح التاء مع فتح الجيم وضمها، وبضمهما، والتاء أصلية.
والبيت من قصيدة لعوف بن المحلم، قال ياقوت في "معجم البلدان": روي أنه قدم أبو محلم، عوف بن محلم الخزاعي، على عبد الله بن طاهر بن الحسين فحادثه؛ فقال: كم سنك؟ فلم يسمع، فلما أراد أن يقوم، قال عبد الله للحاجب: خذ بيده، فلما توارى عوف، قال له الحاجب: إن الأمير سألك عن سنك؛ فلم تجبه. قال: لم أسمع، فردني إليه، فوقف بين يديه، وقال:
يا ابن الذي دان له المشرقان
…
وألبس العدل به المغربان
إن الثمانين وبلغتها
…
قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وبدلتني بالشطاط انحنا
…
وكنت كالصعدة تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن
…
مقاربات وثنت من عنان
وما بقي في لمستمتع
…
إلا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله وأثني به
…
على الأمير المصعبي الهجان
فقرباني بأبي أنتما
…
من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة
…
أوطانها حران والرقتان
سقى قصور الشادياخ الحيا
…
قبل وداعي وقصور الميان
فكم وكم من دعوة لي بها
…
ما إن تخطاها صروف الزمان
فأجازه بالانصراف إلى وطنه. وقال له: جائزتك ورزقك يأتيك في كل سنة. انتهى.
والمشرقان: المشرق والمغرب على التغليب، كالمغربين لهما أيضاً، وألبس: بالبناء للمفعول، والأول على تقدير مضاف، أي: أهل المشرقين. ودان: أطاع، والشطاط: بالفتح والكسر، الطول، وحسن القامة واعتدالها. والانحناء هنا بالمد، لكن قصره هنا للضرورة، والصعدة، بالفتح: القناة المستوية، تنبت كذلك، والهجان، بالكسر: الجيد والخير، يكون مفرداً كما هنا، ويكون جمعاً. واصفرار البنان، كناية عن الموت، لأن من يموت يصفر بنانه، والمنعى، بفتح الميم، إشاعة خبر الموت، وحران: بلد بجزيرة ابن عمر، والرقتان، بفتح الراء، هما الرقة والرافقة، على تغليب الرقة: وهما بلدان على الفرات، والشادياخ، بإعجام
الطرفين، والوسط بالمثناة التحتية: مدينة مستحدثة ملاصقة لنيسابور، كأنها محلة من محالها بنيت في ولاية عبد الله بن طاهر، وقرية من قرى بلخ أيضاً، يقال لها: الشادياخ، والحيا، بفتح المهملة والقصر: الغيث والمطر، والميان، بكسر الميم، موضع كانت بنيسابور، فيها قصور آل طاهر بن الحسين، كذا قال ياقوت، ولأجله أورد الشعر، و"إن" بعد "ما" زائدة، وتخطاها: دخلها، وصروف الزمان: حوادثه.
وعوف بن محلم، بضم الميم وتشديد اللام المكسورة، هو أحد العلماء والأدباء والرواة الأذكياء، والندامى الظرفاء، والشعراء الفصحاء، اختصه طاهر بن الحسين ابن مصعب الخزاعي لمنادمته ومسامرته فكان لا يسافر إلا وهو معه، وسبب اتصاله به أنه نادى على الجسر بهذه الأبيات، وطاهر منحدر في حراقة بدجلة:
عجبت لحراقة بن الحسين كيف تعوم ولا تغرق
وبحران من تحتها واحد
…
وآخر من فوقها مطبق
وأعجب من ذاك عيدانها
…
وقد مسها كيف لا تورق
وأصله من حران، وبقي مع طاهر ثلاثين سنة لا يفارقه، وكلما استأذنه لم يأذن له، ولما مات طاهر قربه ابنه عبد الله، وأفضل عليه واستمر عنده إلى أن أذن له، كما تقدم، وأمر له بثلاثين ألف درهم، وسار إلى أهله، فقبل وصوله إليهم مات، وذلك في حدود عشرين ومائتين، وهو عصري أبو نواس، وأسن منه. والصحيح أنه لا يستشهد بهذه الطبقة لكن يورد للاستئناس به، وقول المصنف: قول الحماسي، أي قول أحد الشعراء الذين أورد أبو تمام شعرهم في كتابه الشهير بـ "الحماسة" وهذا الشعر غير مذكور في "الحماسة" البتة.