الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الشاهد السابع والأربعون بعد الستمائة:
(647)
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
هذا عجز وصدره:
فإما كرام موسرون لقيتهم
على أن "ذو" الموصولة معربة في لغة طيء، وإعرابها كإعراب الأسماء الستة بالحروف، فذو مجرورة هنا بالياء. قال المصنف في شرح أبيات ابن الناظم: ذو على وجهين بمعنى: صاحب، فيستعمل بالواو والألف والياء، وبمعنى الذي، والأعرف البناء، كقوله:
فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا
وحكى ابن درستويه في "الإرشاد" وابن جني في "المحتسب" أن بعض طيء يقول: جاءني ذو قام، ورأيت ذا قام، ومررت بذي قام، وزعم ابن الضايع أنها إنما تعرب في حالة الجر كهذا البيت، فإنه روي بالوجهين، ولم يطلع المرزوقي على هذه اللغة الثانية، فزعم أن "ذي" في البيت بمعنى: صاحب، كقولك: هذا ذو زيد، أي: صاحب هذا الاسم، وليس بشيء، لأن المشهور في البيت "ذو" بالواو، وذلك لا يجوز في التي بمعنى صاحب، واستلزامه جر "عند" بالإضافة، ولا تدخل التي بمعنى صاحب إلا على اسم مخصوص، أو تسلم في قولهم: اذهب
بذي تسلم، ولم يسمع خفض عند بغير من، وهذا البيت لمنظور بن سحيم الفقعسي، وقبله:
ولست بهاج في القرى أهل منزل
…
على زادهم أبكي وأبكي البواكيا
فإما كرام موسرون لقيتهم
…
فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا
وإما كرام معسرون عذرتهم
…
وإما لئام فادخرت حيائيا
وعرضي أبقى ما ادخرت ذخيرة
…
وبطني أطويه كطي ردائيا
ومعنى هذا الشعر التمدح بالقناعة، والكف عن أعراض الناس، يقول: الناس ثلاثة أنواع: موسرون كرام، فأكتفي منهم بمقدار كفايتي، ومعسرون كرام، فأعذرهم، وموسرون لئام، فأكف عن ذمهم حياء. وقوله: في القرى، بكسر القاف: طعام الضيف، وفي للسببية، وقوله: على زادهم .. إلى آخره؛ صورته الإثبات، ومعناه النفي، لأنه تفسير لخبر ليس، وإن قدر خبراً ثانياً، فلا إشكال، وذكر البكاء تمثيل، والمعنى أنه لا يأسف لما يرى من الحرمان أسف من يبكي ويبكي غيره.
وقوله: فإما، هو بكسر الهمزة، كذا ثبت في نسخ "الحماسة" وغيرها، وعليه شرح التبريزي، إلا أنه قدرها كلمتين: إن الشرطية، وما الزائدة، وقدر الاسم معمولاً لفعل محذوف بعدها مبني للمفعول، أي: فإما يقصد كرام، كما قدروا في قوله:
لا تجزعي إن منفس أهلكته
والصواب: أنها إما التي في قولك: جاءني إما زيد وإما عمرو، وإن الاسم بعدها خبر لمبتدأ مقدر قبلها، أي: فالناس إما كرام، بدليل قوله. وإما لئام،
بعده فعل يفسر المحذوف الذي زعمه، والجملتان من قوله:"لقيتهم، وعذرتهم": صفتان، وقوله: فحسبي .. البيت، أي: فكفاني من إعطائهم ما يكفيني لحاجتي، أي: لا أبتغي منهم زيادة على الحاجة، ولولا هذا التأويل، لفسد لاتحاد المبتدأ والخبر. إلى هنا كلام المصنف، ونقله السيوطي في شرح شواهد هذا الكتاب وقال: ووقع في "شرح الشواهد" للعيني أنه جعل إما للتفصيل، وكرام: مرفوع بمضمر، وفحسبي: جواب الشرط، وهو تخليط منه. انتهى. والذي رأيته في باب الأدب من "الحماسة":
فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا
وهي الثابتة في رواية التبريزي، قال: وذو بمعنى الذي، وعندهم: صلته، وكذا قال أمين الدين الطبرسي في "شرح الحماسة". وقوله: وعرضي أبقى، إلى آخره. قال التبريزي:"ما" في موضع الجر، كأنه قال: وعرضي أبقى شيء أدخره ذخيرة، أي: أكتسبه ذخيرة، فعلى هذا "ذخيرة" حال مؤكدة لما قبلها، كأنه قال: أبقي على عرضي، لأنه أعز الذخائر. انتهى. وهو مأخوذ من كلام ابن جني، قال في "إعراب أبيات الحماسة": ذخيرة: حال مؤكدة، وذلك أن "ادخرت" قد أغنى عن قوله ذخيرة، ولا يحسن نصبه على التمييز لانقلاب المعنى، ألا تراه يصير كأنه قال: وعرضي أبقى الأشياء ذخيرة، كقولك: هو أحسن الناس وجهاً، وليس هذا هو الغرض، ألا تراه لا يريد أن عرضه باقي الذخيرة، أي: له ذخيرة يستبقيها، وإنما أراد: أن عرضه ذخيرة باقية، فالناصب له ادخرت، وإن شئت عمل فيه "أبقى" كقولك: زيد أحسن منك قائماً. انتهى.