الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والثمانون بعد الخمسمائة:
(585)
فما بال من أسعى لأجبر عظمه
…
حفاظاً وينوي من سفاهته كسري
على أن الواو زائدة، لأن جملة "ينوي" حال من "من"، والجملة المضارعة المثبتة أو المنفية بلا إذا وقعت حالاً، استغنت بالضمير عن الواو، كقوله تعالى:(وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة/ 15]، وكقوله تعالى:(ومَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ)[المائدة/ 84] وإنما قال: زيادة الواو ظاهرة، ولم يجزم بزيادتها، لأنه يمكن جعلها واو الحال، قال ابن مالك في "شرح العمدة": فإن كانت الجملة مصدرة بمضارع مثبت أو منفي بلا استغنت عن الضمير في غير ندور، ونبهت بقولي:"في غير ندور" على نحو قول بعض العرب: قمت وأصك عينه، ومن حذاق النحويين من يضمر مبتدأ بعد الواو، ويجعل المضارع خبره، فيكون التقدير: قمت وأنا أصك عينه. انتهى. وكذلك هنا يكون التقدير: وهو ينوي.
قال شيخنا الشهاب الخفاجي في أماليه "طراز المجالس": البال بمعنى القلب، وله معان أخرى كالحال والشأن، يقولون: ما باله لا يفعل كذا، وقد التزم بعده ذكر حال يفسره غالباً، وقد يأتي بدونها. كقوله تعالى في سورة طه:(فَمَا بَالُ القُرُونِ الأُولَى)[الآية/ 51]، وقد تتبعت استعمال هذه الحال في كلام العرب، ولم أر من سبقني له، فرأيتهم يستعملونها على نجوه شتى، منها أنها ماضوية مقرونة بقد كقول العامري:
ما بال قلبك يا مجنون قد هلعا
…
من حب من لا ترى في نيله طمعا
وماضوية بدون "قد" كقوله:
ما بال قلبي هده الشوق والهوى
…
وهذا قميصي من جوى الحزن باليا
ومضارعية مثبتة كقول أبي العتاهية:
ما بال دينك ترضى أن تدنسه
…
وثوب دنياك نغسول من الدنس
ومنفية، كما أنشده ابن الأعرابي:
وقائلة ما باله لا يزورنا
وتكون مفردة كقول العامري:
فما بال النجوم معلقات
…
بقلب الصب ليس لها براح
وتكون اسمية غير مقترنة بواو كقوله:
ما بال عينيك منها الماء ينسكب
وبالواو كقول الزمخشري في سورة آل عمران: (ما باله وهو آمن). وقال التفتازاني في شرح قوله: وهو آمن: حال عامله ما في بال من معنى الفعل، ولم نجد في الاستعمال هذه الحال بالواو قال:
ما بال عينيك منها الماء ينسكب
انتهى. أقول: قد اقترنت بالواو في غير الاسمية كثيراً كبيت "الكتاب":
ما بال جهلك بعد الحلم والدين
…
وقد علاك مشيب حين لا حين
ومثله لا يثبت بالرأي من غير داع له، والاسمية أولى بذلك من غيرها عند الزمخشري، والجملة المضارعية لا تقترن بالواو في "الفصيح" مع أنها سمعت كذلك أيضاً [كقول كنانة بن عبد ياليل]:
بما بال من أسعى لأجبر عظمه .. البيت
فهو إما مؤول، أو مختص بهذا المحل، فاحفظه. هذا آخر كلام شيخنا.
والبيت أول أبيات أوردها أبو العباس ثعلب في أول الجزء الرابع من "أماليه" قال: زعم عثمان بن حفص الثقفي أن خلفاً الأحمر أخبره أن هذا الشعر لابن الذئبة الثقفي عن مروان بن حفصة:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه
…
حفاظاً وينوي من سفاهته كسري
أعود على ذي الذنب والجهل منهم
…
بحلمي ولو عاقبت غرقهم بحري
أناة وحلماً وانتظاراً بهم غداً
…
فما أنا بالفاني ولا الضرع الغمر
أظن صروف الدهر والجهل منهم
…
سيحملهم مني على مركب وعر
ألم تعلموا أني تخاف عرامتي
…
وأن قناتي لا تلين على القسر
وإني وإياهم كمن نبه القطا
…
ولو لم تنبه باتت الطير لا تسري
ورواها القالي كذا في "أماليه" عن ثعلب بهذا الإسناد، ورواها ابن قتيبة في
كتاب "الشعراء" للأجرد، بالجيم، قال: الأجرد هو من ثقيف، ووفد على عبد الملك في قوم من الشعراء فقال له: ما من شاعر إلا وقد سبق إلينا من شعره قبل رؤيته، فما قلت؟ قال: أنا القائل:
من كان ذا عضد يدرك ظلامته
…
إن الدليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قل ناصره
…
ويمنع الضيم إن أثرى له عدد
وهو القائل:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه .. الأبيات الخمسة
ونسبه الآمدي في "المؤتلف والمختلف" لوعلة الجرمي، قال: ومنهم وعلة بن الحارث الجرمي، لم يرفع نسبه في كتاب جرم، وجدت له في كتاب جرم، وهو شاعر جاهلي:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه
…
حفاظاً ويبغي من سفاهته كسري
وهي الأبيات المشهورة. انتهى.
أقول: قال المرزباني: هذا الشعر لوعلة بن الحارث الجرمي، جاهلي وله في يوم الكلاب أشعار منها هذا، وذكر نحوه في "الوحشيات" وسماه هشام في "الجمهرة": وعلة بن عبد الله بن الحارث بن بلع بن هبيرة بن سيلة بن الهون، قال: وكان فارساً، وهو قاتل الحارث بن عبد المدان. انتهى.
وقال أبو تمام في أول "أشعار مختار القبائل": هي لكنانة بن عبد يا ليل الثقفي.
قال صاحب "الحماسة البصرية": هي للحارث بن وعلة الشيباني جاهلي، وقيل:
هي لابن الذئبة، وقيل: هي لكنانة بن عبد ياليل، وقيل: وعلة بن الحارث الثقفي، وكان عبد الملك بن مروان يتمثل بها عند جلوسه للمظالم، انتهى.
وقال أبو عبيد البكري فيما كتبه على "أمالي القالي" ابن الذئبة: هو ربيعة بن عبد ياليل بن سالم بن مالك بن خطيط بن جشم بن قيس وهو ثقفي، وأمه تسمى الذئبة، غلبت عليه، وهو شاعر فارس جاهلي، وتمام الشعر:
ضفادع في ظلماء ليل تجاوبت
…
فدل عليها صوتها حية البحر
انتهى. وقد أورد هذه الأبيات المبرد في "الكامل" غير منسوبة قال: كتب صاحب اليمن إلى عبد الملك في وقت محاربته ابن الأشعث: إني قد وجهت إلى أمير المؤمنين بجارية اشتريتها بمال عظيم، ولم ير مثلها قط، فلما دخل بها عليه، رأى وجهاً جميلاً، وخلقاً نبيلاً، فألقى إليها قضيباً كان في يده، فنكست لتأخذه، فرأى منها جسماً بهره، فلما هم بها، أعلمه الآذن أن رسول الحجاج بالباب، فأذن له، ونحى الجارية، فأعطاه كتاباً من عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فيه سطور أربعة:
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم
…
حرباً تزيل بين الجيرة الخلط
وهل سموت بجرار له لجب
…
جم الصواهل بين الجم والفرط
وهل تركت نساء الحي ضاحية
…
في ساحة الدار يستوقدن بالغبط
وتحته:
قتل الملوك وسار تحت لوائه
…
شجر العرى وعراعر الأقوام
فكت إليه عبد الملك كتاباً، وجعل في طيه جواباً لابن الأشعث:
ما بال من أسعى لأجبر عظمه
…
حفاظاً وينوي من سفاهته كسري
الأبيات، ثم بات يقلب كف الجارية، ويقول: ما أفدت فائدة أحب إلي منك، فتقول: فما بالك؟ وما يمنعك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ما قاله الأخطل، لأني إن خرجت منه كنت ألأم العرب:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم
…
دون النساء ولو باتت بأطهار
فما إليك من سبيل، أو يحكم الله بيننا وبين عدو الله عبد الرحمن بن الأشعث، فلم يقربها حتى قتل عبد الرحمن.
وقوله: بين الجم والفرط: موضعان، وقوله: يستوقدن بالغبط، يقال فيه قولان متقاربان، أحدهما: أنهن قد يئسن من الرحيل، فجعلن مراكبهن حطباً، هذا قول الأصمعي، وقال غيره: بل قد منعهن الخوف من الاحتطاب، والغبيط: من مراكب النساء. وقوله: شجر العرى: نبت بعينه إن ضم العين، والعراء ممدود: وجه الأرض.
وقوله: "دون النساء ولو باتت بأطهار" معناه: أنه يجتنبها في طهرها، وهو الوقت الذي يستقيم له غشيانها فيه. انتهى باختصار.
قال أبو الحسن الأخفش فيما كتبه عليه: العرى: بضم العين: ضرب من الشجر، وقال بعضهم: هو الطرفاء. انتهى. ورأيت في هامش نسختي كتابة بخط الإمام مغلطاي الحافظ كتب على قوله:
سائل مجاور جرم هل جنيت لهم
…
الأبيات.
هذا لوعلة الجرمي، وسببه فيما ذكر أبو الحسن الأثرم: أن قوماً قتلوا أخاه
لأمه، فاستعان عليهم بخلفاء بني نمير، فقتل بهم قومه، وكان أخوه نميرياً. وكتب عند قوله:
قتل الملوك وسار تحت لوائه
هذا البيت أنشده أبو زيد لمهلهل في "كتاب الشجر" وزعم أنه يقال: العروة من الشجر: بقية العضاه والحمض في الجدب، وجماعها العرى، ولا يقال لشيء من الشجر عرى إلا لهما، غير أنه قد يشتق لكل ما بقي من الشجر في الصيف، فيقال له: عروة. انتهى.
والقائل فيه مهلهل "قتل الملوك" هو رجل اسمه شرحبيل، من بني تغلب، وزعم البكري في "اللآليء": أنه يروى لشرحبيل بن مالك، أحد بني عصم، قال: ويروى البيت لعمرو بن الأيهم التغلبي. وكتب عند عراعر الأقوام في كتاب "ليس": عراعر القوم: سادتهم، بفتح العين، غير مصروف، وكل فعالل جمعه فعالل، وكتب عند قوله: ما بال من أسعى
…
الأبيات: أنشد القالي هذا الشعر لابن الذئبة الثقفي، وتبعه أبو عبيد البكري وكتب عند قوله: قوم إذا حاربوا .. البيت؛ أصل هذا من قول الحطيئة:
إذا هم بالأعداء لم يثن همه
…
كعاب عليها لؤلؤ وشنوف
ومثله قول كثير:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه
…
حصان عليها عقد در يزينها
وتقدم نقل هذا عند شرح بيت الأخطل.