الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخبر "كأن" في بيت بعده وهو:
على أنيابها أو طعم غض
…
من التفاح هصره اجتناء
فقوله: على أنيابها: هو خبر "كأن"، والأنياب أربعة أسنان: ثنتان من يمين الثنايا، واحدة من فوق، وواحدة من أسفل، وثنتان من شمالها كذلك، شبه طعم ريقها بطعم خمر قد مزجت بعسل أو ماء، أو كطعم تفاح غض قد اجتني، فطعم، بالنصب، معطوف على "سبيئة"، وهصره، بالتشديد: أماله، والاجتناء: أخذ الثمرة من الشجرة.
والبيتان من قصيدة لحسان بن ثابت مدح بها النبي، صلى الله عليه وسلم، وهجا أبا سفيان، وكان هجا النبي، صلى الله عليه وسلم، قبل إسلامه، قالها قبل فتح مكة، وقد أوردنا القصيدة، وشرحناها في الشاهد الثاني والثلاثين بعد السبعمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والتسعون بعد الستمائة:
(693)
فلا تلمه أن ينام البائسا
صدره:
قد أصبحت بقرقري كوانسا
على أن الكسائي قال: يجوز أن يوصف الضمير للترحم عليه والتوجع له، فالبائس صفة لضمير المفعول وهو الهاء في "لا تلمه" وعند سيبويه يجوز أن يكون بدلاً من الهاء، وأن يكون منصوباً بعامل محذوف على الترحم، قال في:"باب ما يجري من الشتم مجرى التعظيم وما أشبهه" من كتابه: ومن هذا الباب الترحم،
والترحم يكون بالمسكين والبائس ونحوه، ولا يكون بكل صفة، ولا كل اسم، ولكن ترحم بما ترحم به العرب، وزعم الخليل، رحمه الله تعالى، أنه يقول: مررت به المسكين، على البدل، وفيه معنى الترحم، وبدله كبدل: مررت به أخيك، وقال:
فأصبحت بقرقري كوانسا
…
البيت.
وكان الخليل يقول: إن شئت رفعته من وجهين. وقلت: مررت به البائس، كأنه لما قال: مررت به، قال: المسكين هو، كما قال مبتدئاً: المسكين هو والبائس أنت، وإن شاء قال: مررت به المسكين، كما قال:
بنا تميماً يكشف الضباب
وفيه معنى الترحم، كما كان في قوله:"رحمة الله عليه" معنى: رحمه الله، فيما يترحم به يجوز فيه هذان الوجهان، وهو قول الخليل. انتهى.
وقال السيرافي: الترحم إنما هو رقة وتحنن يلحق الذاكر على المذكور في حال ذكره إياه رقة عليه وتحنناً، وإعرابه ما ذكره، وقوله: كما تقول مبتدئاً: المسكين أنت
…
إلى آخره. هذا أحد وجهي الرفع، والوجه الآخر أن تجعل المسكين ابتداء، وخبره مررت به، وقوله: وإن شئت مررت به المسكين؛ فتنصب .. إلى آخره. يريد: أن نصبه المسكين بإضمار شيء من ألفاظ الرحمة له، كأنه قال: ارحم المسكين. وما أشبهه. كما أن قوله "بنا تميماً" ينصب "تميماً" بإضمار شيء يوجب الاختصاص والفخر. انتهى.
قال ابن خلف: الشاهد فيه: نصب البائس بإضمار فعل على معنى الترحم، وهو فعل لا يظهر، قال أبو الحسن: وذلك أن تنصبه على البدل من الهاء في "لا تلمه"
وفي الجميع معنى الترحم؛ لأن البائس والمسكين ونحوهما كثر استعمالها في الترحم كما قال الآخر:
لنا يوم وللكروان يوم
…
تطير البائسات ولا نطير
فنصب البائسات على الترحم، بإضمار أعني، ومعنى الترحم في أعني أوضح منه في البدل، لأنك في البدل تجعله على فعل ليس فيه تنبيه عليه، وفي "أعني" تحمله على فعل لم تقصد به غير تعيينه، وهو أبلغ، قال: والمكنس: الموضع الذي يكون فيه الظبي وقد كنس، فاستعاره للإبل: وصف إبلاً بركت بعد الشبع، فنام راعيها، لأنه غير محتاج إلى رعيها. وقرقري، بقافين: موضع مخصب باليمامة، والبائس: الفقير المحتاج. انتهى. وقال كذا الأعلم.
وهذا أحد الأبيات الخمسين التي استشهد بها سيبويه ولم يعرف قائلها والله أعلم. ولا تلمه: مضارع "لامه" على كذا من باب قال: عذله عليه، وأن ينام في تأويل مصدر مجرور بعلى المقدرة، وتتعلق بقوله: لا تلمه، وفاعل ينام: ضمير مستتر عائد على ما عاد عليه الهاء، وهو الراعي. وهذا البيت من تمام الرجز أو بيتان من مشطورة.