الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والسبعون بعد الستمائة:
(672)
وما راعني إلا يسير بشرطة
…
وعهدي به قيناً يسير بكير
على أن جملة "يسير" فاعل راعني، وخرج على أن الأصل: إلا أن يسير، فأن والفعل في تأويل مصدر مرفوع، وهو فاعل راعني، ولما حذفت "أن" ارتفع الفعل، وبعد ذهاب أثرها، وهو النصب، لوحظت مع الفعل، فصار مصدراً فاعلاً لراعني بملاحظتها، وهذا خاص بضرورة الشعر، وتخريج الشارح جار على القواعد، لا شيء يشينه، وهو أن يكون في "راعني" ضمير المحدث عنه، ويكون جملة "يسير" حالاً منه، والأبيات قبله تدل عليه كما تأتى. وأول من خرجه على تقدير "أن" أبو علي، قال في "الإيضاح الشعري" في باب الصلات والأسماء الموصولات: قال الفرزدق:
فحق امرئ بين الوليد قناته
…
وكندة بين المرتقى يتصعد
تقديره: أن يتصعد، فحذف "أن" كما قال جرير:
نفاك الأغر ابن عبد العزيز
…
وحقك تنفى عن المسجد
أي: وحقك أن تنفى، والمعنى، يتصعد فوق المرتقى، فتقدم "فوق" كتقدم الجار في نحو قوله:
كان جزائي بالعصا أن أجلدا
وبمنزلة قوله تعالى: (يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ)[الفرقان/ 22] والظرف بمنزلة الجار والمجرور، لأنا لجار مراد معه، والدليل على أن "أن" في هذا النحو بمنزلة المثبت في اللفظ ماجاء من قولهم:"لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" حذفوا أن من هذا الكلام، فقالوا: تسمع بالمعيدي، فلولا أن "أن" في حكم المثبت، لم يجز هذا الكلام، ألا ترى أنك لا تخبر عن الجمل، ويدل على ذلك قولهم: تسمع بالمعيدي لا أن تراه، فلولا أن "أن" محذوفة مثلها مثبتة، ما جاز أن يعطف على تسمع الذي هو فعل بالاسم، ويدل على أنها محذوفة في هذا النحو بمنزلتها مثبتة أن أبا عثمان قد حكى عن ابن قطرب عن أبيه أنه سمع من العرب من يقول:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
بالنصب، فلولا أنها في حكم الإثبات لم ينصب الفعل، وقد حكى أحمد بن يحيى نحو ذلك، فقال: خذ اللص قبل يأخذك، وحكى أبو الحسن نحو ذلك، وقد جاء حذف أن من الكلام وما بعده مسنداً إلى الفعل، أنشد أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
وما راعني إلا يسير بشرطة
…
وعهدي به قيناً يفش بكير
تقديره: "إلا أن يسير بشرطة" فلماحذفت "أن" جاز رفع الفعل وإن كانت مرادة. انتهى كلامه.
وقال أيضاً في باب "عسى" من ذلك الكتاب: أنشد أحمدبن يحيى:
وما راعنا ألا يسير بشرطة
…
وعهدي به قيناً يفش بكير
فكما أن هذا على حذف "أن " تقديره: ما راعنا إلا سيره بشرطة، كذلك يكون فاعل عسى في نحو: عسى يفعل، إنم هو: عسى أن يفعل، كقوله تعالى:
(وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا)[البقرة/ 216] فتحذف أن، وهي في حكم الثبات. انتهى المراد منه.
وأورد ابن عصفور هذا البيت في كتاب "الضرائر" قال: ومنه وضع الفعل موضع المصدر على تقدير حذف "أن" وإرادة معناها من غير بقاء عملها، نحو قوله:
وما راعنا إلا يسير بشرطة
…
وعهدي به قيناً يفش بكير
يريد: وما راعنا إلا أن يسير بشرطة، فحذف أن، وأبطل عملها، وهو يريد معناها، والدليل على أن الفعل المضارع يحكم له بحكم ما هو منصوب بأن، وإن كان مرفوعاً؛ قوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى
…
وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
في رواية من رفع "أحضر" ألا ترى أنه عطف "أن أشهد" على "أحضر" فدل ذلك على أن المراد: أن أحضر. انتهى المراد منه.
والبيت من أبيات أوردها ابن الأعرابي في "نوادره"قال: أنشدني الدبيري لرجل من بني أسد يقال له: معاوية بن خليل النصري في إبراهيم ذي الشقر، وكان ينسب إلى شقر القين، وكان إبراهيم أطرده عن بلاده، فأقام بالرمل، رمل بني حسل، فقال يهجو إبراهيم وكان يلقب فروخاً، وربما قال فروجاً، وهو إبراهيم بن حوران:
يعرض فروج بن حوران بنته
…
كما عرضت للمشترين جزور
فأما قريش فهي تعرض رغبة
…
وأما الموالي حولها فتدور
وما راعنا إلا يسير بشرطة
…
وعهدي به قيناً يفش بكير
لحا الله فروجاً وخرب داره
…
وأخزى بني حوران خزي حمير
أراد: أخوته، قال: وهذا مثل قوله:
أريد هناك من هنين فتلتوي
…
علينا ونأبى من هنين هنات
ومثله:
فأما الحسان فيأبينني
…
وأما القباح فأبى أنا
ومثله قيل لامرأة: لم لم تتزوجي؟ قالت: رغبت عن أهل الشاء، ورغب عني أهل الإبل. انتهى ما أورده ابن الأعرابي.
وجزم ابن سيده في "المحكم" بأنه فروج، بالجيم، وقال: هو لقب إبراهيم بن حوران، وأنشد الأبيات، وبنت فروج اسمها الحمامة، وكان أبو حاضر، وهو أحد المشهورين بالزنى مشهراً بها، فقال فيه الفرزدق، وقيل زياد الأعجم:
أبا حاضر ما بال برديك أصبحا
…
على ابنة فروج رداء ومئزرا
أبا حاضر من يزن يعرف زناؤه
…
ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرا
وكان أبو حاضر الأسدي: أسد بن عمرو بن تميم من أجمل الناس وأكملهم مظهراً.
والجزور، بفتح الجيم: ما ينحر من الإبل خاصة، يقع على الذكر والأنثى، وقوله: فهي تعرض رغبة، أي: عنها، وتعرض: مضارع أعرض عنهِ، والموالي قال صابح "المصباح": والمولى: العتيق، وهم موالي بني هاشم، أي: عتقاؤهم.
وقوله: وما راعنا
…
إلى آخره، يحتمل أنيكون من راعني الشيء بمعنى: أفزعني، ومن راعني بجماله، أي: أعجبني، ويكون هذا على التهكم، وقال أيضاً: الشرطة كغرفة، وصاحب الشرطة: الحاكم، والشرطة: الجند، والجمع شرط، كرطب، والشرط على لفظ الجمع: أعوان السلطان، لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء، الواحد شرطة مثل غرف وغرفة، وإذا نسبت إلى هذا
قلت: شرطي بالسكون رداً إلى واحده، والشرط، بفتحتين: العلامة والجمع أشراط، كسبب وأسباب، ومنه أشراط الساعة. وقوله: وعهدي به .. إلى آخره، من عهدته بمال: عرفته به، والأمر كما عهدت، أي: كما عرفت، وهو قريب العهد بكذا، أي: غريب العلم والحال، وعهدي به قريب، أي: لقائي، كذا في "المصباح" وأراد بالقين هنا: الحداد بقرينة ما بعده، وهو في الأصل كل صانع، والفش بالفاء: إطلاق الريح المحبوسة ونحوها، والكير، بكسر الكاف: المنفخ، وأماكانونه الذي يوقد فيه الفحم ونحوه، فهو الكور، بضم الكاف.
وقوله: لحا الله .. إلى آخره، أي: قبحه ولعنه، وأصله من لحوت العود، أي: أخذت لحاءه، بالكسر والمد، وهو القشر الذي عليه، استعير لذهاب طراوة ماء الوجه وبهائه.
وقوله: وأخزى بني حوران .. إلى آخره، هو متعدي قولهم: خزي الرجل خزياً، من باب علم، أي: ذل وهان، وأخزاه الله: أهانه وأذله، كذا في "المصباح" وإنما ضرب الحمير مثلاً للذل والهوان، لأنها لا يركبها الأشراف المتعظمين، وإنما هي مركب الأذلاء والسفلة من الناس غالباً، فجعل الشاعر بنت فروج من جنس الحمير، هكذا رواه ابن الأعرابي بالإقواء، وهو اختلاف الروي بالرفع الجر، فإن البيتين الأخيرين مجروران، وما قبلهما مرفوع، وهو من عيوب القوافي.