الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والسبعون بعد الخمسمائة:
(573)
إن الرزية لا رزية مثلها
…
فقدان مثل محمد ومحمد
على أن من خصائص الواو عطف ما حقه التثنية، وكان القياس تثنيتهما، رأيت في ديوان الفرزدق: وقال الفرزدق يرثي محمد بن يوسف، ومحمد بن الحجاج ابن يوسف وماتا في جمعة:
إن الرزية لا رزية بعدها
…
للناس فقد محمد ومحمد
ملكين قد خلت المنابر منهما
…
أخذ المنون عليهما بالمرصد
انتهى. ومنشؤهما ما حكاه المبرد في آخر الثلث الأول من "الكامل" قال: كان الحجاج بن يوسف رأى في منامه أن عينيه قلعتا: فطلق الهندين: هند بنت المهلب، وهند بنت أسماء بن خارجة، فلم يلبث أن جاءه نعي أخيه من اليمن في اليوم الذي مات فيه ابنه محمد، فقال: هذا والله تأويل رؤياي، ثم قال: إنا لله، وإنا إليه راجعون، محمد ومحمد في يوم واحد، ثم قال:
حسبي بقاء الله من كل ميت
…
وحسبي رجاء الله من كل هالك
إذا كان رب العرش عني راضياً
…
فإن شفاء النفس فيما هنالك
وقال: من يقول شعراً يسليني به، فقال الفرزدق:
إن الرزية لا رزية بعدها
…
فقدان مثل محمد ومحمد
ملكان قد خلت المنابر منهما
…
أخذ الحمام عليهما بالمرصد
فقال: لو زدتني، فقال الفرزدق:
إني لباك على ابني يوسف جزعاً
…
ومثل فقدهما للدين يبكيني
ما سد حي ولا ميت مسهدهما
…
إلا الخلائف من بعد النبيين
فقال له: ما صنعت شيئاً، إنما زدت في حزني فقال:
لئن جزع الحجاج ما من مصيبة
…
يكون لمحزون أجل وأوجعا
من المصطفى والمصطفى من خيارهم
…
جناحيه لما فارقاه فودعا
أخ كان أغنى أيمن الأرض كلها
…
وأغنى ابنه أهل العراقين أجمعا
جناحا عقاب فارقاه كلاهما
…
ولو نزعا ممن غيره لتضعضعا
قال: الآن. أما قوله: "إلا الخلائف من بعد النبيين" فخفض هذه النون وهي نون الجمع، وإنما فعل ذلك، لأنه جعل الإعراب فيها لا في ما قبلها، وجعل هذا الجمع كسائر الجمع نحو: أفلس ومساجد وكلاب، فإن إعراب هذا كإعراب الواحد، وإنما جاز ذلك، لأن الجمع يكون على أبنية شيء، وإنما يلحق منه بمنهاج التثنية ما كان على حد التثنية، لا يكسر الواحد عن بنائه، وإلا فلا، فإن الجميع كالواحد لاختلاف معانيه كما تختلف معاني الواحد، والتثنية ليست كذلك، لأنها ضرب واحد لا يكون اثنان أكثر من اثنين عدداً كما يكون الجمع أكثر من الجمع. انتهى المراد منه.
وقوله:
إن الرزية لا رزية مثلها
الرزية: المصيبة، وأصلها الهمز، وهذا المصراع قد تداوله الشعراء في مقاصدهم، وأول من قاله زهير بن أبي سلمى، وبعده:
ما تبتغي غطفان يوم أضلت
وأخذه كالفرزدق النعمان بن زرعة التغلبي الجاهلي، وكان له أخوان
خرجا من عنده من الأنبار يريدان قومهما، فأصابتهما سرية كلت، فقال النعمان في ذلك:
إن الرزية لا رزية مثلها
…
إخواي إذ فقدا بيوم واحد
وبعده أبيات أربع، ومنه أخذ الفرزدق، وقد أخذه أبو نواس أيضاً، حكى الجاحظ في كتاب "المحاسن والمساوئ" وقال: حدثنا الحمال، قال: كنت يوماً على باب عدي الدراع، فمر بي أبو نواس شبيهاً بالمجنون، وإذا خلفه غلام كأنه مهر عربي، فقلت له: مالك؟ فقال:
إن الرزية لا رزية مثلها
…
عوز المكان وقد تهيا المركب
فعدلت به وبالغلام، فأقاما سائر يومهما عندي. انتهى.
وفقدان، بكسر الفاء، مصدر فقدته فقداً وفقداناً، من باب ضرب: إذا عدمته، فله مصدران، والمنون: الدهر، والمنية أيضاً، قال ابن الأنباري في كتاب "الأضداد": المنون تؤنثها العرب وتظل على معنى المنية، وتذكرها على معنى الدهر، وكان الأصمعي يروي بيت أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبه تتوجه
…
البيت
ويقول: أراد بالمنون: الدهر، ورواه غير الأصمعي:
أمن المنون وريبها تتوجع
على معنى المنية، وقال الفرزدق: وأنشد البيتين قال: وأراد بالمحمدين: أخا الحجاج وابنه. انتهى.